رفيدة الأسلمية
إن أحد الأمور المهمة التي أضافها الإسلام للحياة العربية هي التوزيع الوظيفي، فالعرب أمة فطرية، مندفعة، لم تتمكن حتى من استثمار بعض الانتصارات التي حققتها في الجاهلية، وكانت بعد كل خطوة للأمام تندفع بفعل الفوضى خطوات كثيرة للوراء، إلا أن المسلمين منذ الاختبار الحقيقي الأول لهم في غزوة بدر غيروا هذا الواقع بصورة شبه جذرية، فكانت لهم رؤية، وأهداف محددة، وتدارسوا الاحتمالات قبل أن يتخذوا قرارهم بالخروج، وفي ضوء الإمكانيات المحدودة كان لزاما على المسلمين أن يضعوا أدوارا واضحة لكل شخص، ودون أن يعتمد ذلك على مكانته أو موقعه، فكل شخص لديه ما يمكن أن يقدمه، بحسب إمكانياته وقدراته، دون أن يتكلف ما يفوق طاقته، وبذلك كان للمرأة بحسب ما يمكن أن تؤديه من أدوار مشاركة في تأسيس الدولة الإسلامية، بجانب الرجل، ليس وراءه، وإنما في مرتبة مساوية له، وإذا كان الرجال بإمكانهم أن يتقدموا في ميدان القتال لطبيعة الالتحام العسكري القائم في ذلك الزمن، فإن النساء قدموا أدوارا مهمة في خلفية الغزوات الإسلامية التي مكنت أولا من تأمين الوجود الإسلامي في المدينة المنورة، وثانيا توفير الأرضية لتوسع الإسلام في الجزيرة العربية وخارجها.
كانت رفيدة الأسلمية امرأة قامت بدور تطوعي منذ غزوة بدر، تطور هذا الدور ليصبح وظيفيا في غزوات لاحقة، فالعائدون من غزوة بدر لم يكن لجميعهم أهل في المدينة، وبالتالي كانت مسألة رعايتهم تقوم على مبدأ الإيثار والإخاء القائم في المجتمع، وبذلك بدأت رفيدة في العمل على رعاية جرحى المسلمين، وليس معروفا إن كانت رفيدة تحوز على معرفة سابقة في ذلك، أم أنها انطلقت تحاول الاجتهاد وتتعلم من الآخرين، إلا أنها في النهاية أصبحت القائمة بهذا العمل ميدانيا، وخاصة في غزوة الخندق، فالتوقعات المبدئية كانت أن يلقى المسلمون خسائر كبيرة أمام التحالف العربي وراء قريش، ولذلك نصبت رفيدة خيمة مجهزة لرعاية الجرحى وعملت على ترتيب أمورها لتكون جاهزة لهذه المواجهة الكبيرة، ويرد ذكرها في كتب السيرة في هذه المرحلة، فمع إصابة سعد بن معاذ يوجه الرسول أمره بأن ينطلق به المسلمون إلى خيمة رفيدة قريبا من الجامع النبوي.
لم تقتصر مشاركة رفيدة في المواجهات القريبة من المدينة، فخروجها مع الغزوات أصبحت مسألة ضرورية، وكانت من الغزوات الشهيرة التي شاركت فيها خيبر، وتقديرا لدورها الكبير في هذه الغزوة فإن الرسول الكريم يأمر بأن تحصل على سهم يوازي حصة الرجال ممن شاركوا في القتال، فالدور الذي تقوم به هذه السيدة التي نذرت كثيرا من حياتها لمساعدة الآخرين لا يقل بأية حال عن دور من يسهمون في القتال فعليا، وهو من الأدوار المتقدمة التي تدلل على الدور الفعال الذي قامت به المرأة في تاريخ الإسلام.
نساء في تاريخ الإسلام.. رفيدة الأسلمية
- التفاصيل