من النساء اللواتي نزل فيهن القرآن، فضمن شروط صلح الحديبية طلبت قريش من الرسول الكريم أن يسلمها أي شخص يلحق به في المدينة ليعلن إسلامه، وجرى قبول هذا الشرط في ضوء افتراضين، فالأول أن معظم المسلمين هاجروا إلى المدينة ولم يبق في مكة إلا المشركون، والثاني، أن صلح الحديبية كان مؤقتا، ويحقق للمسلمين مجموعة من المكاسب في المدى القصير، ولكن أم كلثوم بنت عقبة كانت أسلمت قبل صلح الحديبية بسنوات، ولم تكن أعلنت ذلك، فهي كانت تخشى من أن يلحقها من قريش جانب من التعذيب والتنكيل، ولكن صلح الحديبية جعلها تتصور أن الأمر قضي بين المسلمين والمشركين، وأنها قد تقضي بقية حياتها في قريش وتخسر فرصة أن تكون في المعسكر الذي يمثل قيمها وأخلاقها الحقيقية، وعلى الرغم من أنها كانت تعرف بالشرط الذي يتضمنه صلح الحديبية وأن احتمالا كبيرا أن تعود إلى قريش فتلاقي ما كانت تتجنه من تعذيب وإهانة، إلا أن الوقت لم يكن يحتمل هذه الحسابات، فهي يجب أن تتصدى لمصيرها الصعب أيا تكن النتائج.
التحقت أم كلثوم بالنبي في المدينة، فتبعها اخوتها من مكة يطالبون بإعادتها بناء على الشرط الذي يتضمنه الصلح، وكانوا على ثقة من أن النبي الكريم لا يمكن أن يخرق الاتفاق الذي عقده مع قريش فهم يعرفونه، ويعرفون مدى التزامه بالعهود وأنه لن ينكث أبدا بنصوص الصلح، وكان ذلك يزيد من أزمتها، واحتمالات إعادتها إلى مكة، فنزلت الآية الكريمة ((يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمْ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ))، فطلبها الرسول الكريم عملا بنص الآية ليمتحن إيمانها، فدفعت كلثوم التي تنتمي إلى عائلة كبيرة في قريش بأسبابها للهجرة، فقالت: «باللَّه ما خرجت من بغض زوج، وباللَّه ما خرجت رغبة عن أرض إلى أرض، وباللَّه ما خرجت التماس دنيا، وباللَّه ما خرجت إلا حبا للَّه ورسوله»، وكانت قناعة الرسول الكريم ومعه أصحابه المقربون تصدق ما قالته أم كلثوم، فعلى ذلك تمت إعادة شقيقيها إلى مكة، وكان التحاق أم كلثوم ضربة أخرى لقريش، فهي من عائلة مهمة، أخت غير شقيقة لعثمان بن عفان.
تزوجت أم كلثوم من الصحابي زيد بن حارثة، وبعد أن استشهد في مؤتة، تزوجت الزبير بن العوام، وبعد ذلك تزوجت عبد الرحمن بن عوف، وبعد وفاته، تزوجت من عمرو بن العاص، وتوفيت بعد فترة وجيزة، فكانت في حياتها مثالا للمرأة المؤمنة والصابرة التي لم تنشغل بكثير من أمر الدنيا مع أنها كانت زوجة لرجال من الصف الأول في قيادة المسلمين بعد رحيل الرسول الكريم.
نساء في تاريخ الإسلام... أم كلثوم بنت عقبة
- التفاصيل