جمال السيد
كلما شغلت موقعا كان النجاح حليفها.. هدفها مكافحة العادات الضارة بالمرأة والطفل، ليس على مستوى السودان فحسب وإنما على مستوى القارة السمراء كلها.. مشوارها صعب تحاول من خلاله فك الارتباط بين الدين والسلوكيات الضارة المتأصلة والمتوارثة عبر الأجيال حتى أصبح الإضرار بالمرأة لدى الكثير من الشعوب الإفريقية عبادة يتقربون بها إلى الله.
إنها د. آمنة عبد الرحمن حسن الأمين العام لجمعية مكافحة العادات الضارة بالمرأة والطفل بالسودان، ونائبة رئيس اللجنة الإفريقية العالمية لمكافحة العادات الضارة في أكثر من 30 دولة إفريقية.
التقيتها في أحد المؤتمرات الدولية الذي أقامته منظمة المؤتمر الإسلامي في القاهرة عن العادات الضارة التي يعاني منها المجتمع السوداني والشعوب الإفريقية، وسبل مكافحتها والمصاعب التي تلاقيها للقضاء عليها، وكان لنا معها هذا الحوار...
قطع الريشة..!
* ماذا يقصد بالعادة الضارة من وجهة نظركم خاصة أن المفهوم مطاط ويختلف من شخص لآخر ومن مجتمع لمجتمع؟ وما أهم العادات الضارة المنتشرة بالمجتمع السوداني والتي تتولين مناهضتها من خلال منصبك بالجمعية؟
- يطلق هذا المصطلح على الظواهر السلوكية السالبة سواء الموروثة أو المكتسبة، والتي أصبحت معتقدًا لدى الأفراد بسبب جهلهم بأضراراها أو وجود مفاهيم خاطئة حولها، والعادات الضارة في المجتمع السوداني كثيرة أهمها "قطع الريشة" وهي الجزء الموجود في مؤخرة الحلق عند الرضع، والتي تؤدي إلى حدوث نزيف وتشوهات كبيرة تهدد سلامة الطفل إن كتبت له الحياة بعد هذه العملية الغريبة، تأتي بعدها ظاهرة تزويج القاصرات الذي يبرره الأهالي بحجة المحافظة على عفة الفتيات، حتى أنه يتم تزويجهن دون العاشرة في بعض الأحيان مما يسبب لهن الكثير من المشكلات الاجتماعية والصحية والتي قد تؤدي إلى وفاة الأنثى، وما يزيد الطين بلة انتشار الأمراض المتعلقة بسوء التغذية للحوامل والمرضعات والأطفال، وعدم تناول الأدوية أو الذهاب إلى الأطباء والاعتماد على ما يطلق عليه "الوصفات البلدية".
* هل هناك أرقام معينة يمكن التأكيد بها على نجاح الجمعية في تحقيق أهدافها في مكافحة واحدة من العادات الأكثر إضرارا بالمرأة مثل ختان الإناث على سبيل المثال؟
- بالفعل استطعنا تقليل نسبة الختان الفرعوني (أسوأ أنواع الختان) من 97% في عام 1985 إلى 57% في عام 2000، وقد استطعنا تحقيق ذلك من خلال التأكيد على أنه عادة ضارة لا صلة لها بالإسلام، وأنها نشأت في الصومال قبل ظهور الإسلام بقرون، وتمارسه حتى اليوم شعوب السودان والحبشة والصومال وإريتريا وأوغندا وكينيا، ولا علاقة لها بأرض الحجاز وخاصة مكة والمدينة بل ولا أهل الجزيرة العربية كلها باستثناء قلة في اليمن تأثرت بالصومال، وهكذا نجحنا في القضاء عليه في بعض المدن مثل مدينة كوستي التي احتفلت بأنها خالية من الختان الفرعوني.
طريق الألف ميل
* وهل ترين أن السودان بمساحته الشاسعة وأقاليمه مترامية الأطراف يمكن أن تصبح خالية من العادات الضارة في يوم من الأيام؟
- كما يقال "طريق الألف ميل يبدأ بخطوة" ونحن نغرس البذرة وليس شرطا أن نجني الثمار كلها، ربما نصل إلى بعضها وتجني الأجيال القادمة الثمار كاملة، وإذا كنا قد استطعنا إقناع مسئولي وزارة التربية والتعليم بإدخال محاربة العادات الضارة بالمنهج الأساسي والثانوي فهذا قليل من كثير فعلناه حتى استطعنا أن نصل إلى جيل من الجامعيات غير المختونات، وحتى من اختتنت منهن عاهدتنا على أنها لن تختن بناتها.
عنف المعارضين
* لا شك أن المقتنعين بهذه العادات الضارة لم يرفعوا الراية البيضاء لكم، بل قاوموا دعوتكم.. فما أشهر وأغرب وسائل الرفض التي تعرضت لها؟
- من المواقف التي لا أنساها عندما تقدم نحوي رجل كبير السن أثناء إلقائي محاضرة عامة عن مضار ختان الإناث، ظنته يريد مصافحتي مثل من سبقوه من الآباء والأمهات فإذا به يهوي على رأسي بضربة قوية من عصاه، وفي موقف مشابه في إحدى الندوات عن الموضوع ذاته شج رأسي أحد المعارضين بحجر حتى سال دمي، إضافة للسب والتشهير الذي تعرضت له مرارا. ولكن ما رأيته من مآسي الختان جعلني أتحمل كل هذا الهجوم بمختلف أشكاله لتجنب وقوع المزيد من الفتيات ضحية لهذه العادات، خاصة أن الأطباء كانوا يدعونني لرؤية حالات من الختان تفوق حد التصور في قسوتها وبشاعتها، أذكر منهما حالتي وفاة إحداهما لرضيعة في شهرها التاسع رأيتها ملقاة على فراش الموت والصديد يملأ الفراش حولها نتيجة لالتهاب الجرح، والأخرى لطفلة في السابعة من عمرها قطعت أعضاؤها التناسلية الخارجية حتى صارت كاللحم المفروم، وأهلها لا يدركون حجم الجريمة التي ارتكبوها في حق هذه البريئة.
الإقناع بالدين
* ما دور الإقناع الديني في إبعاد الناس عن هذه العادات الضارة؟
نعتمد في عملنا على مجموعة من الفتاوى لكبار علماء الأمة وعلى رأسهم علماء الأزهر حول تكريم المرأة والطفل في الإسلام، مؤكدين أن ما يفعله الجهلاء من ممارسات منسوبة للدين مرفوضة شرعا، ومن ذلك إبرازنا لفتوى أحمد الطاهر مفتي السودان الذي قال إن حديث "اخفضي لا تنهكي" هو حديث ضعيف، مدعمين فتواه بأن معظم الدول الإسلامية التي بها كبار فقهاء الأمة لا يوجد بها ختان للنساء، مثل السعودية ودول الخليج والعراق وسوريا ولبنان والأردن وفلسطين وليبيا والجزائر والمغرب وغيرها، وقد أثمر هذا المجهود صدور قرار المجلس الطبي السوداني الذي لا يسمح للأطباء بممارسة أي عمل يضر بالإنسان ويشمل ذلك ختان الإناث بكل صوره.
مخالفة للدستور
* اعترضت كثير من المنظمات النسائية السودانية على قيام مجلس الوزراء السوداني بإسقاط المادة 13 من مشروع الطفل لعام 2009 فما قصة هذه المادة؟
- تنص هذه المادة على منع وتجريم ختان الإناث باعتباره ضمن العادات والتقاليد الضارة بصحة الطفلة، وقد اعتبرت المنظمات النسائية هذا القرار انحيازا للعادات الضارة وتراجعا يتناقض مع الإستراتجية القومية للقضاء على ختان الإناث خلال الفترة (2008-2018)، والتي توضح أن قضية الختان عادة ثبتت أضرارها المتعددة وخاصة في النواحي الصحية والبدنية والنفسية على الطفلة فى كل مراحل حياتها، ولهذا وصفت بعض القيادات النسائية ما صدر من مجلس الوزراء مخالفة لنص المادة (32) من الدستور من وثيقة الحقوق التى تنص على أن الدولة تعمل على محاربة العادات والتقاليد الضارة التى تقلل من كرامة المرأة ووضعيتها.
ثقة عالمية
* أنت من الشخصيات النسائية التي نالت تقديرًا في الداخل والخارج، وهذا ما جعل الاختيار يقع عليكم كنائبة رئيسة اللجنة الإفريقية العالمية لمكافحة العادات الضارة، فكيف وصلتم إلى هذه المكانة المشرفة للمرأة العربية المسلمة؟
لا أنكر أن نجاحنا في الداخل وثيق الصلة بالنجاح الخارجي؛ لأن تحقيقنا خطوات فعالة في تغيير العادات الضارة بالمرأة والطفل في السودان جعلنا نكتسب ثقة اللجنة الإفريقية التي استفادت بتجربتنا في أكثر من 30 دولة إفريقية توجد لها مكاتب فيها.
ويكفي أن نذكر مثلا أنه حتى عام 1999 فقط بلغ عدد الجمعيات الوطنية الإفريقية الأعضاء في اللجنة والتي تتعاون معها 26 فرعًا، وبالرغم من أن لها دستورا ولوائح تنظم أعمالها فإنها أيضا لها الصبغة الدولية حيث تتمتع بكل الحقوق حسب القوانين الخاصة بالمنظمات العالمية، واعترفت بها منظمة الأمم المتحدة ومنحتها الوضع الاستشاري، كما منحتها منظمة الوحدة الإفريقية وضع المراقب، في حين منحتها اللجنة الاقتصادية الإفريقية المقر الحالي في أديس أبابا.
يوم عالمي لمناهضة الختان
* وما المرجعيات التي تحكم عمل اللجنة الإفريقية في أداء دورها؟
- لدينا مرجعية إقليمية هي ميثاق الطفل الإفريقي والتي لا يمكن فصلها عن كل القرارات الإفريقية المتعلقة بحماية حقوق المرأة، وقد ناشدت لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة في قرارها رقم 28 لسنة 2003 الجمعية العامة للأمم المتحدة بأن تخصص ي وم 6 فبراير سنويا ليكون يوما عالميا لمناهضة عملية بتر العضو التناسلي للمرأة وجميع الممارسات التقليدية الضارة المؤثرة على صحة النساء والفتيات، والغريب أن بعض المهاجرين الأفارقة في أوروبا وفي الولايات المتحدة الأمريكية ما زالوا متمسكين بهذه العادة الضارة، وبرغم أن القوانين فيها تجرمها فإنه يتم تنفيذها في الخفاء، وقد قامت 14 دولة إفريقية بسن قوانين تجرم تلك الممارسة، ويوجد لدى معظم الدول الآن تشريعات تحظر ممارسة عملية الختان لكن يصعب التنفيذ الفعلي الكامل لتلك القوانين وبخاصة في المناطق الريفية.
إسلام أون لاين