حاورها: إبراهيم المنسي
عندما تتأمل في مدينة بيروجا الإيطالية ذات الإطلالات الخلابة؛ تشعر بدفء هذه المدينة.. من بين تلك التلال انطلق العمل الإسلامي في إيطاليا وكانت بدايته عملاً طلابياً، والطلبة والشباب دوماً هم عماد الأمة، حيث كان للطلبة المسلمين في إيطاليا دور بارز في نهضة الإسلام في إيطاليا وأوروبا، وتفرع عن هذا العمل الطلابي عمل نسائي إسلامي؛ ابتدأ من مدينة بيروجا وامتد إلى جميع أنحاء إيطاليا.
نلتقي في هذا الحوار إحدى مؤسِّسات العمل النسائي الدعوي في إيطاليا وأوروبا، هي السيدة زينب خليل وليد «أم سمية» المولودة في مدينة قلقيلية الفلسطينية، والتي تحمل الجنسية الإيطالية، وهي أم لأربع بنات وولد، وزوجة الداعية الدكتور محمد البرق أحد المؤسسين الأوائل للعمل الإسلامي في إيطاليا.
وتالياً الحوار..
• متى كانت بداية تواجدكم في إيطاليا؟ وكيف انخرطتم في العمل النسائي الإسلامي؟
- أنتم ترجعون بي في الذاكرة إلى أكثر من 30 سنة مضت، حيث التحقت بزوجي وكان طالباً في كلية الطب في جامعة روما، وكنا نسكن في بيروجا التي بدأ العمل الإسلامي فيها بجهود الطلاب المسلمين في جامعة اللغة الإيطالية في بيروجا. كنا ما زلنا صغاراً، وكان العمل الدعوي وقتها في بداياته، ولم يكن هناك عمل نسائي، حيث كان عدد النساء المسلمات قليلاً جداً، وبدأ العمل النسائي من خلال قسم نساء تابع لاتحاد الطلبة المسلمين في إيطاليا، وكان من أبرز الأنشطة آنذاك إصدار مجلة النور الشهرية التي كانت توزَّع على مستوى إيطاليا. • كيف تنظرون لدور الطلبة المسلمين في العمل الإسلامي، وخاصة أن باكورة العمل النسائي انطلقت من رحم جهودهم وإبداعاتهم؟
- ننظر لهم نظرة تقدير واحترام، ونقدِّر وعيهم لدور المرأة، فهم كانوا اللبنة الأساسية لانطلاق العمل الدعوي، ونحن كنساء انطلقنا من خلالهم، وتأسيس العمل كان صعباً؛ إلا أنهم ذللوا هذه الصعوبة، مع العلم أن الشباب المسلمين والعرب الذين يأتون إلى أوروبا ليس من السهولة أن يلتزموا بدينهم، فكان للطلاب المسلمين دور في تذليل الصعوبات لإخوانهم، لذلك فإن على الطالب المسلم والطالبة المسلمة في الفترة الجامعية بالذات أن يعوا دورهم في نهضة ورفعة الأمة.
• ما دوركم في تأسيس العمل النسائي المؤسسي في إيطاليا وأوروبا؟
- بعدما كبرت الجالية في إيطاليا؛ رأينا أننا بحاجة إلى مؤسسة نسائية خاصة وليست منضوية تحت لواء أي مظلة أخرى، مع تقديرنا للجهود التي انبثقت عن اتحاد الطلبة المسلمين، فقمنا بتأسيس جمعية النساء المسلمات في إيطاليا، وهي جمعية مسجلة لدى الدوائر الرسمية الإيطالية، وتهتم بشؤون وقضايا وحقوق المرأة المسلمة في إيطاليا.
• ما أبرز الخدمات التي تقدمها الجمعية للجالية المسلمة؟
- يتم التركيز في هذه الجمعية على توعية المرأة المسلمة في دينها، والمحافظة على وجودها في إيطاليا مع التزامها برسالتها وأخلاقها، وكثير من النساء نساعدهم على كيفية تربية الأبناء في ظل العادات والتقاليد الأوروبية، حيث تعاني الأسرة المسلمة في إيطاليا من صعوبة التربية مما يدفعنا للعمل على تأسيس فكر حول الوضع الأوروبي والتكيّف معه، وكان العمل في الجمعية انتشر في كل مدن إيطاليا تقريباً، لأنه انبثق عن الجمعية فرع في كل مدينة إيطالية رئيسية.
• متى كانت بدايات التطور في العمل النسائي بإيطاليا؟
- من مدينة بيروجا انطلق العمل الإسلامي في كل إيطاليا على اعتبار أنها تحتضن جامعة اللغة الإيطالية، فكل طالب يلزمه أن يمضي في هذه الجامعة سنة لغة، ومن ثم ينطلق إلى الجامعات الإيطالية في المدن الأخرى للاختصاص. والعمل النسائي تغيرت النظرة إليه منذ سنة 1985م بسبب أن النساء المسلمات سابقاً كن يأتين كزوجات لطلاب، وعندما بدأت الجالية المسلمة يدخل منها العمال والموظفون بدأ النساء يدخلن إلى إيطاليا كعاملات وأمهات وزوجات للعاملين، مما دفع باتجاه الإستقلالية بالعمل النسوي وانفصاله عن اتحاد الطلبة المسلمين، فبدأ التفكير جدياً بتأسيس مؤسسات خاصة بالمرأة المسلمة.
وإيطاليا كانت السباقة في العمل النسائي على مستوى أوروبا، وكانت الجمعيات النسائية بدأت تنتشر على مستوى الدول الأوروبية، ففي عام 2002 فكّرنا في توحيد العمل النسائي على مستوى أوروبا تحت مظلة واحدة، وإيطاليا كانت المبادرة، وانبثق عن هذا التوجه المنتدى الأوروبي للمرأة المسلمة، وبحمد الله ما زال لإيطاليا دور فاعل، وهي عضو مؤسس في هذا المنتدى، وأنا كنت واحدة من ست أخوات تم اختيارهن لتأسيس المنتدى.
• ألا زلت عضواً في إدارة المنتدى لغاية هذه اللحظة؟
- لا، فقد انسحبت منه في العام الماضي لإفساح المجال وإعطاء دور للشابات حتى يقمن بدورهن، لأننا في السايق منذ تأسيس المنتدى كان تفكيرنا يتجه نحو تأهيل شابات بشكل مستمر حتى يستمر العمل في التطور وتدخله دماء جديدة.
• ما هي الممارسات والأنشطة التي قامت إدارة المنتدى بعملها لتأهيل الشابات المسلمات لقيادة العمل؟
- تم التركيز على عمل دورات ومخيمات، حيث كان في العام الماضي مثلا تقريبا أربعة برامج تم استهداف الشابات من خلالها، وفي البداية قمنا بزيارات ميدانية للجمعيات النسائية في أوروبا لدراسة أوضاعهن وأوضاع الشابات، وتم فرز 35 شابة على مستوى أوروبا وإخضاعهن لبرامج ودورات تمتد على مدار ثلاثة أعوام قادمة، وتأهيلهن تاهيلاً قيادياً، وبمثل هذا التأهيل انبثقت مجموعة تم تقديمها لإدارة المنتدى، حيث دخل منهن ثلاث شابات في الهيئة الإدارية للمنتدى، مقابل انسحابي أنا وأختين من الإدارة السابقة وعدم ترشيح أنفسنا لإدارة قادمة، حتى لا يتكرر الكادر السابق لإدارة المنتدى، لإفساح المجال للشابات.
• مقر المنتدى في بروكسل، فما هو شكل العلاقات بينه وبين البرلمان الأوروبي هناك؟
- المنتدى حريص على مد جسور التواصل مع الرسميين الأوروبيين لتغيير النظرة القاتمة عن الإسلام والمرأة المسلمة بالذات، حيث أقام المنتدى لقاءات وحوارات في قلب البرلمان الأوروبي، منها لقاء كان عنوانه "نظرة الإعلام الأوروبي للمرأة المسلمة" وحضر هذا اللقاء حشد كبير من الإعلاميين والسياسيين في أوروبا، وشارك في هذا اللقاء شابات جامعيات متخرجات، وقدّمن نظرة طيبة عن المرأة المسلمة.
ولقاء آخر كان بعنوان "العمل النسائي للمسلمات في أوروبا مع الجمعيات غير المسلمة" بحيث تحضر كل جمعية معها شابة غير مسلمة في البلد الذي تعمل فيه لإبراز صورة التعايش الإسلامي وقبول الآخر.
الملفت للنظر أن الإعلام الأوربي قد أعجب بهذا الحراك النسائي، حيث إنهم لأول مرة يعرفون أن المرأة المسلمة يمكن أن تقود حراكاً، وأن شخصيتها مستقلة بذاتها.
• ما مدى تفاعل النساء في الجالية المسلمة مع العمل النسائي؟
- هناك تجاوب جيد؛ لأننا نستهدف المرأة المسلمة ونعمل على توعيتها، ونحاول دوماً إبراز دور المرأة المسلمة في تقدم القطر الذي تقيم فيه، وكل عام نتوج أعمالنا بمؤتمر سنوي نقرأ من خلاله التقدم الذي تم إحرازه، والمنتدى مفتوح لجميع شرائح المسلمين.
• كيف تفاعلتم مع القضايا المفصلية التي تخص المرأة المسلمة في أوروبا، كقضية الحجاب، وقضية استشهاد مروة الشربيني رحمها الله؟
- المنتدى قام بتشكيل لجنة من فرنسا وبريطانيا للدفاع عن الحجاب، وتم الحديث عن الحجاب وأصله، وهناك أخت فرنسية أعدت بحثاً عن أصل الحجاب في الديانة اليهودية والمسيحية وكيف تطور حتى وصل إلى المسلمين، وأثبتت في بحثها أن كل الديانات تحث على الحجاب وليس الإسلام فقط، وما زال الملف مفتوحاً مع البرلمان الأوروبي.
وفي حادثة مروة الشربيني رحمها الله؛ قام المنتدى بالتنديد والتعبير عن غضبه حيث كان لكل فرع من فروع المنتدى على مستوى الاتحاد الأوروبي بدوره في هذه القضية، وهذا الضغط أحدث تقدماً على مستوى الجالية بالوعي بالقضايا الإسلامية، وكذلك الجمعيات الأوروبية الإنسانية.
• هل لديكم رقم حول أعداد المسلمات واللواتي أسلمن في أوروبا؟
- المنتدى يقوم الآن بإحصائية دقيقة لم تظهر نتائجها بعد، لكن الأعداد مبشِّرة بإذن الله تعالى.
• كيف خدمتم القضية الفلسطينية من خلال العمل النسائي الأوروبي؟
- في كل لقائاتنا كان ملف القضية الفلسطينية حاضراً في أجنداتنا، فهي قضية المسلمين المركزية، ونحن نعمل على التعريف بالقضية الفلسطينية بكل اللغات الأوروبية، فكل دولة تترجم ما نخرجه وما يحدث في القضية إلى لغة الدولة التي تكون فيها، وكان للجمعية في إيطاليا دور كبير في نقل كل حدث من خلال إصدار بيانات ونشرات، وهناك تواصل فعّال مع الجمعيات العاملة على الساحة والمتخصصة في القضية الفلسطينية.
• ما هي المعوقات التي تواجهونها في العمل النسائي في إيطاليا وأوروبا؟
- كل العمل الدعوي بعد أحداث 11 سبتمبر زاد عليه الضغط والمعوقات، والعمل النسائي جزء من العمل الدعوي بشكل عام، لكن التوعية مستمرة بحمد الله عن الإسلام وصورته الحقيقية، ولكن هناك معوقات على مستوى الجالية نفسها خاصة الرجال، حيث إنهم لا يمنحون الحرية لنسائهم بالخروج والدعوة، وحتى على مستوى الداعيات الفاعلات البعض يمنع زوجته من الظهور أمام الصحافة والإعلام والفضائيات، وكذلك تنوع الثقافات والجنسيات واللهجات في الجالية المسلمة أحدث صعوبة في العمل.
لكن رغم ذلك بحمد الله، المنتدى في إنتاج مستمر للداعيات الواعيات من الجيل الحديث اللواتي نسعى لأن يأخذن زمام المبادرة، ونحن نسعى دوماً لانتزاع حقوقنا والسعي نحو الاعتراف بها من قبل أوروبا الرسمية وهذه أولويتنا الأولى.
• أرجو أن تحدثينا عن دوركم كمربية في بيتك وأم في تعزيز العمل النسائي الدعوي.
- عندما تم افتتاح المنتدى كانت ورقة العمل الأولى "دوري كأم ومربّية"، فالأم هي القدوة ولولا لم تكن القدوة لما أمكن أن يكون من الشباب المسلم دعاة. والعجيب أنني عندما انسحبت من إدارة المنتدى تم ترشيح ابنتي "سمية" ليس من باب التوريث، بل من باب الدور القيادي الذي وصلت إليه، حيث إنها تأهلت لهذا الدور من خلال المنتدى، علما أنها من المؤسسين البارزين لجمعية الشباب المسلم في إيطاليا، وقد ألّفت كتاب بعنوان "الإيطاليون الجدد يكبرون" وركز الكتاب على كيف أن الجيل الثاني ولد وتربى واستطاع أن يتخطى الصعوبات، وكيف ينظر الشاب المسلم للمجتمع في إيطاليا من منطلق ثقافتين عربية إسلامية، وأوروبية، وطُبع منه أكثر من 15 ألف نسخة، وبسبب تركيزي في البيت على العمل الدعوي؛ انعكس ذلك على بناتي، وأرجو من كل أم ومربية أن تهتم بانخراط أبنائها في العمل التطوعي والخيري.
• رسالة توجهينها للعاملات في الحقل النسائي في أوروبا.
- رسالتي هي أن يهتموا في تربية الأبناء أولاً، وأن لا ينسوا العمل الدعوي في المحيط الضيق، كأن تمارس الأم الدعوة على أبنائها في البيت أولاً، وعندما يكبر الأولاد قليلاً يعملن على مستوى محيطهن، وعندما يكبروا أكثر تعمل على مستوى إيطاليا، وبعد ذلك على مستوى أوروبا، ولكن باستمرار تكون أعينهن على بيوتهن، دون غياب العمل الدعوي من الدائرة الأضيق إلى الأوسع، فالنواة الأساسية هم الأبناء والأسرة، وإلا فما معنى أن تكون المرأة ناجحة دعوياً وفاشلة كزوجة وكأم، فإنها بذلك كأنما لم تحقق شيئاً.
• رسالة توجهينها للأمهات والمربيات في العالم العربي والإسلامي.
- في الربيع العربي كان للنساء دور بارز دائماً في الصفوف الأولى، وأصبحت هذه الجرأة وخاصة في بلدان لا توجد فيها ديموقراطية ويوجد فيها تسلط.
ندعو الأمهات والمربيات للمثابرة وتربية الأجيال على العمل السياسي والدعوي التطوعي، بما ينعكس ذلك على العمق القيادي لأبنائهن.

JoomShaper