سلمى البدوي
ولدت السيدة زينب رضي الله عنها وأرضاها قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم بعشر سنوات، وهي ابنته من أم المؤمنين خديجة بنت خويلد رضي الله عنها وأرضاها. وقد تزوجت من ابن خالتها أبي العاص بن الربيع وأنجبت منه عليَّا وأمامة، مات علي وهو طفل وعاشت أمامة.
عاد زوجها أبو العاص من إحدى سفراته إلى الشام، وإذا بأخبار الدين الجديد تملأ شعاب مكة، فهرع إلى بيته، وإذا بزينب تقول له: الإسلام يا أبا العاص، غير أن أبا العاص أبى أن يقال: إنه أسلم محبة في زوجته وإرضاء لها ولأبيها على الرغم من حبه الشديد لهما، فظل على موقفه الرافض للإسلام؛ إرضاء وتضامنا مع قومه، لكن الزوجة المؤمنة بربها. ظل الأمل يداعبها طويلا لعل الله أن يهدي زوجها إلى طريق الحق.
غير أن كفار مكة لم يتركوا النبي صلى الله عليه وسلم لدعوته، بل فجروا في محاربته والتنكيل بمن يؤمن به ليقينهم أن ذلك أشد ما يؤذيه صلى الله عليه وسلم. لذا هاجر المصطفى صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ورافقته بنياته أم كلثوم و ورقية فاطمة رضي الله عنهم، أما زينب فظلت في مكة مع زوجها على الرغم من استمراره في دين آبائه، لكن النبي صلى الله عليه وسلم طلب من أبي العاص أن يرسل زينب لتلحق بأبيها وأخواتها، فوافق أبو العاص على الفور على الرغم من تعلقه وحبه الشديد لها، إلا أنه فعل ذلك نزولا على أمر النبي صلى الله عليه وسلم.

وعلى الرغم من أن هجرة زينب ستترك أثرها الأليم في قلب أبي العاص، إلا أنه حزم أمره وأرسل أخاه كنانة في حراستها؛ ليقود بعيرها بطول الطريق من مكة إلى المدينة. ولما علمت قريش بما فعل أبو العاص اعترضت طريق زينب وتصدت لرحلتها، فقام أحد المشركين وهو "هبار الأسدي"  بإصابة البعير الذي كانت تركبه، فسقطت على إحدى الصخور مما أصابها بنزيف وأسقط جنينها.

ولم يجد كنانة مفرا من إعادة زينب إلى بيت أخيه، الذي ظل بجوارها يرعاها ويحدب عليها حتى شفيت، ثم بعث بها كنانة للمرة الثانية، فسلمها لزيد بن حارثة، الذي مضى بها إلى المدينة حيث أبيها عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم.

ولما اشتد عود المسلمين وحزموا أمرهم، وخرجوا لاسترداد كرامتهم في غزوة بدر الكبرى، ولما انتصروا وجدوا أبا العاص وقد وقع أسيرًا لديهم، فلما علمت السيدة زينب بذلك حزنت وفكرت كيف تفتديه؟ فأرسلت بقلادتها مع أخي زوجها عمرو بن الربيع، وكانت القلادة تخص أمها السيدة خديجة أم المؤمنين رضي الله عنه أهداها إليها النبي صلى الله عليه وسلم حين زفافها.

فلما وصل عمرو ومعه تلك القلادة، ورآها الصحابة رق قلبهم، وساد الصمت الحزين برهة، لكن النبي صلى الله عليه وسلم قطعه والدموع تسيل من عينيه، وقال لهم: "إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها وتردوا عليها مالها فافعلوا" قالوا: نعم يارسول اللّه. فردّوا عليها الذي لها ولقبت منذ ذلك الوقت بـ (صاحبة القلادة) رواه أبوداود، وصححه الألباني.


ولم ينته الأمر إلى هذا الحد، ومرة أخرى يقع  أبو العاص أسيرا للمسلمين حين هوجمت قافلة أبي العاص العائدة من الشام، فدخلت زينب رضي الله عنها  إلى أبيها، آملة منه أن يجير أبا العاص، فخرج النبي (صلى الله عليه وسلم) على المسلمين قائلا: (أيها الناس هل سمعتم ما سمعتُ؟ "قالوا: نعم. قال: "فوالذى نفسى بيده ما علمت بشيء مما كان حتى سمعت الذي سمعتم، المؤمنون يد على من سواهم، يجير عليُّهم أدناهم، وقد أجرنا من أجارت)"رواه البيهقي وصححه الألباني.

على أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر زينب بعد ذلك ألا يقربها أبو العاص، حيث لم تعد تحل له؛ كونه ما يزال على شركه، فما كان من أبي العاص إلا العودة إلى مكة  بتجارته وأمواله؛ ليعيد للناس حقوقهم ثم خرج على القوم ليعلن إسلامه وبعدها هاجر إلى المدينة وكانت هجرته في سبيل الله في العام السابع للهجرة، وهنا عادت الحياة بين زينب رضي الله عنها وزوجها من جديد.

ولكن ما لبثت أن توفيت زينب(رضي الله عنها)  في السنة الثامنة للهجرة، على إثر النزيف الذي أصابها أثناء هجرتها إلى المدينة، وكان أثر وفاتها شديدا على زوجها أبي العاص الذي حزن عليها حزنا جما، كما بكاها الرسول (صلى الله عليه وسلم) وودعوها حتى تم دفنها في القبر.

JoomShaper