لها أون لاين
لكل زوجة من زوجات النبي صلى الله عليه وسلم، قصة كفاح جديرة بأن تجعلهن منارات للنساء على مر الأيام والتاريخ، وأم حبيبة رملة بنت أبي سفيان رضي الله عنها إحدى زوجات النبي صلى الله عليه وسلم تميزت شخصيتها بجرأة القرار، وتبدو هذه الجرأة في موقفها من أبيها (أبي سفيان بن حرب رضي الله عنه) حين كان مشركاً.
وجرأتها الثانية، تبدو في ثباتها على دينها، حين هاجرت مع زوجها عبيد الله بن جحش إلى أرض الحبشة في الهجرة الثانية، وتنصر في الحبشة وترك الإسلام، وهو موقف ليس سهلا، فكم من امرأة تتبع زوجها في كل حركة وسكنة، تفعل الخير بفعله، وتكفّ عن الشرِّ بِكَفِّه!!
لكنَّ أم المومنين رملة  لم يُزعزعها أَلَمُ الفراق بينها وبين زوجها وعائلها، في بلد يبعد آلاف الأميال عن بلدها، وإنما حاولتْ بكل ما أُوتيتْ من قوَّة أن تثني زوجها عن تغيير عقيدته إلى عقيدة التوحيد، لكنَّه أصرَّ وتولَّى، فصبرتْ وشكرتْ، فكافأها الله بزواجها من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجعلها أُمًّا للمؤمنين.
وتذكر المصادر أن السيدة أم حبيبة رملة بنت أبي سفيان المولودة في العام 25 قبل الهجرة الموافق 596م، رأت أثناء هجرتها بالحبشة رؤيا، ثم أصبحت الرؤيا واقعا جديدا سرعان ما تجسد، فتروي رضي الله عنها قائلة: رأيتُ في النوم كأن عبيد الله بن جحش زوجي بأسوأ صورةٍ وأشوهه، ففزعتُ فقلتُ: تغيَّرَتْ والله حالهُ.

فإذا هو يقول حين أصبح: يا أمَّ حبيبة، إني نظرت في الدين فلم أَرَ دينًا خيرًا من النصرانيَّة، وكنتُ قد دِنْتُ بها ثم دخلت في دين محمد، ثم رجعت في النصرانيَّة. فقلتُ: والله ما خِيرَ لكَ. وأخبرْتُهُ بالرؤيا التي رأيتُها، فلم يحفلْ بها، وأكبَّ على الخمر حتى مات!

إن إسلام أم حبيبة وهجرتها لم يكن بالأمر العادي، فهي ابنة زعيم من أكبر زعماء الشرك المناوئين للدين الجديد آنذاك، وبالرغم من ذلك أسلمت رغما عن أبيها، برغم علمها بالمتاعب التي ستواجهها بسبب هذا القرار، ثم هاجرت بعد إسلامها لتفجع في الزوج الذي ارتد عن الدين في الغربة، وهي المرأة الحامل بابنتها حبيبة وقد ولدتها هناك، وكان في هذا ما فيه من المشقَّة والتعب والتضحية في سبيل الله؛ ممَّا يدلُّ على عمق إيمانها وصدق يقينها بالله تعالى.

لقد تزوج الرسول صلى الله عليه وسلم أم حبيبة وهي نائية بعيدة الدار في الحبشة، فتروي أنها رأت في منامها كأنَّ آتيًا يقول: يا أمَّ المؤمنين. ففزِعْتُ فأوَّلتُها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يتزوَّجني.

قالت: فما هو إلاَّ أن انقضت عِدَّتي فما شعرت إلاَّ برسول النجاشي على بابي يستأذن، فإذا جارية له - يقال لها: أبرهة- كانت تقوم على ثيابه ودهنه، فدخلَتْ علَيَّ، فقالت: إن المَلِكَ يقول لكِ: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلَيَّ أن أُزَوِّجَكه. فقالت: بشَّركِ الله بخير. قالت: يقول لك الملك وكِّلي مَنْ يُزَوِّجك.

فأرسلتْ خالدَ بن سعيد بن العاص، فوكَّلَتْه وأعطتْ أبرهة سواريْن من فضة وخَدَمتَين كانتا في رجليها، وخواتيم فضة كانت في أصابع رجليها؛ سرورًا بما بشَّرتها، فلمَّا كان العشيّ أمر النجاشي جعفر بن أبي طالب ومَنْ هناك مِن المسلمين فحضروا، فخطب النجاشي فقال: الحمد لله الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار، أشهد أنْ لا إله إلاَّ الله وأنَّ محمدًا عبده ورسوله، وأنه الذي بشَّر به عيسى بن مريم؛ أمَّا بعد: فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلَيَّ أن أزوجه أمَّ حبيبة بنت أبي سفيان، فأجبتُ إلى ما دعا إليه رسول الله، وقد أصدقْتُها أربعمائة دينار. ثم سكب الدنانير بين يدي القوم.

ومن مواقف الثبات في حياة أم حبيبة على دينها، ما روي أنها كانت رضي الله عنها صادقة متمسكة بالإسلام وتعاليمه ولا تقدم على ذلك أقرب الأقربين إليها، فعن الزهري قال: لما قدم أبو سفيان المدينة، والنبي صلى الله عليه وسلم يريد غزو مكة، فكلمه في أن يزيد في الهدنة، فلم يقبل عليه. فقام فدخل على ابنته أم حبيبة، فلما ذهب ليجلس على فراش النبي صلى الله عليه وسلم، طوته دونه. فقال: يا بنية، أرغبت بهذا الفراش عني، أم بي عنه؟ قالت: بل هو فراش رسول الله، وأنت امرؤ نجس مشرك.

عاشت السيدة أمُّ حبيبة - رضي الله عنها- بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثًا وثلاثين سنة، متمسِّكة بهديه، سائرة على سُنَّتِه، عميقة الصلة بالمؤمنين جميعًا، مشارِكة للمسلمين في الأحداث العظمى.

وكانت رضي الله عنها حسنة الصلة بأُمَّهات المؤمنين رضي الله عنهن جميعًا، حريصةً على وُدِّهن واسترضائهن، ففي اللحظات الأخيرة من حياتها استدعت السيدة عائشة -رضي الله عنها- لتقول لها أمرا غاية في الأهمِّيَّة بالنسبة لها؛ فعن عوف بن الحارث قال: سمعتُ عائشة - رضي الله عنها- تقول: دعتني أمُّ حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم عند موتها، فقالت: قد كان يكون بيننا ما يكون بين الضرائر، فغفر الله لي ولك ما كان من ذلك. فقلتُ: غفر الله لكِ ذلك كله، وتجاوز وحلَّلَكِ من ذلك. فقالت: سررتني سرَّك الله. وأرسلت إلى أمِّ سلمة، فقالت لها مثل ذلك.

توفيت أم المؤمنين رملة بنت أبي سفيان رضي الله عنها بالمدينة سنة 44 هـ عن 68 عاما، أثناء خلافة أخيها معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنها.
ــــــــــــــــــــــــــ
مصادر:
ـ موقع قصة الإسلام.
ـ الشبكة الإسلامية.

JoomShaper