سلمى البدوي
تلخص مسيرة السيدة حميدة قطب شقيقة الشيخ سيد قطب رحمهما الله تعالى رحلة مؤثرة في الدعوة إلى الله، فقد نشأت في أسرة دعوية، يعد أفرادها من أعلام البيان والدعوة إلى الله تعالى، فأخوها سيد قطب صاحب كتاب في ظلال القرآن، وأخوها الآخر محمد قطب الأديب والمفكر الإسلامي المعروف.
ولدت حميدة قطب إبراهيم بمصر عام 1937, واعتقلت في العام 1965 في قضية تنظيم الإخوان الشهيرة، وحكم عليها بالأشغال الشاقة لعشر سنوات وعمرها حينئذ 29 عاماً، حيث اتهمت بنقل معلومات وتعليمات من سيد قطب إلى زينب الغزالي، وكذلك المساهمة في لجنة لإعالة أسر المعتقلين في الفترة من 1954 وإلى 1964.
خرجت من المعتقل بعد 6 سنوات وأربعة أشهر قضتها بين السجن الحربي وسجن القناطر, تزوجت من الدكتور حمدي مسعود وانتقلت معه للإقامة بفرنسا.
نشأت حميدة في أسرة صعيدية تميزت هذه العائلة بفهمها وجهادها وثباتها وتضحياتها، فقدمت الشهيد تلو الشهيد، فنال سيد قطب وابن شقيقته "بكر" الشهادة، وأوذي أخوه "محمد" كثيرًا، ولم تسلم أختها أمينة كما لم تسلم هي نفسها من الأذى، فكانت بحق عائلة مباركة أنبتت ثمارًا طيبة، فتركت أثرًا طيبًا على مسيرة العمل الإسلامي.
وكان مرابع العائلة في محافظة "أسيوط"، وفي قرية "موشا"، وكان الأبوان صالحين، وكان رب الأسرة الحاج "قطب إبراهيم"، معروفًا في القرية وما حولها، وكان أحد الوجهاء الكبار، ومن الحريصين على ارتياد المساجد وأداء الشعائر. أما أمها فكانت امرأة صالحة عابدة تقية، تحب القرآن الكريم، وكانت تغرس هذا الحب في نفوس أبنائها.
برزت مواهب حميدة قطب الأدبية منذ وقت مبكر، وقد أصدرت مع إخوانها وأخوتها (سيد ومحمد وأمينة) كتابا أسموه الأطاف الأربعة عام 1945م، وفيه ذكر الأستاذ سيد حميدة بقوله: "تلك الصبية الناشئة "حميدة" إنها موفورة الحس أبدًا، متفزِّعة من شبحٍ مجهول.."، ولها إنجاز أدبي منه "رحلة في أحراش الليل"، "درس في الصغر".
لقد تعرضت أسرة قطب ومن بينها حميدة لكثير من المحن، ففي عام 1954م حُكم على سيد قطب بالسجن لمدة 15 عامًا، وفي 1965م قبض على أفراد أسرة آل قطب كلهم، وعذبوا عذابًا شديدًا، ونصبت المحاكم العسكرية، وحكم على سيد قطب بالإعدام.
وتروي حميدة رحمها الله موقفا حدث معها قبل تنفيذ حكم الإعدام بسيد فتقول: استدعاني مدير السجن الحربي حمزة البسيوني إلى مكتبه، وأراني حكم الإعدام، والتصديق عليه، ثم قال لي: إن الحكومة مستعدة أن تخفف هذا الحكم لو أن شقيقي أجابهم إلى ما يطلبون، ثم أردف قائلاً: إن شقيقك خسارةٌ لمصر كلها وليس لك وحدك، إنني غير متصور أننا سنفقد هذا الشخص بعد ساعات، إننا نريد أن ننقذه من الإعدام بأي شكل وبأي وسيلة. إن بضع كلمات يقولها ستخلصه من حكم الإعدام، ولا أحدَ يستطيع أن يؤثر عليه إلا أنت. أنت وحدك مكلَّفة بأن تقولي له هذا. أنا مكلَّف بأن أبلغه هذا، ولكن لا أحدَ أفضل منك في تبليغه هذا الأمر.. بضع كلمات يقولها وينتهي كل شيء!!
نريد أن يقول: إن هذه الحركات كانت على صلةٍ بجهة ما، وبعد ذلك تنتهي القضية بالنسبة لك.. أما هو فسيُفرج عنه بعفو صحي. وحين ذهبت لسيد في محبسه سألها: أترضين ذلك؟! فقالت: لا. فقال: "إنهم لا يستطيعون ضرًّا ولا نفعًا.. إن الأعمار بيد بالله، وهم لا يستطيعون التحكُّم في حياتي، ولا يستطيعون إطالة الأعمار ولا تقصيرها.. كل ذلك بيد الله، والله من ورائهم محيط".
وقد حكم على سيد قطب بالإعدام، وحكم عليها بالسجن 10 سنوات مع الأشغال الشاقة، قضت منها ست سنوات وأربعة أشهر بين السجن الحربي وسجن القناطر حتى أفرج عنها أوائل عام 1972م، وبعد خروجها تزوجت من الدكتور حمدي مسعود وهو طبيب، مقيم في فرنسا.
ومؤخرا وتحديدا في يوم الجمعة 23 شعبان 1433 هـ الموافق لـ13 يوليو 2012 انتقلت حميدة قطب إلى رحمة الله بضاحية باريس مـاسي، وقد نعاها الكثير من المنظمات الإسلامية، وتمت الصلاة عليها بمقر اتحاد المنظّمات الإسلامية، رحم الله حميدة قطب رحمة واسعة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر:
ـ موسوعة ويكيبديا
ـ موسوعة الإخوان المسلمين.
حميدة قطب ورحلتها في الحياة والدعوة
- التفاصيل