ياسر محمود
هي رابعة بنات النبي صلى الله عليه وسلم، وآخرهن في بيت النبوة، تلك الطاهرة التي يكثر ذكرها على لسان كل مسلم، فهي حبيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحياتها مثال لنساء المسلمين وقدوة لبناتهم.
ولدت قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم بخمس سنوات في العام الذي اختلفت فيه قريش على وضع الحجر الأسود في مكانه.

مكانة سامية
وقد خصها النبي صلى الله عليه وسلم بالذكر حين وقف على جبل الصفا - بعد ما نزلت آية }وأنذر عشيرتك الأقربِين{ - ينادي الناس: "يا بني كعب بن لؤى أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني مرة بنِ كعب أنقذوا أنفسكم من النار،.... يا فاطمة أنقذى نفسك من النار، فإِني لا أملك لكم من الله شيئا..." (رواه مسلم).
واستجابت فاطمة لهذا النداء، فكانت من المؤمنات الصالحات، بل صارت في مصاف أكمل نساء العالمين مع أمها ومريم ابنة عمران وآسية امرأة فرعون، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "حسبك من نساء العالمين: مريم ابنة عمران، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد، وآسية امرأة فرعون" (رواه الترمذي).
تخفيف عن النبي

نمت فاطمة في هذه الروضة الشريفة ولم تر إلا إكراما للضيف، وصدقا في الكلمة، وعطفاً على اليتامى، وسلامة في القلب، فكان من الصعب على من تربت في هذه الأجواء أن ترى أباها يؤذى من قومه، فها هي قريش تضع أمام بيت النبي صلى الله عليه وسلم القاذورات والأب الكريم يزيل هذا عن باب بيته فتساعده فاطمة.

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف بالبيت ثم يصلي لله تعالى، فلما سجد نظر بعضهم إلى بعض والحقد يملأ صدورهم، يشعرون أنه على الحق ولكن الكبر يمنعهم من الإيمان به، ثم قام أحدهم ووضع سلا الجذور على ظهره صلى الله عليه وسلم وهو ساجد، فضحك السفهاء، وهنا تأتي ابنته فاطمة لترفع هذا الأذى عن ظهره وتدفعه بعيداً عنه.

حصار وفراق

وعاشت فاطمة مع أبيها وأصحابه الآلام والماسي في سبيل نشر دعوة الإسلام، فها هي قريش تبتكر نوعا جديدا من الإيذاء للمسلمين، وهو أن تحاصرهم في شعب أبي طالب، وتمنع التعامل معهم في كل شيء حتى في الطعام والشراب في حصار اقتصادي محكم، ويعاني المسلمون ومن معهم من بني عبد المطلب من جراء هذا الحصار أشد العناء وأقصى الآلام، ومعهم فاطمة، وما كان منها ومنهم إلا الصبر على هذا البلاء حتى فرج الله هذه الكربة عنهم جميعا بعد حصار دام ثلاث سنوات.

ولا تكاد تنتهي أزمة الحصار الظالم وتتنفس فاطمة الصعداء حتى تمر بها أزمة جديدة وهي وفاة عم أبيها أبو طالب الذي كان سندا لوالدها، وكذلك وفاة أمها خديجة بعد مصارعتها لآلام المرض، وتشارك فاطمة أبيها آلام ذلك الفراق حتى سمي ذلك العام بعام الحزن.

زواج مبارك

وبعد الهجرة إلى المدينة جاء أبو بكر الصديق وكذلك عمر بن الخطاب يريدا خطبة فاطمة رضي الله عنها، فأجابهما رسول الله صلى الله عليه وسلم بقول جميل بأنها صغيرة.

ثم خطبها علي بن أبي طالب، فوافق النبي صلى الله عليه وسلم، وتم الزواج في نهاية السنة الثانية من الهجرة، حيث زفت فاطمة ومعها جهازها المكون من جلد كبش تنام عليه، ووسادة حشوها ليف، وسقاء وجرتين.

وأنجبت فاطمة الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، ثم محسناً سقطاً، ثم أم كلثوم وزينب.

وفاء بواجبات الزوجية

وعاشت فاطمة حياة متواضعة، وكان عليّ يكفيها العمل خارج البيت، وهي تكفيه خدمة البيت، ولكن كثرة العمل بالبيت أضعفتها، فأثرت الرحى في يديها وضعف بدنها.

وعلم علىّ أن رسول الله قدم إليه سبىُُ، فقال لفاطمة: والله لقد سنوت حتى لقد اشتكيت صدري، قال وقد جاء الله أباك بسبي فاذهبي فاستخدميه، فقالت: وأنا والله قد طحنت حتى مجلت يداي، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: "ما جاء بك أي بنية"؟ قالت: جئت لأسلم عليك، واستحيت أن تسأله ورجعت، فقال: ما فعلت؟ قالت: استحييت أن أسأله، فأتياه جميعا فقال علي: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم والله لقد سنوت حتى اشتكيت صدري، وقالت فاطمة قد طحنت حتى مجلت يداي، وقد جاءك الله بسبى وسعة فأخدمنا.

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والله لا أعطيكما وأدع أهل الصفة تطوى بطونهم لا أجد ما أنفق عليهم، ولكنى أبيعهم وأنفق عليهم أثمانهم". فرجعا.

فأتاهما النبي صلى الله عليه وسلم وقد دخلا في قطيفتهما إذا غطت رءوسهما تكشفت أقدامهما، وإذا غطيا أقدامهما تكشفت رءوسهما فثارا فقال: "مكانكما"، ثم قال: "ألا أخبركما بخير مما سألتمان"؟. قالا: بلى. فقال: "كلمات علمنيهن جبريل عليه السلام، فقال: تسبحان في دبر كل صلاة عشرا وتحمدان عشرا وتكبران عشرا، وإذا أويتما إلى فراشكما فسبحا ثلاثا وثلاثين واحمدا ثلاثا وثلاثين وكبرا أربعا وثلاثين". قال: فوالله ما تركتهن منذ علمنيهن رسول الله صلى الله عليه وسلم. (رواه المنذري).

حفظ سر النبي

عن عائشة رضي الله عنها قالت: اجتمع نساء النبي صلى الله عليه وسلم، فلم يغادر منهن امرأة، فجاءت فاطمة تمشي كأن مشيتها مشية رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال: "مرحبا بابنتي"، فأجلسها عن يمينه أو عن شماله، ثم إنه أسر إليها حديثا فبكت فاطمة، ثم إنه سارها فضحكت أيضا، فقلت لها: ما يبكيك؟ فقالت: ما كنت لأفشي سر رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فقلت: ما رأيت كاليوم فرحا أقرب من حزن. فقلت لها حين بكت: أخصك رسول الله صلى الله عليه وسلم  بحديثه دوننا ثم تبكين؟ وسألتها عما قال، فقالت: ما كنت لأفشي سر رسول الله صلى الله عليه وسلم.

حتى إذا قبض سألتها فقالت: إنه كان حدثني: "أَن جبريل كان يعارضه بِالقرآنِ كل عام مرة، وإِنه عارضه به في العام مرتينِ ولا أراني إلا قد حضر أَجلي، وإنك أول أهلي لحوقا بي ونعم السلف أنا لَك"، فبكيت لذلك، ثم إنه سارني فقال: "ألا ترضين أن تكونى سيدة نساء المؤمنين أَو سيدة نساء هذه الأمة"، فضحكت لذلك. (رواه مسلم).

إلى جوار الحبيب

عاشت السيدة فاطمة بعد وفاه أبيها الله بشوق إلى لقاء الوالد الحبيب، ثم إنها مرضت، وكانت أم سلمى تقوم على تمريضها، فقالت فاطمة يا أماه اصنعي لي غسلا فاغتسلت أحسن ما يكون ولبست ثياب جدد واضطجعت واستقبلت القبلة حتى فاضت روحها الطاهرة، وكان ذلك بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم  بسته أشهر، وصلى عليها العباس عم الرسول صلى الله عليه وسلم.

JoomShaper