بقلم ناهد ونوس
إنها ميمونة بنت الحارث بن حزن العامرية- برة سابقاً- أخت أم المؤمنين زينب بنت خزيمة لأمها، وخالة عبد الله بن عباس، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم. روت عدداً من الأحاديث منها حديث غزوة الفتح- فتح مكة- الطويل، وحديث صلاته صلى الله عليه وسلم ركعتين قبل العصر. عرفت- رضي الله عنها- بطيبة قلبها، ما ورد أنه وقع أي خلاف أو مشاحنة بينها وبين أي من ضرائرها، كما عرفت بتقواها حتى قالت عنها عائشة إنها أكثر تقوى لله بين أمهات المؤمنين، وأكثرهن حرصاً على صلة الرحم. رغبت- رضي الله عنها- في نكاح النبي صلى الله عليه وسلم فوهبته نفسها، وعندما وصلها خبر موافقته صلى الله عليه وسلم نزلت- فرحاً- عن الجمل الذي كانت تركبه ووهبته بما حمل للنبي صلى الله عليه وسلم وكانت يومها في السادس والثلاثين من العمر وهو- عليه الصلاة والسلام- في الستين، وذلك في السنة السابعة للهجرة في الشهر الذي صد فيه صلى الله عليه وسلم عن المسجد الحرام. وعند ذلك طلب رسول الله صلى الله عليه وسلم من المشركين أن يبقى بمكة ليعرس بينهم ويولم ويطعمهم فرفضوا، فذهب بميمونة رضي الله عنها إلى سرف وبنى بها هناك. وفيها نزل قول الله تعالى ﴿... وامرأةً مؤمنةً إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها خالصةً لله من دون المؤمنين...﴾. وبعد زواجه صلى الله عليه وسلم منها- حيث صار تحته تسع زوجات- حرم الله تعالى عليه الزواج بغيرهن ﴿لا يحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهم من أزواج ولو أعجبك حسنهن إلا ما ملكت يمينك وكان الله على كل شيء رقيبا﴾ وذلك مجازاةً لأزواجه صلى الله عليه وسلم ورضاً عنهن على حسن صنيعهن في اختيارهن الله ورسوله والدار الآخرة لما خيرهن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثم نسخ حكم هذه الآية وأبيح له صلى الله عليه وسلم الزواج ولكنه لم يفعل لتكون المنة لرسول الله صلى الله عليه وسلم عليهن.
وفي عام القحط، كان الأعراب يأتون المدينة وكان النبي صلى الله عليه وسلم- كما تروي ميمونة- يأمر الرجل فيأخذ بيد الرجل فيضيفه ويعشيه. فجاء أعرابي ليلةً- وكان كافراً- فأكل طعام رسول الله اليسير كله، وتكرر ذلك منه أكثر من ليلة،
فقالت ميمونة رضي الله عنها بلهفة وحرقة: اللهم لا تبارك في هذا الأعرابي يأكل طعام رسول الله صلى الله عليه وسلم ويدعه. ثم جاء به صلى الله عليه وسلم ليلةً وقد أسلم فلم يأكل إلا يسيراً، فدهشت ميمونة فقال صلى الله عليه وسلم:"إن الكافر يأكل في سبعة أمعاء وإن المؤمن يأكل في معى واحد". كان دأبها- رضوان الله عليها- البساطة في العيش مثل سائر أمهات المؤمنين.
فتضيف ابن عباس عندها يوماً فوضعت كساءً على رأس الفراش واضطجعت، ومدت كساءً آخر عليها وبسطت للنبي صلى الله عليه وسلم بسيطاً إلى جانبها فتوسد على وسادها... عاشت ميمونة رضي الله عنها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فوق ثلاث سنوات، وكان في غرفتها عندما بدأ يشعر بأعراض المرض الذي توفي فيه، فاستأذنها وسائر زوجاته للبقاء في غرفة عائشة فأذن له.
وبعد موته صلى الله عليه وسلم بقيت ميمونة في المدينة. وبلغها يوماً أن ابن عباس يهجر فراش زوجته إذا حاضت،
فما استحت رضوان الله عليها من الحق وأرسلت إليه: أترغب عن سنة رسول الله؟ فقد كان رسول الله يباشر المرأة من نسائه حائضاً تكون عليها الخرقة إلى الركبة وإلى نصف الفخذ. توفيت ميمونة في المدينة في السنة الواحدة والخمسين للهجرة وهي في الثمانين من العمر،
وكانت آخر زوجات النبي صلى الله عليه وسلم وفاةً. أوصت أن تدفن حيث بنى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم بسرف، ففعل. رضي الله تعالى عن ميمونة أم المؤمنين وأرضاها وجمعنا وإياها في الفردوس الأعلى من الجنة، آمين.
ميمونة أم المؤمنين
- التفاصيل