أحمد عبد السلام
"لجان وطنية لتحديث قوانين الأسرة العربية.. برامج تدريبية لتوعية المرأة بالعنف الذي يمارس ضدها.. دعم نفسي واجتماعي لأسرة العائل المهاجر للحفاظ على كيانها من الانهيار".. توصيات أقرها المشاركون في مؤتمر "تمكين الأسرة في العالم المعاصر" الذي عقد بالعاصمة القطرية.
حذر المؤتمر الذي نظمه معهد "الدوحة الدولي للدراسات الأسرية والتنمية" من المخاطر الاجتماعية والاقتصادية التي تحدق بالأسرة العربية، وبالتهديد الذي يواجهه بناؤها الطبيعي في ظل العولمة.
قيم ضائعة
كان أكثر من 50 خبيرا عربيا ،في مجال الدراسات الأسرية، قد ناقشوا في المؤتمر الذي عقد في الفترة من 27 - 28 يناير 2010 مفهوم الأسرة الطبيعية الذي سبق طرحه في مؤتمر الدوحة العالمي للأسرة قبل خمس سنوات، محذرين من مخاطر ادعاءات المفاهيم الجديدة التي بدأت تفرض نفسها في العديد من دول العالم، وما تخفيه وراءها من انتشار للشذوذ وما يتبعه من انهيار للشكل الطبيعي للأسرة.
وفي كلمتها الافتتاحية، عرضت الشيخة حصة بنت حمد بن خليفة آل ثاني -رئيسة المجلس الأعلى لشئون الأسرة- لتلك المخاطر، مشيرة إلى أن الأسرة في المنطقة العربية تواجه تحديات جديدة تهدد كيانها على غرار التفكك الأسري والعنف الأسري والإدمان والإباحية، وما يترتب عليها من انتشار لأمراض أهمها وأخطرها الإيدز.
وهو نفس ما أكده ميشيل سيدي بيه، المدير التنفيذي لبرنامج الأمم المتحدة لمكافحة الإيدز، موضحا أن هناك 4 آلاف طفل سنويا في العالم يولدون وهم مصابون بمرض نقص المناعة المكتسبة.. داعيا في هذا الصدد إلى العمل على حماية الأمهات حتى لا ينقلن العدوى لأطفالهن.
وعن وضع الأسرة العربية من مثيلاتها في العالم، نبه الدكتور كامل مهنا الأستاذ بالجامعة اللبنانية والمنسق العام لتجمع الهيئات الأهلية التطوعية اللبنانية والعربية، إلى التحولات الاجتماعية والثقافية التي صاحبت التحولات الاقتصادية للعولمة المعاصرة، وأدت إلى تزايد الفقر، وانتشار البطالة، وتدني نوعية القدرات البشرية، وتزايد حدة التفاوت الطبقي".
وتابع: "تعرض البيت العربي في السنوات الأخيرة لتبدل القيم في البيئة المجتمعية نتيجة لسيادة القيم المادية، وتغليب المصالح الفردية، واضطراب المعايير التي يقاس على أساسها السلوك، كما تعرضت العلاقات داخلها للتفكك، وتقلص أوقات التفاعل بين أفرادها، وزيادة مظاهر العنف المادي والمعنوي خاصة ضد الإناث والأطفال".
وأضاف مهنا: "ومع سيادة النظام الأبوي وتركيزه على تنشئة الأبناء على الطاعة دون الحوار والنقد، يفقد الجيل الجديد القدرة على التواصل والمشاركة الإيجابية في الحياة السياسية وممارسة الديمقراطية التي تصبح شعارا بلا مريدين في مجتمعاتنا".
قوانين متعثرة
ورصدت دكتورة كلثم الغانم -أستاذة علم الاجتماع بجامعة قطر- جانبا آخر لمشكلات الأسرة العربية، ألا وهو العنف الأسري المنتشر في منطقة الخليج، مشيرة إلى أن الثقافة الخليجية والعربية تقدم تبريرات للعنف ضد المرأة، معتبرة أن نقص الوعي لدى المرأة بحقوقها يجعلها تبرر العنف الممارس ضدها، داعية إلى تطوير القوانين لتقدم حماية أكبر لها، واقترحت تنظيم برامج تدريبية لتوعيتها بأشكال العنف الذي تواجهه.
ومن جهتها، تحدثت الدكتورة بدرية عبد الله العوضي، مديرة المركز العربي الإقليمي للقانون البيئي بجامعة الكويت، عن مظاهر التحديث في قوانين الأحوال الشخصية العربية، مشيرة إلى أن الدول العربية اتخذت اتجاهين في تعديلاتها لقوانينها: الأول أطلق العنان لتعدد الزوجات، والثاني وضع ضوابط قانونية التعدد، مقابل وجود نصوص أباحت طلاق الخلع بالإرادة المنفردة للزوجة.
ودعت العوضي الحكومات العربية إلى إنشاء لجان وطنية لتحديث القوانين في دولهم لتواكب المتغيرات المستجدة، والتي لها تأثير مباشر على الأسرة العربية، نتيجة سيطرة الأعراف والتقاليد السارية التي تعوق تفعيل قوانين الأحوال الشخصية، وخصت بالتنبيه المواد المتعلقة بطلاق الخلع والتي تشترط تراضي الزوجين على إنهاء عقد الزواج بالخلع، داعية إلى الحد من الشروط المجحفة على الحق الشرعي للزوجة في اللجوء إلى طلاق الخلع بالإرادة المنفردة، وتقييد ممارسة الزوج الابتزاز المادي والمعنوي على الزوجة للتنازل عن حقوقها المالية والشرعية في النفقة الزوجية المتجمدة أو التخلي عن نفقة العدة أو غيرها من الحقوق.
وأبرزت مجموعة من التحديات التي تواجه المرأة بشكل خاص أهمها الفجوة في الأمية بين النساء والرجال، والنقص في برامج وخطط التوعية القانونية والشرعية، وكذا التقاعس عن تجديد وتدوين الفقه الإسلامي الإيجابي للمرأة.
وطالبت معهد الدوحة الدولي للدراسات الأسرية بأخذ المبادرة في تشكيل لجنة عليا بالتعاون مع منظمات المجتمع المدني العاملة في مجال تمكين المرأة العربية في الدول العربية، ومن الهيئات الرسمية المختصة بشئون المرأة والأسرة؛ لإعداد إستراتيجية إقليمية لمراجعة النصوص التمييزية ضد حقوق المرأة الأسرية في قوانين الأحوال الشخصية، ووضع برامج عمل وطنية لإلغائها، والعمل على تمكين مشاركة المرأة ذاتها في عملية النهوض.
وحثت الدكتورة بدرية في كلمتها الجهات المختصة بشئون المرأة والأسرة في الدول العربية على اتخاذ التدابير المناسبة لسن التشريعات الوطنية التي تجرم العنف الأسري والتحرش الجنسي بحق المرأة العاملة في مراكز العمل، وفي إنشاء ملاجئ لإيواء ورعاية المرأة وأولادها من ضحايا العنف.
الأب الحاضر الغائب
ومن جانبه، تعرض أيمن زهري -من الجمعية المصرية لدراسات الهجرة- لتأثير الهجرة على الأسرة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، موصيا بضرورة تشجيع لم شمل الأسر، وإتاحة الفرصة للعامل الوافد في استقدام أسرته؛ لأن ذلك ينعكس على توازنه النفسي، بما ينعكس على معدلات الأداء والإنتاجية له.
ودعا "زهري" إلى مراعاة القواعد والأعراف الدولية الخاصة بلم الشمل، واقترح أن تقوم الهيئات المختصة بدول المنشأ بتقديم الدعم النفسي والاجتماعي لأسرة المهاجر أثناء غيابه؛ حفاظا على كيانها.
وفي ختام المؤتمر أعاد الدكتور ريتشارد ويلكنز، المدير العام لمعهد الدوحة الدولي للدراسات الأسرية والتنمية، التذكير بأبرز توصيات إعلان الدوحة 2004، والتي أكدت على الاعتراف بما تؤديه الأسرة من أدوار؛ من حيث الدعم، والتربية، والتنشئة، مع التأكيد على أنها هي الخلية الطبيعية والأساسية للمجتمع، ولها التمتع بحماية ومساعدة المجتمع والدولة على أوسع نطاق ممكن.
وبيّن أن إعلان الدوحة ألح على وضع برامج لحفز وتشجيع الحوار بين الأمم والأديان والثقافات والحضارات، بشأن المسائل المتعلقة بالحياة الأسرية، وفي ذلك التدابير الكفيلة بصون مؤسسات الزواج وحمايتها، وإعادة تأكيد أهمية المعتقدات الدينية والأخلاقية في صون الاستقرار الأسري والتقدم الاجتماعي، وتقييم وقياس مدى انسجام القانون والسياسات الدولية مع مبادئ وأحكام الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والالتزامات الدولية الأخرى المتعلقة بالأسرة.
إسلام أون لاين