منتدى المرأة والاعلام - المنتدى الرابع لقمة المرأة العربية
قال الدكتور جابر عصفور ان الاعلام لايزال يركز فى برامجه وأعماله الابداعية على الصورة المتخلفة والتقليدية للمرأة ودعا الى استبدال الصورة النمطية للمرأة وتجاوزها باستبدال السائد ثقافيا بالهامش والنماذج المتقدمة الواعدة بالنماذج المتخلفة الجامدة وذلك ضمن استراتيجية اعلامية شاملة تعمل على دفعها المجتمعات العربية الى اقصى درجات التقدم كما تعمل على الحاق اعلامنا القومى بالاعلام المتطور فى العالم كله. جاء ذلك فى ورقة عمل قدمها الى منتدى المرأة والاعلام المنعقد حاليا فى ابو ظبي تحت عنوان /المرأة والاعلام/ طرح خلالها تصوراته ازاء قضية مشاركة المراة العربية فى وسائل الاعلام. وأضاف الدكتور عصفور وهو ناقد واديب معروف //لا شك أن لاجهزة الاعلام المختلفة تأثيرا كبيرا فى تشكيل الوعى المجتمعى بل هى فى الواقع أقوى العوامل الفاعلة فى هذا التشكيل. ودورها يأتى موازيا للدور الذى تقوم به أجهزة التعليم وأجهزة الثقافة وغيرها من الاجهزة التى تتولى صياغة الوعى المعرفى للمجتمع جنبا الى جنب صياغة أعراف المجتمع وعاداته وقيمه السلوكية التى تحدد المقبول أو المرفوض المستحسن أو المكروه من أنماط السلوك الاجماعى فى دائرة الاخلاق والقيم الجمالية على السواء.
وقال الدكتور جابر عصفور فى ورقته //يمكن القول ان تأثير أجهزة الاعلام على وجه التخصيص يفوق فى شمول مداه وسرعة الاستجابة اليه وتعدد دوائره الاجهزة الموازية للتعليم والتثقيف ذلك لان أجهزة الاعلام المتعددة ووسائله المختلفة تصاحب المواطن من باكورة الصباح الى وقت النوم وهى تتنوع ما بين الجريدة الصباحية والمسائية والاذاعات التى يمتد ارسالها على مدار ساعات اليوم شأنها فى ذلك شأن الارسال التلفزيونى المحلى وغير المحلى بقنواته التى لا تحصى وفضائياته التى أحالت الكوكب الارضى الى قرية صغيرة لا تخفى فيها خافية. ومضى الدكتور جابر عصفور يقول //أذا تصورنا العلاقة بين أجهزة الاعلام والجماهير المتأثرة بها على انها علاقة ارسال واستقبال لرسائل أو صور بعينها وذلك فى دائرة من التفاعل المستمر الذى يتسم بالصيرورة فان الرسائل التى تبثها هذه الاجهزة والصور التى تقدمها يبقى تأثيرها حاضرا فى ذهن الجمهور الذى يستقبلها ويتلقاها والذى سرعان ما يستجيب اليها استجابة التصديق نتيجة الحاح التكرار من ناحية ووسائل الاقناع المصاحبة بكل ما ينطوى على معانى الاغواء وأبراز ما يدفع الى التسليم من ناحية مقابلة. ويلعب التعود فى هذا المجال دورا مهما موازيا لدور التكرار الذى يكف عن الحاحه وتنويع مجالاته الى أن يتمثل الجمهور المستقبل الرسائل المرسلة على أكمل وجه يقصد اليه مرسلو الرسائل الاعلامية.
واضاف الدكتور جابر عصفور //يؤكد ما نراه فى واقع الحياة اليومية أن الرسائل التى تبثها أجهزة الاعلام المختلفة لا تقتصر على شكل واحد وانما تتغير بتغير الوسائط التى تبث خلالها ما بين جريدة ومجلة أو اذاعة أو تلفزيون. ولا تتنوع الرسالة الاعلامية بتنوع الوسائط أو الوسائل فحسب وانما تتنوع أيضا بتنوع المعالجة فتغدو الرسائل مباشرة فى بعض المجالات والمستويات أو تغدو غير مباشرة فى مجالات موازية هى مجالات الفن الذى يستخدم المجاز لا الحقيقة والكناية لا الواقع والرمز وليس الفكرة المباشرة. واذا كانت الرسالة الاعلامية تتلون بتلون الوسائط التى تصل الينا من خلالها حيث تتوافق المادة الاعلامية مع الشكل الذى تمنحها أياه الوسائط الاعلامية فأن هذا التلون يتحقق فى المدى الذى يفصل بين المباشرة وغير المباشرة وذلك على النحو الذى تغدو فيه المباشرة حاسمة فى تأثيرها فى المجالات التى تستدعيها والتى تستلزم ذكر الحقائق المجردة والارقام العارية والظواهر البارزة. وعلى العكس من ذلك المجالات الفنية والمستويات الابداعية حيث تغدو المباشرة مذمومة والتعليمية الزاعقة علامة ضعف ويستحسن الالماح والرمز والتمثيل الذى يقدم الحقيقة من وراء المجاز ويضع المعلومة فى قالب الحدث الدرامى أو على لسان الشخصية الفنية المخترعة فى الاعمال الدرامية. واشار الى أن الاعلام يغدو أقوى تأثيرا بالطبع عندما يتزايد الاعتماد المتبادل بين الوسائط الاعلامية ويحدث نوع فعال من التجاوب بين الوسائل السمعية والبصرية والوسائل التى تجمع ما بين السمع والبصر فى ان. وبقدر قوة تأثير التجاوب الذى أتحدث عنه فى مجال العلاقة بين المستقبلين والمرسلين فان هذه القوة تجد ما يضاعفها فى التقدم التقنى الذى يلحق بأجهزة الاعلام ويساعدها على تحقيق المزيد والمزيد من التأثير.
واشار الدكتور جابر عصفور الى ان القرن العشرين شهد تطورا هائلا متسارعا فى تكنولوجيا الاتصال انعكس بدوره على وسائل الاعلام وأدى الى تغيرات كبيرة فى شكلها ودورها ومضمون الرسالة التى تحملها وظهرت تقنيات الاتصال عن بعد التى استخدمت على نطاق واسع فى مجال الاعلام بظهور الراديو ثم التلفزيون بوصفهما وسائل اعلام جماهيرى استطاعت / خاصة مع التطور فى نظم الاتصالات الفضائية عبر الاقمار الصناعية فى النصف الثانى من القرن العشرين/ أن تعطى لوسائل الاعلام مجموعة من الميزات الموثرة. تتمثل أولاها فى قدرة على تجاوز حدود المكان بصورة مذهلة. وتتمثل ثانيتها فى قدرة موازية على مخاطبة جموع واسعة من الجماهير فى نفس الوقت. وهى امكانيات لم تكن متاحة دون هذه الثورة فى مجالات الاتصالات وتطبيقاتها فى الاعلام. واوضح أن هذه الامكانات التقنية للاعلام امكانات غير محدودة ساعدته على أن يلعب دورا مهما ومتزايدا فى تشكيل الوعى المجتمعى خصوصا بعد أن أصبح فى مقدور من يصوغون الخطاب الاعلامى ويتحكمون فى رسائله أن يتوجهوا به ليس فقط الى قطاعات جماهيرية شديدة الاتساع دخل مجتمعاتهم بل كذلك الى المجتمعات الاخرى خارج دولهم. وقد تدعم هذا الوضع بعد أن استطاعت ثورة الاتصالات المعاصرة احالة الكوكب الارضى الى قرية كونية صغيرة تنتقل بينها الرسائل الاعلامية فى سهولة ويسر الامر الذى أدى الى احداث تغيرات جذرية فى مفاهيم المكان الذى تداعت مسافاته الشاسعة وأصبحت مختزلة الى أبعد حد ومفاهيم الزمان الذى لم يعد يفصل بين جوانب القرية الكونية التى أصبحت صغيرة بالفعل لا تعرف حواجز الزمان أو المكان التقليدية.
واضاف الدكتور جابر عصفور/ لقد أتاح ذلك لاجهزة الاعلام الاقوى فى الدول الكبرى بث الرسائل الاعلامية المختلفة التى توكد هيمنة هذه الدول على الشعوب الاقل قوة والامم الاضعف تأثيرا وذلك فى علاقات الصراع الدولى التى تقوم على فرض السطوة والهيمنة بوسائل متباينة على رأسها أجهزة الاعلام التى تدعمت بالفضائيات والتى أصبحت تفرض رسائل الدول الاقوى على الدول الاضعف بشتى الاساليب وذلك بهدف ابقاء السيطرة السياسية والاقتصادية والثقافىة للدول الاقوى على الدول الاضعف. ولذلك أخذ بعض علماء الاجتماع المعاصرين يتحدثون عن الاستعمار الثقافى الجديد قاصدين الى التأثير السلبى الذى تمارسه الدول الاقوى من خلال ما تملكه من وسائط أعلامية تقليدية وغير تقليدية خصوصا بعد أن اصبح للوسائط غير التقليدية التى تتصدرها الفضائيات والانترنت من التأثير الاعلامى غير المسبوق فى تاريخ البشرية. ويدعم ذلك ما نراه من توجه أجهزة الاعلام القوية للدول العظمى فى صياغة وعى الشعوب الفقيرة أو التابعة حسب ما يوافق مصالح الدول العظمى بالدرجة الاولى ويوكد هيمنتها الثقافية التى لا ينفصل معنى الاتباع فيها عن معانى التبعية السياسية والاقتصادية. وقال ان هذا الوضع المتقدم عالميا يفرض نفسه علينا بوصفنا نقع فى المنطقة الاضعف من الكرة الارضية والاضعف دائما فى موقع الاستجابة الى الاقوى شأنه فى ذلك شأن المغلوب المولع بتقليد الغالب كما يقول أبن خلدون. لكن هذا الاضعف له خصوصيته الاعلامية وذلك من حيث أنه يعتمد على وسائط اعلامية خاصة به وسائل ترتبط بأدوات الاتصال الجماهيرى التى لا تقتصر فى مجتمعاتنا العربية على الجريدة والمجلة والاذاعة والتلفزيون بل تجاوز ذلك الى خطباء المساجد وصناع شرائط الكاسيت التى يبثون بواسطتها ما يشاءون من رسائل على رأسها اليوم رسائل التطرف الدينى. والى جانب الكاسيت هناك المنتديات غير الحكومية والتى لا تكف تجمعاتها عن صياغة رسائلها الاعلامية الخاصة واشاعتها بواسطة المشافهة أو الشرائط أو حتى أجهزة الانترنت كما اصبحنا نشاهد اليوم. وقد بلغ من قوة أدوات الاتصال الجماهيرى هذه فى العالم الثالث أن أسهمت بقوة فى قلب نظام الشاه فى ايران واتسعت بحضور ما يسمى بالاسلام السياسى الى حد بعيد.
وذكر الدكتور جابر عصفور انه اذا كانت الرسائل الاعلامية التى تصل عبر الاذاعة والتلفزيون تتميز بأمكانية مخاطبة اولئك الذين يجهلون القراءة والكتابة واصبح لها تأثير كبير على الجمهور المتلقى الذى يكتسب كثيرا من معارفه وقيمه من خلال ما تبثه وسائل الاعلام أقول أذا كان ذلك ما يميز الاذاعة والتلفزيون فأن أعلام المشافهة غير الرسمى مضافا اليه التقنيات المسموعة والمرئية التى تستخدمها المجموعات الموازية للدولة أصبح له من التأثير ما يفوق تأثير الاعلام الرسمى فى حالات كثيرة بل فى مجتمعات يمكن لبعضها أن يصدر فتاوى بتحريم مشاهدة التلفزيون كمام حدث فى افغانستان. وقال //أذا كان الاعلام يلعب دورا بالغ الاهمية فى تشكيل الوعى لدى افراد المجتمع بشكل عام وينقل اليهم الرسائل التى يريد أولو الامر توجيهها اليهم وأقناعهم بها ودفعهم الى العمل أو السلوك بمقتضاها فأن الاعلام يلعب الدور نفسه فى تشكيل صور طوائف المجتمع فى ذهن اعضائه ويلعب دورا موازيا فى تثبيت صور بعينها عن / الرجل/ أو / المرأة / فى أذهان أفراد المجتمع جميعا بلا تفرقة بين كبير أو صغير غنى أو فقير خصوصا فى منطقة القيم والاعراف الاجتماعية والسلوكية التى تتجاوز حدود الفقر أو الغنى. وتابع قائلا من الطبيعى / والامر كذلك / أن يسهم الاعلام فى تكوين الوعى المجتمعى بالمرأة سلبا أو ايجابا مستعينا على ذلك برسائله الاعلامية التى تحملها الجريدة والمجلة وتوديها الاذاعة والتلفزيون خصوصا التلفزيون الذى اصبح أداة أعلامية خطيرة يتصل تأثيرها المتزايد بالاعمال الدرامية التى أصبحت تحتل مساحة متميزة من الخارطة الاعلامية وتلقى التفافا واسعا من الجماهير لمتابعتها. ويحدث التأثير السلبى للاعلام عن طريق صياغة وتثبيت وأشاعة الصورة السائدة عن المرأة التابعة سواء فى أذهان الرجال الذين تربوا ثقافيا وأعلاميا على أنهم الاقوى والاقوم أو فى أذهان النساء اللائى لايزلن خاضعات للايديولوجية المجتمعية السائدة عن المرأة التابعة أو فى أذهان الاطفال الذين يتربين على تمثل الصورة السائدة للمرأة فتتابع أجيالهم المومنة بسلامة هذه الصورة وصحتها ولا يخامرهم الشك فى مصداقيتها سواء أصبحوا رجالا يعيدون أنتاج ايديولوجيا التفوق الذكورى التى تبقى فى وضعهن المتردى او يمارسن العادات التى لا تخرجهن من منطقة الهامش الاجتماعى.
وأكد الدكتور جابر عضفور أن هذا الفريق من النساء المسرفات فى ممارسة الافكار التقليدية الجامدة أكثر خطورة على وضع المرأة وصياغة صورتها المجتمعية من فريق الرجال المعادين لتحرير المرأة ومنحها حقها فى المساواة والوضع الاجتماعى السياسى المكافىء لوضع الرجال وما ذلك ألا لان عدو الداخل أقوى تأثيرا من عدو الخارج فهو الذى يسبق بالهزيمة وهو الذى يقوض الصفوف من داخلها قبل خوض أى مواجهة. واشارت الى أن خطورة هذا الفرىق تزداد عندما يتسرب الى أجهزة الاعلام ويسهم فى صياغة رسائلها ويضيف الى قيم الهيمنة الذكورية قيم الخضوع النسائى التى هى قيم الاستسلام الكامل لسطوة الرسائل الاعلامية المعادية لحضور المرأة. ولا جدال أن تخلص الرسائل الاعلامية من قيم الهيمنة الذكورية التى يوكدها الرجال أو توكدها النساء يجعل هذه الرسائل أكثر صفاء فى تأكيد القيم الايجابية فى عقول الناشئة وأكساب الاطفال ملامح الصورة الايجابية الجديدة فى فعل التنشئة الاجتماعية التى هى تنشئة ثقافية فى الوقت نفسه. كما أكد أن اجهزة الاعلام لا يمكن ان تبث رسائل موجبة عن المرأة ألا أذا كانت الدولة التى تمتلك هذه الاجهزة مومنة بقضية المرأة مسلمة فعلا أنها نصف المجتمع الذى لا ينبغى تجميده أو الاسهام فى تخلفه ويحدث ذلك عندما تكون سياسات الدولة نفسها لا تعرف تحيزا يمايز بين الرجل والمرأة أو يضع المرأة فى درجات أدنى بكثير من الدرجات التى تضع عليها الرجل. وأذا امنت الدولة بقضية المرأة وراعت فى استراتيجيات عملها المساواة الفعلية بين المرأة والرجل وأزالة العقبات التى تحول دون ذلك يمكن للاعلام الحكومى فى مجالاته المتعددة وأساليبه المتنوعة أن يبث رسائل ايجابية من شأنها تغيير الوعى المجتمعى الخاص فيما يتصل بصورة المرأة الجديدة وتصفية الاذهان من الشوائب التى تظل عالقة من بقايا الصورة القديمة السلبية. وراى أنه أذا تازرت أجهزة الاعلام التى تمتلكها الدولة مع أدوات الاتصال الجماهيرى التى لا تكف عن بث رسائها الموازية لاعلام الدولة او توافقت هذه الادوات فى محتوى رسائلها الموجبة مع الرسائل الموجبة الموازية التى يبثها أعلام الدولة حدث التقدم الحقيقى الفعال فيما يتصل بصورة المرأة الاعلامية وفيما يتعلق بمضمون الرسائل المبثوثة على نحو مباشر أو غير مباشر ومن خلال أجهزة الدولة ووسائل الاتصال الجماهيرى الموازية لاجهزة الدولة.
وأعرب الدكتور جابر عصفور عن أسفه لان هذا الوضع المثالى لم يحدث الى اليوم وذلك لاسباب متعددة أول هذه الاسباب أن الدولة هى فى المجتمعات العربية لم تتخذ بعد موقفا متحدا فى ايجابيته من المرأة بوجه عام ومن وعوامل تشكيل صورتها الاعلامية بوجه خاص فبعض الدول العربية تمنح للمرأة من الحقوق ما لا يمنح فى غيرها ولذلك فأن التفاوت بين الصورة الاعلامية للمرأة تختلف من دولة عربية الى أخرى نتيجة اختلاف الاوضاع الاجتماعية والثقافية والسياسية والاقتصادية الامر الذى يوكده ذلك التباين الحاد فى صورة المرأة فى أجهزة الاعلام العربية من المحيط الى الخليج سواء على مستوى ظهور المرأة أو عدم ظهورها فى أجهزة الاعلام من ناحية أو فى أشكال ظهورها وشروطه وأوضاعه من ناحية ثانية. وأوضح أن الناحية الاولى تتصل بالدول التى تسمح لاجهزتها بأبراز المرأة المحلية فى تلفزيوناتها مثلا أو تخفى هذه الصور وتستبدل غيرها فى حالات كثيرة. والناحية الثانية تتصل بما تتكون به ملامح الصورة على مستوى الملابس ومستوى السلوك الفاعل وغير الفاعل ومستوى المشاركة مع الرجل فى مواجهة المواقف أو السلبية ازاءها وترك الامر كله للرجل مضيفا أنه يتصل بأشكال الاداء السمعى والبصرى فى هذا المجال اللغة التى تصوغ صورة المرأة أو التى تنطقها المرأة فى علاقتها بالرجل خصوصا حين تستخدم من الجمل والمفردات ما يوكد مكانتها بالقياس الى هذا الرجل سواء فى حالة حضورها أو حالة غيابها.
وقال الدكتور جابر عصفور أنه لا ينفصل عن هذا التباين القطرى فى الموقف الاعلامى للدولة فى المجتمعات العربية الوضع الاقتصادى الذى يوسس لهذا التباين ويدفعه. وأذا كان المثل الغربى يقول أن من يدفع للعازف هو الذى يختار الاغنية فأن الواقع الاعلامى العربى خصوصا على مستوى الاعمال الابداعية التى تبث رسائل غير مباشرة يوكد أن القدرة المالية الاعلى على شراء المنتجات الاعلامية التى تنطوى على صور المرأة تسهم فى تحديد هذه الصورة كما تسهم فى اختيار ملامحها ومن ثم اختيار أنماطها السلوكية ومجالات فعلها الاجتماعى فضلا عن مدى حركتها العاطفية والعقلية ناهيك عن اللغة المستخدمة والتى تجاوز العبارات الى اختيار الاسماء. ومضى يقول //وأذا أخذنا الدراما التلفزيونية نموذجا على ذلك خصوصا فى العقود الاخيرة لاحظنا بسهولة أن هناك نوعا من / الكود/ أو الشفرة غير المعلنة من حيث التصريح المباشر بها لكن الظاهرة فى الناتج الفعلى لهذه الدراما وتتجلى هذه الشفرة فى قائمة لافتة من المنوعات وقائمة دالة من النماذج النسائية التى يمكن أبرازها مقابل النماذج النسائية التى ينبغى تجنبها مضافا اليها قوائم أخرى خاصة باللغة المستخدمة والعلاقات القائمة بين الرجل والمرأة. هذه الشفرة فى واقع الامر تقوم على الشروط التى تمليها القدرة المالية الاقوى والاكثر نفوذا فى عمليات تسويق المنتجات الاعلامية وعلى رأسها المنتجات الخاصة بالمرأة فيما يتصل بالتعامل الاقتصادى بين الفضائيات الاعلامية المختلفة وأجهزة أنتاجها الامر الذى يوكد نوعا من علاقات الانتاج الاعلامى الذى يغلب عليه ومن ثم يتحكم فى توجيه أدوات أنتاجه قوى مالية لا تشترى ألا ما يوافق توجهاتها المحافظة فى الاغلب الاعم. ولفت الى أنه ليس ببعيد عن هذا الجانب موقف /الدولة/ من أعلامها فى هذا القطر العربى أو ذاك على مستويات متعددة بالقطع وتباينات دالة بسبب اختلاف الاوضاع الاجتماعية وغير الاجتماعية ما بين الاقطار العربية لكن مع وجود قاسم مشترك يسم عمليات التشكيل الاعلامى لصورة المرأة.
وقال الدكتور جابر عصفور انه من الواضح أننا لا نستطيع أن نتحدث عن كيان متجانس لمكونات الدولة العربية أو عن تيار واحد يضم الجميع بلا استثناء أذ يحدث أن يكون الموقف المعلن للدولة ايجابيا من المرأة لكن الصورة التى ينتجها أعلام هذه الدولة عن المرأة فعليا غير ايجابية ولا تتطابق مع الموقف الايجابى للدولة بأكثر من وجه. وأوضح أن ذلك يحدث عندما يكون الغالب على توجهات المسئولين عن الانتاج الاعلامى أفكار تقليدية جامدة عن المرأة ومن ثم تغدو الصورة التى يعملون على أنتاجها عاكسة توجهاتهم لا توجهات الدولة. ويحدث ذلك أيضا عندما تتصارع داخل بناء الدولة تيارات متعارضة يميل بعضها الى مساواة المرأة بالرجل ومنحها كامل حقوقها بينما البعض الاخر يتخذ موقفا معاكسا تماما وموكدا لكل ما يبقى على الاوضاع المتخلفة للمرأة وصورتها الاعلامية السالبة. وأضاف أنه عندئذ يحدث تضارب على مستوى الانتاج الاعلامى الناتج لهذا الفريق أو ذاك ويبث أعلام الدولة رسائل متناقضة عن المرأة تماما كما يحدث فى الاعلام المصرى خصوصا التلفزيون حيث نجد عملا دراميا مثل / أم كلثوم/ يبين عن القدرات الخلاقة للمرأة التى تتفوق على الرجال فى مجال الفن وتغدو حضورا اجتماعيا وسياسيا فاعلا لا يقل فى تأثيرها عن كبار الرجال واعاظمهم وذلك مقابل / الحاج متولى/ الذى يعكس نموذجا متخلفا للرجل الذى لايزال ينظر الى المرأة بوصفها وسيلة استمتاع جنسى محض أو بوصفها تابعا ذليلا سلبيا لا رأى له ألا الاستجابة الى /الحاج متولى/ الذى غدا نموذجا معاصرا لصورة / السيد أحمد عبدالجواد / فى علاقته بزوجته / أمينة/ فى الجزء الاول من ثلاثية نجيب محفوظ التى كانت تعكس نموذجا انتهى مع الحرب العالمية الاولى. وذكر أن ما يقال عن الدراما التلفزيونية يقال عن البرامج المباشرة فما بين الاحاديث التى تعكس خطابا دينيا معاديا للمرأة والندوات الاجتمامعية التى تعكس افكارا جديدة يتجسد التناقض الذى يمتد الى غير ذلك موكدا حالا من التناقض بين الرسائل الاعلامية التى يصدرها الجهاز الاعلامى الواحد والذى يصدر للاسف عن العقلية التقليدية الجامدة التى تعمل على أبقاء أوضاع المرأة العربية على ما هى عليه.
وقال الدكتور جابر عصفور / وأذا انتقلنا من واقع الاعلام الرسمى للدولة الى واقع الدور الموثر الذى تلعبه أدوات الاتصال الجماهيرى الموازية للدولة والموجودة بكثافة فى بعض الدول العربية ومنها مصر وجدنا أن هذا الواقع الاخير تغلب عليه قوى الانتاج الاعلامى التى تبث رسائل ذات صلة وثيقة بالتطرف الدينى من ناحية وبمحاولات الانقلاب على الدولة المدنية من ناحية ثانية. ولتحقيق هذا الهدف تسعى أدوات الانتاج الاعلامى لهذه الدائرة الى تثبيت صورة بعينها للمرأة المسلمة صورة معادية للتقدم فى جانب ومناقضة لتعاليم الاسلام السمحة التى منحت المرأة من الحقوق ما لم يكن ممكنا قبل الاسلام بل ما ظل نبراسا مضيئا لتحرير الاسلام للمرأة العربية. وقد تزايدت الرسائل التى يبثها هذا النوع الاخير من الاعلام فى العقود الاخيرة على نحو متصاعد وذلك اتساقا مع تصاعد درجات التطرف الدينى فى المجتمعات العربية وكانت النتيجة اشكالا متعددة من المنتجات الاعلامية التى تبدو فيها المرأة على صورة جامدة متخلفة بوصفها ناقصة عقل ودين حبالة الشيطان أصل الغواية الذى لا بد من قمعه. وقد استندت هذه الصورة للاسف الى بعض الموروثات السلبية التى تحط من مكانة المرأة باسم تأويل دينى كاذب حينا أو عرف اجتماعى فاسد حينا اخر. هكذا أصبحنا نسمع من الاقوال المنسوبة للسلف ما يضفى نقابا سميكا على عقل المرأة وحضورها الاجتماعى والسياسى والثقافى فى ان. وقد تجاوبت هذه الصورة السلبية للاسف مع توجهات التيارات المحافظة التى لاتزال مهيمنة على أكثر أجهزة الاعلام الامر الذى ترتب عليه اتصاف الصورة الاعلامية العربية للمرأة بكثير من صفات السلب الاجتماعى والثقافى والسياسى كما ترتب عليه هيمنة الصورة النمطية التقليدية للمرأة أعلانيا وذلك على نحو لا يدفع الى الصدارة بحال نماذج المرأة الايجابية التى لاتزال موجودة على مستوى الهوامش غير الفاعلة من الحياة العربية.
واضاف أنه أذا كانت هذه الصورة السلبية تشيعها أجهزة الاعلام الحالية وتعمل على تثبيتها بشكل مباشر وغير مباشر فان هذه الصورة تنتسبب فى التحليل الاخير الى ثقافة المجتمعات العربية وتعكس / بدرجات متفاوتة بالهلع / غلبة التيار التقليدى المحافظ على الثقافة العربية بوجه عام. وهو التيار الذى يغدو فيه الفارق بين المثقفين المدنيين والمثقفين الدينيين أحيانا فارقا فى الدرجة لا فى الكيف. ومسوولية غلبة هذا التيار كاملة عن بعض الظواهر التي نلاحظها على الصورة الاعلامية التى تقدمها الفضائيات العربية على سبيل المثال فهناك بعض الفضائيات التى لاتزال تتعامل مع مقدمات البرامج كما لو كن مصدرا للجذب الجنسى الذى يشد المتفرجين الى هذه الفضائية تنفيثا عن بعض العقد المكبوتة اجتماعيا. وأشار الى أن هناك مقابل ذلك الصورة النمطية التى لاتزال تقدمها الدراما التلفزيونية فى الاغلب الاعم والتى لا تستمد مادتها أو نماذجها من المجموعات النسائية الطليعية التى لا تمثل المرأة الجديدة ألا على سبيل الاستثناء أو الندرة. وهناك الاعلانات التى تعتمد على جسد المرأة بوصفها مصدرا للغواية التى تدفع الى رواج المنتج المعلن عنه من ناحية وتثبيت صورة المرأة بوصفها كيانا مختزلا فى الاثارة الجنسية لا غير. كما أنه هناك المستوى الثقافى المتدنى لكثير من مقدمات البرامج ذلك المستوى الذى يعكس وعيا اجتماعيا متخلفا وبصورة تقليدية جامدة للمرأة.
واشار الدكتور جابر عصفور الى أنه قد حدثت متغيرات جذرية موخرا أضافت الى الصورة الاعلامية بالسلب وعلى رأس هذه المتغيرات ما حدث فى الولايات المتحدة حين قامت منظمة / القاعدة / التى ترفع شعارات الاسلام بتفجير برجى مركز التجارة العالمى فى نيويورك موكدا ان يوم الثلاثاء الحادى عشر من سبتمبر سنة 2..1 نقطة فاصلة فى التاريخ بكل ما تحمله الكلمة من معان فالواقع السياسى العالمى بعد هذا اليوم يختلف عما كان قبله فى المجالات السياسية والاقتصادية والفكرية فى الوقت نفسه. وأعرب عن أسفه من أن المتغيرات العالمية بعد أحداث الحادى عشر من سبتمبر والاسلوب الذى تعامل به قطاع واسع من الاعلام الغربى مع هذه الاحداث قد أدى الى ظهور موقف من / الاسلام/ موضحا أن هذه المتغيرات ارتبطت بصورة المرأة العربية والشرقية عموما فى الاعلام فقد أبرزت وسائل الاعلام الغربية صورة المرأة / الطالبانية/ بوصفها نموذجا للمرأة المسلمة وذلك ضمن خطة أو حملة اعلامية سياسية تهدف الى الاساءة للاسلام وأصبحت صورة المرأة المنقبة التى لا تظهر لها ملامح تحت الزى التقليدى والمحجوبة عن المجتمع والحياة تحت حكم طالبان هى الصورة المتكررة بالحاح فى وسائل الاعلام الغربية طوال الاشهر القليلة الماضية.
وذكر الدكتور جابر عصفور فى ورقته العلمية انه اذا كانت المرأة الافغانية تحتاج بالفعل الى تبنى قضاياها والاهتمام بها بعد أن تعرضت لقهر غير مسبوق فى السنوات التى قادت فيه حركة طالبان البلاد ومنعت فيها النساء من العمل أو تلقى العلم الا ان ما تعرضت له المرأة فى أفغانستان وما وصلت اليه فى السنوات الخمس الاخيرة لا يشكل بحال من الاحوال واقع المرأة فى المجتمعات الاسلامية فما حدث فى أفغانستان من منع المرأة من التعليم وحرمانها من العمل جنبا الى جانب الرجل والقضاء على حريتها وحقوقها كل ذلك لا يمثل قاعدة عامة مضطردة فصورة المرأة العربية المسلمة الغالبة على خلاف ذلك وتتضمن جوانب ايجابية كثيرة فى مجالات العمل الاجتماعى والمشاركة السياسية والاسهام الثقافى والحركة الاقتصادية. وأكد ان الانجازات الايجابية التى حققتها المرأة العربية على مدى تاريخها النضالى فى المجتمعات العربية يحمل من علامات الامكان الواعد ما يتناقض كل التناقض والصورة المتخلفة التى تسعى أجهزة الاعلام الغربى الى اشاعتها فى الاشهر القليلة الماضية. وخلص الدكتور جابر عصفور موكدا ان هذه الصورة المتخلفة هى أولى التحديات التى يجب أن يواجهها الاعلام العربى احقاقا للحق أولا ودفاعا عن المرأة العربية المسلمة التى لا يمكن اختزالها فى صورة المرأة / الطالبانية/ التى قمعت وظلمت الى أبعد حد. ولن يتحقق ذلك ألا أذا قامت أجهزة الاعلام العربى باعادة النظر فى الاستراتيجية التى لاتزال تتبعها فى تقديم صورة المرأة العربية الى العالم الذى تحول الى قرية كونية صغيرة. كما يقتضى ذلك الوعى بالشروط المتغيرة للعصر من ناحية والمواضعات الجديدة التى ترتبت على أحداث الحادى عشر من سبتمبر من ناحية موازية ان الحاجة ماسة الى خرائط عقلية جديدة تعى متغيرات العالم والى وعى جديد يبرز الصورة الايجابية للمرأة العربية الجديدة التى لاتزال فى دوائر الهوامش الثانوية والتى تملك مع ذلك امكانات تغير الصورة السلبية للمرأة على مستوى علاقات المثاقفة العالمية.
وقال //أتصور ان الاعلام العربى لن ينجح فى تغيير صياغة صورة المرأة المقدمة الى الخارج ألا اذا نجح فى تغيير صورة المرأة التى يبثها فى الداخل والتى لاتزال غير بعيدة عن النموذج النمطى السلبى غير الفاعل واذا كانت الثقافة التقليدية هى الغالبة بدرجات مختلفة عبر الاقطار العربية فان مسوولية الاعلام العربى فى هذه المرحلة هى الانحياز الى التيارات الجديدة الواعدة ثقافيا واجتماعيا وسياسيا على امتداد العالم العربى. واشار الى أن تحويل هذه التيارات الى رسائل اعلامية تسهم فى تقدم المجتمعات العربية وتنميتها بوجه عام ومن ثم تسهم فى تغيير الصورة السائدة اعلاميا للمرأة العربية وأحلال صورة جديدة واعدة مكانها سواء على مستوى التكرار أو مستوى الشيوع والغلبة. ولفت الى أن صورة المرأة فى الاعلام العربى لا تتطابق مع حركة الواقع العربى نفسه فقد أفرز تطور مجتمعاتنا العربية نماذج من المرأة الجديدة لا أثر لها فى الاعلام الذى لايزال يركز فى برامجه وأعماله الابداعية على الصورة المتخلفة والتقليدية للمرأة ومن ثم الصورة النمطية التى لابد من تجاوزها مبينا أن الخطوة الاولى فى ذلك هى استبدال السائد ثقافيا بالهامش والنماذج المتقدمة الواعدة بالنماذج المتخلفة الجامدة وذلك ضمن استراتيجية اعلامية شاملة تعمل على دفعها المجتمعات العربية الى اقصى درجات التقدم كما تعمل على لحاق اعلامنا القومى بالاعلام المتطور فى العالم كله خصوصا بعد أن تسارع ايقاع التقدم الذى لم يعد يسمح بالتباطو فى الحركة الى الامام أو التخلى عنها.
الدكتور جابر عصفور