زكي محفوض

على مدى يومين (15 و16 الشهر الجاري)، دارت أعمال «منتدى المرأة العربية والمستقبل الثالث» في فندق انتركونتيننتال - فينيسيا في بيروت، بحضور شخصيات سياسية وممثلات لجمعيات نسائية لبنانية وعربية، وسيدات أعمال من مختلف القطاعات. ونظّمت المنتدى مجموعة «الاقتصاد والأعمال» ومجلة «الحسناء»، بالتعاون مع الأمانة العامة لجامعة الدول العربية. وكرّم المنتدى منى الهراوي اللبنانية الأولى سابقاً، وماهينور أوزدمير النائبة البلجيكية، وسهير القرشي عميدة دار الحكمة في السعودية، وليلى عثمان الكاتبة الكويتية.


غلب اللون الزهري، الأنثوي، على المشهد العام، وطاول ملفات جلدية وزّعت على المشاركين. وتأخّر انطلاق فعاليات المنتدى نحو 45 دقيقة، مع الاشارة الى حسن تنظيم الملتقى. وفي كلمات الافتتاح، تحددت المحاور الأساسية التي قامت عليها هذه النسخة الثالثة للمنتدى. واستهلتها نادين أبو زكي، الرئيس التنفيذي للمنتدى، التي قالت عن المنتدى إنه «ليس مكاناً للتشاؤم ولا للعب دور المرأة الضحية. هو مكان للتفاؤل والتفاعل. مكان تولد فيه الأفكار وتناقش وتنطلق»... غير أن واقع بعض الجلسات لم يجسّد تماماً نظرة أبو زكي المتفائلة، بدليل الحضور نفسه الذي يتكرر سنة بعد سنة، وغياب العنصرين الشبابي والذكوري، وانكفاء العنصر الثاني مع بدء الجلسات، وكأن لا دخل له فيها. والدليل الآخر ينبع من ميل ذاتي وشخصي في مناقشة المواضيع، لا من عمل منظّم أو مؤسساتي.

فالقضايا النسائية على اختلافها، وفي غير دولة عربية، لم تنجح حتى الآن في استقطاب شرائح اجتماعية موسّعة تضم ذكوراً وأجيالاً شابة، يعايشون تلك القضايا على نحو يومي. ولعل تخصيص مناسبات وأحداث للمرأة يبعد قضاياها عن اليومي و «المعيوش»، وهذا تساؤل مشروع، إذا ما نظرنا إلى القضايا الاجتماعية والسياسية والثقافية الأخرى التي تدخل في صلب الشأن العام والحياة اليومية. فهل من فصل لقضاياها جراء تمييزها عن بقية القضايا؟

ثلاث تجارب مهمة تشير إلى أن فصل قضايا المرأة عن الواقع ليس مجدياً تماماً، وهي تجارب تحدّثت عنها أمين عام حزب العمال الجزائري، لويزا حنون، ومديرة شؤون الهجرة والعدل والأمن ومسؤولة قضايا المرأة والرجل لدى الرئاسة الفرنسية، نتالي بيليس، والنائبة في البرلمان البلجيكي، ماهينور أوزدمير. فهي تجارب انطلقت من واقع الحياة، ومن اطلاع معمّق على التفاصيل اليومية نظرياً وعملياً.

لكن بداية، تعريج على كلمات الافتتاح. بعد، كلمة نادين أبو زكي، تحدث مدير عام التسويق والعلاقات العامة والشؤون التجارية في مجموعة «ام بي سي» مازن حايك، الذي سأل عن «من يتحمّل المسؤولية أمام المرأة»، متطرّقاً إلى السبل الآيلة إلى تقدّم المرأة في العالم، لنواحي المساهمة في المجال السياسي والقطاع العام، والمشاركة في القرار الاقتصادي، والمساءلة، ومواجهة التمييز ضد المرأة، وتحقيق المزيدِ من العدالة، وذلك استناداً الى «تقرير صندوق الأمم المتحدة الإنمائي للمرأة UNIFEM».

واللافت أن هذا التقرير أتى لِيُضافَ إلى تقارير عدّة تتمتع بدورها بالصدقية، كشفت أن مكتسبات المرأة في مجالات عدّة آخذة بالتغيّر والتطوّر في شكل مستمر في العالم، وبخاصة في ميادين حيوية كتلكَ المُتعلّقة بالدخل المالي والتعليم والقدرة الشرائية والقوة في سوق العمل». وطرح على المنتدى جملة أسئلة عمّا يحول فعلاً دون تقدّم المرأة في مجالات عدّة، منها السياسة والصحافة والإعلام، وطرح «المبادرات الذاتية».

الأمين العام المساعد لقطاع الشؤون الاجتماعية في الأمانة العامة لجامعة الدول العربية، سيما بحوث، قالت: «لا شك في أن المعوقات والتحديات لا تزال تواجهنا ولم تعد تقتصر في تهديدها على امن وسلامة واستقلال بلادنا ووحدة تراب الوطن، بل ألقت بظلالها السلبية على مسيرة التنمية الاقتصادية والاجتماعية. فعلى رغم أخذ بعض الدول العربية بسياسات الإصلاح والتحديث، وعلى رغم أن بعضها الآخر يعتبر من أغنى دول العالم من حيث متوسط دخل الفرد ومستوى الرفاه الاجتماعي، لا تزال قضايا التعليم والصحة والفقر والمشاركة السياسية والاقتصادية تشكل تحديات واسعة، وتهدد الأمن الإنساني للمرأة العربية في شكل خاص وللمجتمعات العربية في شكل عام».

واختتمت وزيرة التربية والتعليم العالي بهية الحريري، ممثلة اللبنانية الأولى، وفاء ميشال سليمان، بالإشارة إلى أن «اعتبار الدولة المسؤولة الوحيدة عن عملية النهوض هو تكوين دولة عاجزة. وبالتالي، فإن التوازن في المسؤولية بين الدولة والقطاع الخاص والمجتمع الأهلي وتحديد دور كلّ منها، هو ما يساعد على تشكيل قوى حيّة، وتحقيق ما هو ضروري وممكن والتّخطيط لما هو أفضل».

وتابعت: «إنّ مقاربة كلّ المواضيع في سلّة واحدة، وفي لحظة واحدة، من دون تحديد الأولويات، تعوّق عملية الانطلاق نحو تحديد الهدف الأمثل. وتشكيل الوعي هو الذي يُخرج مجتمعاتنا من الحالة المطلبية إلى المبادرة والإنجاز، فحال الشكوى هي تعجيز للناس وللمسؤول...».

هي والسياسة والإعلام

جلستان مهمتان تلتا الافتتاح: «المرأة والسياسة» و «المرأة والإعلام». وتعقيباً على ما جاء على لسان الوزيرة الحريري حول «التوازن في المسؤولية بين الدولة والقطاع الخاص والمجتمع الأهلي...»، ثمة شعور، مجرّد شعور، بأن منظمات المجتمع الأهلي لم تؤدّ دوراً فاعلاً في هذا المنتدى. والدليل أن النقاشات أخذت طابعاً فردياً، وبعضها شخصي، ونادرة هي مداخلات الحضور التي انطلقت من خلاصات ونتائج دراسات، نفّذتها تلك الجمعية أو المنظّمة. والمقصود أن ثمة تجارب حيّة ومفيدة وقضايا، في لبنان والدول العربية، لم تُطرح. واقتصرت الطروحات على الجالسين على المصطبة.

جلسة «المرأة والسياسة» ترأسها وزير الثقافة، تمام سلام، وشاركت فيها: لويزا حنون أمين عام حزب العمال في الجزائر، ميساء راشد غدير عضو المجلس الوطني الاتحادي في الإمارات، ناتالي بيلس مديرة شؤون الهجرة والعدل والأمن لدى الاتحاد من أجل المتوسط ومسؤولة قضايا المرأة والرجل لدى الرئاسة الفرنسية، وأمان كبارة شعراني رئيسة المجلس النسائي اللبناني.

وأجمعت المشاركات على أن ثمة تحديات كبيرة تواجه المرأة في علاقتها بالسياسة، تبدأ بهيمنة الرجل وفق معتقدات وموروثات اجتماعية، إضافة إلى غياب استراتيجيات تهدف إلى إشراك مختلف الفئات في صنع القرار السياسي. واتفق الجميع على أن المشاركة الفعالة لا تتحقق من دون توافر الممارسة الميدانية للسياسة وتحقيق المواطنة الكاملة للمرأة.

وهذا بالذات ما أكدته لويزا حنون، التي تحفظت على مبدأ الكوتا، باعتبار أنه يؤمّن «وجوداً سياسياً صورياً لنخبة من النساء، في حين أن المطلوب هو تأمين شروط تمكين المرأة وتمكنها من المواطنة الكاملة». كما تحدّثت عن وجود حال نزاع بين الدستور والقوانين الأسرية والاجتماعية، مشيرة إلى أن مدوّنة الأسرة في المغرب، مثلاً، تشكّل عائقاً، لأنها ليست ضمن دستور البلاد.

ففي الجزائر لا تمييز للنساء في القوانين. وحرصت حنون، من خلال عملها الحزبي على الدخول إلى قلب المجتمع، و «تحسيس» شرائحه كافة، ذكوراً وإناثاً، للتوصل إلى حضور فاعل للمرأة الجزائرية. ولفتت أيضاً إلى حال «انتظار الخارج وسياساته لإطلاق نوع من التغيير، بدلاً من العمل من الداخل لإثبات جدوى التغيير».

وتحدثت بيليس عن التجربة الفرنسية في مشاركة النساء في الانتخابات، وكيف عمدت الأحزاب والمنظمات إلى توزيع النساء على لوائح معيّنة في مناطق تستطيع فيها المرشحات الفرنسيات تحقيق الفوز في الانتخابات.

وأخيراً، اعتبرت شعراني أن «الإدارة السياسية هي التي تقف عائقاً أمام وصول النساء إلى المجالس المنتخبة».

وفي جلسة «المرأة والإعلام» التي أدارها البروفسور باسكال مونان، وشاركت فيها البرلمانية البلجيكية ماهينور أوزدمير (أنظر الإطار)، والإعلامية اللبنانية د. مي شدياق، والإعلامي نخلة الحاج، رأى المتحاورون، عموماً، أن الإعلام يلعب في الغالب دوراً  سلبياً في دعم قضايا المرأة. وهناك من اعتبر أن بعض الإعلام يشوّه صورة المرأة ويتاجر بها. كما ألقوا على المرأة تحديد الصورة التي تودّ الظهور بها.

غير أن هذه الجلسة لم تقدّم الكثير، ولم تدخل في صلب موضوع حساس كهذا، بوجود تذمّر عارم من صورتها في الإعلام المرئي، بخاصة. كذلك، لم تُطرح حلول أو مشاريع أو أفكار لتجنّب نمط تصوير المرأة.

تساؤل يطرح نفسه، استناداً إلى كلام الجزائرية لويزا حنون عن «انتظار الخارج وسياساته لطرح التغيير...»، وهو عن دور برامج التنمية الاجتماعية والسياسية، خصوصاً أن مجتمعات ضيّقة تستفيد من بعض البرامج التي تارة يضيء عليها الإعلام وتارة أخرى لا يفعل. ولكنها برامج لا تتوسّع رقعة منفعتها لتصيب المجتمع ككل، فترسل إشارات الى السياسيين والمنظمات الأخرى، لتؤمّن على الأقل، استمرار فائدة تلك البرامج.

 

 

دار الحياة

JoomShaper