تجربة للاقتباس وأفكار للحوار

تهتم الدراسات الإجتماعية الغربية بدراسة المجموعات البشرية التي ترتبط بمراكز القوة في المجتمع. و تسقط هذه الدراسات من حسابها و اهتمامها المجموعات التي لا تنضوي تحت هذا النوع من التجمعات و تعتبر أن غياب هذه المجموعات عن واجهات القوة و صناعة القرار أو توزيع الثروة هو دليل على التبعية الكاملة لهذه المجموعات أو على الظلم الفادح الذي ترزح تحته. مشكلة هوية النّساء المسلمات

بمثل هذا التحيز تبدو الكثير من الدراسات الإجتماعية الغربية عاجزة عن تقديم فهم موضوعي للظواهر الإجتماعية في المجتمعات غير الغربية. و من هذا المنطلق لم تلق الحركات النسائية في البلاد الإسلامية الإهتمام الكافي لمحاولة فهم علاقة هذه الحركات و نشاطاتها بتوجهات التغيير و السعي نحو الديموقراطية على مستوى تحقيق الهوية الذاتية.

و بما أنني باحثة مختصة بالتربية و أستخدم طريقة المشاركة الفعالة (Action Research)  لفهم طبيعة عمل المجموعات الإنسانية و طبيعة العلاقات بين أفرادها ، فقد توجهت إهتماماتي لدراسة مجموعة نسائية سورية تربطني بالمشرفة عليها صداقة قديمة و ذلك بحضور اجتماعات هذه المجموعة و الإطلاع عن كثب على فعالياتها و منطلقاتها و أهدافها، و من ثَم تسنى لي أن أسجل بعض الملاحظات عن هذه المجموعة النسائية في سوريا و مدى مساهمتها في إيجاد اسس تربوية لصياغة شخصية اسلاميةنسائيه مستقلة تتصف بالفاعلية في الحياة المدنية و الدينية المتعلقة بالفرد و المجتمع.

تعتمد هذه المجموعة النسائية ( من خلال ملاحظاتي ومدارساتي معها) على التعلم غير الرسمي و على النشاطات الموجهة للصالح العام في المجتمع. و الفريد في مجموعة النساء هذه هواستمرارية محاولتها أن تستعيد امتلاكها للمعرفة و العلوم الإسلامية كوسيلة للوصول إلى المشاركة و الفعالية وتنمية الشخصية الإستقلالية و اعتبار ذلك محوراً مركزياً في عملية التربية الدينية و السياسية. و رغم أن المجموعة لا تسمي عملها و نشاطاتها بالديموقراطية أو كحركة للحصول على المساواة بين الجنسين، فإنها مع مثيلاتها من المجموعات قد توصلت إلى مشاركة ثقافية و مدنية فعالة على الرغم من القيود التاريخية و الثقافية الموجودة في المجتمعات الشرقية، وخاصة على النساء.

و تنطلق فكرة تنمية الشخصية الإستقلالية من مبدأ حمل الأمانة و الوعي الكامل لقبول أو رفض الإسلام كنظام متكامل ، و المسؤولية الفردية عن هذا الإختيار. و لتسهيل هذه العملية تحاول هذه المجموعة الإبتعاد عن التفسيرات ( الذكورية) لمصادر الإسلام التي تضع المرأة في وضع التابع للرجال أو الخاضع لأخلاق القطيع ( التوجهات الثقافية السائدة) . فمركز الوصاية للرجال و التفوق الذي يدعونه و الوكالة التي يمارسونها على عفة المرأة و خلقها هي تطبييقات مضللة . فالأخلاق التي يفرضها المجتمع باسم الصالح العام قد تكون أعراف مهمة لإستقرار الوضع السياسي و لكنها لا تنفي أولوية الخلق الواعي و الإنضباط الذاتي. و رغم المعرفة التامة بأن توجيهات القرآن و السنة تضع الصالح العام في مرتبة متقدمة على الحقوق الفردية، لكن المرأة المسلمة الواعية للمبادئ الإسلامية يمكن أن تدافع عن حقوقها و ذاتيتها ضد التفسيرات الجماعية الظالمة .

إن إدراك الهوية و فهم الذات و تحقيق الإنضباط الذاتي هو الإطار الإسلامي لتحقيق العدالة بين الجنسين و هو أقرب لفهم آليات الحراك الإجتماعي من الفرضيات الكامنة خلف مفهوم الديموقراطية في الغرب. إن المفهوم الإسلامي للعدل ( كما تراه هذه المجموعة النسائية) يبدأ بإزالة التمايز بين الذكور و الإناث في المسؤولية الدينية و المدنية باعتبار أن كل البشر قد حمِّلوا أمانة التكليف بالأصالة لا بالوكالة و أنه لا بد من الوعي بتلك الحقيقة و امتلاك العلم و المعرفة للوصول إلى مشاركة فعّالة في حمل المسؤولية .

الفريد في مجمرعة النساء قيد الدراسة هو محاولتها أن تستعيد قبضتها على المعرفة الإسلامية كوسيلة للوصول إلى المشاركة والدّيمقراطية، ولكن باعتبار أن السّياق الحاضر للدولة المؤسسة على مفهوم الوطنية والعلاقات الأجنبية الإقليمية لا يهتم بهذا الشكل من المشاركة فانها أصبحت متناسية للتّغييرات السّياسية أيضا. لذلك تبقى تلك النساء إلى حد كبير غافلة عن تأثيرات المفاهيم الغربية والسياسات الأجنبية على فهم دور المرأة في تحقيق قوانين الديموقراطية في المجتمع بشكل كبير. على الرغم من محاولاتهن في إدراك الذّات، فان المشكلة الأساسية لهذه المجموعة تظهر في عدم إدراك أعضائها أن هويتهن كانت ومازالت مبنية لهن وفق قرارات سياسة محلية ووطنية ودولية . ولذلك إن "الهوية الذاتية، " مهما كان تعريفها من قبل الفرد أو المجتمع هي لب تحليلي للمفاهيم المعاصرة للدّيمقراطيةِ ولوجهات النظر لدى مثل هذه المجموعة من النساء.

عرفت صديقتي المشرفة على هذه المجموعة وفعالياتها المبكّرة منذ أكثر من ثلاثين سنة، وكانت مجموعتها تتألف حينذاك  من خمسة إلى عشرة نساء اللواتي ضقن من ادعاءات الدّيموقراطية والحداثة والحكم العلماني، خصوصا الطّرق التي تناقش بها قضايا النساء المسلمات والتي تغلبها مراغاة المثقّفين ورجال الدّين. إن هدف هذه المجموعة هو أن تقوم عضواتها بدراساتهن الخاصة للمصادر الأولية للإسلام وأن تقمن بتطبيقها في حياتهن اليومية. و قد بدأت العضوات بقراءة فصول أو مقاطع معيّنة من القرآن، والاجتماع مرة كل أسبوع، لمناقشة ما فهمن من قراءاتهن. وعندها بدأن يتوصلن إلى إجماع بخصوص فهمهن للمبادئ الأساسية، وبدأن ضمنياَ بوضع برنامج متكامل لنشاطهن، الذي اصبح في النهاية كالبذرة بين المجموعات المشابهة الأخرى المتفرعه عن هذه المجموعه، وبهدّف التعلم الذاتي للإسلام لدى النساء العربيات المسلمات. وقد بدا لي عند أول مشاركة في حلقات الدراسة هذه، أن الأغلبية اعتمدت على تفسيرات الآنسة المشرفة .ولكن مع مرور الزمن ،أدركت بأنّه كانت للعضوات مساهماتهن الخاصة، وباعتبار يفوق لديهن الاحترام التّقليدي للموجهات فقد كن يستمعن بيقظة حتى تنهي الموجهة من تقديمها . ومع  أن الأقلية المشاركة في المجموعة لديها درجة جامعية فإنهن جميعا كن قادرات على الربط بين التفاسير التاريخية للنّصوص الأولية و الحاجات المعاصرة للنّساء المسلمات وعائلاتهن ولتوجيّه أعمالهن بشكل فعال. إن التّغيير المستمر في العضوية وفي الحضور جعل عمل هذه المجموعة يظهر وكأنه غير مؤثّر في الفترة الأولى .والآن ،وبعد نمو المجموعة إلى بعض المئات من  العضوات الفعالات،  ذوات المستويات المختلفة من التعليم، مازال هدف المجموعة الرّئيسي هو ممارسة ما تعلّمن مباشرة.

بالإضافة إلى حلقة الدراسة الأسبوعية، تكرّس العضوات يوما واحدا أسبوعيا لزيارة ومساعدة النساء المسنات اللواتي يعشن في الدار الحكومية لرعاية المسنين. تساعد العضوات تلك النّساء في الاستحمام، وتغيير الشراشف والمناشف ، وتنظيف غرفهن، مستعملة أدوات تشتريها المجموعة. وتكرّس يوما آخرا لجمع أي مساعدات  ممكنة من العائلات المتوسطة الدخل، من أموال، وطعام،و لباس، وتوزيع ما يجمع إلى العائلات المحتاجة.هذه الفعاليات ليست أعمال خيرية تقام مرة واحدة . إنما تتضمن أعمال وخطط مدروسة بشكل جيد لإجراء الاتصالات الغير رسمية، مع الأقرباء أو الأصدقاء.كمتطوعات، تشكّلن علاقات عمل وثيقة مع النّساء المتّبرّعات والعائلات التي تقدم لها المعونة على أساس المساعدة لبناء استقلالية تلك النساء. إنّ الهدف الرّئيسي هو التعلم الذاتي لبعض المهارات في إدارة العائلة وتربّية النفس والآخرين في الإسلام. و الغرض هو أن يستفيد المجتمع، ولكن في ذات الوقت يتم العمل على تغيير النساء لمفاهيمها بشكل تدريجي حول دورهن في العائلة والمحيط العائلي المباشر ومع الأقارب الحالية، و  الجماعات المجاورة، وفي المجتمع بشكل عام، وذلك بتغيير المفهوم  المحدود ألا وهو رعاية المنزل، إلى كون المرأة لها دور فعال للتغيير في المجتمع.

تقوم المجموعة أيضا باجتماعا إضافيا مرة كل شهر. إن طّبيعة وفحوى المناقشة في هذا الاجتماع الشّهري تختلف عن فحوى حلقة الدّراسة الأسبوعية في الجامع. يسخر الاجتماع الشّهري نحو تقييم الفعاليات والقضايا التي واجهت المجموعة بالأضافةالى التخطّيط للمناسبات الخاصّة (زواج، ولادة، موت، عطل، نشاطات) بعضوات المجموعة أو نشاطات خارج المجموعة. يمكن أن نصف الإجتماع الشّهري وكأنه اجتماع مجلس تنفيذي، ولكن النساء تغير أدوارها القيادية بشكل غير رسمي.  فهن تتحملن مسؤولية نفع الآخرين بما تنفع أنفسها ،ولكن تلك النّسوة لا تعين نفسها، ولا تعيّن بشكل رسمي كرئيسات لّجان. فهناك تفاهم قائم بين أفراد المجموعة على أن كل عضوة تقوم  ببعض من المهام، ويمكنها أن تستفيد من قدرات النّساء الأخريات عندما تكون متواجدة ولربما تطلب اشتراكهن في حالة تقاعسهن عن التطوّع. في إحدى  هذه الاجتماعات الشّهرية في عام 1995، اجتمعت حوالي خمس وعشرون امرأة من اللواتي اخترن أنفسهن في بيت أحد العضوات. في هذا الاجتماع الخاصّ، قدمت عملي مع النّساء المسلمات في أمريكا الشمالية ، واقترحت على كل عضوة أن تقدم طبيعة دورها بالمجموعة .بدأت الآنسة المشرفة بالتحدّث عن تغير مفهومها لتفسير المصادر الإسلامية عما كان عليه منذ معرفتي الأولى بالمجموعة قبل حوالي ثلاثين سنة . وذكرت أنها قد انتقلت باسلوبها من منظور أحادي الجانب إلى الحوار المفتوح، كان هذا واضحا بشكل جزئي من الرّدود التي حصلت عليها من قبل الخمس والعشرون امرأة عندما سألت كل واحد ة عن رأيها في وضع المجموعة ، وعن القضية الأكثر صعوبة التي تمنّت لو تحلها المجموعة. دل الاختلاف في الأجوبة على أن لكل عضوة مفهوم خاص بها. ورغم أن هذا كان شهادة لاشتراكهن الفردي في اتخاذ قرارت المجموعة، فان تكرر ذات القضية التي حازت على اهتمامهن كان دليل على أن العولمة قد بدأت تسيطر على طبيعة مداخلاتهن. كمثال على ذلك عندما اعترضت على أولوية قضية " اللباس الإسلامي " واجهت بعض الإمتعاض ، لكن انفتاحهن لانتقاد آرائهن واعتمادهن على بعض المصادر كان دليلا على فعاليتهن بشكل يوحي بالاتعاظ. كمثال حي،  أروي ما ذكرته لي  عضوة صغيرة في العشرينات صرّحت به بشكل نسبي أنها لم تستطع أن تفهم لماذا يفرض عليها أن تبرّر أسلوب حياتها إلى الآخرين، خاصة الأجانب.

رغم أني لا أعتبر ممارسة لباس معين شيئا أساسيا في التربية الإسلامية الموصلة لتحرير المرأة المسلمة ولا أعتقد أن الأمر أكثر أهمية من ذهاب الغربيات إلى الكنيسة أو المعبد لتحقيق تحررهن، فالحقيقة إن إدناء قيمة تعلم النساء المسلمات، حسب منظور البلاد الغربية، إلى مستوى السماح أو عدم السماح للمرأة أن تغطي رأسها في قاعة الدرس، سواء كان ذلك في فرنسا أو الولايات المتحدة أو تركيا، ووجود مثل هذه المهاترات في أحاديث النساء السوريات  خلال عام 1995 يدل على تأثر هوية تلك النساء بما يدور خارج الوطن. ومما يدعو إلى التهكم هو أن أغلب النّساء في حلقة الدراسة هذه لم تكن مدركة لمثل هذه الأحداث التي كانت في البلدان الغربية لكون معلوماتهن محدودة بما تقدمه وسائل الإعلام العربية، ومع ذلك فقد بقيت قضية اللباس هي الوحيدة التي تركز عليها أغلبهن ، بصورة خاصة مايسمى بالحجاب .

ومع ذلك فأن التفسير القائم لدى المجموعة حول ارتداء اللباس المعتدل كان مختلفا عن التّفسيرات الأخرى التي  سمعتها وقرأت عنها بين المجموعات المتدينة والعلمانية بين النّساء الأخريات، سواء في أمريكا الشمالية، أو انكلترا ، أو فرنسا، أو مصر. حيث أن النّساء السّوريات لم تناقش، ولم تكن مهتمّة ، بالوصمة الرّمزية و السّياسية  للحجاب. على العكس، فان اهتمامهن كان بشكل رئيسي يدور حول كيفية فهم المبادئ الأساسية للقرآن بما يخص اللباس المحتشم سواء للذّكر أو الأنثى، وأن يستكشفن تفسيرات مختلفة بشكل يجعل كل عضوة  تشعر بالراحة والقناعة بالحل الذي توصلت إليه. والذي أثار اهتمامي، كباحثة متخصّصة في تطوّير المناهج في الدّراسات الإسلامية والعربية، هو الكيفية التي تفسر تلك النّساء في المجموعة ما يدور من تركيز في المحور العالمي على لباس النّساء المسلمات (من قبل المسلمين وغير المسلمين) ، و كيف أثر هذا التركيز على تفسيرات تلك النساء للمصادر الأولية. حيث أن الظروف المحيطة بمناقشة النّصوص الدينية ، سواء منها المهتمةّ بقضايا اللباس أو أي قضية أخرى، توصل إلى نتائج خطيرة حول الفهم الذاتي للإسلام. سواء كانت قضية  طبيعة عملية اتخاذ القرار أو مقدرة النساء لحماية مكانها الشّرعي في الجامع، فأنه من الأهمية أن ندرك بأن التحقق النفسي والهوية الذاتية هي مؤشرات للدّيمقراطية في هذه المجموعة.حيث أن قراءاتهن الحديثة للنّصوص الإسلامية تظهر الانحياز الذكوري في التّفسيرات السابّقة وتطبيقاتها . وكذلك فإن هذه القراءات تظهر انعدام أهمية بعض المفاهيم الغربية وأن طرقها في البحث لاتمت بصلة للمجتمع الإسلامي. على سبيل المثال، سأسرد الحالات التالية لأوضح كيف تتحقق المعاني الإسلامية بيما يتعلق بحياة المرأة الفردية والعائلية.

 

سرد لبعض الحالات والوقائع

بدأت مجموعة نسائية الاجتماع في مسجد تأسّس حديثاً في عام 1995 بعد أن اقنعوا مديره أن يفتح الجامع لمدة ساعتين قبل صلاة الجمعة كي يتسنى لهن القيام بحلقات الدراسة بشكل دوري.  حصل مدير الجامع على موافقة مجلس الإدارة (وكلهم رجال) لتخصيص مكان للمجموعة لتتابع حلقاتها الدراسية والمشاركة في صلاة الجمعة مع النّساء الأخريات اللواتي يتردّدن على الجامع،  دون أن يزعجهن توارد الذكور للجامع . لم يكد يمض شهر على الحلقات الدراسية الدورية حتى أعلن مدير الجامع في نهاية صلاة الجمعة أن النّساء لن يستطعن الحضور إلى الجامع بعد ذلك اليوم لأنه لم يعد هناك مكان كافي مخصص للنساء بسبب عدد الرّجال المتزايد خلال شهر رمضان.  هذه الحادثة لم تكن الأولى من نوعها ولذلك لم تكن ذات شّأن لأغلب النّساء الحضور، حيث أنهن إعتدن على مثل هذا التّقلّب المفاجئ للمسؤولين عن الجوامع  . أما بالنسبة لي، وحيث صادف وأني كنت ضمن الحضور ، فان الحادثة كانت إشارة لفتح جبهة جديدة لمواجهة الغبن لحقوق النساء، ليس فقط لأني كنت أبحث وأكافح ضد التفسيرات المشابهة بين المسلمين في أمريكا الشمالية، ولكن لأن هذا المدير ذاته كان قبل بضعة أسابيع فقط ،قد أعلن بكل فخر أنه خصص مكانا لحضور النّساء في جامعه.ومن الضروري التذكير هنا أنّ الرّوح الإسلامية للتجمع وللخطبة يوم الجمعة لا يهدفان إلى الصّلاة الجماعية فقط ،و لكن الهدف الرئيسي هو تجمّع كل جماعة محلية لمناقشة قضاياها. وهذا ما يدعو لوجود جامع في كل حي ، حتى في الأرياف. لكن في بعض المجتمعات المسلمة نتيجة لتطفّل القوى الثقافية والإيديولوجية الخارجة عن الإسلام بدأت تمنع النساء من التردد على الجوامع يوم الجمعة بحجة الخوف من تعرّضهن إلى الأفكار الخارجية رغم كون هذا التخوف لا أساس له. وفي الآونة الأخيرة ، أصبح تفسير عدم ذهاب النساء إلى الجامع "أنه ليس من الضروري أن يختلط الرّجال والنّساء".  وقد تحوّلت مثل هذه الممارسة مع مرور الزمن إلى قاعدة، والعديد من مدراء الجوامع والمنظمات الدينية المحافظين المعاصرين ، كم  تقتر ح1992:4) Keddie) أصبحوا يرجعون مثل هذه الممارسات إلى القرآن أو كتب الحديث. والأسوأ من ذلك، أن  هذه القراءات والتفسيرات الآن أصبحت تًد ّعي عدم إلزامية حضور النّساء يوم الجمعة، وتصنّف النساء سويّة مع الأطفال مع العجزة عقليا بحيث تدعي أن النساء لسن مسؤولات عن هذا الواجب الدّيني (برزنجي، 1996).

وقد صادف أنه قبل هذه الحادثة ، حضر مدير هذا الجامعَ إحدى محاضراتي العامّة عن الحقوقِ الإنسانيةِ للمرأة المسلمة في المركز الثقافي الأمريكي في دمشق ،و كانت حوالي عشْرة نِساءِ من المجموعة المعنية حاضرة أيضا. وقد كُنْتُ أشرح عندها أن الحق الإنساني الأولي للنساء المسلمات في الإسلام هو المعرفة العميقة للإسلامِ وأن هذه المعرفة قَدْ أنكرت بسبب عدم السماح لهن بالاشتراك في النشاطات الدّينيةِ، وأساسها حضور يوم الجمعةِ (برزنجي ، 1998). وقد حاول مدير المسجد أن يدحض مقولتي على أنه لا أساس فعًلي لها. وكان مثاله هو جامعه الذي تقوم هذه المجموعة بعقد حلقاتها الدراسية فيه. ومن الجديرُ أَنْ نلاحظَ هنا أنّ العديد من الزّعماءِ الدّينيين (الذكور عادة)  كَانوا يُعارضونَ سراً الانفتاح المفاجئ في حلقات النقاش العامة لقضاياِ المرأةِ المسلمة . هؤلاء الزّعماءِ بدءوا يَنتقدونَ على المنابرِ استيراد الأفكارِ الغربيةِ خصوصاً تلك التي كانت تتم تحت اسم حقوقِ المرأة المسلمة الإنسانيةِ  وتّحرير المرأةِ مِن قِبل النِّساءِ المتدربات في الغرب واللواتي كن يحاضرن في المركزِ الثّقافي الأمريكيِ و البريطانيِ. هذه المعارضةِ، ومن المغالطات السياسية أن هذه الإعتراضات كانت مزامنة في ذات الوقت الذي كانت فيه الحكومةِ تدَعمْ الاتحاد النِسائي السوريَ لعمل ورشات وأعمال تحضيرية أخرى للتمثيل في مؤتمر المرأةِ العالمي في أيلول/سبتمبر عام 1995  في بيجين.

إن ما يضفي أهمية لمثل هذه الإزدواجيةِ،والتحول في المقاييس لهذه المناقشات، وتخصيص أو عدم تخصيص دور للنِّساءِ في الرأي العام، هو أنِ مثل هذه الأمور لا تحدث في سوريا فقط. وباعتباري باحثةِ ولي دور داخلي، وخارجي بذات الوقت فإنني تمكنت من أَنْ أَتعقّبَ بشكل مُحدّد بعض هذه القضايا التي تَعْكسُ " برنامج مخفي " وراء هذه التحولات وثنائية المقاييس. وهذا ما سأشرحه في الجزء الثاني لحادثةِ الجامعِ وبقيةِ المحادثاتِ مع المجموعةِ، ومن خلال  المفارقات في الرّدودِ على مثل هذه المعالجةِ.

في نهايةِ الصّلاةِ الجماعيةِ لتلك الجمعةِ نفسهاِ في شباطِ 1995، فكّرت بأنّه ينبغي أن أَتدخّلُ، واقترحت أن نقابلَ إمام الجامعَ حالاً، وعَرْضت استعدادي لمساندة نِّساء المجموعة في حالَ اخترنْ اتخاذ موقف.  بعد بعض التّرددِ، تَطوّعتَ الآنسة المشرفة، وعضوة أخرى في المجموعةِِ، وذَهبناَ ثّلاثتنا للَتحدّثَ إِلى الإمام.  بعد عشْرة دقائقِ من المجادلاتِ والحجج، أشارت العضوة من المجموعةِ إلى أن النِّساءِ يَصلّينَ في الحرم المكي فأتبعتها قائلة للإمام: لديك فقط اختياران، إما أن تقوم بحل القضية مع مجلس إدارتكِ أو أننا سَنَصلّي الجمعة القادمة حول الجامع، على قارعة الطريق وسوف َنجْلبُ سجاداتنا الخاصة لحضور صلاة الجمعة الواجبة علينا كما ورد في القرآن والحديث، وعندما غادرنا الجامعَ، نَظرت الآنسة المشرفة كما لو أنها مأخوذة من مجريات هذه الأحداث .ولكن بعد يومين أخبرتني أن النِّساءَ سَيَكُنّ قادرات على حجز نصف المكانِ في الجامعِ لتعقد حلقة الدّراسةَ كالمعتاد. وعندما سَألتها كيفْ استطاعتْ أن تَصلَ لمثل هذا الحلِ، أخبرتني أنه سنحت له  الفرصةَ بالتحدث إِلى الإمام على انفراد. واستطعتُ أن أحْضرَ إحدى الحلقات قبل أن أغادر دمشق تلك السّنةِ، وكانت هناك طبعا ستارة فاصلة بين النساء والرجال. .شَعرتُ بأن هذا الحلِ يُعطي صورة خاطئة حول مكانِة ودور المرأة في تربية المرأة الإسلاميةِ، وتحريرها. رغم أن مثل هذه الصورة ما زالَتْ تَسُودُ بين العديد من مجموعات النِساءِ المتدينات، فان معرفتي بحوادث أخرى لها علاقة بحلقة الدراسةِ هذه تدل على نَتائِجَ مختلفةَ. وعندما أعدت النظر في الأحداثِ السابقة وحوادث أخرى مرتبطةِ بشكل مباشر و غير مباشر بها، أُدركتُ بأنّ الآنسة المشرفة لم تكن محتارة حقا مِن حادثة الجامع، بل كانت خبيرة بالظروف الاجتماعية والسّياسية وان ترددها الظّاهر لم يكن بسبب الضّعفُ عن الَرْدَّ، ولا مسألةُ استسلام إِلى القراراتِ الذّكوريةِِ. وإنما ردة فعلها كَانتَ في الحقيقة نتيجةَ لاستراتيجيتها المعتمدة على  "الانتظار ورؤية النتائج ".  فقَدْ كانت تعَرف هذاْ الإمام، وزعماء دينين آخرين، وقد أدركتْ أن أفضلَ ًإستراتيجية ليست أن تصر وبشكل مفتوح في الحال. وقَدْ تأكّدَ تحليلي هذا مؤخرا بردها علي عندما عبرت عن عدم قناعتي بسلوك إمام جديدِ لنفس الجامعِ، الذي ركز في خطبة الجمعةِ  في عام 1997 على أن النساء محرضات للإغراء. إذ عندما تساءلت كيف للمجموعةَ أن لا تجيب علىمثل هذه الآراءِ واتهمتهن بأنهن سلبيات ردت الآنسة المشرفة: "نحن نَعْرفُ بأن هذا الرّجلِ عادلُ، ولذلك يَجِبُ أَنْ نَكُونَ صبورَات حتى عندما يظهر بحديثه كما لو أنه ضد النساء".

هدف النساء في هذه المجموعة في العملية الديمقراطية واشراك المرأة لتَأْخذَ مكانها ليس من الضروري أن يكون مرتبطا بشكل واضح في عمليةِ اتخاذ القرارات العامّةِ. بل إن الهدف، يَتضمّنُ مقدرتهن على مناقشة مشاكلهن وفهم الظروف المحيطة بكل قضية وأي قرارِ خاص، والعَمَل من أجلْ ضمان أنّ تسمع أصواتهن وتَحْفظُ أماكنهن ومكانتهن .ولو كانتُ نتيجةُ حادثةِ الجامعِ مختلفةَ،لكان هناك شك في أن مثل هذه المواقف تقُودُ إلى الديموقراطية .وقد كان ردَ النِّساءِ بأنهّ طالما هن قادرات على التعبير عن استراتيجيتهن وأحرار في أَنْ يَتّبعنها أو أَنْ لا يتبعنها ، وأن لهن دور في العملياتِ التي تؤَثّرَ على حياتهن الخاصة وتحقيق الفائدة للنِساء الأخريات، فإنهن مصرات على حقوقهن المدنية الإسلامية .

في عام 1997 خلال السّنة الثالثة من مشروعي، حَضرت ُمعظم الحلقات الدراسية للآنسةَ المشرفة. وقد علقت الآنسة المشرفة في إحدى الاجتماعات على حادثةَ الجامعِ، قائلة: " أنها لربما لم تكن عِنْدَها الشّجاعةُ للذْهابَ إلى الإمام لو لم تحصل على تشجيع مني. لقد ذكرتني عبارتها بحادثة أخرى عن عالمِ مسلمِ ِ بارزِ في الإسلامِ اقترحَ بأن تقوىَ المرأةِ المسلمةِ تَفْرضُ عليها أنّ لا تُجادلُ علناً، ولا تنضم إلى " الغربيات" في برنامج تحرير النِّساءِ. فعبارة الآنسة المشرفة هذه تَدْحضَ مفهوم هذا العالم لتقوىِ المرأةِ المسلمة،ِ مع أنها تَستعملُ أسلوب" اصبر وانتظر " والإقناع الخاصّ. من الضروري أنَ نفقه المعاني المتعدّدة للتّقوىِ في الإسلامِ حتى تكون لدينا القدرة على فهم موقف الآنسة المشرفة وقدرة مجموعتها على تعقب أعمالها (برزنجي، 1998).

كمثال، في حلقة الدّراسةِ هذه، بعد أن أنهت الآنسةِ المشرفة تَوضيحَ بعض المفاهيم في قضيةِ المسؤوليةِ الفرديةِ ومعنى التقوى في القرآن، تَحدّيتُ المجموعةَ على أَنْ تَأتيَ في الجلسة القادمة مستعدّة كي تُخبرَنا كل عن خبرتها الفرديةَ فيما يتعلق بقدرتهن على تطبيق ماْ تَعلّمن حول المفهوم. وقَدْ غُمِرتُ بقصصِ في الأسبوع التاليِ، ولكن أصابتني الدهشة عندما قدمت لي امرأة بالستين من العمر، اسمها فاطمة، في نهايةِ الجلسة، قائمةَ عنً استنتاجاتها الخاصةِ للسّياقاتِ المختلفةِ للتقوى. قالتْ: " وَجدتُ أنه تطبيقي سَيَكُونُ أفضل إذا بدأت بتعلم كافة السّياقاتِ التي أتت بها هذه الكلمة في القرآن،ولذلك كتبت هذه القائمةِ." ثم سَلّمتني فاطمة قائمتها هذه بتواضع.  ومنذ ذلك الحين وفي كل مرة أقارن النظرة الإسلامية مع القضية الإنسانية في الأبحاث التي أقوم بها فإنني أستعمل استنتاجاتها كمرجع. ومع أنها قائمةّ بسيطة عن حدوث كلمة التقوىِ، فإنها كانت نتيجة بحثها الخاصِ لتَجدَ معنى لفعالياتها الخاصةِ.

سواء دعونا ذلك العمل ديمقراطيةَ أو عملا دينيا، فان عمل فاطمة لمَ يكن ردَا على فلسفةُ وُسياّسةُ التعليمات أو الحقائق الإسلامية، ولا ردا على أولئك المدافعينِ أو الذين يَقْمعون أيُ مناقشة للحقوقِ الإنسانيةِ للمرأة.  إن الأهمية تكمن في أنّ بعض النِّساءِ، مثل فاطمة التي تبلغ الستين من العمر، قَدْ اختارت بنفسها وأدركت هويتها الذاتية كمساهمة في تغيير التاريخِ. بالنسبة إلى فاطمة، هذا كَانَ جوهرَ المبادئِ الدّيموقراطيةِ في الحياةِ الإسلاميةِ حيث قررت بنفسها كيف تتفهم القضيةِ.

ِ وكباحثة مشاركة في مثل هذه النشاطات، فإنني كَسبتُ صديقة وناصحةَ جديدة. تبدو فاطمة وكأنها تُشاركنيَ بنظرتي إلى الهويةِ الذّاتيةِ، والأمر الأكثرَ أهمية، أنني قَدْ تَعلّمتُ منها أنهِ يُمكنُ أَنْ يَحْدثَ تفكير ناقد فيما ، إذا اختارت المرأة العمل على ذلك حتى لو لم تكن مدربة بشكل رسمي على ذلك.  عندما تدرك المرأة ذاتها و دورها في المجموعةِ،فان اشتراكها في المجموعة في ذلك الوضع لربما يساعدها فيُ تغيير أصول تعليمِ التّربيةِ الإسلاميةِ.وبالتأكيد فان فاطمة كَانتْ عضوة فيَ المجموعةِ لسنين عديدة، وهي قادرةَ أَن يكون لها مساهمة فردية فعّالة عندما أتُمّمتْ إدراكَ ذاتها.َ لهويتها الذاتية في مثل هذه المساهمةِ أيضا تطبيق تربويُ آخرُ لديناميكية المشاركة الإسلامية والديموقراطية في الحركاتِ النِّسائية المحلية التي تعمل ضمن الإطار الإسلامي. هذه المساهمةِ ستغير في فهم حركات المجموعات النسائية المحلية الأخرى من أجل استقلالية المرأة الثقافية والأخلاقية و السياسية .

النتيجة

إذا حاولناُ أَنْ نَفْهمَ الأحداث السابقةِ ضمن سياق هنري هاريس جيسوب (1874) الذي سجل ملاحظاته تحت عنوان " سبع عشْرة سنة للمبشّرِ الأمريكيِ في سوريا " (سوريا الكبرى حينها)،  يُمكنُنا الَبْدء برؤية الدور الذي يأخذه التّشويشَ الناتج عن التدخل الخارجي في تحوير السياسة الداخلية المتعلقة بالمرأة ومكانتها. فقضايا الديموقراطية، خصوصاً المتعلقة بحركاتِ مجموعات النِساءِ المحلية العريقة، هي أقدمُ من هذه التّدخّلاتِ. وأفضل مثال لذلك هو"قانون الأحوال الشّخصية "الحالي والمفاهيم الناتجة عنه، حيث أنه وُلّد نتيجة لمثل هذه التّدخّلاتِ المترافقة مع الثنائية في السياسة الدّاخلية والتي لها علاقة باشراك أو عدم إشراك النِّساءِ في عمليةِ اتخاذ القرارِ.

إن إدخال المفاهيم الأوروبية لتربيةِ النِّساءِ للتحرر من الأميّةِ، والجهل، والممارسات الصحية الضئيلة استعملت من قبل جيسوب كحجة لإدخال التبشير بحجة " الدّيمقراطية "، إلى أرضِ "العرب"ِ. كما كَتب َجيسوب، إن النهوض الملحوظ الرّائع للنِّساءِ المسيحياتِ في الأراضي المسيحية و اهتمامهن الجديدِ في أمور النِّساءِ في البلاد الوثنيةِ والمحمدية تعتبر واحدة من الأحداثُ العظيمةُ للقرنِ الحاضرِ" (Vi :1874). كل ما يحتاج أحدنا هو أَنْ يسْألَ اليوم: لماذا لم تزل كلا النِّساءِ الأمريكياتِ والسّوريات تُكافحَ لأجل قضاياِ الديموقراطية على الرغم من الادعاء أن النِساء السوريات قد " ُتحرّرت " بمساعدةِ " أخواتهن الأمريكيات ؟ إذا َنْظرناَ عن قرب إلى كفاحِ النِّساء الأمريكياتِ والسّورياتِ المستمرِ، فإننا سوف نَعرفُ النَقص في فهمِ المرأة السوريةِ و العربية والمسلمة ونساء الشرق عامة . وسوف نُدركُ أيضا أنه حتى نضال النِساءِ الأمريكيات والأوربياتِ لَمْ يتم فْهمه من قبل أولئك الذينِ يدعون أن لهم دورِ "المنقذين " بينما هؤلاء "المنقذين " ما زالواّ ينظرون إلى دور المرأة الأولوي ضمن مجال الخدمة المنزلية وعلى أنها تّابعةِ أخلاقيا للرجل.

وبشكل مشابه،  كَتب Houghton ". . . أنا أثق أنُ الصّفحاتَ التّاليةَ سَتَكُونُ لها قيمةِ خاصّةِ بالنسبة للسّيداتِ المسيحياتِ من أمريكا اللواتي عواطفها وجهودها إلى العمل علىِ النهوضِ بالنِّساءِ الشّرقياتِ من خلال قوةِ التّربيةِ المسيحيةِ " (Houghton  1877: 5)، إنني أَتساءلُ لماذا أغلبيةَ نساء الشّرق اللواتي ثقفن من قبل المبشرين ما زِلنّ أمياتُ، خصوصاً بعد فرض التبشير الغربي ومفهوم المدارس الإجبارية قبل مئتي  سنةِ الماضية ( برزنجي 1997). وبالإضافة إلى ذلك لماذا قام عدد لا بأس به من النِّساءِ الأمريكياتِ بهْجرَ المسيحية والدّين بشكل عام في القرن التاسع عشر من أجل الوصول إلى التّحررِ، بينما يقال للنِساءَ الشرقياتِ أنّهن يُمكنهنْ أن يتقدموا فقط من خلال التّربيةِ المسيحيةِ؟ أخيراً، لماذا بدأت بعض النِساء المسلمات المُعاصرات اللواتي تثقفن بالغرب أو على الطريقة الغربية تهْجرُ الإسلام عندما أصر رجال الدينِ المسلمين أن الإسلامِ هو دين الحرية؟

وعندما أقرأ فيُ بعض مصادرِ المؤلفين المسلمين الذكور من القرنِ التاسع عشر والعشرون، التي تُؤكّدُ أن النِساءَ المسلماتِ تحْملنَ مصباح العفةِ والمبادئ الأخلاقيةِ من أجل الحْفاظ على العائلة والمجتمع المسلم والنسيج الاجتماعي العالمِي ، أصبحت مقتنعةَ بأنّ نفس المشكلةُ تشكل أساس قضايا النِّساءِ والديمقراطية في كل مكان.هذه القضاياِ تَأْخذُ أشكالَ وأنماط مختلفةَ، لكن الفرضيةَ أو الإدراك الأساسي اللذين أحاطا دور النِساءَ ومكانَ النِساءِ في العمليةِ الدّيموقراطيةِ هو نفسه.

إن المشكلة هي أن النِّساء لَمْ تدرك ذاتها، وهن لمْ يدركن أنفسهن كمواطنات لهن ذات أخلاقية وفكرية مستقلة. فالإستراتيجيات البطيئة التي تعتمد " انتظر وشاهد" ّ والمجادلات الشخصية التي تعتمد عليها مجموعة الآنسة هناء قد تكون جزء من المشكلةِ.

وتتسأل ميري واين ديفز : " هل هذا الإدراكِ المتزايدِ للاعتماد المشترك أو المتبادل توازيه زيادةِ في الفهم المتبادلِ ؟ IX:1988)). كما أن الرجالِ المسلمون أنفسهم الآن لا يُمكنُ أَنْ يَكُونوا مستقلينَ اقتصاديا وبنفس الوقت لا يدخلوا في عملية الحكم وصنع القرار، فان أفضل استراتيجية، كما اقترحت إحدى المحاميات السوريات ، أَنْ تُجهّزَ النِساء المسلمات ببعض مهاراتِ التغلب على المصاعب. إنّ مهاراتَ حَلِّ المشاكلِ هي مجرد أدواتُ اجتماعية غالباً ما تستعمل لكي تَتفاوضَ المرأة أو الفرد مع البيئة العائلية والجماعيةِ، ولكن تلك النِّساءِ لَنْ يَصْبحنَ ذوات سلطة كافية لأَنْ يَتفاوضنَ ويتفاعلن مع السّياساتِ العالميةِ والدّاخليةِ،كما تُشيرُ النظريةِ الاجتماعية لبياجة (DeVries، 1997). إن المرأة الغير مستقلَة فكريا وخلقيا (أي المرأة الغير قادرة على أَنْ تتفهم باستقلال وأن تختار قيمة معينة للواقع الحقيقي) لا يُمكنُ لها أَنْ تَتحمّلَ المسؤولية بإدراك واعي ، ومن هنا لا يُمكنُ لها أَنْ تَتعاونَ بالكامل، ولا يُمكنُ أَنْ تَكُونَ بنّاءَة ثقافيا وحضارياٍ. وبعبارة أخرى، فإن الشخص الذي ليس لديه استقلال ذاتي لن تكون له القدرة أَنْ يُصبحَ عنصرا مُغَيِّـرا، و سَيَبْقى دائما خاضعا للآخرين الذين يقومون بالتغيير. وسواء كان ذلك نتيجة النية الحسنة، أو التدخل الخارجي، أو نتيجة قانون التكافؤ الاجتماعي، أو نتيجة إقناع خاصّ، طالما أن المرأة لاينظر إليها، أو لا تُدرك بنفسهاُ على أنها كائن مستقل بذاتها، فإنها لَنْ تُساهمَ في التّغييرِ الشامل والجوهري والدائم.ِ

إذن العمل الذي يتم ضمن الحلقات الدراسيةِ الذي حللته في هذا الفصلِ، له أهمية كبيرةِ حيث أنه يوضح إمكانية النساء لإدراكِ ذّاتها حتى في أًشد الظروف المقّيدة والحالكة .

تهتم الدراسات الإجتماعية الغربية بدراسة المجموعات البشرية التي ترتبط بمراكز القوة في المجتمع. و تسقط هذه الدراسات من حسابها و اهتمامها المجموعات التي لا تنضوي تحت هذا النوع من التجمعات و تعتبر أن غياب هذه المجموعات عن واجهات القوة و صناعة القرار أو توزيع الثروة هو دليل على التبعية الكاملة لهذه المجموعات أو على الظلم الفادح الذي ترزح تحته.

بمثل هذا التحيز تبدو الكثير من الدراسات الإجتماعية الغربية عاجزة عن تقديم فهم موضوعي للظواهر الإجتماعية في المجتمعات غير الغربية. و من هذا المنطلق لم تلق الحركات النسائية في البلاد الإسلامية الإهتمام الكافي لمحاولة فهم علاقة هذه الحركات و نشاطاتها بتوجهات التغيير و السعي نحو الديموقراطية على مستوى تحقيق الهوية الذاتية.

و بما أنني باحثة مختصة بالتربية و أستخدم طريقة المشاركة الفعالة (Action Research) لفهم طبيعة عمل المجموعات الإنسانية و طبيعة العلاقات بين أفرادها ، فقد توجهت إهتماماتي لدراسة مجموعة نسائية سورية تربطني بالمشرفة عليها صداقة قديمة و ذلك بحضور اجتماعات هذه المجموعة و الإطلاع عن كثب على فعالياتها و منطلقاتها و أهدافها، و من ثَم تسنى لي أن أسجل بعض الملاحظات عن هذه المجموعة النسائية في سوريا و مدى مساهمتها في إيجاد اسس تربوية لصياغة شخصية اسلاميةنسائيه مستقلة تتصف بالفاعلية في الحياة المدنية و الدينية المتعلقة بالفرد و المجتمع.

تعتمد هذه المجموعة النسائية ( من خلال ملاحظاتي ومدارساتي معها) على التعلم غير الرسمي و على النشاطات الموجهة للصالح العام في المجتمع. و الفريد في مجموعة النساء هذه هواستمرارية محاولتها أن تستعيد امتلاكها للمعرفة و العلوم الإسلامية كوسيلة للوصول إلى المشاركة و الفعالية وتنمية الشخصية الإستقلالية و اعتبار ذلك محوراً مركزياً في عملية التربية الدينية و السياسية. و رغم أن المجموعة لا تسمي عملها و نشاطاتها بالديموقراطية أو كحركة للحصول على المساواة بين الجنسين، فإنها مع مثيلاتها من المجموعات قد توصلت إلى مشاركة ثقافية و مدنية فعالة على الرغم من القيود التاريخية و الثقافية الموجودة في المجتمعات الشرقية، وخاصة على النساء.

و تنطلق فكرة تنمية الشخصية الإستقلالية من مبدأ حمل الأمانة و الوعي الكامل لقبول أو رفض الإسلام كنظام متكامل ، و المسؤولية الفردية عن هذا الإختيار. و لتسهيل هذه العملية تحاول هذه المجموعة الإبتعاد عن التفسيرات ( الذكورية) لمصادر الإسلام التي تضع المرأة في وضع التابع للرجال أو الخاضع لأخلاق القطيع ( التوجهات الثقافية السائدة) . فمركز الوصاية للرجال و التفوق الذي يدعونه و الوكالة التي يمارسونها على عفة المرأة و خلقها هي تطبييقات مضللة . فالأخلاق التي يفرضها المجتمع باسم الصالح العام قد تكون أعراف مهمة لإستقرار الوضع السياسي و لكنها لا تنفي أولوية الخلق الواعي و الإنضباط الذاتي. و رغم المعرفة التامة بأن توجيهات القرآن و السنة تضع الصالح العام في مرتبة متقدمة على الحقوق الفردية، لكن المرأة المسلمة الواعية للمبادئ الإسلامية يمكن أن تدافع عن حقوقها و ذاتيتها ضد التفسيرات الجماعية الظالمة .

إن إدراك الهوية و فهم الذات و تحقيق الإنضباط الذاتي هو الإطار الإسلامي لتحقيق العدالة بين الجنسين و هو أقرب لفهم آليات الحراك الإجتماعي من الفرضيات الكامنة خلف مفهوم الديموقراطية في الغرب. إن المفهوم الإسلامي للعدل ( كما تراه هذه المجموعة النسائية) يبدأ بإزالة التمايز بين الذكور و الإناث في المسؤولية الدينية و المدنية باعتبار أن كل البشر قد حمِّلوا أمانة التكليف بالأصالة لا بالوكالة و أنه لا بد من الوعي بتلك الحقيقة و امتلاك العلم و المعرفة للوصول إلى مشاركة فعّالة في حمل المسؤولية .

مشكلة هوية النّساء المسلمات

الفريد في مجمرعة النساء قيد الدراسة هو محاولتها أن تستعيد قبضتها على المعرفة الإسلامية كوسيلة للوصول إلى المشاركة والدّيمقراطية، ولكن باعتبار أن السّياق الحاضر للدولة المؤسسة على مفهوم الوطنية والعلاقات الأجنبية الإقليمية لا يهتم بهذا الشكل من المشاركة فانها أصبحت متناسية للتّغييرات السّياسية أيضا. لذلك تبقى تلك النساء إلى حد كبير غافلة عن تأثيرات المفاهيم الغربية والسياسات الأجنبية على فهم دور المرأة في تحقيق قوانين الديموقراطية في المجتمع بشكل كبير. على الرغم من محاولاتهن في إدراك الذّات، فان المشكلة الأساسية لهذه المجموعة تظهر في عدم إدراك أعضائها أن هويتهن كانت ومازالت مبنية لهن وفق قرارات سياسة محلية ووطنية ودولية . ولذلك إن "الهوية الذاتية، " مهما كان تعريفها من قبل الفرد أو المجتمع هي لب تحليلي للمفاهيم المعاصرة للدّيمقراطيةِ ولوجهات النظر لدى مثل هذه المجموعة من النساء.

عرفت صديقتي المشرفة على هذه المجموعة وفعالياتها المبكّرة منذ أكثر من ثلاثين سنة، وكانت مجموعتها تتألف حينذاك  من خمسة إلى عشرة نساء اللواتي ضقن من ادعاءات الدّيموقراطية والحداثة والحكم العلماني، خصوصا الطّرق التي تناقش بها قضايا النساء المسلمات والتي تغلبها مراغاة المثقّفين ورجال الدّين. إن هدف هذه المجموعة هو أن تقوم عضواتها بدراساتهن الخاصة للمصادر الأولية للإسلام وأن تقمن بتطبيقها في حياتهن اليومية. و قد بدأت العضوات بقراءة فصول أو مقاطع معيّنة من القرآن، والاجتماع مرة كل أسبوع، لمناقشة ما فهمن من قراءاتهن. وعندها بدأن يتوصلن إلى إجماع بخصوص فهمهن للمبادئ الأساسية، وبدأن ضمنياَ بوضع برنامج متكامل لنشاطهن، الذي اصبح في النهاية كالبذرة بين المجموعات المشابهة الأخرى المتفرعه عن هذه المجموعه، وبهدّف التعلم الذاتي للإسلام لدى النساء العربيات المسلمات. وقد بدا لي عند أول مشاركة في حلقات الدراسة هذه، أن الأغلبية اعتمدت على تفسيرات الآنسة المشرفة .ولكن مع مرور الزمن ،أدركت بأنّه كانت للعضوات مساهماتهن الخاصة، وباعتبار يفوق لديهن الاحترام التّقليدي للموجهات فقد كن يستمعن بيقظة حتى تنهي الموجهة من تقديمها . ومع  أن الأقلية المشاركة في المجموعة لديها درجة جامعية فإنهن جميعا كن قادرات على الربط بين التفاسير التاريخية للنّصوص الأولية و الحاجات المعاصرة للنّساء المسلمات وعائلاتهن ولتوجيّه أعمالهن بشكل فعال. إن التّغيير المستمر في العضوية وفي الحضور جعل عمل هذه المجموعة يظهر وكأنه غير مؤثّر في الفترة الأولى .والآن ،وبعد نمو المجموعة إلى بعض المئات من  العضوات الفعالات،  ذوات المستويات المختلفة من التعليم، مازال هدف المجموعة الرّئيسي هو ممارسة ما تعلّمن مباشرة.

بالإضافة إلى حلقة الدراسة الأسبوعية، تكرّس العضوات يوما واحدا أسبوعيا لزيارة ومساعدة النساء المسنات اللواتي يعشن في الدار الحكومية لرعاية المسنين. تساعد العضوات تلك النّساء في الاستحمام، وتغيير الشراشف والمناشف ، وتنظيف غرفهن، مستعملة أدوات تشتريها المجموعة. وتكرّس يوما آخرا لجمع أي مساعدات  ممكنة من العائلات المتوسطة الدخل، من أموال، وطعام،و لباس، وتوزيع ما يجمع إلى العائلات المحتاجة.هذه الفعاليات ليست أعمال خيرية تقام مرة واحدة . إنما تتضمن أعمال وخطط مدروسة بشكل جيد لإجراء الاتصالات الغير رسمية، مع الأقرباء أو الأصدقاء.كمتطوعات، تشكّلن علاقات عمل وثيقة مع النّساء المتّبرّعات والعائلات التي تقدم لها المعونة على أساس المساعدة لبناء استقلالية تلك النساء. إنّ الهدف الرّئيسي هو التعلم الذاتي لبعض المهارات في إدارة العائلة وتربّية النفس والآخرين في الإسلام. و الغرض هو أن يستفيد المجتمع، ولكن في ذات الوقت يتم العمل على تغيير النساء لمفاهيمها بشكل تدريجي حول دورهن في العائلة والمحيط العائلي المباشر ومع الأقارب الحالية، و  الجماعات المجاورة، وفي المجتمع بشكل عام، وذلك بتغيير المفهوم  المحدود ألا وهو رعاية المنزل، إلى كون المرأة لها دور فعال للتغيير في المجتمع.

تقوم المجموعة أيضا باجتماعا إضافيا مرة كل شهر. إن طّبيعة وفحوى المناقشة في هذا الاجتماع الشّهري تختلف عن فحوى حلقة الدّراسة الأسبوعية في الجامع. يسخر الاجتماع الشّهري نحو تقييم الفعاليات والقضايا التي واجهت المجموعة بالأضافةالى التخطّيط للمناسبات الخاصّة (زواج، ولادة، موت، عطل، نشاطات) بعضوات المجموعة أو نشاطات خارج المجموعة. يمكن أن نصف الإجتماع الشّهري وكأنه اجتماع مجلس تنفيذي، ولكن النساء تغير أدوارها القيادية بشكل غير رسمي.  فهن تتحملن مسؤولية نفع الآخرين بما تنفع أنفسها ،ولكن تلك النّسوة لا تعين نفسها، ولا تعيّن بشكل رسمي كرئيسات لّجان. فهناك تفاهم قائم بين أفراد المجموعة على أن كل عضوة تقوم  ببعض من المهام، ويمكنها أن تستفيد من قدرات النّساء الأخريات عندما تكون متواجدة ولربما تطلب اشتراكهن في حالة تقاعسهن عن التطوّع. في إحدى  هذه الاجتماعات الشّهرية في عام 1995، اجتمعت حوالي خمس وعشرون امرأة من اللواتي اخترن أنفسهن في بيت أحد العضوات. في هذا الاجتماع الخاصّ، قدمت عملي مع النّساء المسلمات في أمريكا الشمالية ، واقترحت على كل عضوة أن تقدم طبيعة دورها بالمجموعة .بدأت الآنسة المشرفة بالتحدّث عن تغير مفهومها لتفسير المصادر الإسلامية عما كان عليه منذ معرفتي الأولى بالمجموعة قبل حوالي ثلاثين سنة . وذكرت أنها قد انتقلت باسلوبها من منظور أحادي الجانب إلى الحوار المفتوح، كان هذا واضحا بشكل جزئي من الرّدود التي حصلت عليها من قبل الخمس والعشرون امرأة عندما سألت كل واحد ة عن رأيها في وضع المجموعة ، وعن القضية الأكثر صعوبة التي تمنّت لو تحلها المجموعة. دل الاختلاف في الأجوبة على أن لكل عضوة مفهوم خاص بها. ورغم أن هذا كان شهادة لاشتراكهن الفردي في اتخاذ قرارت المجموعة، فان تكرر ذات القضية التي حازت على اهتمامهن كان دليل على أن العولمة قد بدأت تسيطر على طبيعة مداخلاتهن. كمثال على ذلك عندما اعترضت على أولوية قضية " اللباس الإسلامي " واجهت بعض الإمتعاض ، لكن انفتاحهن لانتقاد آرائهن واعتمادهن على بعض المصادر كان دليلا على فعاليتهن بشكل يوحي بالاتعاظ. كمثال حي،  أروي ما ذكرته لي  عضوة صغيرة في العشرينات صرّحت به بشكل نسبي أنها لم تستطع أن تفهم لماذا يفرض عليها أن تبرّر أسلوب حياتها إلى الآخرين، خاصة الأجانب.

رغم أني لا أعتبر ممارسة لباس معين شيئا أساسيا في التربية الإسلامية الموصلة لتحرير المرأة المسلمة ولا أعتقد أن الأمر أكثر أهمية من ذهاب الغربيات إلى الكنيسة أو المعبد لتحقيق تحررهن، فالحقيقة إن إدناء قيمة تعلم النساء المسلمات، حسب منظور البلاد الغربية، إلى مستوى السماح أو عدم السماح للمرأة أن تغطي رأسها في قاعة الدرس، سواء كان ذلك في فرنسا أو الولايات المتحدة أو تركيا، ووجود مثل هذه المهاترات في أحاديث النساء السوريات  خلال عام 1995 يدل على تأثر هوية تلك النساء بما يدور خارج الوطن. ومما يدعو إلى التهكم هو أن أغلب النّساء في حلقة الدراسة هذه لم تكن مدركة لمثل هذه الأحداث التي كانت في البلدان الغربية لكون معلوماتهن محدودة بما تقدمه وسائل الإعلام العربية، ومع ذلك فقد بقيت قضية اللباس هي الوحيدة التي تركز عليها أغلبهن ، بصورة خاصة مايسمى بالحجاب .

ومع ذلك فأن التفسير القائم لدى المجموعة حول ارتداء اللباس المعتدل كان مختلفا عن التّفسيرات الأخرى التي  سمعتها وقرأت عنها بين المجموعات المتدينة والعلمانية بين النّساء الأخريات، سواء في أمريكا الشمالية، أو انكلترا ، أو فرنسا، أو مصر. حيث أن النّساء السّوريات لم تناقش، ولم تكن مهتمّة ، بالوصمة الرّمزية و السّياسية  للحجاب. على العكس، فان اهتمامهن كان بشكل رئيسي يدور حول كيفية فهم المبادئ الأساسية للقرآن بما يخص اللباس المحتشم سواء للذّكر أو الأنثى، وأن يستكشفن تفسيرات مختلفة بشكل يجعل كل عضوة  تشعر بالراحة والقناعة بالحل الذي توصلت إليه. والذي أثار اهتمامي، كباحثة متخصّصة في تطوّير المناهج في الدّراسات الإسلامية والعربية، هو الكيفية التي تفسر تلك النّساء في المجموعة ما يدور من تركيز في المحور العالمي على لباس النّساء المسلمات (من قبل المسلمين وغير المسلمين) ، و كيف أثر هذا التركيز على تفسيرات تلك النساء للمصادر الأولية. حيث أن الظروف المحيطة بمناقشة النّصوص الدينية ، سواء منها المهتمةّ بقضايا اللباس أو أي قضية أخرى، توصل إلى نتائج خطيرة حول الفهم الذاتي للإسلام. سواء كانت قضية  طبيعة عملية اتخاذ القرار أو مقدرة النساء لحماية مكانها الشّرعي في الجامع، فأنه من الأهمية أن ندرك بأن التحقق النفسي والهوية الذاتية هي مؤشرات للدّيمقراطية في هذه المجموعة.حيث أن قراءاتهن الحديثة للنّصوص الإسلامية تظهر الانحياز الذكوري في التّفسيرات السابّقة وتطبيقاتها . وكذلك فإن هذه القراءات تظهر انعدام أهمية بعض المفاهيم الغربية وأن طرقها في البحث لاتمت بصلة للمجتمع الإسلامي. على سبيل المثال، سأسرد الحالات التالية لأوضح كيف تتحقق المعاني الإسلامية بيما يتعلق بحياة المرأة الفردية والعائلية.

سرد لبعض الحالات والوقائع

بدأت مجموعة نسائية الاجتماع في مسجد تأسّس حديثاً في عام 1995 بعد أن اقنعوا مديره أن يفتح الجامع لمدة ساعتين قبل صلاة الجمعة كي يتسنى لهن القيام بحلقات الدراسة بشكل دوري.  حصل مدير الجامع على موافقة مجلس الإدارة (وكلهم رجال) لتخصيص مكان للمجموعة لتتابع حلقاتها الدراسية والمشاركة في صلاة الجمعة مع النّساء الأخريات اللواتي يتردّدن على الجامع،  دون أن يزعجهن توارد الذكور للجامع . لم يكد يمض شهر على الحلقات الدراسية الدورية حتى أعلن مدير الجامع في نهاية صلاة الجمعة أن النّساء لن يستطعن الحضور إلى الجامع بعد ذلك اليوم لأنه لم يعد هناك مكان كافي مخصص للنساء بسبب عدد الرّجال المتزايد خلال شهر رمضان.  هذه الحادثة لم تكن الأولى من نوعها ولذلك لم تكن ذات شّأن لأغلب النّساء الحضور، حيث أنهن إعتدن على مثل هذا التّقلّب المفاجئ للمسؤولين عن الجوامع  . أما بالنسبة لي، وحيث صادف وأني كنت ضمن الحضور ، فان الحادثة كانت إشارة لفتح جبهة جديدة لمواجهة الغبن لحقوق النساء، ليس فقط لأني كنت أبحث وأكافح ضد التفسيرات المشابهة بين المسلمين في أمريكا الشمالية، ولكن لأن هذا المدير ذاته كان قبل بضعة أسابيع فقط ،قد أعلن بكل فخر أنه خصص مكانا لحضور النّساء في جامعه.ومن الضروري التذكير هنا أنّ الرّوح الإسلامية للتجمع وللخطبة يوم الجمعة لا يهدفان إلى الصّلاة الجماعية فقط ،و لكن الهدف الرئيسي هو تجمّع كل جماعة محلية لمناقشة قضاياها. وهذا ما يدعو لوجود جامع في كل حي ، حتى في الأرياف. لكن في بعض المجتمعات المسلمة نتيجة لتطفّل القوى الثقافية والإيديولوجية الخارجة عن الإسلام بدأت تمنع النساء من التردد على الجوامع يوم الجمعة بحجة الخوف من تعرّضهن إلى الأفكار الخارجية رغم كون هذا التخوف لا أساس له. وفي الآونة الأخيرة ، أصبح تفسير عدم ذهاب النساء إلى الجامع "أنه ليس من الضروري أن يختلط الرّجال والنّساء".  وقد تحوّلت مثل هذه الممارسة مع مرور الزمن إلى قاعدة، والعديد من مدراء الجوامع والمنظمات الدينية المحافظين المعاصرين ، كم  تقتر ح1992:4) Keddie) أصبحوا يرجعون مثل هذه الممارسات إلى القرآن أو كتب الحديث. والأسوأ من ذلك، أن  هذه القراءات والتفسيرات الآن أصبحت تًد ّعي عدم إلزامية حضور النّساء يوم الجمعة، وتصنّف النساء سويّة مع الأطفال مع العجزة عقليا بحيث تدعي أن النساء لسن مسؤولات عن هذا الواجب الدّيني (برزنجي، 1996).

وقد صادف أنه قبل هذه الحادثة ، حضر مدير هذا الجامعَ إحدى محاضراتي العامّة عن الحقوقِ الإنسانيةِ للمرأة المسلمة في المركز الثقافي الأمريكي في دمشق ،و كانت حوالي عشْرة نِساءِ من المجموعة المعنية حاضرة أيضا. وقد كُنْتُ أشرح عندها أن الحق الإنساني الأولي للنساء المسلمات في الإسلام هو المعرفة العميقة للإسلامِ وأن هذه المعرفة قَدْ أنكرت بسبب عدم السماح لهن بالاشتراك في النشاطات الدّينيةِ، وأساسها حضور يوم الجمعةِ (برزنجي ، 1998). وقد حاول مدير المسجد أن يدحض مقولتي على أنه لا أساس فعًلي لها. وكان مثاله هو جامعه الذي تقوم هذه المجموعة بعقد حلقاتها الدراسية فيه. ومن الجديرُ أَنْ نلاحظَ هنا أنّ العديد من الزّعماءِ الدّينيين (الذكور عادة)  كَانوا يُعارضونَ سراً الانفتاح المفاجئ في حلقات النقاش العامة لقضاياِ المرأةِ المسلمة . هؤلاء الزّعماءِ بدءوا يَنتقدونَ على المنابرِ استيراد الأفكارِ الغربيةِ خصوصاً تلك التي كانت تتم تحت اسم حقوقِ المرأة المسلمة الإنسانيةِ  وتّحرير المرأةِ مِن قِبل النِّساءِ المتدربات في الغرب واللواتي كن يحاضرن في المركزِ الثّقافي الأمريكيِ و البريطانيِ. هذه المعارضةِ، ومن المغالطات السياسية أن هذه الإعتراضات كانت مزامنة في ذات الوقت الذي كانت فيه الحكومةِ تدَعمْ الاتحاد النِسائي السوريَ لعمل ورشات وأعمال تحضيرية أخرى للتمثيل في مؤتمر المرأةِ العالمي في أيلول/سبتمبر عام 1995  في بيجين.

إن ما يضفي أهمية لمثل هذه الإزدواجيةِ،والتحول في المقاييس لهذه المناقشات، وتخصيص أو عدم تخصيص دور للنِّساءِ في الرأي العام، هو أنِ مثل هذه الأمور لا تحدث في سوريا فقط. وباعتباري باحثةِ ولي دور داخلي، وخارجي بذات الوقت فإنني تمكنت من أَنْ أَتعقّبَ بشكل مُحدّد بعض هذه القضايا التي تَعْكسُ " برنامج مخفي " وراء هذه التحولات وثنائية المقاييس. وهذا ما سأشرحه في الجزء الثاني لحادثةِ الجامعِ وبقيةِ المحادثاتِ مع المجموعةِ، ومن خلال  المفارقات في الرّدودِ على مثل هذه المعالجةِ.

في نهايةِ الصّلاةِ الجماعيةِ لتلك الجمعةِ نفسهاِ في شباطِ 1995، فكّرت بأنّه ينبغي أن أَتدخّلُ، واقترحت أن نقابلَ إمام الجامعَ حالاً، وعَرْضت استعدادي لمساندة نِّساء المجموعة في حالَ اخترنْ اتخاذ موقف.  بعد بعض التّرددِ، تَطوّعتَ الآنسة المشرفة، وعضوة أخرى في المجموعةِِ، وذَهبناَ ثّلاثتنا للَتحدّثَ إِلى الإمام.  بعد عشْرة دقائقِ من المجادلاتِ والحجج، أشارت العضوة من المجموعةِ إلى أن النِّساءِ يَصلّينَ في الحرم المكي فأتبعتها قائلة للإمام: لديك فقط اختياران، إما أن تقوم بحل القضية مع مجلس إدارتكِ أو أننا سَنَصلّي الجمعة القادمة حول الجامع، على قارعة الطريق وسوف َنجْلبُ سجاداتنا الخاصة لحضور صلاة الجمعة الواجبة علينا كما ورد في القرآن والحديث، وعندما غادرنا الجامعَ، نَظرت الآنسة المشرفة كما لو أنها مأخوذة من مجريات هذه الأحداث .ولكن بعد يومين أخبرتني أن النِّساءَ سَيَكُنّ قادرات على حجز نصف المكانِ في الجامعِ لتعقد حلقة الدّراسةَ كالمعتاد. وعندما سَألتها كيفْ استطاعتْ أن تَصلَ لمثل هذا الحلِ، أخبرتني أنه سنحت له  الفرصةَ بالتحدث إِلى الإمام على انفراد. واستطعتُ أن أحْضرَ إحدى الحلقات قبل أن أغادر دمشق تلك السّنةِ، وكانت هناك طبعا ستارة فاصلة بين النساء والرجال. .شَعرتُ بأن هذا الحلِ يُعطي صورة خاطئة حول مكانِة ودور المرأة في تربية المرأة الإسلاميةِ، وتحريرها. رغم أن مثل هذه الصورة ما زالَتْ تَسُودُ بين العديد من مجموعات النِساءِ المتدينات، فان معرفتي بحوادث أخرى لها علاقة بحلقة الدراسةِ هذه تدل على نَتائِجَ مختلفةَ. وعندما أعدت النظر في الأحداثِ السابقة وحوادث أخرى مرتبطةِ بشكل مباشر و غير مباشر بها، أُدركتُ بأنّ الآنسة المشرفة لم تكن محتارة حقا مِن حادثة الجامع، بل كانت خبيرة بالظروف الاجتماعية والسّياسية وان ترددها الظّاهر لم يكن بسبب الضّعفُ عن الَرْدَّ، ولا مسألةُ استسلام إِلى القراراتِ الذّكوريةِِ. وإنما ردة فعلها كَانتَ في الحقيقة نتيجةَ لاستراتيجيتها المعتمدة على  "الانتظار ورؤية النتائج ".  فقَدْ كانت تعَرف هذاْ الإمام، وزعماء دينين آخرين، وقد أدركتْ أن أفضلَ ًإستراتيجية ليست أن تصر وبشكل مفتوح في الحال. وقَدْ تأكّدَ تحليلي هذا مؤخرا بردها علي عندما عبرت عن عدم قناعتي بسلوك إمام جديدِ لنفس الجامعِ، الذي ركز في خطبة الجمعةِ  في عام 1997 على أن النساء محرضات للإغراء. إذ عندما تساءلت كيف للمجموعةَ أن لا تجيب علىمثل هذه الآراءِ واتهمتهن بأنهن سلبيات ردت الآنسة المشرفة: "نحن نَعْرفُ بأن هذا الرّجلِ عادلُ، ولذلك يَجِبُ أَنْ نَكُونَ صبورَات حتى عندما يظهر بحديثه كما لو أنه ضد النساء".

هدف النساء في هذه المجموعة في العملية الديمقراطية واشراك المرأة لتَأْخذَ مكانها ليس من الضروري أن يكون مرتبطا بشكل واضح في عمليةِ اتخاذ القرارات العامّةِ. بل إن الهدف، يَتضمّنُ مقدرتهن على مناقشة مشاكلهن وفهم الظروف المحيطة بكل قضية وأي قرارِ خاص، والعَمَل من أجلْ ضمان أنّ تسمع أصواتهن وتَحْفظُ أماكنهن ومكانتهن .ولو كانتُ نتيجةُ حادثةِ الجامعِ مختلفةَ،لكان هناك شك في أن مثل هذه المواقف تقُودُ إلى الديموقراطية .وقد كان ردَ النِّساءِ بأنهّ طالما هن قادرات على التعبير عن استراتيجيتهن وأحرار في أَنْ يَتّبعنها أو أَنْ لا يتبعنها ، وأن لهن دور في العملياتِ التي تؤَثّرَ على حياتهن الخاصة وتحقيق الفائدة للنِساء الأخريات، فإنهن مصرات على حقوقهن المدنية الإسلامية .

في عام 1997 خلال السّنة الثالثة من مشروعي، حَضرت ُمعظم الحلقات الدراسية للآنسةَ المشرفة. وقد علقت الآنسة المشرفة في إحدى الاجتماعات على حادثةَ الجامعِ، قائلة: " أنها لربما لم تكن عِنْدَها الشّجاعةُ للذْهابَ إلى الإمام لو لم تحصل على تشجيع مني. لقد ذكرتني عبارتها بحادثة أخرى عن عالمِ مسلمِ ِ بارزِ في الإسلامِ اقترحَ بأن تقوىَ المرأةِ المسلمةِ تَفْرضُ عليها أنّ لا تُجادلُ علناً، ولا تنضم إلى " الغربيات" في برنامج تحرير النِّساءِ. فعبارة الآنسة المشرفة هذه تَدْحضَ مفهوم هذا العالم لتقوىِ المرأةِ المسلمة،ِ مع أنها تَستعملُ أسلوب" اصبر وانتظر " والإقناع الخاصّ. من الضروري أنَ نفقه المعاني المتعدّدة للتّقوىِ في الإسلامِ حتى تكون لدينا القدرة على فهم موقف الآنسة المشرفة وقدرة مجموعتها على تعقب أعمالها (برزنجي، 1998).

كمثال، في حلقة الدّراسةِ هذه، بعد أن أنهت الآنسةِ المشرفة تَوضيحَ بعض المفاهيم في قضيةِ المسؤوليةِ الفرديةِ ومعنى التقوى في القرآن، تَحدّيتُ المجموعةَ على أَنْ تَأتيَ في الجلسة القادمة مستعدّة كي تُخبرَنا كل عن خبرتها الفرديةَ فيما يتعلق بقدرتهن على تطبيق ماْ تَعلّمن حول المفهوم. وقَدْ غُمِرتُ بقصصِ في الأسبوع التاليِ، ولكن أصابتني الدهشة عندما قدمت لي امرأة بالستين من العمر، اسمها فاطمة، في نهايةِ الجلسة، قائمةَ عنً استنتاجاتها الخاصةِ للسّياقاتِ المختلفةِ للتقوى. قالتْ: " وَجدتُ أنه تطبيقي سَيَكُونُ أفضل إذا بدأت بتعلم كافة السّياقاتِ التي أتت بها هذه الكلمة في القرآن،ولذلك كتبت هذه القائمةِ." ثم سَلّمتني فاطمة قائمتها هذه بتواضع.  ومنذ ذلك الحين وفي كل مرة أقارن النظرة الإسلامية مع القضية الإنسانية في الأبحاث التي أقوم بها فإنني أستعمل استنتاجاتها كمرجع. ومع أنها قائمةّ بسيطة عن حدوث كلمة التقوىِ، فإنها كانت نتيجة بحثها الخاصِ لتَجدَ معنى لفعالياتها الخاصةِ.

سواء دعونا ذلك العمل ديمقراطيةَ أو عملا دينيا، فان عمل فاطمة لمَ يكن ردَا على فلسفةُ وُسياّسةُ التعليمات أو الحقائق الإسلامية، ولا ردا على أولئك المدافعينِ أو الذين يَقْمعون أيُ مناقشة للحقوقِ الإنسانيةِ للمرأة.  إن الأهمية تكمن في أنّ بعض النِّساءِ، مثل فاطمة التي تبلغ الستين من العمر، قَدْ اختارت بنفسها وأدركت هويتها الذاتية كمساهمة في تغيير التاريخِ. بالنسبة إلى فاطمة، هذا كَانَ جوهرَ المبادئِ الدّيموقراطيةِ في الحياةِ الإسلاميةِ حيث قررت بنفسها كيف تتفهم القضيةِ.

ِ وكباحثة مشاركة في مثل هذه النشاطات، فإنني كَسبتُ صديقة وناصحةَ جديدة. تبدو فاطمة وكأنها تُشاركنيَ بنظرتي إلى الهويةِ الذّاتيةِ، والأمر الأكثرَ أهمية، أنني قَدْ تَعلّمتُ منها أنهِ يُمكنُ أَنْ يَحْدثَ تفكير ناقد فيما ، إذا اختارت المرأة العمل على ذلك حتى لو لم تكن مدربة بشكل رسمي على ذلك.  عندما تدرك المرأة ذاتها و دورها في المجموعةِ،فان اشتراكها في المجموعة في ذلك الوضع لربما يساعدها فيُ تغيير أصول تعليمِ التّربيةِ الإسلاميةِ.وبالتأكيد فان فاطمة كَانتْ عضوة فيَ المجموعةِ لسنين عديدة، وهي قادرةَ أَن يكون لها مساهمة فردية فعّالة عندما أتُمّمتْ إدراكَ ذاتها.َ لهويتها الذاتية في مثل هذه المساهمةِ أيضا تطبيق تربويُ آخرُ لديناميكية المشاركة الإسلامية والديموقراطية في الحركاتِ النِّسائية المحلية التي تعمل ضمن الإطار الإسلامي. هذه المساهمةِ ستغير في فهم حركات المجموعات النسائية المحلية الأخرى من أجل استقلالية المرأة الثقافية والأخلاقية و السياسية .

النتيجة

إذا حاولناُ أَنْ نَفْهمَ الأحداث السابقةِ ضمن سياق هنري هاريس جيسوب (1874) الذي سجل ملاحظاته تحت عنوان " سبع عشْرة سنة للمبشّرِ الأمريكيِ في سوريا " (سوريا الكبرى حينها)،  يُمكنُنا الَبْدء برؤية الدور الذي يأخذه التّشويشَ الناتج عن التدخل الخارجي في تحوير السياسة الداخلية المتعلقة بالمرأة ومكانتها. فقضايا الديموقراطية، خصوصاً المتعلقة بحركاتِ مجموعات النِساءِ المحلية العريقة، هي أقدمُ من هذه التّدخّلاتِ. وأفضل مثال لذلك هو"قانون الأحوال الشّخصية "الحالي والمفاهيم الناتجة عنه، حيث أنه وُلّد نتيجة لمثل هذه التّدخّلاتِ المترافقة مع الثنائية في السياسة الدّاخلية والتي لها علاقة باشراك أو عدم إشراك النِّساءِ في عمليةِ اتخاذ القرارِ.

إن إدخال المفاهيم الأوروبية لتربيةِ النِّساءِ للتحرر من الأميّةِ، والجهل، والممارسات الصحية الضئيلة استعملت من قبل جيسوب كحجة لإدخال التبشير بحجة " الدّيمقراطية "، إلى أرضِ "العرب"ِ. كما كَتب َجيسوب، إن النهوض الملحوظ الرّائع للنِّساءِ المسيحياتِ في الأراضي المسيحية و اهتمامهن الجديدِ في أمور النِّساءِ في البلاد الوثنيةِ والمحمدية تعتبر واحدة من الأحداثُ العظيمةُ للقرنِ الحاضرِ" (Vi :1874). كل ما يحتاج أحدنا هو أَنْ يسْألَ اليوم: لماذا لم تزل كلا النِّساءِ الأمريكياتِ والسّوريات تُكافحَ لأجل قضاياِ الديموقراطية على الرغم من الادعاء أن النِساء السوريات قد " ُتحرّرت " بمساعدةِ " أخواتهن الأمريكيات ؟ إذا َنْظرناَ عن قرب إلى كفاحِ النِّساء الأمريكياتِ والسّورياتِ المستمرِ، فإننا سوف نَعرفُ النَقص في فهمِ المرأة السوريةِ و العربية والمسلمة ونساء الشرق عامة . وسوف نُدركُ أيضا أنه حتى نضال النِساءِ الأمريكيات والأوربياتِ لَمْ يتم فْهمه من قبل أولئك الذينِ يدعون أن لهم دورِ "المنقذين " بينما هؤلاء "المنقذين " ما زالواّ ينظرون إلى دور المرأة الأولوي ضمن مجال الخدمة المنزلية وعلى أنها تّابعةِ أخلاقيا للرجل.

وبشكل مشابه،  كَتب Houghton ". . . أنا أثق أنُ الصّفحاتَ التّاليةَ سَتَكُونُ لها قيمةِ خاصّةِ بالنسبة للسّيداتِ المسيحياتِ من أمريكا اللواتي عواطفها وجهودها إلى العمل علىِ النهوضِ بالنِّساءِ الشّرقياتِ من خلال قوةِ التّربيةِ المسيحيةِ " (Houghton  1877: 5)، إنني أَتساءلُ لماذا أغلبيةَ نساء الشّرق اللواتي ثقفن من قبل المبشرين ما زِلنّ أمياتُ، خصوصاً بعد فرض التبشير الغربي ومفهوم المدارس الإجبارية قبل مئتي  سنةِ الماضية ( برزنجي 1997). وبالإضافة إلى ذلك لماذا قام عدد لا بأس به من النِّساءِ الأمريكياتِ بهْجرَ المسيحية والدّين بشكل عام في القرن التاسع عشر من أجل الوصول إلى التّحررِ، بينما يقال للنِساءَ الشرقياتِ أنّهن يُمكنهنْ أن يتقدموا فقط من خلال التّربيةِ المسيحيةِ؟ أخيراً، لماذا بدأت بعض النِساء المسلمات المُعاصرات اللواتي تثقفن بالغرب أو على الطريقة الغربية تهْجرُ الإسلام عندما أصر رجال الدينِ المسلمين أن الإسلامِ هو دين الحرية؟

وعندما أقرأ فيُ بعض مصادرِ المؤلفين المسلمين الذكور من القرنِ التاسع عشر والعشرون، التي تُؤكّدُ أن النِساءَ المسلماتِ تحْملنَ مصباح العفةِ والمبادئ الأخلاقيةِ من أجل الحْفاظ على العائلة والمجتمع المسلم والنسيج الاجتماعي العالمِي ، أصبحت مقتنعةَ بأنّ نفس المشكلةُ تشكل أساس قضايا النِّساءِ والديمقراطية في كل مكان.هذه القضاياِ تَأْخذُ أشكالَ وأنماط مختلفةَ، لكن الفرضيةَ أو الإدراك الأساسي اللذين أحاطا دور النِساءَ ومكانَ النِساءِ في العمليةِ الدّيموقراطيةِ هو نفسه.

إن المشكلة هي أن النِّساء لَمْ تدرك ذاتها، وهن لمْ يدركن أنفسهن كمواطنات لهن ذات أخلاقية وفكرية مستقلة. فالإستراتيجيات البطيئة التي تعتمد " انتظر وشاهد" ّ والمجادلات الشخصية التي تعتمد عليها مجموعة الآنسة هناء قد تكون جزء من المشكلةِ.

وتتسأل ميري واين ديفز : " هل هذا الإدراكِ المتزايدِ للاعتماد المشترك أو المتبادل توازيه زيادةِ في الفهم المتبادلِ ؟ IX:1988)). كما أن الرجالِ المسلمون أنفسهم الآن لا يُمكنُ أَنْ يَكُونوا مستقلينَ اقتصاديا وبنفس الوقت لا يدخلوا في عملية الحكم وصنع القرار، فان أفضل استراتيجية، كما اقترحت إحدى المحاميات السوريات ، أَنْ تُجهّزَ النِساء المسلمات ببعض مهاراتِ التغلب على المصاعب. إنّ مهاراتَ حَلِّ المشاكلِ هي مجرد أدواتُ اجتماعية غالباً ما تستعمل لكي تَتفاوضَ المرأة أو الفرد مع البيئة العائلية والجماعيةِ، ولكن تلك النِّساءِ لَنْ يَصْبحنَ ذوات سلطة كافية لأَنْ يَتفاوضنَ ويتفاعلن مع السّياساتِ العالميةِ والدّاخليةِ،كما تُشيرُ النظريةِ الاجتماعية لبياجة (DeVries، 1997). إن المرأة الغير مستقلَة فكريا وخلقيا (أي المرأة الغير قادرة على أَنْ تتفهم باستقلال وأن تختار قيمة معينة للواقع الحقيقي) لا يُمكنُ لها أَنْ تَتحمّلَ المسؤولية بإدراك واعي ، ومن هنا لا يُمكنُ لها أَنْ تَتعاونَ بالكامل، ولا يُمكنُ أَنْ تَكُونَ بنّاءَة ثقافيا وحضارياٍ. وبعبارة أخرى، فإن الشخص الذي ليس لديه استقلال ذاتي لن تكون له القدرة أَنْ يُصبحَ عنصرا مُغَيِّـرا، و سَيَبْقى دائما خاضعا للآخرين الذين يقومون بالتغيير. وسواء كان ذلك نتيجة النية الحسنة، أو التدخل الخارجي، أو نتيجة قانون التكافؤ الاجتماعي، أو نتيجة إقناع خاصّ، طالما أن المرأة لاينظر إليها، أو لا تُدرك بنفسهاُ على أنها كائن مستقل بذاتها، فإنها لَنْ تُساهمَ في التّغييرِ الشامل والجوهري والدائم.ِ

إذن العمل الذي يتم ضمن الحلقات الدراسيةِ الذي حللته في هذا الفصلِ، له أهمية كبيرةِ حيث أنه يوضح إمكانية النساء لإدراكِ ذّاتها حتى في أًشد الظروف المقّيدة والحالكة .

References

Barazangi, Nimat Hafez. 1998. “The Equilibrium of Islamic Education: Has Muslim women’s Education Preserved the Religion? Religion and Education, 25, 1 & 2, Winter 1998, 5-19.

Muslim Women’s Islamic Higher Learning as a Human Right: The Action Plan. In Muslim Women and the Politics of Participation: Beijing Platform. Edited by Mahnaz Afkhami and Erika Friedl. Syracuse University Press (1997), 43-57.

Vicegerency and Gender Justice in Islam.  In Nimat Hafez Barazangi, M. Raquibuz Zaman, and Omar Afzal, eds. Islamic Identity and the Struggle for Justice, The University Press of Florida.  1996: 77-94.

Davies, Merryl Wyn.  1988. Knowing One Another: Shaping an Islamic Anthropology. London: Mansell Publishing Limited, pp. ix.

DeVries, Rheta. 1997. Piaget's Social Theory. Educational Researcher, Vo. 26, no. 2, March 1997 (4-17).

Hammam, Mona . 1977. Women Workers and the Practice of Freedom as Education: The Egyptian Experience. Ph.D. dissertation. University of Kansas.

Houghton, Ors C.  1877. Women of the Orient: An Account of the Religious, Intellectual, and Social Condition of Women in Japan, China, India, Egypt, Syria, and Turkey. Cincinnati: Cranston and Stowe.

Jessup, Henry Harris. 1874. The Women of the Arabs. London: Sampson Low, Marston, Low and  Searle

Kandiyoti, Deniz. Women, Islam, and the State: A Comparative Approach. In Juan R. I. Cole, ed. Comparing Muslim Societies: Knowledge and the State in a World Civilization. Ann Arbor, The University of Michigan, 1992:237-260.

Keddie, Nikki. 1992. Material Culture, Technology, and Geography: Toward a Holistic Comparative Study of the Middle East. In Juan R. I. Cole, ed. Comparing Muslim Societies: Knowledge and the State in a World Civilization. Ann Arbor, The University of Michigan 1992: 31-62.


د. نعمت حافظ البرزنجي
مع هاجر محمد ومونيك كاردينال

 

JoomShaper