محاسن أصرف
طالما كانت المرأة محط أنظار الباحثين لدراسة شخصيتها، والتأكيد على دورها المهم في المجتمع الإسلامي، والذي أقره لها الدين، وجاءت به سنة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم مؤكدة عليها، فكانت المرأة على مر العصور بجانب الرجل، تساعده على الخير وتنأى به عن مواطن الشر، وتبث الحب في قلوب أبنائها بالرعاية والاهتمام.
وصفي عاشور أبو زيد كان أحد الأساتذة الباحثين الذين أولوا المرأة في دراساتهم اهتماماً كبيراً؛ سعياً وراء رفعتها و قيامها بالدور المنوط بها في المجتمع، وفق ما جاء به الشرع الإلهي بآيات القرآن الحكيم وأكدته سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم.
وكانت أخر الدراسات التي أنجزها مشاركة المرأة في العمل العام، والتي حدد فيها التعريفات والضوابط والمقاصد والشبهات والتحديات، ودلل بنماذج للمشاركات والمجالات والأدوار التي يمكنها القيام بها.
في سياق التقرير التالي تستعرض "لها أون لاين" تفاصيل الدراسة.
ونخلص بأهم النتائج التي توصل إليها الباحث حول مشاركة المرأة في العمل العام تابع معنا.

ولما كانت قضايا المرأة تواجه أزمات عقلية وخلقية واجتماعية واقتصادية مختلفة أراد د. وصفي أبو زيد الوقوف على أهم الأزمات التي تواجه قضية مشاركة المرأة في العمل العام، وذلك من خلال دراسة متعمقة جاء في سبعة فصول، بالإضافة إلى المقدمة والخاتمة.
حاول الباحث خلال دراسته الوقوف أولاً على المعاني والمفردات المختلفة لموضوع دراسته "مشاركة المرأة في العمل العام" فوضح معنى العمل، ومعنى المشاركة، ووضع حلاً لإشكاليات كبيرة تتعلق بالمقام والمهام وأوضح من خلالها أن المرأة والرجل متساويان تماماً في المقام، بينما مختلفان في المهام، وذلك بسبب طبيعة التكوين والنوع، مشيراً إلى أن الاختلاف هو يصب في مجرى التنوع والتكامل وليس التضاد والتناطح.

ويستطرد الباحث د. أبو زيد دراسته خلال الفصل الثاني منها فيبين الموقف الشرعي لمشاركة المرأة، وذلك استناداً لنصوص شرعية من القرآن الحكيم والسنة النبوية الصحيحة، ويطغي اعتماده على النصوص القرآنية وما ورد في صحيح  البخاري ومسلم، ومن ثمَّ يتجه لتحديد الضوابط  الشرعية لمشاركة المرأة ويبين ما يثمره تغيبها واستثنائها من مخاطر، لافتاً إلى النتائج الإيجابية التي تؤديها مشاركة المرأة في العمل العام، وفق ما حدده الشرع من ضوابط أقرها القرآن الكريم ومورست في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم على المجتمع والأسرة والمرأة نفسها.

وفي إطار تسلسلي منطقي يتحدث د. أبو زيد في الفصل الثالث عن نماذج لمشاركة المرأة في العمل العام في مختلف العصور السابقة، فيعرض نماذج من العصر الجاهلي قبل أن يرسل الله نبيه محمد صلى الله عليه وسلم بالحق المبين، ومن ثمَّ يتسلسل ليورد نماذج لمشاركة المرأة في زمن الرسول عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم ويتجاوزه ليورد نماذج أخرى شاركت فيها المرأة في عصر الصحابة.

ويستمر د. أبو زيد في التدرج بالكشف عن نماذج متعددة لمشاركة المرأة في العمل العام حتى يصل إلى نماذج برزت في العصر الحاضر خاصة في فلسطين، ويشير أبو زيد أنه اعتمد في هذا الفصل بشكل كبير على إيراد نماذج لمشاركة المرأة في العمل العام في عصر الرسالة مستعيناً بموسوعة "تحرير المرأة في عصر الرسالة" للأستاذ محمد عبد الحليم أبو شقة باعتباره أهم الموسوعات التي تحدثت عن المرأة وقضاياها المختلفة.
وبالوصول إلى الفصل الرابع من الدراسة التي حملت عنوانا عريضا "مشاركة المرأة في العمل العام" يبدأ أبو زيد في تفنيد الشبهات التي تطعن في أهلية المرأة وصلاحيتها للعمل والمشاركة، مورداً خمس عشرة شبهة كان السبب فيها الآثار الموضوعة والتي أنكرت دور المرأة مما انعكس سلباً في ترسيخ ثقافة احتقار المرأة وإهانتها.

وقد حاول د. أبو زيد خلال هذا الفصل الوقوف على بعض المفاهيم المغلوطة التي استندت لنصوص صحيحة مورداً الرد عليها بالدليل القاطع من القرآن وسنة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم والصحابة من بعده والسلف الصالح للأمة.

ومن ثمَّ في الفصل الخامس راح د. أبو زيد يسرد أهم التحديات التي تواجه المرأة وما فعلته المرأة لمواجهة تلك التحديات والتعامل معها، سواء من الاستلاب الغربي وموروث العادات والأعراف الاجتماعية المخالفة لصحيح المنقول وصريح المعقول، وتطوير الذات والوعي بالحقوق والمسؤوليات، بالإضافة إلى الموازنة بين المهام والواجبات وعدم الانقطاع في العمل  أو الاكتفاء بالعمل العام الموسمي.

وفي الفصل السادس أورد أهم المجالات التي أباحها الشرع للمرأة، بل وأوجب عليها أحياناً أخرى العمل فيها وفق الضوابط الشرعية والآداب الإسلامية، موضحاً الطرق والوسائل والمهام التي تمكن المرأة من القيام بعملها والمشاركة فيها.

كما أورد في هذا الفصل بعض الأعمال التي حرم على المرأة إتيانها فقط لحفظ طبيعتها واستبقاء فطرتها وأنوثتها، وبالوصول إلى الفصل النهائي من الدراسة النوعية في طرحها يبين د. أبو زيد  أهم الأدوار التي يمكن أن تدعم المرأة في مسيرتها الحضارية وتفعل مشاركتها في المجتمع، أهمها: الخطاب الشرعي المتوازن، ودور بارز للحركة الإسلامية، بالإضافة إلى المحاضن التربوية الأساسية في الأسرة والتعليم، ناهيك عن المناهج التربوية ودور الزوج الذي يعد أهم الأدوار.

نتائج الدراسة
وكانت أهم النتائج التي توصلت إليها الدراسة التي قام بها د. وصفي عاشور أبو زيد وراعى فيها المزج بين التنظير والتطبيق، وبين التأصيل الشرعي والوسائل العملية التي يمكن أن تسلكها المرأة بعد أن تتفقه في دينها، وتدرك مكانته وقيمة رسالتها، وتملك القدرة على رد الشبهات التي تثار من حين لآخر حول المرأة.
أولاً أن مشاركة المرأة في العمل العام تعني بذل المرأة ما تستطيعه، من خلال ما تملكه من ملكات وإمكانات علمية ودعوية وفكرية وثقافية في سبيل نهضة المجتمع وتطويره؛ بحيث يتم الموازنة بين هذه المشاركة العامة وواجبات المرأة الخاصة، وأن مقام الرجل والمرأة عند الله سبحانه وتعالى سواء في المكانة والتكليف والعمل والأجر والحساب إلا أن كل واحد منهما له المهام الخاصة، وأن اختلاف المهام هو من باب  التنوع والتكامل بسبب اختلاف الطبيعة والتكوين النفسي والعاطفي والبدني لكل من المرأة والرجل ولا ينطوي على تضاد وتناطح.

وأشار د. أبو زيد أن حكم مشاركة المرأة يتحدد باختلاف طبيعية العمل وحاجة المرأة وحاجة المجتمع ومدى انضباطها بالضوابط التي حددها الشرع،  مشيراً إلى أنه قد يكون وفقاً لذلك حراماً أو واجباً أو مباحاً أو مستحباً أو مكروهاً، وأوضحت الدراسة أنه يستثنى من الأعمال المشروعة للمرأة ما يتنافى  مع طبيعتها وتكوينها البدني وما كان محرماً أيضاً.

ومن ضمن النتائج التي أظهرتها الدراسة:
أن مشاركة المرأة في العمل العام بالضوابط الشرعية له نتائج إيجابية عظيمة عليها وعلى أسرتها ومجتمعها ودعوتها وأمتها، وأن ما يثار من شبهات ضد المرأة تهينها وتحط من كرامتها، إما أن تكون فهماً مغلوطاً لنص صحيح، أو من خلال نصوص نُسبت إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وهي موضوعة أو ضعيفة أو منكرة؛ فلا يسند هذه الشبهاتِ دليلٌ من نقل أو عقل.

وأن مجالات المشاركة العملية في العمل العام مفتوحة أمام المرأة، وتستوعب طاقاتها وملكاتها وإمكاناتها، في كافة المجالات الدعوية والإعلامية والخيرية والسياسية والمهنية والاجتماعية والأدبية ومجالات العلوم الشرعية أيضاً، وأن الخطاب الشرعي المعتدل والمتوازن من أهم الآليات التي تفعل طاقات المرأة ومشاركتها في المجتمع، بالإضافة إلى التأكيد على دور الإعلام ودور الأسرة والمجتمع، ودور الزوج أيضاً تربية المرأة ودعم مسيرة تطورها وتنميتها شرعياً واجتماعياً وسياسياً وواقعياً ومعرفياً.

 

لها أون لاين

JoomShaper