يطلق تعبير اضطراب التمايز الجنسي على مجموعة من الأمراض العضوية التي يحدث فيها التباس ظاهري - بدرجات مختلفة - في تحديد الجنس الإنساني بين الذكورة و الأنوثة , هذا الالتباس يمكن أن يلاحظ منذ اللحظة الأولى للولادة , أو في مرحلة الطفولة , أو عند بزوغ علامات البلوغ والتي تظهر في وقتها المتوقّع ( بلوغ مغاير للجنس ) , أو في وقت أبكر ( بلوغ باكر مغاير للجنس ) .
من المهم أن يتم التفريق بين هذه النموذج المرضي العضوي نادر الحدوث لكنه وارد والذي يحتاج إلى تشخيص وعلاج طبي , وبين حالات اضطراب الهوية الجنسية - التشبّه بالجنس الآخر - الناجمة عن إحساس شاذ وخاطئ بالانتماء إلى الجنس الآخر , هذا الإحساس يتعلق أساسا بالتنشئة العائلية والاجتماعية على تربة نفسية خصبة .
اضطراب التمايز الجنسي :
إنّ أي خلل في إحدى المراحل التطورية المؤدية إلى الشكل الجسدي الظاهري ذكرا كان أم أنثى سوف ينتج حالة مرضية عضوية تحتاج إلى العلاج الطبي , وإن ّمراجعة الطبيب تضع النقاط على الحروف وهي مهمّة الأهل الأولى , وللتذكير تشمل هذه المراحل الصيغة الصبغية وسلامة الأقناد ( المبيضين , الخصيتين ) وأخيرا كميّة الهرمونات المفرزة ونوعية عملها .
المظاهر الموحية باضطراب التمايز الجنسي : - أعضاء تناسلية خارجية غير سوية وبدرجات مختلفة قد يلاحظها الأهل أو الطبيب الفاحص أو الطفل الواعي نفسه في العمر المتقدم .
- ظهور تدريجي للسلوكيات المغايرة لجنس الفتى أو الفتاة التي تثير انتباه الأهل أو الأقران مثل ممارسة نشاطات الجنس الآخر أو تبدّل الشعور النفسي ...
- علامات بلوغية مغايرة : مثل خشونة صوت الفتاة أو نموّ الأشعار عندها , أو نموّ الأثداء للصبي ..
التدبير الطبي : تبدأ المسؤولية الطبيّة منذ اللحظة الأولى لولادة الطفل بتأمّل المظهر العام للوليد , وتقييم الأعضاء التناسلية الظاهرة , من قبل طبيب الأطفال وكتابة تقرير واضح بالسلامة الطبية .
وفي كل مرّة يستقبل فيها طبيب الأطفال مريضه الجديد , يجب أن يفحصه كاملا ويشرح أهميّة الموضوع للأهل ويرشدهم إلى كيفية المتابعة والانتباه إلى أيّة تبدلات شكلية قد تطرأ على الأعضاء التناسلية الظاهرة .
وعند مراجعة الأهل للطبيب يبدأ الأخير في استقصاء ما يمكن جمعه من معلومات حول نفسيّة المريض , وبيئته وملابساتها وظروف التربية والتنشئة الاجتماعية ومراجعة سجلّه الطبّي , وتقييم العلامات المرضية .
ثم تجرى الاستقصاءات المختلفة بتحليل الصبغيات وعيار الهرمونات ذات العلاقة وإجراء تصوير للأعضاء الجنسية الظاهرة والباطنة وتحديد مدى التشوهات الحاصلة ولكامل أعضاء الجسم , ويفرز في النهاية المريض العضوي من المريض النفسي , حيث يتم تحويل المريض النفسي ( أي الخالي من الآفة العضوية ) إلى عيادة نفسية مختصة .
يشمل العلاج الطبي إصلاحا جراحيا للأعضاء التناسلية , أو دوائيا بالهرمونات المناسبة وغالبا الإثنين معا , ويتم الإبقاء على الجنس الحالي أو تغييره اعتمادا على نتائج التقييم الطبي ورغبة الأهل وعمر المريض وإنّ العلاج في السنتين الأوليين من العمر يحمل النتائج الأفضل , ولا بدّ من دعم نفسي للمريض وللأهل وتأهيله عائليا واجتماعيا .
إن قرار تغيير الجنس قرار جماعي يتطلب موافقة لجنة طبية تتألف من اختصاصي الجراحة البولية , واختصاصي الغدد الصماء , واختصاصي النسائية , واختصاصي الطب النفسي وموافقة الأهل , ومن ثم يرفع الموضوع إلى الجهات المختصة في الوزارة لإقراره .
الحكم الشرعي : يمكن معرفة الحكم الشرعي من خلال قرار مجمّع الفقه الإسلامي , الدورة الحادية عشرة عام 1989 , ما معناه : إنّ الشخص الذي اجتمع في أعضائه علامات النساء والرجال فينظر إلى الغالب من حاله فإن غلبت عليه الذكورة جاز علاجه طبيّا , بما يزيل الاشتباه بذكورته ومن غلبت عليه علامات الأنوثة جاز علاجه طبياً بما يزيل الاشتباه في أنوثته سواء أكان العلاج بالجراحة أم بالأدوية الهرمونية أم بالإثنين معا , فالحالة هنا مرض والعلاج يقصد به تحقيق الشفاء وليس تغييراً لخلق الله عزّ وجلّ . أمّا الذكر الذي اكتملت أعضاء ذكورته والأنثى التي اكتملت أعضاء أنوثتها فلا يجوز تحويل أحدهما إلى الآخر , وإنّ محاولة التحويل عبر الجراحة أو الأدوية تعدّ جريمة يستحق فاعلها العقاب لأنّه تغيير لخلق الله . إنّ الحالة الثانية هي مدار بحثنا في الفقرة التالية .
اضطراب الهوية الجنسية :
يطلق مفهوم اضطراب الهوية الجنسية أو مشكلة التشبّه بالجنس الآخر , على كل شخص لديه نفور ذاتي ورفض لجنسه الفعلي , ورغبة بالانتماء إلى الجنس الآخر انتماء كلي أو جزئي , مع انشغاله بنشاطات الجنس الآخر , هذا الشعور يولّد في نفسه الضيق والانزعاج الممزوج بالخوف من ردود أفعال المجتمع , ولذلك هم ينكرون شكواهم غالبا .
تبدأ القصّة منذ الطفولة الباكرة باكتساب سلوك مغاير لجنس الطفل في ظلّ مباركة من الأهل والأقران أو السكوت عنهم إقرارا أو إهمالا أو جهلا بالخطر المحدق . التطّور المرضي : يمكن تعريف المرض النفسي بأنه عدم التأقلم أو التواصل مع الذات أو المحيط أو الإثنين معا فلا توجد حدود فاصلة وواضحة بين الصحّة النفسية والمرض النفسي كما هو الحال في المرض العضوي , وفي مثالنا يكبر الطفل وتكبر معه هذه الاضطرابات أو تخمد بالتوجيه المناسب , أو تلازمه طوال حياته بعض السلوكيات المغايرة التلقائية الغير مقبولة عرفا ولكنها تبقى سليمة خارج الحالة المرضية , وقد يتطوّر الأمر مرضيا في نوع أو أكثر من أنواع الانحرافات الجنسية التالية مثل شهوة الأزياء الجنسية : حيث يرتدي الشاذ ملابس الجنس الآخر ولو سراً ويستثار جنسياً عند فعل ذلك وقد يمارس العادة السرية حينها .
الانحراف الثاني هو المثلية الجنسية : حيث يمارسون الفاحشة في دور الجنس الآخر فلا يعتبرونه شذوذا , ويجب التفريق بين هؤلاء المضطربين المثليين وبين المثليين الذين هم مصطلحون مع طبيعة جنسهم حيث تختلف طرق علاجهم . الانحراف الثالث هو التحوّل الجنسي : وهذه الفئة لا ترضى بغير تغيير الجنس وقد تسعى لذلك من خلال العيادات المختصة في الغدد واستخدام الهرمونات أو من خلال عيادات الجراحة لإزالة الأعضاء التناسلية وتغيير الجنس فهؤلاء يرفضون رفضا تاما صورة الجسد الحالي الذي ولدوا به , وهم معترضون على خلقة الله لهم , ويعتقدون جازمين وقد يصرّحون علنا أن الخالق أخطأ في حقّهم ( تعالى الله علوا كبيرا ) . مظاهر أخرى مرافقة : لدى هؤلاء المرضى شعور بالاضطهاد من العائلة أو القرابة أو الأقران أو المجتمع ككل بسبب الاصطدام أو السخرية أو الرفض الذي قد يتعرضون له وبسبب مخالفة القوانين النافذة كما إنهم غالبا ما يخشون ردود فعل الجهات العامه ( الشرطة , المدرسة ) لهويتهم الجنسية .
كما يكثر تناول الكحول والمخدرات كنوع من الهروب والتمرّد , ويشيع التدخين لدى الفتيات المسترجلات كتقليد للرجال .
إنّ جزءا من المرضى يشعر باليأس والغضب والكره الذاتي وأحيانا الاكتئاب والخوف من المستقبل , وذلك نتيجة لانعدام الأشخاص الذين بوسعهم البوح إليهم عن معاناتهم ( المزعومة ) , وإذا ترافق هذا الشعور مع شخصية ضعيفة يمكن أن يؤدي إلى الانتحار , وفي دراسات عديدة وجد أن المراهقات أكثر عرضة للانتحار . العوامل المؤهبة : ليست هناك أسباب محددة لاضطراب الهوية الجنسية بقدر ما هي عوامل مساعدة أو مهيّئة اجتمعت معا ، قد يكون مصدرها الفرد نفسه ، أو طريقة إدراكه للظروف النفسية والاجتماعية من حوله , وقد تكمن في العلاقة التي تقوم بينه وبين أسرته وبينه وبين أصدقائه أو المجتم والقوى والمعايير الثقافية والدينية السائدة :
- إنّ تشجيع الوالدين أو صمتهم أو حتى عدم اكتراثهم رسائل مباركة لقيام الطفل لهذا الدور ورضاهم عنه إلى أن يتمكّن ويتأصل فيه شعور الانتماء للجنس الآخر .
- إنّ غياب المثل الجيد لمظاهر الرجولة أو الأنوثة في الأسرة تفقد الطفل أو الطفلة فرصة التعلم ولو نظرياً ما يجب أن يفعله وما يجب أن يشعر به أو يعبّر عنه في شتى المواقف والأحوال وما ينبغي أن تغرس فيه المشاعر المرتبطة بجنسه .
- فالتربية الخاطئة وغياب القدوة الصالحة وعدم تحمل المسؤوليات والفراغ كل هذا يفسح المجال لتدخّل عوامل الإفساد والنتيجة اضطراب الهوية الجنسية . - تقول النظريات التحليلية أن توحّد الطفل مع والده من الجنس الآخر قد يؤثّر في ميوله وتكوين هويته , فالولد اللصيق بأمّه بشكل كبير قد ينمو ليصبح أنثوي الهوية أو الميول والعكس بالنسبة للأنثى .
- إنّ وجود ملامح أنثوية لدى الأطفال الذكور قد يجلب لهم التعليقات والتحرشات التي تؤدي لانحراف هويتهم وكذلك مظاهر الخشونة بالنسبة للإناث. - قد تتعرض الفتاة لحادثة اعتداء جسدي أو جنسي يساهم في تأثيث حلم باختفاء هذا الأذى وزواله لو تحولت للجنس الآخر , وقريب لهذا قصص الاعتداء والاغتصاب وحتى ويلات الطلاق وكل ما يدلّ على ظلم المرأة , كل هذا يخلق في نفسها نفورا وهروبا إلى الجنس الآخر .
- يساهم حب لفت الأنظار من قبل المحيطين والأقران وتعليقاتهم العفوية السلبية منها أو الإيجابية وإطلاق الأحكام المسبقة في تأسيس هوية لهؤلاء المتشبّهين يشعرهم بذاتهم ويصرفهم عن جوهر المشكلة إلى الدفاع عن الهوية , وهي نقطة يجب الانتباه إليها لأن المراهق يركن كثيرا إلى انضوائه تحت عنوان ما , أكثر بكثير من اهتمامه بالمضمون أضف إلى ذلك سهولة التواصل عبر الانترنيت وعقد اللقاءات مع الأقران المشابهين والتشجيع من شياطين الإنس والجن كل ذلك يؤسس ثقة بالنفس وراحة نفسية ورضى وشرعية وحق وجود , وتتحول العلاقة بينهم وبين المجتمع من حالة فردية أو حالات متناثرة تحتاج إلى علاج , إلى قضيّة وجود وحق وجود اتجاه المجتمع و القانون و الدين . ففي مجتمع خليجي انتشرت ظاهرة / البويات / للمسترجلات , وفي أماكن أخرى يطلق لقب / المخنّت / على المستأنثين ....
- يقود الفراغ الذي خلقه الأهل بداية إلى المفسدة , مفسدة الفضول وحب المغامرة واتباع هوى النفس ومسالك الشيطان , مفسدة رفاق السوء الذين يزيّنون الباطل , مفسدة مواقع الإفساد الالكترونية التي تبث السموم , مفسدة وسائل الاتصال المتوفّرة للجميع التي سهلّت الانتشار , مفسدة المجتمع الذي يغفو على قضايا الفساد ويصحو على ضحاياه .
- إن القضية متعدّدة العوامل ومتشابكة تلعب فيها نوعية الشخصية وتقبّلها دورا محوريا في تفاعل معقّد مع العوامل السابقة الذكر وغيرها مما لايزال مجهولا . ومن استقراء الواقع نجد أنّ شخصية الفتاة تمتاز بالقوة والتمرّد والاستقلالية والتحرّر وكره الانضباط والقيود , بينما شخصية الفتى مائعة فارغة تركن إلى الاهتمام بالشكليات والتوافه , تهوى الانصياع وتتهرّب من تحمّل المسؤوليات وبذل الجهد .
الاسترجال عند الفتيات : ونعني بالاسترجال ميل الفتاة السليمة عضويا إلى تقليد سلوك الصبيان وهذه السلوكيات تبدأ بالظهور قبيل الرابعة من العمر ويزداد في عمر المدرسة الابتدائية ويتطور في المراهقة مثل ممارسة الألعاب الخشنة وأدوار الذكور واقتناء المسدسات والابتعاد عن اللعب بالعرائس , أو تمثيل دور الذكور , ومنهن من ترفض التبول في وضع الجلوس ، بل إن بعضهنّ تدّعي أو تتخيّل أنه سيظهر لها عضو ذكري وأنه لن ينمو لها أثداء مثل البنات , وقد تصاحب فتاة وتعاملها من منظور ذكري .
يمثّل حبّ التوجّه إلى الذكورة ( التفوّق والانطلاق والتحرّر ) , رفضا وهروبا من مفهوم الأنوثة ( الدونية والاضطهاد والانصياع ) كردّة فعل خاطئة لعوامل عديدة , أوّل هذه العوامل رسوخ مفاهيم خاطئة عن الجنس : تنشأ المفاهيم الخاطئة لدى الطفلة بداية من خلال نظرة عفوية قد تتكرّر لوضعية اللقاء الحميمي الفطرية لأبويها والتي تكون فيها وضعية الأم من الأسفل , وكذلك فإنّ اللقاء الحميمي يتضمّن بشكل محمود درجات خفيفة من السادية و المازوخية ففي الحب تتساوى السعادة والألم , وهذه الطفلة التي استرقت السمع أو النظر صدفة أو عن قصد سوف تفسّر الموقف اضطهادا لأمّها يضاف إلى سجلّ اللاوعي عندها , وفي بعض الأسر يتم إطلاق لفظ / العيب / تسمية للأعضاء التناسلية الأنثوية , ثم إنّ طبيعة الشتائم في حياتنا تتوجّه إلى الأنثى والمسبّة تمرّ عبر الأخت أو الأمّ . ثاني هذه العوامل إفرازات المجتمع الذكوري : تبدأ حلقات القصّة كمسلسل لاينتهي بالمواقف والعبارات التي نراها ونسمعها في مجتمعاتنا وأسرنا تتكرّر أمامنا كل يوم تتعدّى موقف الفرح المبالغ به عند إنجاب الولد والفرح قليلا أو حتى الحزن عند إنجاب البنت ، وتتعدى افتخار الحامل بالذكر على نظيرتها الحامل بالأنثى والإكرام الذي تحظى به الأولى , والاستغراب من زغاريد الأهل الصاخبة بمقدم الصبي , والاحتفال المبالغ به بختان الأخ ثم تكرّر مشهد الجدّ أو الأب وهو يتأمل فرحا وليده أثناء تبديل ( البامبرز) ويشكر الله تعالى على هدية السماء في حين يحرص على الابتعاد عن الرضيعة في موقف مشابه , ويستمر المسلسل عبر تسلّط الأب صاحب القوامة على الأم , والسلوك التفضيلي للأبناء على الفتيات وتربية الولد بطريقة تعزّز فيه أنه مقدّم عليها في الحقوق و الصلاحيات وأنه يحقّ للذكور مالا يحق للفتيات , وقد يتسلّط الصبيّ على أخته ولو كانت أكبر منه فقط لأنّه رجل المستقبل . وعندما يشبّ الأخ ويصبح يافعا يترسّخ في ذهنه مفاهيم عديدة منها أنّ نعته بالمرأة أكبر سبّة توجّه له ، وحتى في الثناء على المرأة ماذا ندعوها ؟ / أخت رجال / .
هذه الفتاة ذات الشخصية المتمرّدة والتي ينشط العقل الباطن عندها , يخطر على بالها أسئلة كثيرة , وإذا عرفت الجواب تبعه استفهام آخر , مثلا لم هذا الفرق بين التوجّه الخارجي لأعضاء الذكورة عكس أعضاء الأنوثة .
الاستئناث عند الصبيان : تتّضح مظاهر تخنّث الصبيان من خلال لبس الفساتين واللعب بالعرائس , مع رفض مصاحبة الأولاد وألعابهم واعتبار ذلك خشونة لا يحتملونها , كما يبدون اهتماما خاصاً بما يلبس أخواتهم من ملابس داخلية أو خارجية وأدوات الزينة والموضة ....
وقد يتخيّل بعضهم أنه سيصبح امرأة عندما يكبر وأن قضيبه المقزز سيختفي ويظهر بدلاً منه عضواً أنثوياً وأنه سيصبح قادراً على الحمل و... .
يمثل حبّ التوجّه إلى الأنوثة لدى الطفل نوع من الاستكانة والركون إلى اللهو واللعب والدلع الزائد وحب التلقّي ولفت الأنظار والميوعة والتهرّب من المسؤولية . إنّ الصبيّ الذي ينشأ مدللا بشكل زائد على حضن أمّه , والذي أمّه تلبّي كل طلباته والذي أمّه تفكّر عنه بدلا من تعليمه أصول التفكير وكيفية اتخاذ القرار وتحمّل المسؤولية على مستوى الأشياء البسيطة كنواة حياة للمستقبل , هذا الطفل سوف ينشأ مائعا غير متحمّل للمسؤولية , غير مقدّر لأعباء الحياة , كما إنّ مرافقة أمّه إلى مجالس النساء وما يعلق في ذهنه من طبيعة الأحاديث ومثار الاهتمام وغيره يعتبر من العوامل المساعدة .
إنّ الشعر الطويل المنسدل على الكتفين وما يوضع عليه من ربطات أمر خطير لايدرك عمقه إلا المبتلون , وقد يصفّقون له وهو يتمايل راقصا مقلّدا التلفاز . إنّ الطفل الذي يأتي وحيدا بعد عدة أخوات ويقضي معظم وقته مدلّلا بينهن وفي ألعابهن يخشى عليه أن يتعلم تفاصيل سلوكهن ومنابع اهتمامهن وطرائق حديثهن , وقد ينادى بتعابير أنثوية , يساهم في هذا وسامة الطفل وسحنته الجمالية . وفي بعض المجتمعات الخليجية عندما يتحول دور الشغّالة أو الطبّاخة أو المربّية أو المشرفة العامة من مساعد إلى لاعب كلّي وأحيانا وحيد في البيت , فليس غريبا أن تظهر المشاكل التربوية - هذا إن لم تكن ظهرت - أصبح الطفل يقضي معظم وقته مع الخادمة بعيدا عن الوالدين المنشغلين عنه .
تدبير اضطراب الهوية الجنسية : إنّ اضطراب الهوية الجنسية ليس قليل الانتشار كما يتخيل البعض , ولكنه يبقى متخفياً مع ضغط الجتمع , ومن الملاحظ أنّ الذكور يحضرون أكثر من الإناث إلى العيادة النفسية للعلاج ، ربّما لأنّ المجتمع لا يقبل تخنّث الولد كما يقبل خشونة البنت كمظهر للقوّة لا للشذوذ . المسؤولية الشخصية : أودع الله تعالى في كل إنسان صفات الخير والشر وبدرجات متباينة ذلك تقدير العزيز العليم , وهذه الصفات يمكن تمثيلها على خط بياني ( محور X , Y ) بنسب مئوية تبدأ من الصفر باتجاه المئة , تماما مثل اللوحة الضوئية بألوان وأطوال مختلفة على المسجلة عندما تتغير موجات الصوت . إنّ التفاعل المعقّد بين الشخصية والظروف المحيطة الطبيعية يظهر ملامحها الغالبة ولكن في بعض الأحوال الاستثنائية يمكن أن يظهر جوانب سلبية ( أو حتى إيجابية ) غير متوقعة من المرء وللأسف رأينا جميعا كيف يقتتل الجار مع جاره وكيف سقطت ضحايا في أزمة الرغيف في إحدى البلدان الإسلامية , وقصة موثوقة عن شاب اعتاد احتساء الخمر ليلا وعندما سمع بغزو عاصمة الرشيد صحت سجاياه الكامنة وأبعد الكأس عن فيه وصلّى الصبح منطلقا إلى ساح الوغى ليسقط بقصف التتار نحسبه عند الله شهيدا . والإنسان الحصيف هو الذي عرف نفسه وخبايا نفسه فاستعاذ بالله من هوى نفسه وسأل الله العون في تزكيتها فالعلم من التعلّم والحلم من التحلّم ومقولة : الطبع تحت الروح يجب أن يعارضها قول أصحّ : الطبع من التطبّع , وإنّ الخوف من الله تعالى والطمع بثوابه يجعل المرء قادرا على ضبط الكثير من شهواته وغرائزه الكامنة وإلا هوى في مدارك الحيوانية : (( ونفس وما سوّاها فألهمها فجورها وتقواها , قد أفلح من زكاها , وقد خاب من دسّاها )) . وتأتي مسؤولية الأهل العظمى في تشجيع نمو بذور الخير والصفات الحميدة عند وليدهم مقابل وأد بذور الشر والصفات السيئة . إن الأبناء أمانة في أعناق والديهم ، وقلوبهم الطاهرة جواهر نفيسة خالية من كل نقش وصورة ، وهم قابلون لكل ما ينقش عليها، بينهم وبين والديهم عقد ضمني بأن يحسنا تربيته , والعلم في الصغر كالنقش في الحجر . يقتضي المنطق والعدل ألا نحمّل الطفل كامل المسؤولية في موضوع التشبه المرضي بالجنس الآخر , ولكن كلّما كبر عمره ونضج فكره أكثر وعلم طبيعته , وجب عليه أن يعود إلى نداء العقل إلى رحاب الفطرة , وأن يسمع كلام الأهل والناصحين وأن يتقبّل برامج العلاج المختلفة . والحقيقة أنّ فرص النجاح تقلّ مع مرور الزمن في إصلاح الشاب المخنّث ( أو المسترجلة ) بعد أن ترسّخت في ذهنه معالم التشبّه بالجنس الآخر فكرا وسلوكا .
مسؤولية العائلة : إنّ الوقاية خير من العلاج , تجمع الآراء التربوية على أهميّة مرحلة الطفولة في بناء شخصية الإنسان المستقبلية ، وتجمع الآراء أيضا على تحميل الأهل المسؤولية الكبرى في التربية وإعداد جيل الغد :
إهمال تربية البنين جريمة عادت على الآباء بالنكبات
" فمن أهملَ تعليمَ ولدِهِ ما ينفعه وَتَرَكَهَ سُدى ، فقد أَساءَ إليه غايةَ الإساءة ، وأكثرُ الأولادِ إِنما جاء فسادُهُم من قِبَلِ الآباءِ وإهمالِهِم لهم ، وتركِ تعليمِهِم فرائضَ الدينِ وَسُنَنَه ، فأضاعوها صغارًا فلم ينتفعوا بأنفسِهِم ولم ينفعوا آباءَهُم كِبَارا " ( إبن القيّم ) جاء رجل إلى عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ، يشتكي عقوق ابنه , ولما استفهم عمر من ابنه ووجد إهمال أبيه له قال للرجل : لقد عققت ابنك قبل أن يعقّك . - إنّ التربية الدينية وتنمية الوازع الديني لدى الأطفال وزرع مراقبة الله تعالى في السرّ والعلن لا تخويفاً فقط بل ترغيباً في ما عند الله وحباً لله ورسوله أمر ضروري واستحضار مفردات الرضا بالقضاء والقدر وغيرها من ثوابت الكون والحياة .
- تأثيث وعي فطري بدور الرجل ودور المرأة في الحياة وطبيعة العلاقة بينهما .
- تماسك الأسرة والاهتمام بالطفل وإشراف الأبوين المباشر على تربية طفلهم وعدم ترك المسؤولية على الخدم .
- الانتباه إلي ظهور أية مشكلة ( انفعالية , جنسية , جسمية , اجتماعيه ) والمبادرة إلي حلّها وعلاجها قبل أن تستفحل , ويمكن الاستعانة بالباحث النفسي والاجتماعي في حالات مشاكل الاعتداء الجنسي أو ظهور ملامح التشبّه بالجنس الآخر .
- غرس النمط السلوكي المقبول اجتماعياً وتشجيع السلوك المطابق للجنس وذلك بالممارسة الفعلية , وشغل أوقات فراغهم بما هو مفيد من الأعمال والهوايات .
- توفير القدوة الصالحة للأبناء , والقضاء علي أي نموذج قدوة سيء داخل الأسرة .
- تربية الأبناء بأسلوب يساعد على تنمية الثقة بالنفس وتحمل المسؤلية , والمساعدة على تبني قيم اجتماعية وروحيه وأخلاقية ودينية ، ومعايير سلوكية بما يساعدهم علي التوافق النفسي و التكيف الاجتماعي .
- ضرورة فتح باب الحوار مع الأبناء بعقل متفتح وتقبل آرائهم ومناقشتهم ، دون الإحجام في ذلك أو الزجر أو الوعظ والإرشاد الزائد .
- ضرورة وجود الرقابة الأسرية المعتدلة والمتابعة المستمرة للأبناء مع إعطاء بعض الحرية لهم في بعض الأمور .
- الحرص على إتباع أسلوب الوسطية والاعتدال في التربية والبعد عن التسلط والقسوة والحماية الزائدة والتدليل الزائد والتفريق بين الأبناء .
- مساعدة الأبناء علي اختيار الأصدقاء ، وتوجيههم لاختيار الصحبة الصالحة .
- الاهتمام بالناحية التعليمية والنفسية والصحية للأبناء ، مع مراعاة مشاعرهم وأحاسيسهم ومساعدتهم على تخطيها لتحقيق التوافق النفسي والاجتماعي لديهم .
- توجيه الأبناء بالاطلاع على ما هو مفيد ، وانتقاء البرامج التي تنمي ذاتهم وقدراتهم خاصة البرامج التي تبث في القنوات الفضائية والانترنت .
- وأخيرا نوصي الأهل الذين ابتلوا , أن يتعاملوا بالحسنى مع ابنهم المريض كمريض فعلا , ورعايته نفسيا وإبعاده عن جو الانتقاد وتعليقات الآخرين ومساعدته في تخطّي البرامج العلاجية الموصوفة له .
مسؤولية المجتمع : على مؤسسات المجتمع تحمّل الواجب المنوط بها في ترسيخ المبادئ والقيم الأصيلة بين الأفراد والجماعات والتصدي لكل ألوان الثقافة الدخيلة السلبية ودعم الايجابي منها :
- فرض الرقابة على وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية التي تبث كل ما هو ضار بالشباب .
- مراقبة برامج الإنترنت والفضائيات الخارجية التي تتناول ما هو محظور تداوله من أفعال منافية لديننا الحنيف ، والردّ عليها ببث برامج مناهضة لها .
- تقديم برامج تثقيفية للمواطنين حول كيفية التعامل مع أبنائهم خاصة في مرحلة المراهقة وعرض الندوات والمحاضرات التي تتناول أهم الظواهر السلوكية .
- العمل على غرس الوازع الديني في نفوس الطلاب وتقوية مفهوم الإحسان لديهم واستشعارهم بأن الله هو الخالق المطلع على كل أقوالهم وأفعالهم .
- تنفيذ مسابقات ثقافية واجتماعية وفنية ودينية ورياضية لشغل أوقات فراغ الشباب .
- إقامة ندوات شبابية تناقش مشكلاتهم المختلفة في ظلّ الظروف المحلية والعالمية . - إن التستّر على العيوب والتهرّب من الاعتراف بوجود هذه الظاهرة وإظهار الجبن في مواجهتها وربّما محاربة من ينبّه عليها من المصلحين أو رجال الإعلام خشية الفضيحة أو خوفا من التغيير أو جهلا بما هو قادم , لايحلّ المشكلة بل يعقّدها أكثر ويتركها ترتع وتنمو في براثن الآخرين إلى أن يصحو المجتمع على مآسي الضحايا . وعمليا كانت معاملة المجتمع لحالات اضطراب الهوية الجنسية سلبيه وترتكز على التلويح بعصا القانون وسيف العقاب الديني وسخط الأهل والأقران , مقابل احتضان أدوات الغرب والتغريب لهؤلاء الشاذين في إطار تقديس الحرية الشخصية وحق الوجود والتعبير وتهميش الدين . والتعاون في التصدّي لهذه الظاهرة وبدأت أصوات العقل والحكمة تنادي الأسر بضرورة القيام بواجباتها حماية لأبنائها من هذه المشكلة وغيرها ووضعت الخطط المختلفة الوقائية والعلاجية , وبدأت العيادات النفسية تقدّم البرامج العلاجية بالعمل على تأهيل المريض بتعديل السلوك وتقويم أخطاء التفكير , ويتطلّب الأمر جهدا حقيقيا وصبرا وجلدا وتعاونا مع الأهل والمجتمع .
د. أغيد بُيريص
حيران أنفو