بقلم: عمرو عبد الكريم سعداوى
اللجنة الإسلامية العالمية للمرأة والطفل
فى معرض بيانه للخصوصية الحضارية للمصطلحات يقول د. محمد عمارة: إذا نظرنا إلى أى مصطلح من المصطلحات باعتباره "وعاء" يوضع فيه "مضمون" من المضامين وبحسبانه "أداة" تحمل "رسالة" المعنى فسنجد صلاح وصلاحية الكثير من المصطلحات لأداء دور "الأوعية" "والأدوات" على امتداد الحضارات المختلفة.
إما إذا نظرنا إلى المصطلحات من زاوية "المضامين" التى توضع فى أوعيتها ومن حيث الرسائل الفكرية التى حملتها "الأدوات: المصطلحات" فستكون بحاجة ماسة وشديدة إلى ضبط عبارة: "لا مشاحة فى الاصطلاح"؛ لأننا سوف نجد أنفسنا أمام "أوعية" عامة وأدوات مشتركة بين الحضارات والأنساق الفكرية، وفى ذات الوقت أمام "مضامين" خاصة ورسائل متميزة تختلف فيها وتتميز بها هذه الأوعية العامة والأدوات المشتركة لدى أهل كل حضارة من الحضارات المتميزة[1].
لذا تنبع أهمية المصطلحات عمومًا من أنها الوعاء الذى تطرح من خلاله الأفكار، فإذا ما اضطرب ضبط هذا الوعاء أو اختلت دلالاته التعبيرية أو تميعت معطياته اختل البناء الفكرى ذاته واهتزت قيمه فى الأذهان، أو خفيت حقائقه، فضبط الاصطلاحات والمفاهيم ليس من قبل الإجراء الشكلى أو التناول المصطنع بقدر ما هو عملية تمس صلب المضمون وتتعدى أبعادها إلى نتائج منهجية وفكرية خطيرة، مما يحدونا للبحث عن علمَى "اجتماع المعانى" و"التطور الدلالى للمصطلحات".
والمتأمل فى تراثنا الفكرى يلاحظ فعلاً مدى أهمية ضبط الكلمات والألفاظ، سيما ما ارتبط منها بموقف فكرى أو حركى محدد، لدرجة الحرص التام على إلزام المسلمين بمصطلحات وألفاظ بعينها، والنهى عن الحيدة عنها أو تسميتها بغير مسمياتها، حتى ولو كان التقارب بين اللفظين شديدًا (لا تَقُولُوا رَاعِنَا وقُولُوا انظُرْنَا) [ البقرة: 104].
وتمر وثائق مؤتمرات الأمم المتحدة الخاصة بالمرأة والمجال الاجتماعى بالعديد من المفاهيم والمصطلحات التى تُشَكِّل فى ذاتها الوحدات الأساسية لما يطرح من حلول للمشكلات الاجتماعية لمختلف بلدان العالم، ولا يمكن فهم تلك الحلول المطروحة إلا عبر فهم تلك المفاهيم والمصطلحات وتحديدها تحديدًا إجرائيًّا دقيقًا حتى يمكن تشغيلها والاستفادة منها، وإذا كانت تلك المشكلة - مشكلة "تحديد المفاهيم"- هى المشكلة الأولى؛ فإن المشكلة الثانية تتلخص فى - أو تنشأ - عندما يتم نقل هذه المفاهيم من مجتمع إلى آخر يختلفان ثقافة ولغة ونمط حياة ومستوى حضارة، ذلك إن إعادة استنبات المفاهيم فى بيئة حضارية مغايرة لا يؤتى نفس الثمار التى أتتها فى بيئتها الأولى، وهو ما أطلق عليه المفكر الإيرانى الشهير على شريعتى: "جغرافيا الكلام" أى أن كلامًا معينًا قد يكون صحيحًا فى بيئة ما، فإذا تم نقله إلى بيئة أخرى لم يكن بدرجة الصحة التى كان عليها فى بيئته الأولى.
المشكلة الثالثة تنبع عندما يتم البدء من كون تلك المفاهيم القادمة من "بيئتها الأولى" معيارًا قياسيًّا Standard يفهم به الظواهر الاجتماعية فى البيئة الثانية بل وتفسر؛ وأكثر من ذلك يُحكَم به على كل شىء، أى تصير تلك المفاهيم المنقولة أو العابرة للحضارات مفاهيم عالمية تُرد إليها الأمور ويصبح المتخلف هو المتخلف عن تلك المفاهيم والمتقدم هو المتوافق معها، وبذلك تصير البيئة الثانية ليست هى، وإنما نسخة مقلدة أو تحاول أن تقلد البيئة الأولى، ويكون الحكم على نجاحها أو إخفاقها بدرجة قربها من النموذج الأول.
المشكلة الرابعة: هى أنه فى أثناء تلك العملية من جلب المفاهيم استيرادًا أو نقلاً، واعتبارها حكمًا ومعيارًا تنشأ مشكلة أهم من ذلك كله، وهى انزواء المفاهيم الأصيلة للبيئة الثانية، وبقدر ما تتم عملية الإحلال والتبديل هذه يتم تجاهل مفاهيم البيئة الثانية ذاتها وتجاوزها.
المشكلة الخامسة: هى ذروة المأساة، وهى تكون عندما تفهم مفاهيم البيئة الأصلية فى ضوء المفاهيم المنقولة استيرادًا أو تقليدًا بحجة أنها مفاهيم عالمية عابرة للقارات والحضارات والثقافات والقيم، ولعل من أوضح الأمثلة على ذلك أنه فى بيئة الحضارة الغربية مثلاً، عندما يتكلمون عن علاقة الدين بالعلم وما بينهما من تناقض، فإنهم يقصدون بالدين: الدين المسيحى، وعندما يتم التقليد وتناقش قضايا المجتمع على خلفية مفاهيم مجتمع آخر، نجد أن كثيرًا من المفكرين فى العالم الإسلامى عندما يتكلمون عن علاقة الدين بالعلم نجد أنهم لا يستبطنون الدين الإسلامى أو الإسلام الذى هو دين المنطقة وشعوبها، بل يستحضرون نفس الحجج التى قيلت عن تناقض الدين المسيحى فى العالم الغربى مع مكتشفات العلم الحديث، وهذا ما يحدث فى كثير من القضايا وهنا يثور السؤال عن هذا المثقف والمفكر فى العالم الإسلامى المنتمى تكوينًا ووجدانًا للعالم الغربى: عن أى نمط يعبر؟ هل عندما يتكلم يعبر عن ثقافة ذلك المجتمع الذى يعيش فيه، أو عن ذلك المجتمع الآخر الذى استبطنه وتمثل قيمه ومفاهيمه وعاداته وطرق حياته؟.
لا أقصد المثقف العضوى الذى تكلم عنه جرامشى فى مذكراته، وإنما أقصد المثقف المنتمى عضويًّا لمجتمعه وبيئته الأصلية.
لذا تفرض ضرورة ضبط المفاهيم والاصطلاحات القيام بعمليتين فى آن واحد، وهما:
أ- تحرير المفاهيم الأساسية التى شاعت بشأن قضايا المرأة والاجتماع والعلاقات الإنسانية مما علق بها من مضامين ومعانٍ تخالف حقيقتها؛ لأن الكلمات نفسها كأداة للتعبير وإطار للمعانى تحمّل بمدلولات نفسية تلقى بظلالها على ذهن وروح السامع والقارئ، ولأن "اللغة" ليست مجرد أداة رمزية، بل إنها جوهر التفاعل الحضارى.
من ثم، فإن من أهم ما يتصل بقضية تحرير المفاهيم هو عدم قبول المفاهيم الغربية الخاصة بالمرأة خاصة، والمجال الاجتماعى بصفة عامة؛ لأنها محملة بمسَلَّمات فكرية وأسس فلسفية نابعة من البيئة الحضارية التى أفرزتها، ذلك أنه من المسَلَّم به أن كلمات اللغة التى تنطق بها الأمة هى أفكارها وقيمها، وهى ذات صلة عميقة بالعقيدة، وتصور هذه الأمة للإنسان والكون والحياة.
وعلى هذا، فإن اصطلاحات الغرب ومفاهيمه لا يمكن فصلها عن ملابساتها الفكرية وسياقاتها التاريخية، ولا يمكن التعامل مع المصطلحات والمفاهيم الخاصة بقضايا المرأة أو المجال الاجتماعى كما نتعامل مع ألفاظ الاختراعات وأسماء الأشياء.
ب- استبطان المفاهيم الإسلامية الخالصة التى تمثل منظومة أو نسقًا مفهوميًّا مترابطًا، يتداعى تلقائيًّا عند التعامل مع أحد مكوناته، حيث إن المفاهيم الإسلامية تنطلق من التوحيد كأساس وغاية، مما يجعل منها وحدة متراصة متكاملة تتصف بمجموعة من الخصائص تميزها عن غيرها من الأنساق، كما تعبر المفاهيم الإسلامية عن الحقيقة التى تتناولها فى شمولها واختلاف أبعادها ومستوياتها، كما تعطى تلك المفاهيم دلالات معينة عند كل مستوى للتحليل، أو عند كل بُعْد من أبعاد الظاهرة، ذلك أن الوعى بأهمية الكلمة ومسئوليتها وفق البيان القرآنى إنما يشكل الأساس فى تحرير العقول.
وتهدف عملية استبطان المفاهيم الإسلامية أساسًا إلى عدة أمور من أهمها:
أ- تحقيق الهوية والاختصاص والتمايز لمنظومة المفاهيم إسلامية الطابع والمصدر والوسائل والغايات، فالمصطلحات وإن كانت "حمّالة" لرسائل فكرية موجهة، فهى أيضًا "أدوات للتواصل والتعبير" عما نحمله من مفاهيم يتصورها الإنسان عن الخالق والكون والحياة.
ب- التعامل مع الإنسان المسلم بوحدات من المفاهيم قادرة على أن تمس حقيقة تكوينه، حيث تستطيع هذه المفاهيم أن تفجر الطاقة الكامنة من خلال التعامل بمفاهيم الإيمان (الفرض - الحلال والحرام - رقابة الله) بما يحقق أقصى درجات الفاعلية[2].
جـ- نقض دعوى عالمية المفاهيم الغربية بحسبانها مجمع تراث الإنسانية، ذلك أن مصطلح "العالمية" متصل بتحديد الأنا والذات، وبالموقف من الآخر، وبالدوائر الحضارية، وبتفاعل الحضارات، كما يقول د. أحمد صدقى الدجانى، حيث يلاحظ احتكار الغرب لصفة "العالمية" بحيث أصبح المصطلح ينصرف إليه، فكل ما هو غربى عالمى فى نظره، فكأن العالم مقتصر عليه[3].
أهم مصطلحات وثائق مؤتمر الأمم المتحدة الخاصة بالمرأة والمجال الاجتماعى
حفلت وثائق مؤتمرات الأمم المتحدة الخاصة بالمرأة والقضايا الاجتماعية بالعديد من المصطلحات المتميزة والتى لا يمكن فهمها إلا باستيعاب دلالات نصها فى لغتها الأصلية الإنجليزية ومن وجهة نظر قانونية غربية بحتة.
ولعل مصطلح الجندر Gender هو المصطلح -المنظومة الذى يمثل "قطب الرَّحَى" وتدور حوله معظم مصطلحات الأمم المتحدة، شرحًا على متنه أو تفسيرًا لغامضه، وإن زاده غموضًا، فهو مفهوم ومصطلح مراوغ وملتبس وموهم، وغير دال، وإن شئنا الدقة لقلنا: إنه مضلِّل، وقد ظهر -لأول مرة- فى وثيقة مؤتمر القاهرة فى (51) موضعًا، منها ما جاء فى الفقرة التاسعة عشرة من المادة الرابعة من نص الإعلان الذى يدعو إلى تحطيم كل التفرقة الجندرية، إلى هذا الحد لم يثر المصطلح أى نزاع بسب ترجمته بما يفيد نوع الجنس (الذكر/ الأنثى) ومن ثم لم ينتبه إليه، ومراعاة لخطة التهيئة والتدرج فى فرض المفهوم ثم إثارته مرة ثانية ولكن بشكل أوضح فى مؤتمر بكين للمرأة (عام 1995م)، إذ ظهر مصطلح (الجندر) 233 مرة فى وثيقة المؤتمر، وكان لابد لمعرفته - والوقوف على معناه - من معرفة أصله فى لغته التى صُكَّ فيها، والتعرف على ظروف نشأته وتطوره الدلالى كما سبق بيانه، وكان لجهود بعض المعارضين لأهداف المؤتمر من النصارى الغربيين دور كبير فى كشف النقاب عن مخبآت هذا المصطلح.
تقول الموسوعة البريطانية - فى تعريف ما يسمى بالهوية الجندرية Gender Identity : "إن الهوية الجندرية هى شعور الإنسان بنفسه كذكر أو أنثى، وفى الأعم الأغلب فإن الهوية الجندرية والخصائص العضوية تكون على اتفاق (أو تكون واحدة)، ولكن هناك حالات لا يرتبط فيها شعور الإنسان بخصائصه العضوية، ولا يكون هناك توافق بين الصفات العضوية وهويته الجندرية (أى شعوره الشخصى بالذكورة أو الأنوثة)، ومثال ذلك الحالات التى يريد فيها الإنسان تغيير خصائصه العضوية على الرغم من أن خصائصه العضوية الأصلية (الطبيعية) واضحة وغير مبهمة، ولكن الشخص المصاب يعتقد بأنه يجب أن يكون من أصحاب الجنس الآخر".
"لذلك فإن الهوية الجندرية ليست ثابتة بالولادة، بل تؤثر فيها العوامل النفسية والاجتماعية بتشكيل نواة الهوية الجندرية وهى تتغير وتتوسع بتأثير العوامل الاجتماعية كلما نما الطفل".
"كما أنه من الممكن أن تتكون هوية جندرية لاحقة أو ثانوية لتتطور وتطغى على الهوية الجندرية الأساسية، حيث يتم اكتساب أنماط من السلوك الجنسى فى وقت لاحق من الحياة، إذ إن أنماط السلوك الجنسى وغير النمطية منها (بين الجنس الواحد) أيضًا تتطور لاحقًا".
أما تعريف منظمة الصحة العالمية فهو أدهى من تعريف الموسوعة البريطانية للهوية الجندرية، إذ تعرف المنظمة مصطلح "الجندر" بأنه: "المصطلح الذي يفيد استعماله وصف الخصائص التى يحملها الرجل والمرأة كصفات مركبة اجتماعية، لا علاقة لها بالاختلافات العضوية".
أما فى بكين فقد أسفر بحث الوفود فى المعنى الحقيقى للمصطلح إلى صراع استمر أيامًا، وأدى إلى إنشاء لجنة خاصة لتقوم بتعريفه، وبيت القصيد هنا أن الدول الغربية رفضت تعريف الجندر بالذكر والأنثى، ولم تنجح اللجنة فى تعريف الجندر، بل خرجت متفقة على عدم تعريفه، وهذا ما يثبت سوء النية وبعد المرمى والإصرار الكامل على فرض مفهوم حرية الحياة غير النمطية كسلوك اجتماعى، فلو أن الجندر لا يتضمن الحياة غير النمطية كسلوك اجتماعى - فلم الاعتراض على تعريفه بالذكر والأنثى فقط؟!.
ومن ثم استمر الصراع أيامًا فى البحث عن المعنى الحقيقى للمصطلح مما أدى إلى إنشاء لجنة خاصة تقوم بتعريفه، ومع ذلك باءت بالفشل أيضًا، إذ أصرت الدول الغربية على وضع تعريف يشمل الحياة غير النمطية كسلوك اجتماعى ورفضت الدول الأخرى أية محاولة من هذا النوع، فكانت النتيجة أن عرفت اللجنة المصطلح بعدم تعريفه: The non definition of the term Gender ، ويظهر ذلك ويتجلى فى تقرير لجنة التنمية الاجتماعية فى العالم عام 1997م، حيث ذكرت - بشكل صريح - أن "الجندر" مفهوم اجتماعى غير مرتبط بالاختلافات الحيوية (البيولوجية)، وهو الأمر الذى عجزت الوفود المشاركة فى مؤتمر بكين عن تعريفه.
وتكشف وثائق مؤتمر روما لإنشاء المحكمة الجنائية الدولية المنعقدة فى روما (14/6 - 18/6 عام 1998م) عن محاولة لتجريم القوانين التى تعاقب على الشذوذ الجنسى؛ إذ أوردت الدول الغربية أن كل تفرقة أو عقاب على أساس "الجندر" يشكل جريمة ضد الإنسانية، وكان إدخال كلمة Gender فى تعريف الجرائم بالإنجليزية - كان أمرًا غريبًا حد ذاته، إذ إن النَّصَّيْن العربى والفرنسى استعملا كلمة (الجنس) ولم يستعملا كلمة "الجندر" ، إذ ليس له تعريف واضح ومدلول محدد، وهذا الأمر دفع الوفود العربية والإسلامية -بقيادة المملكة العربية السعودية وقطر وسورية - إلى استبدال كلمة الجنس بدلاً من كلمة الجندر واستمر الخلاف أيامًا كالعادة، وفيه قال أحد المفاوضين العرب: "إن كنتم تقصدون أن هذه ترادف هذه فلماذا الإصرار؟!، وإن كانت تختلف فى المعنى فأفهمونا الخلاف، باعتبارها لغتكم، لنستطيع أن نرى انسجامها مع القانون أو لا، وهذا الخلاف الشديد دعاهم لأن يعترفوا بأنها تعنى "عدم الحياة النمطية للنوع الواحد" ، بمعنى أنه إذا مارس أحدهم الشذوذ الجنسى فعوقب بناء على القانون الداخلى للدولة كان القاضى مجرمًا بحق الإنسانية.
وعلى الرغم من المعارضة الشديدة من الدول العربية والإسلامية لم تنجح تلك الدول فى حذف كلمة "الجندر" من النص الإنجليزى ولكن توصلوا إلى حل وسط، حيث عرف "الجندر" بأنه يعنى الذكر والأنثى فى نطاق المجتمع، وهو الأمر الذى رفضه وفد المملكة العربية السعودية؛ لأن هذه الإضافة - فى نطاق المجتمع - إنما يراد بها أن الفروق بين الذكر والأنثى ليست عضوية وإنما هى اجتماعية، وهذا - بعينه - هو مصطلح "الجندر"، والأخطر من ذلك هو نجاح الدول الغربية فى تعريف كلمة (الجنس)، التى كانت تعنى الذكر والأنثى إلى تعريف يقربه من مفهوم "الجندر" إذ عرفته - أى الجنس - بمعنى الذكر والأنثى فى نطاق المجتمع.
وإتمامًا لهذه المسيرة الطويلة لفرض هذا المفهوم دعا إعلان مؤتمر لاهاى للشباب عام 1999 - إلى إنشاء جهاز خاص فى كل مدرسة "لتحطيم الصورة التقليدية والسلبية للهوية الجندرية، للعمل على تعليم الطلبة حقوقهم الجنسية والإنجابية بهدف خلق هوية إيجابية للفتيات / النساء، وللفتيان/ الرجال".
كما يدعو الإعلان - بوقاحة مطلقة - الحكومات إلى إعادة النظر وتقديم قوانين جديدة تتناسب مع حقوق المراهقين والشباب للاستمتاع "بالصحة الجنسية" والصحة الإنجابية بدون التفرقة على أساس "الجندر"[4].
مصطلح التمكين: من المصطلحات ذائعة الصيت فى جميع وثائق مؤتمرات الأمم المتحدة وبقدر ذيوعه بقدر غموضه، ففى جدول الأعمال المؤقت للجنة مركز المرأة، الدورة الرابعة والأربعون "متابعة المؤتمر العالمى الرابع المعنى بالمرأة: استعراض إدماج قضايا المرأة فى الأنشطة الرئيسية لمؤسسات منظومة الأمم المتحدة جاء: تركز عمل منظومة الأمم المتحدة فى مجال المرأة والفقر على أهمية تمكين المرأة" ولكل مجال من المجالات هناك ثابت أساسى وهو عنصر التمكين (الاقتصادى - السياسى - الاجتماعى) للمرأة.
وفى كتاب تمكين المرأة [5]Women Empowerment لم يكن هناك تعريف محدد لمصطلح التمكين وإن جاء فيه: فى إحدى "ورش العمل" Work shop للمرأة فى الباسيفيك بعنوان المرأة والتنمية والتمكين قالت فانيسا جريفين Vanessa Griffenعما يعنيه التمكين بالنسبة لها:" إنه ببساطة يعنى مزيدًا من قوة المرأة، والقوة تعنى لها: مستوى عالٍ من التحكم ومزيد من التحكم؛ وإمكانية التعبير والسماع لها، والقدرة على التعريف والابتكار من منظور المرأة، والقدرة على الاختيارات الاجتماعية المؤثرة والتأثير فى كل القرارات المجتمعية، وليس فقط فى المناطق الاجتماعية المقبولة كمكان للمرأة، واعتراف واحترام كمواطن متساوٍ وكيان إنسانى مع الآخرين، والقوة تعنى مقدرة على المساهمة والمشاركة فى كل المستويات الاجتماعية، وليست فى مجرد المنـزل، والقوة تعنى أيضًا مشاركة المرأة مشاركة معترف بها وذات قيمة".
ربما كانت هذه ترجمة حرفية لما قيل، لكن لعل تلك الإطالة مما يزيد المفهوم غموضًا، فالمصطلح الذى يفسر كل شىء لا يفسر أى شىء على الإطلاق، ويظل مصطلحًا غامضًا يفسر حسب مقتضيات الموقف.
وجاء فى إعلان مؤتمر بكين فى الفقرة (12) تمكين المرأة والنهوض بها بما فى ذلك الحق فى حرية الفكر والضمير والدين والمعتقد.
وتخدم هذه الفقرة سبل تحقيق الرؤية الغربية لمفهوم تحرير المرأة من كل القيود، بما فى ذلك الروحية والأخلاقية والفكرية، وأن تمارس تلك الحرية وحدها أو بالاشتراك مع غيرها تمهيدًا لسيادة أنماط السلوك الغربى.
ومن أخطر المصطلحات التى وردت فى وثائق مؤتمرات الأمم المتحدة هو مصطلح "الصحة التناسلية" Reproductive Health و"الصحة الجنسية" Sexual Healthواعتبارها حقوقًا إنسانية عامة غير مقصورة على المتزوجين زواجًا شرعيًّا، إذ اعتبرتها كالغذاء حاجات طبيعية وحقوقًا لكل الأفراد من كل الأعمار دون ضوابط من أى شرع أو أى دين.
وهذه المصطلحات تعنى فى وثيقة "برنامج عمل المؤتمر الدولى للسكان والتنمية الذى انعقد بالقاهرة من 5-13 سبتمبر سنة 1994بـ:
المتعة الجنسية المأمونة والقائمة على التراضى باعتبارها حقًّا للجميع، كالغذاء وليست حقًّا خاصًّا بالأزواج زواجًا شرعيًّا دون سواهم، وأنها - فى رؤية الوثيقة- حق للإنسان يقتضيه الجسد ولا تضبطه حقوق الله - الذى لم يرد ذكر اسمه ولو مرة واحدة فى مشروع البرنامج- ولا يحدد نطاقها دين - أى دين- والذى لا وجود لإشارة إليه فى كل فصول وفقرات المشروع - الذى جاء فى حجم كتاب غير صغير[6].
أما مصطلح الصحة الإنجابية أو التناسلية، فهو وإن كان يحمل معنى إيجابيًا بتحسين الصحة الإنجابية للرجل والمرأة من خلال إقامة علاقات سوية باتباع تعليمات وإرشادات صحية، إلا أن سياق استعماله وإدخاله ضمن برامج تنظيم الأسرة مع مصطلح (تنظيم الخصوبة) والذى يعنى تحديد نسبة التوالد فى بلد معين يجعل المصطلح يدور حول معنى محدد، وهو توفير المزيد من وسائل خدمات الرعاية التناسلية والجنسية، ومنها موانع الحمل بأن تكون فى متناول الجميع دون اشتراط.
ومن أكثر المصطلحات إثارة للجدل داخل فى مؤتمر القاهرة للسكان، هو مصطلح "المتحدين والمتعايشين" إذ ذكر الإعلان حقوق "المتحدين والمتعايشين" Unions and Couples بعيدًا عن ذكر الأسرة بوصفها الأساس الطبيعى والوحيد لأى مجتمع بشرى، وهو الأمر الذى تكرر فى بكين واستنبول ولاهاى بما يعنى السعى الدءوب لتقنين الشذوذ الذى بات معترفًا به من جانب بعض الكنائس والدول الغربية، وهذا ليس بمستغرب إذ التقت المفوضة العليا لحقوق الإنسان فى الأمم المتحدة "مارى روبنسون" رئيسة جمهورية أيرلندا سابقًا فى نهاية عام 1998 بالحلف الدولى للشواذ، وتعهدت خلاله بإعطاء كل تأييدها ودعمها لجهود هذا الحلف، وأعلنت عزمها على تعيين مراقب خاص لمتابعة حقوق الشواذ[7].
ومنها بالطبع حق زواج الجنس الواحد، ومكافحة القوانين المضادة للشذوذ الجنسى، على أن كل تفرقة على أساس السلوك الجنسى غير قانونية من وجهة نظرها.
ولعل ذلك يحيلنا على مفهوم/مصطلح "الأسرة"، فبينما تروج وثائق مؤتمرات الأمم المتحدة لتعدد أنماط الأسرة، حاولت كثير من بلدان العالم والدول العربية والإسلامية والفاتيكان وبعض دول أمريكا اللاتينية والصين التأكيد على أن الزواج هو العقد المبرم بين الرجل والمرأة والذى تكون الأسرة كجهاز اجتماعى مسئولة عن إنجاب وتربية الأطفال، وتجدد الصراع مرة أخرى فى مؤتمر بكين عندما أكدت وثيقته أن للأسرة أنواعًا وأنماطًا تختلف حسب المجتمع، وحاولت الدول المعارضة لهذا التعريف - عبثًا - إضافة وصف (التقليدية) فى وصف الأسرة وأنماطها، ولم تصمد أمام موقف الدول الغربية الرافضة لإدخال كلمة (التقليدية) كوصف للأسرة وأنماطها.
لقد قدمت وثائق الأمم المتحدة مفهومًا للأسرة غير الذى تعارفت عليه الأديان جميعها - وهو مفهوم الأسرة القائمة على الزواج الشرعى بين ذكر وأنثى - فهى تتحدث عن "اقتران" لا يقوم على الزواج - وهو ما يشيع فى العلاقات المحرمة دينيًّا بين العشيق والعشيقة، أو بين رجلين أو امرأتين - عند الشواذ[8].
ونجد وثيقة برنامج عمل مؤتمر القاهرة للسكان لا تقف عند إباحة هذه الأشكال من "الأسرة" وإنما ترتب لها "حقوقًا" وتدعو إلى إزالة كل عقبات وألوان التمييز بين هذه العلاقات والاقترانات الشاذة والمحرمة وبين الأسرة القائمة على الزواج، فتقول: "وينبغى القضاء على أشكال التمييز فى السياسات والمتعلقة بالزواج وأشكال الاقتران الأخرى"، واستخدمت الوثيقة لذلك مصطلحًا هو The Family-in-all-its Forms وجعل المؤتمر من أهدافه: وضع سياسات وقوانين تقدم دعمًا أفضل للأسرة، وتسهم فى استقرارها وتأخذ فى الاعتبار تعددية أشكالها.
ثم جاء بعد ذلك فى الوثيقة ما يفسر هذه التعددية يمثل زواج الجنس الواحد والمعاشرة بدون زواج والكل فى الحقوق متساوٍ[9].
وهكذا نجد أنفسنا أمام مفاهيم عن العلاقات والممارسات الجنسية ومفاهيم عن الأسرة والاقتران تجعل الجنس القائم على التراضى والمأمون من أن يؤدى إلى الأمراض الفتاكة حق لكل جسد، مثله كمثل الغذاء، لا تضبطه ضوابط الزواج الشرعى بين الذكر والأنثى، وإنما هو مباح بين الذكور والإناث دون زواج وفى كل الأعمار، وبين المراهقين والمراهقات، وأيضًا بين الأمثال - من الشاذين والشاذات.
وفى مؤتمر اسطنبول للمستوطنات البشرية عام 1996 تفجر الصراع مرة أخرى حول تعريف الأسرة بشكل يثبت إصرار الجهات المنظمة والداعمة لهذه المؤتمرات على نشر الإباحية الجنسية من خلال تفتيت الأسرة وتحريف مفهومها، إذ استمر الصراع أيامًا عديدة حول (هل الأسرة خلية اجتماعية يجب تدعيمها؟) أو هى (الخلية الاجتماعية الأساسية التى يجب تدعيمها؟)، أى حول إضافة (ال) التعريف مع إضافة كلمة (الأساسية) وكالعادة وقفت الدول الغربية ضد هذه الإضافة تمامًا، وكذلك لم ينته الصراع حول مفهوم الأسرة عند حد الصراع اللغوى، بل امتد مرة أخرى إلى إثارة (هل للأسرة أنماط مختلفة؟)، لينتهى الأمر أمام إصرار كندا ودول الاتحاد الأوروبى إلى وجود أنماط من الأسرة.
وفى هذه النوعية من المؤتمرات "الدولية" للمرأة تظهر محاولة الاستغناء عن الأسرة فى المصطلحات المستخدمة فى الإشارة إلى الطفل الذى ولد خارج نطاق الزواج والأسرة فهو لم يعد طفلاً غير شرعى Illegitimate كما كان فى الماضى، فقد أصبح طفلاً مولودًا خارج الزواج Out of wedlock ثم يتطور الأمر ليصبح طفلاً طبيعيًّاNatural baby وأخيرًا يصبح طفل الحب والجنس Love Baby والبقية تأتى[10].
أما مصطلح حرية الحياة غير النمطية Sexual Orientation Freedom ، الذى ظهر لأول مرة فى مؤتمر بكين، إذ دعا إعلان المؤتمر فى نص المادة رقم 226 من الوثيقة - إلى حرية الحياة غير النمطية كحق من حقوق الإنسان، مما استدعى طلب الكثير من الدول المشاركة لتعريفه أو حذفه، فى حين أكدت - كالعادة - الدول الغربية وعلى رأسها الدول الاسكندنافية وكندا وأمريكا ودول الاتحاد الأوروبى أن العبارة لا تضيف حقًّا جديدًا من حقوق الإنسان وحرياته، وعلى الرغم من حذف هذه العبارة من نص الإعلان إلا أن المحاولة تكررت فى مؤتمر الشباب فى براغ بالبرتغال عام 1998م، حيث حاولت المنظمات التحررية (الليبرالية) والشاذة إدخال المصطلح مرة أخرى، ولكنها لم تنجح نظرًا للمعارضة الشديدة التى لقيتها، ومع ذلك نجحت تلك المنظمات فى نحت وإضافة مصطلح جديد يؤدى إلى نفس المعنى ولكن بشكل آخر (مرض الخوف من الحياة غير النمطية)، أى من الشذوذ الجنسى، ودعا فى نص إعلان الشباب فى براغ إلى "مكافحة التفرقة العنصرية والعرقية ومرض الخوف من الشذوذ الجنسى"!.
وفى مؤتمر لاهاى للشباب والمنظمات غير الحكومية (عام 1999) عاد المصطلح - حرية الحياة غير النمطية - من جديد ليفرض نفسه بكل قوة على نص الإعلان، وهو أنه يجب أن يكون التعليم الجنسى الشامل إلزاميًّا على جميع المراحل، ويجب أن تُعطَى المتعة الجنسية والثقة، والحرية عن التعبير الجنسى والسلوك الجنسى غير النمطى، كما يدعو الإعلان حكومات العالم إلى "عدم التفرقة بين الشباب على أساس من العرق أو الدين أو الحضارة أو الجنس أو التوجه الجنسى- الحياة غير النمطية- أو السلوك والنشاط الجنسى"، الأمر الذى مثَّل انتصارًا جديدًا لجماعات الشواذ.
لاحظ أن المفهوم تم الإيحاء به فى مؤتمر السكان بالقاهرة (عام 1994) ثم بدأ التدرج فى فرض المفهوم - ومن ثم المصطلح - فى مؤتمر براغ (عام 1998) ولاهاى (عام 1999).
ولعل مشكلة الشاذ الأسترالى نيكولاس تونون - توضح دور بعض المنظمات الدولية فى فرض هذا المصطلح، إذ رفع تونون دعوى قضائية أمام لجنة حقوق الإنسان بالأمم المتحدة ضد قانون ولايته (تسمانيا بأستراليا) والخاص بمكافحة الشذوذ الجنسى على اعتبار أن هذا القانون يمثل بالنسبة له خرقًا لحقوقه وتدخلاً فى حياته الخاصة، وأن ذلك يتنافى مع التزامات أستراليا طبقًا لمعاهدة حقوق الإنسان المدنية والسياسية، وعلى الرغم من أن هذه اللجنة منوط بها مراقبة تطبيق الدول الموقعة على الاتفاقية لالتزاماتها الدولية وفق بروتوكول خاص ملحق بمعاهدة حقوق الإنسان المدنية والسياسية لعام 1966، ولا تشير الاتفاقية فى أى بند من بنودها إلى الحقوق الجنسية أو حرية الحياة غير النمطية وإنما تشجع الاتفاقية احترام وصيانة حق الزواج وحرمة الحياة العائلية - إلا أنها استطاعت أن توسع نص الاتفاقية ليشمل حرية الحياة الجنسية غير النمطية وعدم جواز تدخل الدول فى الحياة الخاصة للأفراد تحت باب المصلحة العامة أو حماية الأخلاق أو منع انتشار الأمراض!، وعلى ذلك فقد ألزمت اللجنة أستراليا- كطرف ملتزم ببنود الاتفاقية - باحترام هذه الحقوق وإلزام ولاية تسمانيا بتعديل قانونها الجنائى بما يتفق والتزامها الدولى تجاه الاتفاقية وذلك خلال (90 يومًا) من تاريخه![11].
ومن المصطلحات المهمة التى يكثر حولها الجدل مصطلح "عمل المرأة" ذلك أن أسوأ ما فى تناول النموذج الغربى لقضايا المرأة - هو تناولها بحسبان المرأة كيانًا وحيدًا ومنفصلاً وفردًا مستقلاً ليس منتميًا لا إلى أسرة ولا إلى مجتمع ولا إلى دولة، وليس له أية مرجعية، وفى هذا الإطار تم إعادة تعريف مفهوم العمل الإنسانى Labour باعتباره هو العمل الذى يقوم به المرء نظير أجر نقدى محسوب (كم محدد) خاضع لقوانين العرض والطلب، على أن يؤديه فى رقعة الحياة العامة أو يصب فيها فى نهاية الأمر، وهذا التعريف يستبعد بطبيعة الحال الأمومة وتنشئة الأطفال وغيرها من الأعمال المنـزلية، فمثل هذه الأعمال لا يمكن حسابها بدقة، ولا يمكن أن تنال عليها الأنثى أجرًا نقديًّا برغم أنها تستوعب جل حياتها واهتمامها إن أرادت أن تؤديها بأمانة، ولا يمكن لأحد مراقبتها أثناء أدائها فهى تؤديها فى رقعة الحياة الخاصة.
باختصار شديد عمل المرأة فى المنـزل هو عمل لا يمكن حساب ثمنه مع أن قيمته مرتفعة للغاية، ولذا فهو ليس "عملاً" حتى أنه أصبح من الشائع الآن أن تجيب ربة البيت عن سؤال بخصوص نوعية عملها بقولها: "لا أفعل شيئًا فأنا أمكث فى المنـزل" بمعنى أن وظيفتها كأم (برغم أهميتها) وعملها كأم (برغم المشقة التى تجدها فى أدائه) هى "لا شىء" فهو عمل لا تتقاضى عنه أجرًا، ولا يتم فى رقعة الحياة العامة، وهنا تأتى المؤتمرات "الدولية" التى لا تنتهى عن المرأة وعن تحديد النسل وحركة "تحرير" المرأة التى تهدف إلى تفكيك الأسرة وإلى "تحرير" المرأة من أدوارها التقليدية مثل "الأمومة"، وهى أدوار ترى حركة التمركز حول الأنثى أن المرأة سجينة فيها[12].
بل إن وثيقة مؤتمر المرأة العالمى السابع (مؤتمر المرأة فى بكين) كان دائمًا يعبر فيها عن عمل المرأة فى بيتها كزوجة وأم بأنه العمل غير المربح Unremunerated Work.
كما ورد باتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة "السيداو" العديد من المصطلحات التى تحمل من الدلالات ما يستحق الوقوف عنده وكشف غامضه أو إن شئنا الدقة فك شفرته.
يمثل مصطلح "التمييز" قطب الرَّحى الذى تدور عليه الاتفاقية، ذلك أن التمييز صُكَّ كمصطلح قانونى على تداعياته وآثاره الاجتماعية، وإن كانت لفظة التمييز Discrimination فى لغتها الأصلية تعبر عن واقع الظلم والإجحاف أكثر مما تعبر عن واقع مجرد التفرقة، فليست كل تفرقة بين مختلفين ظلمًا، فالمساواة لا تتحقق إلا عندما تكون بين المتماثلين فى السمات والخصائص والوظائف والمراكز القانونية (المركز القانونى هو مجموع الحقوق والالتزامات).
أما مصطلح "الأدوار النمطية" Stereotyped Roles أو الأدوار الجامدة فليس سوى هجومًا على مفهوم "الأسرة الفطرية" الذي أجمعت عليه أهل الأديان والمجتمعات التقليدية التى تمثل أغلب شعوب العالم باعتبارها تتكون من رجل وامرأة يربطهما عقد زواج شرعى وتتوزع بينهما وظائف الحياة سعيًا نحو التكامل، فالأدوار النمطية أو الجامدة تعنى أن هناك أنماطًا خاصة بالنساء باعتبارهن نساء أو أنماطًا خاصة بالرجال باعتبارهم رجالاً، ومن ثم تدعو الاتفاقية إلى القضاء على تلك الأدوار النمطية أو الجامدة، وإلى اعتقاد أن هناك إمكانية واسعة لتبادل الأدوار باعتبارها محايدة. والنمط الجامد هو وصف يطلق على دور المرأة فى المجال الأسرى، وذلك بهدف القضاء على دور الأم المتفرغة لرعاية أسرتها، وأن الأمومة وظيفة اجتماعية، فهي ليست وظيفة لصيقة بالمرأة "صفة بيولوجية" بل هى "وظيفة اجتماعية" يمكن أن يقوم بها أى إنسان آخر، لذا نادى تفسير الأمم المتحدة لاتفاقية السيداو بضرورة وضع نظام إجازة آباء لرعاية الأطفال بالإضافة لدور الحضانة حتى تتفرغ الأم لمهمتها الأساسية وهى العمل بأجر خارج البيت (فى رقعة الحياة العامة).
مصطلح "الاستحقاقات الأسرية" Family benefits مصطلح استخدمته الاتفاقية لتشير به إلى المساواة الكاملة فى الميراث بين الأخ والأخت، وهو مصطلح ملتبس كما يقول د. محمد عمارة، وقد صيغ على هذا النحو لتجنب رد الفعل الإسلامى عند الحديث عن المساواة فى الميراث.
ومن المصطلحات والتعبيرات التى وردت باتفاقية السيداو وينبغى الوقوف عندها تعبير "حقوق المرأة كوالدة بغض النظر عن حالتها الزوجية" Woman rights (as a parents) irrespective of their marital status فهذا التعبير يفصل بين حق الأم كوالدة ووضعها كزوجة ولا يبين عن أى وضع (شرعى أو غير شرعى) نتج مسمى المرأة كوالدة، ويثار هذا الأمر بأكثر من شكل فى بعض وثائق مؤتمرات الأمم المتحدة الخاصة بالمرأة و المجال الاجتماعى مثل: "الأم أم مهما كان الطريق الذى حملت منه".
لهذا نجد أن وثيقة مؤتمر القاهرة للسكان فصلت بين الزواج والجنس والإنجاب، واعتبرتها موضوعات متباينة لا علاقة لبعضها بالآخر ولا ارتباط بينها قائم.
قائمة بأهم المصطلحات الإشكالية
الجندر |
Gender |
التمكين |
Empowerment |
الصحة التناسلية/ الإنجابية |
Reproductive Health |
الصحة الجنسية |
Sexual Health |
المتحدين والمتعايشين |
Unions and Couples |
الأسرة |
Family |
تعدد أشكال الأسرة |
The Family-in-all-its forms |
حرية الحياة غير النمطية |
Sexual Orientation Freedom |
حرية التوجه الجنسى |
Sexual Orientation |
عمل المرأة فى المنـزل عمل غير مربح |
Unremunerated Work |
التمييز |
Discrimination |
الأدوار النمطية |
Stereotyped Roles |
الاستحقاقات الأسرية |
Family benefits |
الأمومة وظيفة اجتماعية |
Maternity as a social function |
حقوق المرأة كوالدة بغض النظر عن حالتها الزوجية |
Woman rights (as a parents) irrespective of their marital status |
[1]- د. محمد عمارة، معركة المصطلحات بين الغرب والإسلام، القاهرة: نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع، 1996، ص 4.
[2]- انظر فى أهمية تحرير المفاهيم وضبطها: هبة رءوف عزت، المرأة والعمل السياسى، رؤية إسلامية، واشنطن (فيرجينيا): المعهد العالمى للفكر الإسلامى، سلسلة الرسائل الجامعية (18)، 1995، ص 44.
[3]- د. أحمد صدقى الدجانى، التحيز فى المصطلح، ندوة إشكالية التحيز، رؤية معرفية ودعوة للاجتهاد، (19-21 فبراير 1992)، القاهرة: نقابة المهندسين والمعهد العالمى للفكر الإسلامى، ص1.
[4]- حمدى عبيد، قراءة فى مصطلحات مشبوهة، المنار الجديد، العدد (11) ربيع 2000، ص 68.
[5] - Marilee Karl, Women and Empowerment, Participation and Decision Making, London: Zed Books LTD, 1995, P. 14.
[6]- د. محمد عمارة، صراع القيم بين الغرب والإسلام، القاهرة: نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع، فى التنوير الإسلامى، (19)، 1997، ص 17.
[7]- حمدى عبيد، مرجع سابق، ص 62.
[8]- د. محمد عمارة، صراع القيم بين الغرب والإسلام، مرجع سابق، ص 22.
[9]- د. الحسينى سليمان جاد، وثيقة مؤتمر السكان والتنمية رؤية شرعية، كتاب الأمة: العدد 53، جمادى الأولى 1417، ص 59.
[10]- عمرو عبد الكريم، فى قضايا العولمة، إشكالات قرن قادم، القاهرة: سما للنشر، 1999، ص 53، وانظر أيضًا د. عبد الوهاب المسيرى، العلمانية الشاملة رؤية جديدة، تحت الطبع، ص 176.
[11]- حمدى عبيد، مرجع سابق، ص 65.
[12]- د. عبد الوهاب المسيرى، الأنثوية، ما بين حركة تحرير المرأة وحركة التمركز حول الأنثى: رؤية معرفية، القاهرة: سبتمبر-أكتوبر 1997، ص 58.