القاهرة - محمد عبدالعزيز
"عندما يلح طفلك في طلب ما، أو يبكي.. كيف تتصرف؟ وما ردة فعلك حينما يضرب طفلا آخر سواء كان شقيقه أم زميله؟ وماذا تفعل إذا لم يستجب لما تقول له؟
بهذه التساؤلات بدأ المؤلف د.أيمن محمد عادل كتابه "كيف نعلِّم أولادنا طرق التفكير السليم" الصادر عن دار نون بالقاهرة في 150 صفحة من القطع المتوسط، موضحًا أنه ربما تكون استجاباتنا لهذه التصرفات بعدة طرق، ربما يختار أحدنا أن يتجاهل ما يفعله الطفل، وأحيانًا نقول لأطفالنا ما ينبغي وما لا ينبغي أن يقوموا به، وبالتجربة الفعلية يتضح لنا أن جميع هذه الطرق لن تنجح دائمًا، والسبب أننا نفكر نيابة عن أطفالنا، مع أن كل واحد منا يحب أن يفكر لنفسه، والأطفال يفعلون ذلك أيضًا إذا تهيأت لهم المهارات اللازمة.
ويهدف الكتاب إلى تعليم مهارات حل المشكلات للأطفال الذين لا يحسنون حلها، وتشجيع استمرار تناميها عند الأطفال الذين يظهرون علامات مبكرِّة تدل على المهارة في حل المشكلات..
ويمكن للذين يحسنون حلها أيضًا أن يصبحوا أفضل، ويمكنهم أن يحولوا ميلهم الطبيعي لحل المشكلات إلى عادة، ما يساعدهم على تفادي النزاعات التي قد تنشب بين الأشخاص.
ويشدد المؤلف على أنه إذا تهيأت المهارات والفرص للأطفال الذين يتدربون على حل المشكلات، فإن اختيارهم للحل الخطأ يكون أمرًا نادرًا جدًا، لأن الآباء الذين يستخدمون هذه الطريقة يقرِّبون المشكلة على نحو مختلف، فهم يعلِّمون أطفالهم مجموعة من مهارات التفكير التي تساعدهم على تحديد المشكلة، وإدراك كيف يمكن أن يشعروا هم والآخرون بسبب تصرفاتهم، وتوقع ما يمكن أن يحدث لاحقًا، والاعتراف بوجود أكثر من طريقة لحل المشكلة، وعندما يتعلم الأطفال القيام بهذا فإنهم يختارون دائمًا حلا نتائجه السلبية أقل بالنسبة لهم وللآخرين.
حلول الألعاب
وأشار إلى أنه باستخدام كلمات طريقة حل المشكلات من خلال الألعاب مثل: (يكون/لا يكون، كل/بعض، قبل/بعد، الآن/لاحقًا، التشابه/الاختلاف) في الحياة اليومية فإننا نعلِّم أطفالنا كيف يخلطونها باللعب، ونساعدهم وهم في هذه المرحلة المبكرة على أن يبدأوا بالتفكير بطرق حل المشكلات، مؤكدًا أن هذه الطرق قد أثبتت نجاحها في العائلات المنفردة ومع طفل واحد، بينما العمل بها بشكل جماعي يحقق بعض الفوائد التي قد يرغب أحدهم بالتعرف إليها.
وتأتي الخطوة الثانية بمساعدة الأطفال على التفكير بالمشاعر أثناء قيامهم بحل مشكلاتهم اليومية، ويمكن حدوث ذلك من خلال قراءة الحكايات، فيمكن أن نطلب من الطفل أن يتحدث عن مشاعر شخصيات الحكاية، ويمكن عن طريق الرسم أن نجعلهم يرسمون مشاعر السعادة على وجه طفل تارة، ومشاعر الحزن تارة أخرى، ويمكن أيضًا أن نستغل المشاهد التليفزيونية كفرصة للتحدث عن المشاعر مع أطفالنا.
والجدير بالذكر هنا أن بعض الآباء قد يخشون من أن تجعلهم طريقة حل المشكلات يفقدون سيطرتهم على أطفالهم أو حقهم في تأديبهم.. لكن هذا لا يدعو إلى الخوف، فالتأديب الذي يهدف إلى إرشاد الأطفال إلى ما ينبغي أن يفعلوه يمكن أن يجعلهم يشعرون بالعجز وعدم الاحساس باحترام الذات.. بينما التأديب بطريقة حل المشكلات يساعد على التفكير، ويجعلهم يشعرون بالتحكم بأنماط حياتهم.
حل المشكلات والحلول البديلة
وحدد المؤلف عددًا من العناصر لحل المشكلات التي تعتمد على التفكير بحلول بديلة، وأكد أن من المهم أن يتعلم الأطفال أن يفكروا على النحو التالي: "إذا لم تنجح طريقتي الأولى، عندئذٍ يجب أن أفكر بطريقة أخرى".. ليتعلم الأطفال أن هناك أكثر من طريقة واحدة لحل مشكلة ما، وهذا يجعلهم يفكرون في أكبر عدد ممكن من الحلول المختلفة للمشكلات اليومية التي تنشأ بين الأفراد.. ويكون استخدام الحلول البديلة كما يلي:
نعرض المشكلة، أو نجعل الطفل يقوم بعرضها بنفسه.
نقول إن الفكرة تتطلب إيجاد أكثر من طريقة لحل المشكلة.
تسجيل جميع الأفكار.
السؤال عن أول حل، فإذا كان مناسبًا فلا بأس من تكراره، واعتباره حلا وحيدًا للمشكلة، وهنا يجب أن نذِّكر الأطفال بأن الهدف هو التفكير بعدد كبير من الطرق المختلفة لحل المشكلة.
نطلب تقديم حل آخر، وهكذا.
إذا نضبت الأفكار بسرعة حول الحل، فإنه يمكننا أن نحث الأطفال على إيجاد حلول أخرى عن طريق طرح السؤال:"ماذا يمكنك أن تقول في حل هذه المشكلة؟، أو "ماذا يمكنك أن تفعل لحل هذه المشكلة؟".
وعندما نساعد أطفالنا على إيجاد حلول بديلة، علينا أن نحاول عرض الفكرة على شكل محادثة.. ويمكننا أن نتيح لأطفالنا فرصة للتدرب على أن يكون حرًا في تفكيره لإيجاد حلول بديلة لعدد آخر من مشكلات نصنعها بأنفسنا.
وعلى الآباء الانتباه إلى عدة نقاط مهمة منها:
1- التروي بمسألة مطالبة الأطفال بطرق حلول إضافية.. فالأطفال يعتقدون أن هناك جوابًا واحدًا صحيحًا فقط لسؤال ما، ولهذا فإنهم قد يرتبكون عندما يطلب منهم تقديم فكرة أخرى، وقبل أن نطلب منهم حلا ثانيًا يمكن أن نقول: هذه طريقة، لكن هل لنا أن نفكر بأكثر من طريقة.. وهذا يعني أن إجابة الطفل صحيحة لكننا نطلب منه التفكير في المزيد من الحلول.
2- التعامل مع الإجابات غير الصحيحة: فعلينا ألا نعارض الإجابة بل نوضح للطفل ما نبحث عنه.
3- تكرار الحلول حول موضوع واحد.
4- تعامل الآباء مع الأطفال الببغائيين: عندما يكرر طفل ما يقوله طفل آخر كالببغاء فيمكننا أن نقول: نثق في أنه يمكنك أن تفكر في حل آخر!
5- تعامل الآباء مع السلوك المسيطر على الأبناء.
التفكير اللاحق
بعد أن قام أطفالنا بالتدرب على التفكير بحلول مختلفة لمشكلات حقيقية أو افتراضية، تطرق المؤلف إلى مهارة أخرى لحل المشكلات وهي التفكير اللاحق، ليتعلم الأطفال أن يقيِّموا تأثير ما يقدمونه من حلول على أنفسهم وعلى الآخرين.. مؤكدًا أن إدراك العواقب يمكن فقط عندما يعرف الأطفال أن الحوادث تتالى الواحدة تلو الأخرى، ويمكن أن ندرِّب أطفالنا على التفكير المترابط بالعودة إلى ألعاب الكلمتين (قبل/بعد)، مثلا: "ها أنا أنام بعد أن أديت واجباتي المدرسية"، وبعد ذلك نطلب من أطفالنا أن يقدموا أمثلة من عندهم.. ويمكن أيضًا أن نستخدم لعبة تأليف القصص كلعبة أخرى تتابعية، تبدأ القصة حول شيء ما، ثم نفسح المجال للأطفال لإكمالها.. هذه الألعاب المخصصة لتدريب الأطفال على التفكير المترابط تعزز رغبتهم في التأمل.
ويجب على الآباء التروي بمسألة استدراج المزيد من العواقب، ومعالجة ردود الفعل المتتالية المباشرة، ومعالجة الإجابات غير المباشرة أو التي لا تتصل بالموضوع، إضافة إلى معالجة التكرار والحلول غير المرغوبة.
كيف تعلم أبناءك تحمل المسؤولية؟
فصل جديد يتطرق فيه المؤلف إلى المقصود بتعليم الأبناء المسؤولية، موضحًا أنه إذا أتيح للمرء أن يوجه هذا السؤال لبعض الآباء، فإنه قد يتلقى عددًا من الأجوبة تماثل عدد هؤلاء الآباء، فالمسؤولية بالنسبة لأحدهم قد تعني أن نعلم الطفل ترتيب سريره ووضع ملابسه في مكانها، وقد يفهمها آخر على أنها تحفيز الأطفال على القيام بالأعمال الأسرية، وقد يرى بعض الآباء أن يعلموا أطفالهم المسؤولية لمجرد أنها تخفف العبء عنهم.. بينما المسؤولية تعني أكثر من ذلك.. إنها تعني النضج، بمعنى أن يكون الطفل مسؤولا تجاه أسرته، وتجاه نفسه، وتجاه مجتمعه.. وتعني أن نكون نحن أيضًا مسؤولين عن جميع جوانب حياتنا وأوضاعنا، مواهبنا، إمكاناتنا، مشاعرنا، أفكارنا، تصرفاتنا، حريتنا.. والمسؤولية الرئيسية للآباء يجب أن تكون تعليم المسؤولية.. والمسؤولية في أدنى مستوى لها هي الطاعة، وفي المستوى الذي يليه هي الأخلاق، وفي أعلى مستوى لها هي خدمة الآخرين.
ويشير إلى أن أكبر مشكلة يعاني منها الآباء أنهم كثيرًا ما يستجيبون لما يقوم به أطفالهم، بدلا من تحمل مسؤولية الحالة وهي القيادة، والتصرف كآباء.. فإذا لم يكن لرعاية الآباء أهداف واضحة أو محددة، فإن كل ما يمكنهم القيام به هو أن يحاولوا التفاعل على نحو مناسب..
ولكن، إذا كانوا يحملون أهدافًا واضحة في أذهانهم حول ما يريدون أن يقوموا بتعليمه، فإنه يمكنهم أن يفعلوا، وأن يبادروا، وأن يتحكموا في مصير أسرهم.