القاهرة ـ من محمد الحمامصي
ميدل ايست اونلاين: يعاني الزواج في مصر من الكثير من المشكلات النفسية والآفات الاجتماعية التي أصبحت تسبق المشكلات الاقتصادية، مثل العادات والتقاليد وحب التفاخر والمظهرية وفقدان الثقة لدى الشباب وعدم درايتهم بطبيعة مؤسسة الزواج وما تحتاجه.
فالفتاة خاصة لديها بعض المشكلات في مفهوم الزواج، حيث ترى أن الزواج هو حلم وردي وتغفل ما يترتب عليه من مسؤوليات كبيرة، الأمر الذي يكشف ارتفاع نسبة الطلاق في المجتمع المصري.
وقد تأكد ذلك في أكثر من دراسة متخصصة آخرها كشف عن الأمور الآن لم تعد خاصة بظروف الشابين المقبلين على الزواج الاقتصادية ولكن بجهلهما بما ينبغي عليهما تحمله من مسؤوليات.
وربما كان ذلك السبب وراء صدور كتاب "دليل إرشادي..للمقبلين على الزواج وحديثي الزواج" للدكتورة هدى زكريا، أستاذ علم الاجتماع السياسي الذي يعد أول دليل إرشادي موجّه إلى المقبلين على الزواج وأيضا حديثي الزواج، ويضيء طريق المقبلين على تجربة الزواج بتوضيح أسس الاختيار السليم ونجاح تجربة الزواج.
والدليل الأول من نوعه صدر حديثاً عن المؤسسة المصرية لتنمية الأسرة، ويأتي في إطار تطبيق مشروع الحقوق الأسرية الذي تتبناه المؤسسة وكنتاج لتدريبات التأهيل للزواج التي تقدمها المؤسسة للشباب، هذه التدريبات التي خضع لها 93 شاباً وفتاة من مستويات تعليمية واجتماعية مختلفة إلى احتياج هؤلاء الشباب إلى دليل إرشادي يبين لهم التعرف على ماهية الزواج، ومعرفة الإطار العام للعلاقة الزوجية، وحدود دور كل من الزوجين، وماهية الاختلاف بين الرجل والمرأة، والكيفية التي يتم بها اختيار شريك الحياة، وكيفية مواجهة المشاكل المختلفة التي تقابلهم.
في مقدمة الدليل طرحت د.هدى زكريا عدة تساؤلات تثار بين الشباب الآن في مرحلة التهيؤ للزواج، مثل لماذا نتزوج؟ وهل الزواج يتطلب تأهيل؟ ومن ثم كيف نختار شريك الحياة؟ وما هي الصورة المثلى للزواج الناجح وكيف نتغلب على مشكلات الزواج؟ كيفية الوصول إلى تفاهم واستقرار الأسرة؟ وما هو دور العلاقات الحميمة في نجاح التجربة؟ وما هو الاختلاف بين الرجل والمرأة؟.
ويجيب الدليل عن تلك التساؤلات فيؤكد أن الزواج هو حياة بين رجل وامرأة تتجه النية فيها للاستمرار مدى الحياة، ويحقق الطرفان إشباع احتياجاتهم الاجتماعية والبيولوجية وفقا لأسلوب اجتماعي يعترف به الدين والقانون والمجتمع، وأن العلاقة الزوجية يحكمها هدف عام هو تحقيق مصالح شخصية؛ فالإنسان ليس مثل الحيوان لأن الزواج غير "التزاوج" الذي يتم بين جميع الكائنات والذي تتحكم فيه الغريزة الجنسية وهى الدافع لزواجه، فالحيوان يتزاوج ويتكاثر بهدف لا يعرفه ولا يعيه وهو حفظ النوع، ذلك لأن الحيوان يسعى وراء اللذة فقط ولا يعي الهدف من هذه اللذة أو ما بعدها، أما الإنسان فقد جعل من الزواج نظاماً اجتماعياً أساسياً ليشبع به الدوافع الطبيعية كالجنس والعواطف وكذلك لإعادة إنتاج المجتمع وحفظ النوع بصورة منظمة وشرعية.
أما أهم المبادئ التي تحكم العلاقة الزوجية والتي يجب مراعاتها عند الزواج فهي الاحترام المتبادل بين الطرفين، وتقبل الآخر كما هو بمميزاته وعيوبه والتركيز على المميزات وليس العيوب وهذا يسري علي كل العلاقات الإنسانية، وتعامل كل طرف مع الآخر برقة ومودة وتسامح، والعمل على الوصول إلى التوافق الجنسي والاستمتاع به.
"لماذا يختلف الزواج عن الحب؟" لأن الحب والميل العاطفي هما البداية الطبيعية للزواج بل يعد الزواج هو الصيغة الشرعية للحب والتي يرضاها الله والمجتمع، لكننا هنا ننبه أن الحب يكون بين فردين هما رجل وامرأة أما الزواج فيجمع أسرتين في علاقة المصاهرة والنسب من خلال الفتي والفتاة.
ويتطرق الدليل إلى فن التعايش بين الزوجين، فأهم عناصر الزواج هو اختيار شريك الحياة، والذي يتحقق بوجود الانجذاب بين الطرفين ووجود عوامل مشتركة في الميول والطباع والطموح والذوق والاتجاهات والأهداف المشتركة والوسط الاجتماعي، مع الأخذ في الاعتبار توفر حد أدنى من التعاطف والتجاذب النفسي والعاطفي والروحي، أما صراع الأدوار فهو عنصر آخر من عناصر فن التعايش يظهر بعد الزواج، فيعاني الزوج من الصراع بين أدواره كابن وكزوج وكأخ وصديق، والزوجة بين دورها كزوجة وابنة وعاملة والحنين للماضي في بيت الأهل.
ويتطرق الدليل إلى الأخطاء التي يرتكبها الأزواج والزوجات؛ فمثلا أهم أخطاء الزوجة هي تقديم النصيحة للزوج دون أن يطلب منها في محاولة لتحسن سلوكه، وعدم الاعتراف بما يقوم به من أجلها، وانتقاد الزوج عندما يقدم على محاولة جديدة في الحياة أو العمل بدلا من تشجيعه.
أما أخطاء الزوج فتتمثل في عدم إنصات الزوج لزوجته وعدم الاهتمام بها، وإصراره الدائم أنه على حق، وإنكار أهمية مشاعرها والتركيز على العمل والأطفال.
ما دور العلاقات الحميمة في نجاح تجربة الزواج؟ الإجابة أن كثيرا من الصراعات بين الزوجين تنشأ بسبب عدم التكيف الجنسي، والذي قد يستتر في شكل صراعات حول المال وطرق الإنفاق وأساليب تربية الأبناء أو أي أسباب أخرى، فالثقافة السائدة في المجتمع المصري خاصة والشرقي عامة تجعل المرأة على وجه الخصوص لا تعترف حتى لنفسها بحقها في الاستمتاع بالعلاقة الجنسية مع زوجها، ولا سبيل لإنكار أن التكيف الجنسي يهدئ من الأعصاب الثائرة، ويجعل هناك صلة حميمة بين الزوجين ويساعد على مواجهة الصعاب التي تعترض حياة الأسرة، ويحتاج هذا التكيف إلى الصبر والفهم والصراحة بين الزوجين، لكن التكيف الجنسي ليس هو كل شيء في العلاقة الزوجية ولكنه عنصر مهم للغاية في هذه العلاقات.
وتشير السيدة هالة عبد القادر، مدير المؤسسة، إلى أن أهمية هذا الدليل تأتي لعدم وجود مثيل له من قبل، لذا كان التفكير في أخذ زمام المبادرة وإنتاج نواة لتجربة متميزة لإرشاد المقبلين على الزواج وحديثي الزواج عن ذلك الحدث المقبلين عليه وكيفية الحفاظ عليه قائماً، خاصة أن الحياة الزوجية تكاملية في الأساس وليست علاقة تبدأ وتنتهي كيفما يشاءون.