الكتاب:  التعامل الأسري وَفْقَ الهدي النبوي (هدية الرحمن إلى بني الإنسان)
عرض :    محمود ثروت أبو الفضل
المؤلف:  حنان قرقوتي.
عدد الصفحات: 201.
الطبعة:  الأولى.
سنة النشر:   1434هـ/2013م.
يدور شبابنا اليوم في هوة مفرغة من التخبط والحيرة قبل وأثناء الحياة الزوجية، فالشاب يظل مترددًا قبل الدخول في تجربة الزواج، يدخل في صراع مع تعاريك الحياة في سبيل لقمة العيش، حتى إذا قرر الزواج اختزل هدف الزواج في عبارات مجهولة المعنى لديه مثل "الاستقرار" و"بدء الحياة".. بدون غاية محددة أو منهجية واضحة يبني عليها اختياره لشريك حياته القادمة، ويفاجأ الشاب بمسؤوليات جديدة على كاهله عند بدايات حياته الزوجية، وتزداد تلك المسؤوليات يومًا بعد يوم، وقد يجد أنه قد أساء الاختيار، أو هناك عدم توافق عقلي أو روحي بينه وبين زوجه، فيدفن همومه خارج المنزل متجاهلًا واجباته نحو زوجته وبيته، وقد يرزق بأولاد خلال سنواته الأولى، فتلهيه فرحة الأولاد عن رسم خطوات تربوية لتهذيب أخلاق نشئه، فيتركهم لمستنقع الشارع، وجحيم مدارسنا التغريبية، ومحرقة الإعلام والوسائل الإلكتروينة الحديثة مثل التلفاز والإنترنت.. وغيرها من تلك الوسائل؛ فينشأ الأولاد مشوهي الأخلاق بعيدين عن فهم واجباتهم الدينية ومسئولياتهم نحو والديهم، وقد تكلل تلك التجربة الزوجية بعد فترة - قصرت أو طالت - بالانفصال وطلب الطلاق من أحد الطرفين أو كليهما، فيخسر الزوج ماء وجهه وراحة باله في سبيل أداء حقوق مطلقته، وإنهاء المشاكل مع أهلها، وتخسر الزوجة بيتها، ويخسر الأولاد اجتماع الوالدين، والأمل في حياة طبيعية مستقرة، وتتأثر دراستهم، ويتغير النظام العام لحياتهم بالكامل، وقد يضيع ما تبقى من أمل في حياتهم المستقبلية.. وكل ذلك راجع "لجهل قسم كبير من المسلمين - في وقتنا الحاضر- ما لهم وما عليهم من حقوق وواجبات في الحياة الأسرية"، وعدم وجود منهجية حياتية تبني عليها الأسرة المسلمة خطواتها في "تجربة" الحياة الزوجية، وتفي بمتطلباتها، يقول الله - عز وجل-: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الروم: 21]، جاء في تفسير "التحرير والتنوير" للشيخ "محمد الطاهر بن عاشور:: "هَذِهِ آيَةٌ ثَانِيَةٌ فِيهَا عِظَةٌ وَتَذْكِيرٌ بِنِظَامِ النَّاسِ الْعَامِّ وَهُوَ نِظَامُ الِازْدِوَاجِ وَكَيْنُونَةِ الْعَائِلَةِ وَأَسَاسِ التَّنَاسُلِ، وَهُوَ نِظَامٌ عَجِيبٌ جَعَلَهُ اللَّهُ مُرْتَكِزًا فِي الْجِبِلَّةِ لَا يَشِذُّ عَنْهُ إِلَّا الشُّذَّاذُ.

وَهِيَ آيَةٌ تَنْطَوِي عَلَى عِدَّةِ آيَاتٍ مِنْهَا:

أَنْ جُعِلَ لِلْإِنْسَانِ نَامُوسُ التَّنَاسُلِ، وَأَنْ جُعِلَ تَنَاسُلُهُ بِالتَّزَاوُجِ وَلَمْ يَجْعَلْهُ كَتَنَاسُلِ النَّبَاتِ مِنْ نَفْسِهِ، وَأَنْ جَعَلَ أَزْوَاجَ الْإِنْسَانِ مِنْ صِنْفِهِ وَلَمْ يَجْعَلْهَا مِنْ صِنْفٍ آخَرَ لِأَنَّ التَّآنُسَ لَا يَحْصُلُ بِصِنْفٍ مُخَالِفٍ، وَأَنْ جَعَلَ فِي ذَلِكَ التَّزَاوُجِ أُنْسًا بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ وَلَمْ يَجْعَلْهُ تَزَاوُجًا عَنِيفًا أَوْ مُهْلِكًا كَتَزَاوُجِ الضَّفَادِعِ، وَأَنْ جَعَلَ بَيْنَ كُلِّ زَوْجَيْنِ مَوَدَّةً وَمُحَبَّةً فَالزَّوْجَانِ يَكُونَانِ مِنْ قبل التزاوج مُتَجَاهِلَيْنِ فَيُصْبِحَانِ بعد التزاوج مُتَحَابَّيْنِ، وَأَنْ جَعَلَ بَيْنَهُمَا رَحْمَةً فَهُمَا قَبْلَ التِّزَاوُجِ لَا عَاطِفَةَ بَينهمَا فيصبحان بعد التزاوج متحابين، وَأَن جعل بَينهمَا رَحْمَة فهما قبل التزاوج لَا عاطفة بَيْنَهُمَا فَيُصْبِحَانِ بَعْدَهُ مُتَرَاحِمَيْنِ كَرَحْمَةِ الْأُبُوَّةِ وَالْأُمُومَةِ، وَلِأَجَلِّ مَا يَنْطَوِي عَلَيْهِ هَذَا الدَّلِيلُ وَيَتْبَعَهُ مِنَ النِّعَمِ وَالدَّلَائِلِ جُعِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ آيَاتٍ عِدَّةً فِي قَوْلِهِ ﴿ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾. وَهَذِهِ الْآيَةُ كَائِنَةٌ فِي خَلْقِ جَوْهَرِ الصِّنْفَيْنِ مِنَ الْإِنْسَانِ: صِنْفُ الذَّكَرِ، وصنف الْأُنْثَى، وإبداع نِظَامِ الْإِقْبَالِ بَيْنَهُمَا فِي جِبِلَّتِهِمَا. وَذَلِكَ مِنَ الذَّاتِيَّاتِ النِّسْبِيَّةِ بَيْنَ الصِّنْفَيْنِ. وَقَدْ أُدْمِجَ فِي الِاعْتِبَارِ بِهَذِهِ الْآيَةِ امْتِنَانٌ بِنِعْمَةٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَشَارَ إِلَيْهَا قَوْلُهُ لَكُمْ أَيْ لِأَجْلِ نَفْعِكُمْ".

لكل هذه المعاني تتضح أهمية هذه الرسالة للدكتورة "حنان قرقوتي" - الأستاذة بكلية الإمام الأوزاعي للدراسات الإسلامية بلبنان -؛ والتي جاءت تحت عنوان: "التعامل الأسري وَفْقَ الهدي النبوي"؛ والتي تهدف إلى "تدعيم البنى الدفاعية الأساسية في الإسلام؛ والتي من أهمها الأسرةُ نَواةُ المجتمع"؛ وتهتم بتتبع المنهجية النبوية في تجربة الحياة الزوجية؛ حيث تتلمس الدراسة أخلاقيات "التعامل الزوجي"، وأخلاقيات تربية الأولاد من خلال القرآن الكريم والسيرة النبوية، وتتناول الدراسة؛ بشيء من الإيجاز، حقوق كل من الزوجين، وضرورة تلمس دعائم الإيمان في اختيار كل من الزوجين لشريك حياته، وبناء مستقبله الأسري، وتوقيت هذه الدراسة له أهمية كبرى في الحياة المعاصرة لما يعتور الأسرة المسلمة حالياً من مشكلات من أخطرها ما طرأ على مجتمعنا المسلم من معطيات ومفاهيم خارجية، تأتي إلى المجتمع المسلم بحلة براقة عبر القنوات الإعلامية والندوات والمؤتمرات، وهدفها فرط عَقد التماسك الأسري، لذا فإن الاستمساك بالهدي النبوي في بناء الحياة الزوجية هو الضامن الوحيد لتماسك مجتمعاتنا الإسلامية وبداية الفواق من حالة الغفلة التي غلفت طابع حياتنا المعاصرة وجعلت شبابنا المسلم ينتقل في حياته في دورات متتالية من الفشل في مراحل حياته المختلفة.

خطة الرسالة:

قسمت الكاتبة رسالتها إلى تسعة فصول، تناولت فيها الكاتبة مفهوم الأسرة، وأهميتها في تكوين المجتمعات الإسلامية وتماسكها، كما تناولت بالذكر حقوق وواجبات كل من الزوجين في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة التي هي شارحة ومفصِّلة لأحكام القرآن الكريم، وأخلاقيات التعامل الزوجي في بيت النبوة، وأخلاقيات التعامل النبوي في تربية الأولاد للوصول بهم إلى بر الأمان، مستدلة بأمثلة من صور التعامل الأبوي في بيت النبوة، منبهة على حسن التعامل مع الوالدين بما لهم من حقوق على الأبناء، وكذلك تناولت رعاية اليتامى، والإحسان إلى الخدم، مع الاستشهاد بصور مشرقة من البيت النبوي الشريف، وطريقة تعامل الرسول -صلى الله عليه وسلم- مع أزواجه وبناته وأحفاده، وعلاقته بأسرته؛ والتي كونت جانبًا حيويًا من جوانب السيرة النبوية اهتم باستقصاء أخبارها وأدلتها كتاب السير والمؤرخون.

وقد جاءت الكاتبة بالعديد من الأمثلة من صحيح السيرة النبوية، وآثار الصحابة، وجميل الحكم والأمثلة في شرح معظم مباحث الدراسة، وللتدليل على المقصود بمراد الشارع، وعضدت دراستها بذكر أحكام الإسلام في كثير من المسائل التي تتعلق بالحياة الزوجية، وما يترتب عليها من أقسام ونوازل فقهية بشكل موجز مختصر.

وفصول الرسالة جاءت على النحو التالي:

الفصل الأول: الأسرة في المفهوم الإسلامي.

الفصل الثاني: حقوق وواجبات الزوجين.

الفصل الثالث: السعادة الزوجية.

الفصل الرابع: ملامح من الحياة الزوجية في بيت النبوة.

الفصل الخامس: الطلاق وأثره على الأسرة وكيفية تجنبه.

الفصل السادس: تربية الأبناء في الإسلام.

الفصل السابع: نماذج من العلاقات الأسرية بين الآباء والأبناء في القرآن الكريم وفي بيت النبوة.

الفصل الثامن: بر الوالدين في القرآن الكريم وفي بيت النبوة.

الفصل التاسع: متفرقات رعائية أسرية.

تناول الفصل الأول بعنوان "الأسرة في المفهوم الإسلامي" شرح مفهوم "الأسرة" لغويًا واصطلاحيًا، والألفاظ التي وردت في القرآن الكريم والتي تتعلق بمفهوم الأسرة، والمعاني القرآنية التي دارت حول معاني "الأسرة الكبيرة" ويُعبر عنها بالأسرة الممتدة التي تضم الآباء والأبناء والأحفاد والأعمام والعمّات وما شابه من ذوي القربى بمن فيهم الخدم، والتي تمثلت في التواصل والتراحم والنصيحة، وحول معاني "الأسرة الصغيرة"، أي من هم تحت الرعاية المباشرة، والتي تمثلت في المودة والرحمة والسكن النفسي والنسب والصِّهر.

كما تناولت الكاتبة بالذكر في هذا الفصل أحكام الأسرة التي وردت في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة نظراً لأهميتها في الحياة، ومن هذه الأحكام أحكام الزواج والطلاق والميراث والوصية والخِطبة والمهر (الصداق)، كما أشارت الكاتبة إلى تشجيع الإسلام الرجل والمرأة على الزواج، ووجّههما إلى القاعدتين الأساسيتين في اختيار شريك الحياة الزوجية لبناء أسرة مستقرة ومجتمع مستقر، وهما الدين والخُلُق، فمما ورد عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "إذا خَطب إليكم من تَرْضَوْنَ دينه وخُلُقَه، فزوِّجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض".

أما الفصل الثاني والذي جاء بعنوان: "حقوق وواجبات الزوجين" فقد تناول بشكل مجمل الواجبات والحقوق التي أوجبها الشرع على الزوجين، وجعلها أساس الأسرة لكي تستقيم الحياة الزوجية، وتمثلت حقوق الزوجين في حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ألا واستوصوا بالنساء خيراً، فإنما هنّ عوانٌ عندكم، ليس تملكون منهن ذلك، إلا أن يأتين بفاحشة مبينة، فإن فعلن فاهجروهن في المضاجع، واضربوهن ضرباً غير مبرح، فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً، ألا إن لكم على نسائكم حقاً، ولنسائكم عليكم حقاً، فأما حقكم على نسائكم: فلا يوطِئْنَ فُرُشكم من تكرهون، ولا يأذنَّ في بيوتكم لمن تكرهون، ألا وحقهن عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن".

وقد لخصت الكاتبة حقوق الزوج في المباحث التالية:-

1- حق الاستمتاع.

2- حق القوامة.

3- حق التأديب.

4- حق الاستئذان.

أما واجبات الزوج فقد أجملتها الكاتبة في المباحث التالية:-

1- النفقة على زوجته (زوجاته) وعلى من يعول من أهل بيته.

2- دفع المهر في حال نقض عرى الزوجية.

3- تأمين السكن للزوجة.

4- العدل بالقسمة بين الزوجات.

5- ملاطفة الرجل لأهله وملاعبته لهم.

6- حُسن المعاشرة بحُسن الخلق.

7- توفير الحماية والرعاية والأمن.

8- البِرُّ بأسرة الزوجة.

9- آداب عامة يعلِّمها الزوج لأهل بيته.

أما حقوق الزوجة فتلخصت في المباحث التالية:

1- حق الزوجة في الصَّداق.

2- حق الزوجة في النفقة.

3- حق الزوجة في المسكن.

4- حق الزوجة في تعليمها أمور دينها.

5- حق الزوجة في حُسْنِ العِشْرَة.

أما عن واجبات الزوجة تجاه زوجها؛ فمن أهمها:-

1- طاعة الزوج.

2- حفظ أسرار البيت والعلاقة الزوجية.

3- رعاية مال الزوج في غيابه.

4- المحافظة على عفَّتها.

5- عدم اتّباع الأفكار المخالفة للإسلام.

6- إكرام عائلة زوجها.

7- القيام بأعمالها البيتية، من كنس وغسل وطبخ، وهي واجب عليها ديانةً (شرعاً)، وللزوجة أن تطلب من زوجها أن يحضر لها خادم لأداء المهام المنزلية إن كان باستطاعته الوفاء بمتطلباتها المالية.

وللزوجة فضل عظيم إذا أدت مهامها في بيت الزوجية ووفت بحقوق زوجها، فعن أم سلمة - رضي الله عنها - قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أيما امرأة ماتت وزوجها عنها راض دخلت الجنة".

وتناول الفصل الثالث بعنوان "السعادة الزوجية" أسس ومتطلبات بناء البيت المسم السعيد، وذلك ببيان الصفات التي يجب توافرها في ركني البيت وهما الزوج والزوجة، فالزوجة الصالحة هي دعامة البيت المسلم السعيد، وبحسن معاشرتها لزوجها تدوم المحبة والإلفة بين الزوجين، فعن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "خير النساء امرأة إذا نظرتَ إليها سرَّتك، وإذا أمرتَها أطاعتك، وإذا غِبْتَ عنها حَفِظتكَ في نفسها ومالك"، أما الزوج الصالح وهو الركن الثاني من أركان بيت الزوجية فيجب أن يكون صادقًا صريحًا يَصْدُقُ شريكته من الوهلة الأولى ولا يكذب عليها، وهو الذي يوازن في التعامل مع زوجته، ويعرف متى يكون متساهلاً معها ومتى يكون حازماً، وتكون معاشرته لها بالمعروف لقوله تعالى: ﴿ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ [النساء: 19].

"والسعادة الزوجية تكون بمعرفة كل من الزوجين لحقوقه وواجباته تجاه الآخر، ومتى كان ذلك دخل الود إلى القلوب".

وقد ذكرت الكاتبة في هذا الفصل بعض النصائح العملية الحياتية للزوجة والزوج من أجل اقتناص ظلال الحياة الزوجية السعيدة والتمتع بها، ورغم يسر هذه النصائح وفائدتها العظيمة في ضمان الود وحسن المعاشرة بين الزوجين وتقوية أواصر الحب بينهما يتغافل عنها الكثير من الأزواج في الوقت الحاضر لعدم تلمسهم الهدي النبوي في رسم خريطة حياتهم الزوجية!!

أما الفصل الرابع بعنوان "ملامح من الحياة الزوجية في بيت النبوة" فتناول أمثلة من تعامل النبي مع أزواجه أمهات المؤمنين وأثر ذلك على المجتمع المسلم ككل، فقد "كانت حياته -صلى الله عليه وسلم- مع زوجاته نموذجاً لتعليم أمته كيف تتعامل في الحياة الأسرية في الأيام العادية، وفي مواجهة الصعاب".

وقد بينت الكاتبة أن الله سبحانه وتعالى جعل خصوصية معينة لزوجات النبي -صلى الله عليه وسلم- ورضي الله عنهن - في قلوب الأمة، تمثلت في التوقير والمكانة العالية لهن وما أتبع ذلك من مضاعفة الثواب والعقاب لكونهن قدوة لنساء المسلمين ولكون بيوت النبي -صلى الله عليه وسلم- هي النموذج الأمثل والمثالي للبيت المسلم السعيد.

وقد أبرزت الكاتبة صور مشرقة من عدل النبي -صلى الله عليه وسلم- بالقسمة بين زوجاته وحسن معاملته لهن وتباسطه معهن والرفق في التعامل معهن، والوفاء بحقوقهن رغم انشغال جل وقته بهموم أمته ومسئولياتها وواجباتها، وقد جاء عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قوله: "خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي".

ولعل من أجمل ما تضمنه ذلك الفصل نماذج من "بشرية" النبي -صلى الله عليه وسلم- اتضحت من خلال مواقفه مع زوجاته - رضي الله عنهن - وبعض سحابات الصيف التي مرت بالبيت النبوي، وكيفية معالجة النبي -صلى الله عليه وسلم- تلك المشكلات لتكون دروسًا حياتية لأمته في كيفية الصبر وامتصاص الصدمات من أجل حفظ البيت المسلم والعبور به إلى بر الأمان؛ ولعل من أبرز تلك المشاكل التي ركزت عليها الكاتبة مشكلة الغيرة، ومشكلة كلام الناس حول سلوك الزوجة افتراءً، وقضية تحريم التبني في الإسلام، وبينت الكاتبة كيفية تعامل النبي -صلى الله عليه وسلم- مع تلك العوارض في الحياة الأسرية.

وجاء الفصل الخامس بعنوان "الطلاق وأثره على الأسرة وكيفية تجنبه"؛ حيث تناولت فيه الكاتبة الطلاق من المنظور الاجتماعي في الإسلام، فالطلاق ضرر قد يضطر إليه الزوجان المسلمان حينما تستحيل الحياة الزوجية بينهما، وتتحول إلى شر لابد من وأد أسبابه، وحيثما صارت العشرة الزوجية بينهما مرارة وهمًا، وجب التفريق بينهما، وقد وضع الشارع العديد من الشروط والمعوقات لضمان جعل الطلاق هو آخر الحلول لا أولها، وقد تساهل الكثير في مجتمعاتنا الإسلامية المعاصرة في التشدق بكلمة الطلاق واللجوء إليه كأخف الحلول وأيسرها، رغم أن هذا ضد مقصود الشارع في الحفاظ على عرى الأسرة وحمايتها من التفكك والضياع والتشرد.

قال الله تعالى: ﴿ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ﴾ [النساء: 19]، تقول الكاتبة تعليقًا: "... وليس أدل على ذلك من أن الطلاق يعتبر هادِمَ كيان الأسرة، ومفسد نفسية الأطفال الذين ينشؤون، نتيجة لذلك، وهم يحملون روح النقمة بسبب إبعادهم عن أمهاتهم أو عن آبائهم، أو بسبب التوتر الذي يطبع حياة الأبوين، ولهذا دعا القرآن العظيم الساعين للطلاق إلى تقليب الأمور على وجوهها كافة بحثاً عن حلول لإعادة الأمور إلى نصابها وإحلال الوئام محل الخصام".

وقد بينت الكاتبة الخطوات الشرعية في التعامل مع مشكلة نشوز الزوجة أو الزوج، والتدرج في الحلول التي نص عليها الشارع لحل مشكلة النشوز، وأحد تلك الحلول هو "الطلاق الرجعي" الذي يتيح للزوج الرجوع في يمين طلاقه في المرتين الأولى والثانية، أما إذا نطق بالثالثة بعد تثبت فلا مجال لبقاء الزوجة في بيت الزوجية بعد لفظ الزوج للفظة الطلاق، وعليها قضاء عدتها في بيت أهلها، لأن الطلاق الثالث حرّمها على زوجها حتى تتزوج زوجاً غيره وتعيش معه حياة زوجية طبيعية، ثم تفترق عن الزوج الثاني بموته أو بطلاقها، وقد شدد الباري - سبحانه وتعالى - عقوبة الطلاق الثالث حتى لا تكون لفظة الطلاق سهلة على ألسنة الرجال يلفظونها في كل آنٍ وحين.

وبينت الكاتبة - في هذا الفصل - حكمة الشارع في جعل الطلاق بيد الرجل لا المرأة، كما بينت حق المخالعة الذي كفله الإسلام للمرأة إذا رأت استحالة عشرتها لزوجها؛ على كره منه في فراقها.

وقد نبهت الكاتبة على الأضرار والهموم التي تعتري البيت المسلم في حالة حدوث الطلاق، مع معاناة الأولاد بافتراق والديهما، والمشاكل النفسية والاجتماعية التي يقعون فيها، وبينت أهم الأسباب التي قد تؤدي لحدوث الطلاق، وكيفية معالجة أسبابها قبل تفاقهما وتضخمها.

وتناول الفصل السادس بعنوان "تربية الأبناء في الإسلام" نماذج من صور التربية الإسلامية التي يجب أن يحيط بها الوالدان أولادهما؛ لتربيتهما تربية إسلامية منهجية تحقق الغرض من منظومة الزواج ككل؛ حيث بينت الكاتبة في هذا الفصل حقوق الأبناء على الآباء والتي تمثلت في خمس مراحل:

أولًا: مرحلة ما قبل التكوين.

ثانياً: مرحلة الجنين.

ثالثاً: مرحلة الولادة.

رابعاً: مرحلة التربية.

خامساً: مرحلة الكِبَر بالمراقبة والموعظة، ولو بعد الزواج.

وقد بينت الكاتبة خلال كل مرحلة الأولويات التي يجب أن يهتم الوالدن بتعويد أبنائهم عليها، والقيم التي يجب تعهدهم بها، حيث أن عامل التربية الأسرية هو العامل الحاسم في تربية النشء المسلم؛ فعن النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يُهَوِّدانه أو يُنَصِّرانه أو يُمَجِّسانه، كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل تُحِسّون فيها من جدعاء، ثم يقول: ﴿ فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّم ﴾ [الروم: 30]"، ويقول الشاعر تأكيدًا على أثر "التربية الوالدية":

وَيَنشَأُ ناشِئُ الفِتيانِ مِنّا                  عَلى ما كانَ عَوَّدَهُ أَبوهُ

وَما دانَ الفَتى بِحِجىً                  وَلَكِن يُعَلِّمُهُ التَدَيُّنَ أَقرَبوهُ

وجاءت الكاتبة في الفصل السابع بـ"نماذج من العلاقات الأسرية بين الآباء والأبناء في القرآن الكريم وفي بيت النُّبُوَّة" فأبرزت في جانب الطاعة وبر الوالدين موقف سيدنا إبراهيم - عليه السلام - مع أبيه آزر، وموقف سيدنا إسماعيل مع أبيه إبراهيم - عليهما السلام -، وما حصل بين يوسف وأبيه يعقوب - عليهما السلام -، وكذلك موقف لقمان مع ابنه وموعظته إياه، أما في موقف العقوق فجاءت بنموذج ابن نوح مع أبيه عليه السلام عندما لم يؤمن بدعوة توحيد الرحمن التي دعا نوح عليه السلام قومه إليها، وعندما رفض الانصياع لدعوة أبيه له بالدخول في السفينة فكان من المغرقين.

ومن أهم النتائج التي خرجت بها الكاتبة من هذا الفصل ما يلي:

أ- ضرورة وجود علاقة ود وتواصل بين الأب والابن، هذه العلاقة التي يفتقدها اليوم كثير من الأسر بوجود التقنيات الحديثة، من تلفاز، وحاسوب آلي، وإنترنت، بحيث يجلس كل فرد من أفراد الأسرة وحيداً أمام آلة من هذه الآلات وأشباهها دون تواصل فيما بينهم.

ب- أن الوعظ والإرشاد مطلوبان في التربية على أن يصاحبهما الود والتفاهم، بدلاً من أسلوب العقاب كلما أخطأ الأبناء.

ج- وجوب توحيد الله وعدم الشرك به.

د- وجوب طاعة الوالدين في الصِّغَرِ وفي الكِبَرِ فيما لا يخالف شرع الله سبحانه وتعالى، حتى لو كانا كافرين، لأنهما أدرى بما يلائم الولد، وأَحْرَصُ على مصلحته من نفسه.

هـ- ضرورة حسن الصحبة بمعاشرة الصالحين الذين يدعون إلى طريق الله.

و- ضرورة الإيمان بمراقبة الله عزّ وجلّ للأعمال، وإثابته أو معاقبته الناس حتى على الأعمال الصغيرة، لأنه سبحانه وتعالى قال: ﴿ يا بُنَيَّ إنَّها إنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ في صَخْرَةٍ أوْ في السَّماواتِ أو في الأرْضِ يَأْتِ بِها اللهُ إنَّ اللهَ لَطيفٌ خَبيرٌ ﴾ [لقمان: 16]، كما قال جلّ جلاله أيضاً: ﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ﴾ [الزلزلة: 7، 8].

كما تناولت الكاتبة في هذا الفصل صورًا من تعامل النبي -صلى الله عليه وسلم- مع أولاده وأحفاده وحدبه عليهن وتوليهم بالنصح والإرشاد وتوجيههم إلى الصحيح في أفعالهم وسلوكهم بما يتناسب مع قدر بيت النبوة.

أما الفصل الثامن والذي جاء بعنوان "بِرُّ الوالدين في القرآن الكريم وفي بيت النُّبُوَّة" فدندنت فيه الكاتبة حول الوصايا النبوية في بر الوالدين وطاعتهما، واحترام المسنين، وأوردت نماذج من علاقة الأبناء بالآباء كصور حوارية في كتاب الله، وصور من إكرام الأبناء للآباء في كتاب الله والسنة النبوية، كما بينت خطر عقوق الوالدين، وأنه من الكبائر المفضية بصاحبها إلى النار، وبينت الكاتبة أنه على الأهل تعهد الأبناء بالتربية السليمة؛ حتى تتحقق ثمرة تربيتهما أولادهما في الصغر بطاعة الأبناء لهما وتعهدهما بالرعاية في الكبر.

وجاءت الكاتبة في الفصل التاسع بـ"متفرقات رعائية أسرية"؛ حيث تناولت فيه الكاتبة فوائد لغوية ومسائل فقهية حول: المراد بقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أنت ومالك لأبيك"، وكفالة الأقربين لليتامى، وثواب تصدق الأم على أبنائها اليتامى، وجواز أن يوصي الأب لشخص واحد أو أكثر لتولي رعاية أبنائه في وصيته، وما يجوز للوصي من مال اليتيم، وضرورة تعهد الخدم بالرعاية والرفق بهم وتوصية النبي -صلى الله عليه وسلم- أمته بهم وأنهم من الأهل، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إن إخوانكم خَوَلُكُم، جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده، فليُطعمه مما يأكل، وليُلبِسه مما يَلبَس، ولا تكلّفوهم ما يَغلِبهم، فإن كلفتموهم ما يغلبهم فأعينوهم"، كما نبهت الكاتبة على سوء واقع معاملة الخدم في مجتمعاتنا الإسلامية وتعارضها مع المنهج النبوي الذي يوجب معاملة الخدم بالإحسان إليهم كما أمر الشرع وحث عليه، وأبرزت الكاتبة نماذج من معاملة الخدم في بيت النبوة.

وقد ألحقت الكاتبة في ختام دراستها ثبتًا بأهم المراجع التي عادت إليها في دراستها والتي تعدت خمسًا وثمانين مرجعًا منوعًا.

وقد جاءت رسالة الكاتبة ضافية شاملة أكثرت فيها من الاستشهاد والاستدلال والتمثيل بنماذج عملية من الكتاب والسنة، وتعد الرسالة نموذجًا طيبًا لكيفية تناول أحد المباحث الشرعية بأسلوب أكاديمي موجز ميسر يناسب عقلية القارئ في الوقت الحاضر مع الاقتداء بأقوال العلماء بما يتناسب مع موضوع الرسالة، ولكن لا يخلو أي مؤلف من بعض المآخذ؛ ومنها: تخصيص علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - بالدعاء له بـ: (كرم الله وجهه)؛ وهو من صنيع الرافضة الغالين فيه، ولم يثبت فيه عن أهل السنة قول على سعة تعظيمهم للصحابة وإنزالهم منازلهم، وأيضًا التوسع في الاستشهاد بالأحاديث المرفوعة والمنقطعة في مسائل الأحكام، وإن كان الاستشهاد بها في فضائل الأعمال جائز غير مستهجن، وأيضًا عدم الاستفاضة في بعض مسائل الأحكام المتعلقة بالزواج والتي يحتاج إليها كثير من الناس في وقتنا المعاصر، وتزداد الرغبة في معرفة أقوال العلماء فيها لبيان الراجح فيها؛ مثال: أحكام المواريث، والمسائل المتعلقة على باب الوصية، ومسائل الطلاق متشعبة الأحكام والحالات.. وإن كانت الكاتبة قد أوردت بعضها بشكل موجز يناسب موضوع الرسالة، وضمانًا لعدم تفرعها والاستزادة فيها بشكل يؤدي إلى زيادة حجم الرسالة وحشوها.. والرسالة ينصح بها لكل مقبل على أمر الزواج ويرغب في الاستزادة من معين الهدي النبوي في بناء بيته المسلم.

تقول الكاتبة في رسالتها:

"شَرَعَ الله سبحانه وتعالى الزواج يوم خلق آدم وحواء عليهما السلام وأسكنهما الجنّة، لأن الزواج في شَرْعِ الله هو النواة الأساسية في بناء الأسر، قال تعالى: ﴿ وَقُلْنا يا آدَمُ اسْكُنْ أنْتَ وَزَوْجُكَ الجَنَّةَ وُكُلا مِنْها رَغَداً حَيْثُ شِئْتُما وَلا تَقْرَبا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكونا مِنَ الظّالِمينَ ﴾ [البقرة: 35].

والزواج سنّه الله في خلقه، وقد جعل له قواعدَ وأسساً، ونظَّم العلاقة بين ركنيه الذكر والأنثى ليستمر الجنس البشري، فجعله سَكَناً ومودة ورحمة ليسعد فيه كِلا طرفيه. وهذه المودة والراحة النفسية والاطمئنان الداخلي التي يشعر بها كِلا الزوجين بيّنها الله تعالى في القرآن العظيم بقوله جلّ وعلا: ﴿ وَمِنْ آياتِهِ أنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أنْفُسِكُمْ أزْواجاً لِتَسْكُنوا إلَيْها وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إنَّ في ذَلِكَ لآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرونَ ﴾ [الروم: 21].

والزواج هو اللَّبِنَة الشرعية لحفظ التناسل وبقائه، قال تعالى: ﴿ فَانْكِحوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ فَإنْ خِفْتُمْ ألاّ تَعْدِلوا فَواحِدَةً أوْ ما مَلَكَتْ أيْمانُكُمْ ذَلِكَ أدْنى ألاَ تَعولوا ﴾ [النساء: 3].

أحلَّ الإسلام للرجل والمرأة الزواج، ولكن وضع عليهما قيوداً تنظيمية له لِما فيه مصلحة بناء الأسر واستمرارها".

ـــــــــــــــــــــــــــ

الألوكة

JoomShaper