كتاب الحقوق الزوجية للمرأة للمؤلف الدكتور شوقي عبده.
اعداد أماني أحمد:
لقد كانت الزوجة -قبل  فجر الاسلام- تعيش عبر الحضارات والشرائع السماوية المختلفة- حياة لا تقل عن حياة الحيوانات- وكما كانت مرهقة بظلم الرجال في القرى والأمصار, لا فرق في ذلك بين جيل وجيل, فلقد كانت مهيضة الجناج عند الوثنيين, كما كانت ذليلة النفس قليلة الرجاء كاسفة البال عند الكتابيين.
وعلى الرغم من الظلم الذي حاق بالزوجة عبر الحضارات والشرائع السماوية, نؤكد أن أصل الانسانية (رجل وامرأة) خلقهما الله من نفس واحدة فالزوجة مثل الزوج تماما, تحمل نصيبها من تبعة التكليف, ومسؤولية العمل أصالة-لا- بالتبعية للزوج, وذلك بمقتضى كمال انسانيتها واستقلال شخصيتها استقلالا كاملا كالزوج, وكل منهما مسؤول عما يعمل من خير أو شر, وكل منهما محاسب على عمله وكسبه ثوابا وعقابا.


من  هنا تأتي أهمية كتاب" الحقوق الزوجية للمرأة عبر الحضارات والشرائع السماوية والشريعة الاسلامية" للمؤلف الدكتور شوقي عبده.
الكتاب من القطع الكبير ويقع في 240 صفحة, مقسمة الى بابين, ويحتوي الباب الأول على ثلاثة فصول, يتناول الأول الحقوق الزوجية للمرأة عبر الحضارات والشرائع القديمة ويتحدث الفصل الثاني عن الحقوق الزوجية للمرأة في الشرائع السماوية, مثل اليهودية والمسيحية, أما الفصل الثالث فيتطرق الى الحقوق الزوجية للمرأة عند العرب في الجاهلية.ويحتوي الباب الثاني على فصلين, يتناول الأول الحقوق المادية للزوجة في الشريعة الاسلامية والثاني يتحدث عن الحقوق المعنوية والأدبية للزوجة في الشريعة الاسلامية.
واللافت للنظر ان الكتاب قدم شرحاً بكيفية قضاء الشريعة الاسلامية على كثير من العادات والتقاليد والأفكار السائدة عند الكثير من الأمم والشعوب القديمة, بشأن طبيعة المرأة واختلافها عن طبيعة الرجل وبخاصة (عند الأمم الشرقية القديمة, وقدماء المصريين واليونان والرومان والهند وغيرهم).
وبين الكتاب الحقوق الزوجية للمرأة في ظل الشريعة الاسلامية سواء كانت (مادية أم معنوية) اعترافا بمكانة الزوجة وكرامتها وانسانيتها.
ورسم الكتاب: منهج الشريعة الاسلامية في المحافظة على حقوق وانسانية المرأة عند زواجها, ولم يذبها في شخصية زوجها, بل أبقى لها شخصيتها المستقلة المتميزة على غير ما هو الحال عليه في العادات والتقاليد الغربية.
ويذكر المؤلف أنه بالرغم من تكريم الأديان السماوية للزوجة, وتكريم غالبية الملل والنحل والمذاهب الأرضية لها, فان من ينظر في تاريخ الانسان وحضاراته وشرائعه قديما, يلاحظ وجود حيف على الزوجة أو استهانة بها من جانب بعض العادات والتقاليد والمفكرين على مختلف العصور الانسانية.
حتى جاءت الشريعة الاسلامية, وسطع نورها في الكون, واهتمت بالزوجة أيما اهتمام, فرفعت قدرها, وأعلت من شأنها, ومنحتها حقوقها التي سلبت منها عبر الحضارات والشرائع وعصور الجاهلية.
ويؤكد المؤلف على أن الشريعة الاسلامية جاءت لاصلاح ما أفسدته الأهواء وعالجت ما أمرضته الجاهلية, ورسمت لكل فرد في المجتمع رجلا أو امرأة -ما له من حقوق وما عليه من واجبات.
ولهذا: عملت الشريعة الاسلامية, على رفع مكانة الزوجة, والنهوض بها, ووضعتها في المقام الذي يليق بها, ورسمت لها معالم شخصيتها, سواء في المجال الانساني, أم في المجال العائلي أم في المجال الحقوقي, أم في المجال الاجتماعي, أم في المجال الاقتصادي, أم في جميع المجالات.
ومن أجل هذا اهتمت الشريعة الاسلامية بالزواج, باعتباره الدعامة الأساسية التي يقوم عليها تكوين وبناء الأسرة, وقد تولى الشارع الحكيم رعايته, فوضع أصوله وقواعده, ونظم أحكامه وشرائعه, ليكتسب بهذه الرعاية والحماية القدسية, ولكي يشعر الزوجان أنهما يرتبطان برباط مقدس, تظله القيم الدينية في كل خطوة من خطواته, فيقيمان أحكامه عن رضا وسكينة, وطيب نفس وراحة بال.
ومن هنا نجد الزوجة لها من الحقوق على زوجها يلزم القيام بها والأصل في ثبوت هذه الحقوق والواجبات قول الله تعالى:(وللرجال عليهن درجة والله عزيز حكيم). ومعناه:أن للزوجات من الحقوق على الأزواج مثل الذي للأزواج عليهن من واجبات.
وهذه الحقوق بعضها مادية وهي - المهر والنفقة وغير ذلك من الحقوق الشخصية المالية- وبعضها حقوق معنوية وهي - حق المعاملة الكريمة وعدم الاضرار بها ورعايتها وتعليمها وغير ذلك من الحقوق الأدبية.
وأشار المؤلف الى أن الشريعة الاسلامية أكدت أن للزوجة حق الملك بجميع أنواعه وفروعه, وحق التصرف بأنواعه المشروعة فشرع لها الوصية والارث, وأعطتها حق البيع والشراء والاجارة والهبة والاعارة والوقف وجميع التصرفات المالية تماما كالرجل.
بل وقد أعطت لها الحق في الدفاع عن نفسها ومالها بكل سبل التقاضي والاجراءات المشروعة والقانونية.
وهكذا: نرى أن الحياة الزوجية بين الرجل والمرأة في علاقة متوازنة, مبنية على التساوي في الحقوق والواجبات بين الطرفين وأن الحقوق المالية التي أوجبتها الشريعة الاسلامية للزوجة على زوجها كثيرة.
ان أول الحقوق المادية الواجبة للزوجة في ذمة الزوج بمجرد البناء عليها هو المهر الذي بمثابة البدل الذي جعله الله عز وجل للزوجة تعبيرا من الرجل عن ارادته الصادقة في الارتباط بها, وقدرته على كفايتها المادية.
وأوضح المؤلف أن الشريعة الاسلامية أوجبت النفقة على الزوج لزوجته, بمجرد اتمام العقد صحيحا, وتسليم الزوجة نفسها الى زوجها, وتمكينه من الاستمتاع بها, وهذا هو الحق الثاني من حقوق الزوجة المادية.
والمراد هنا هو ما تحتاج اليه الزوجة من طعام وكسوة ومسكن وفراش وخدمة وتطبيب, وكل ما يلزم لمعيشتها حسب المتعرف عليه بين الناس.
وهناك أدلة كثيرة على وجوب النفقة للزوجة على زوجها نذكر منها: قوله تعالى:(الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم). وبذلك متى عجز الزوج عن نفقة زوجته, لم يكن قواما عليها. وقوله تعالى:(وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف) مما يدل على وجوب زيادة النفقة للزوجة اذا أرضعت, رعاية للأمومة والبنوة معا, وعدم ترك الزوجة تعاني من الضعف والهزل, لكثرة ما تؤدي وقلة ما تأخذ.
ويذهب المؤلف الى أن الشريعة الاسلامية, بعد أن أعلنت موقفها الصريح من انسانية المرأة, وأهليتها وكرامتها, نظرت الى طبيعتها وما يصلح لها من أعمال في الحياة, فأبعدها عن كل ما يناقض تلك الطبيعة أو يحول دون أداء رسالتها كاملة في المجتمع.
وخلص المؤلف الى ان موقف الشريعة الاسلامية من المرأة كان ثورة على المعتقدات والآراء السائدة في عصرها وقبل عصرها, من حيث الشك بانسانيتها, وعدم احترامها الاحترام الحقيقي, واللائق بكرامتها الانسانية.
وان التشريع الاسلامي كان انساني النزعة والعدالة, متقدما فكريا على الحضارة الغربية الحديثة بأربعة عشر قرنا, في الاعتراف بأهلية المرأة كاملة غير منقوصة, دون ثورات منها أو مؤتمرات أو اضرابات.
وقررت لها كل ما تتم به كرامتها الحقيقية, دفعة واحدة من حيث الأهلية القانونية والمالية, وحدت من نطاق اختلاطها بالرجال وغشيانها المجتمعات, لمصلحة الأسرة والمجتمع ولصيانة كرامتها من الابتذال, وأنوثتها من الاستغلال.
وان التشريع الاسلامي نبيل الغاية والهدف, حين أعطي المرأة حقوقها من غير تملق لها, أو استغلال لأنوثتها فقد راعى في كل ما رغب اليها من عمل, وما وجهها اليها من سلوك, أن يكون ذلك منسجما مع فطرتها وطبيعتها وأن لا يرهقها من أمرها عسرا.
ولا شك أن المرأة المسلمة بوجه عام, والمرأة العربية بوجه خاص, لها الحق بأن تفاخر جميع نساء العالم بسبق تشريعها وحضارتها, جميع شرائع العالم وحضارته الى تقرير حقوقها والاعتراف بكرامتها, اعترافا انسانيا نبيلا لا يشوبه غرض ولا هوى.

JoomShaper