ترجمة وعرض : عمار العجلي
ربما يبدو من الخطأ الشائع في ثقافتنا المعاصرة أننا ننظر الى مفهوم الثقافة على أنها فقط مايتعلق بالأدب والفلسفة والتاريخ والسياسة ، ولسنا هنا في موقع من يدافع أو يرفض هذه النظرة بقدر مانريد أن نوضح إن الثقافة بمفهومها الواسع لاتقتصر على الجوانب النظرية والمعرفية فقط، بل أيضاً هي تربية وتصرف وسلوك حضاري تعكسه هذه المعرفة في الجوانب الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وما يجب على المثقف ان يؤدي من دور في توعية الناس وخلق حالات من النشاط في المجتمع وتغيير ما يمكن تغييره من أنماط السلوك الغير حضارية فيه .
أسوق هذه المقدمة وأنا أحاول أن أكتب في مجال ربما لايبدو مألوفا مما هو متعارف عليه في حقول الثقافة وفق النظرة الخاطئة التي أشرت إليها، فقد تحدث الكثير منا عن الشعر والقصة والمسرح وغيرها من فروع الأدب، ونظر الكثير في مجال الفلسفة والدراسات التاريخية والسياسية، لكننا إزاء هذا التراث المكتوب والمتوارث لانجد لأنفسنا كمجتمع فسحة التعبير عن شيء من حاجات الانسان المعاصر بماهو كائن اليوم، ولا عن تطلعات تحاول أن تتخذ من واقع العلاقات الانسانية كمحور للبحث والدراسة معززة ببحوث علم النفس وخبرات الرجال والنساء عن كيفية نشوء تلك العلاقات، وقد وقع بين يدي بالصدفة وحدها هذا الكتاب الطريف والفريد في موضوعه بالنسبة لنا كمجتمع وهو كيف يمكن للرجل ان يقيم علاقة ناجحة مع المرأة  لمؤلفه ديفيد انجيلو . هل فكرنا يوماً بطبيعة هذه العلاقات وعن أسباب نجاحها وفشلها ؟ هل يختلف تفكير المرأة بطبيعته عن تفكير الرجل في النظر وتقييم الأمور ؟ هل الأشياء التي تجتذب المرأة هي نفس الاشياء التي تجتذب الرجل؟  وما الذي يجعلها تحب أو تكره ، تقبل أو تنفر من الرجل ؟ .
بعد ثلاثين عاماً قضاها فرويد في حقل الدراسات النفسية والبحوث قال انه لم يجد جواباً على سؤال واحد يقول ماالذي تريده النساء ؟
يقول مؤلف الكتاب ديفيد انجليو أن النجاح في العلاقة مع المرأة لايشبه النجاح في تعلم كيفية اغلاق وفتح زر النور، بل هو في حقيقته  يشبه النجاح في تعلم العزف على آلة موسيقية، فالأمر يتطلب في البداية تدريباً موسيقياً لايبدو إن الأنغام التي نتدرب عليها تعني أي شيء، لكن بمواصلة هذا التدريب فاننا في النهاية نستطيع ان نعزف اغنية ما ثم بمواصلة هذا التدريب ربما نستطيع أن نؤلف أغنية ونعزفها كيف نشاء .
لكن هل تختلف طريقة تفكير المرأة عن الرجل ؟ بالنسبة لمعظم الرجال المرأة تشبه أحجية صينية والكثير من تصرفاتهن لاتبدو انها تعني شيئا بالنسبة لهم ، يقول المؤلف اذا كان هناك من شيء واضح بالنسبة لي، فهو إن معظم النساء يفكرن بطرق مختلفة عن معظم الرجال كما انهن يردن أشياء تختلف عما يريده معظم الرجال، ولإثبات ذلك لنبدأ مثلا بعقد مقارنة عن الاشياء التي تهتم بها النساء والاشياء التي يهتم بها الرجال، فالنساء يولين اهتماماً بشراء المجلات التي تتحدث عن مواد التجميل والأزياء وقراءة الروايات الرومانسية على سبيل المثال، بينما يهتم الرجال بمشاهدة الرياضة وقراءة الصحف، فلماذا هذا التمييز في الاهتمامات ؟ .
يقول مؤلف الكتاب بعد عشر سنوات من دراسة علم النفس والسلوك، توصلت إلى أن معظم رغباتنا وقوتنا وضعفنا وسلوكنا وميزاتنا الشخصية موجودة في جيناتنا الوراثية والبعض منها نتيجة لظروفنا الاجتماعية،  ويضيف المؤلف قائلا "كنت أستمع دائماً إلى مجموعة من الرجال يتحدثون على حدة ومجموعة أخرى من النساء يتحدثن عن هؤلاء الرجال، فلاحظت إنهن يستخدمن لغة مشفرة فيما بينهن ويظهرن اهتماماً عظيماً بتفاصيل صغيرة تبدو وكأنها لا علاقة لها بالموضوع، بينما كان الرجال يتحدثون فيما بينهم بشكل مباشر وليس لديهم اهتمام او جدال حول اشياء صغيرة .
ماالذي يجري اذن ؟ هل لاحظت مثلاً كيف إن النساء ينجذبن مثلاً إلى دراما المسلسلات ؟ ربما هذا التساؤل يقودنا الى أن النساء في الحقيقة يسرن على طريقة واحدة منذ آلاف السنين وان تغيرت اللغة   والحاجات وأشياء الحياة الأخرى، فهناك الكثير من الأجزاء في عقل الانسان تخلق الدوافع والرغبات في أشياء مختلفة، وان كانت تتناقض مع بعضها البعض، فمثلا المرأة تريد رجلاً قوياً في حياتها، لكن  في ذات الوقت تريد الشعور بالاستقلالية وتريد أن تكون محط الاهتمام، لكنها في المقابل أيضاً تريد أن لايبدو عليها انها محتاجة لذلك، والرجال أيضاً لديهم نفس النوع من تلك الرغبات المتناقضة لكن في حقول أخرى تختلف بالطبع عن المراة .
و لنذهب أعمق قليلاً في قلب وعقل المرأة لنقول إن النساء يخترن الرجال معظم الاوقات في العلاقات الانسانية  المعاصرة،  وحتى لو اختار الرجل المرأة، فان الكثير ان لم يكن معظم النساء سيبقين ميناء لتلك الفنتازيا السرية في كون انهن من يدعن الرجل يفعل ذلك، ومن الجيد أن يضع الرجل هذه النقطة في ذهنه حينما يتحدث  الى المرأة  وهو انه الرجل الذي وقع عليه الاختيار وليس هو من يختار .
لماذا تنجذب النساء لأشياء مثل الشهرة والمال والسلطة  ؟
يقول المؤلف اعتقد في رأيي الشخصي ان هذا الأمر اجتماعياً ووراثياً مبرمج في العقل النسوي الى المستوى الذي يؤمن فيه بان هذه النوعيات من الرجال هم أكثر ذكاء من غيرهم وأكثر إمتاعا بالنسبة لهم، والأهم من ذلك انهم أكثر قدرة من غيرهم على توفير مستوى معين من الحياة بالنسبة لهن والأكثر أهمية أنهم أكثر قدرة على منحهن الشعور الذي يرغبن به .
وقد تحدث روبرت سيلادين وهو من علماء النفس المعاصرين في كتابه المسمى " النفوذ" عن مبدأ نفسي يدعى " تأثير الهالة " في كون الانسان يفترض ان الناس الجذابين والاقوياء هم أكثر ذكاء وأكثر محلاً للثقة من غيرهم من الناس العاديين، لكن في حقيقة الأمر إن القضية هو كيف نمنح الآخرين الشعور ذاته، حتى لو لم تتوفر هذه المؤهلات فينا وخصوصاً بالنسبة للنساء ولا يعني هذا أن نتصنع ذلك، بل إن القيام بالتصرف الصحيح وتعلم كيفية جذب انتباه الاخرين ومنحهم الشعور ذاته، يمكن أن يجعل من الآخرين يعاملوننا كما يعاملون الشخص الشهير أو الغني أو صاحب السلطة  لكن كيف للرجل أن يفعل ذلك مع النساء  ؟ انه الجانب المظلم من الجمال فما هو هذا الجانب ؟ يقول المؤلف تحت كل جمال لدى النساء هناك جانب مخفي هو انهن يردن بشكل خاص رجلاً مسيطر على نفسه وواقعه وعليهن أيضاً لكنهن لايعترفن بهذا الأمر حتى لأنفسهن، ففي جانبهن اللاوعي يعرفن تلك الحقيقة كشيء يرغبن به وهن يمسكن بفكرتهن عن الناس الضعفاء المستعدين لاعطائهن كل شيء يرغبن به، وكدليل على ذلك تلك العبارات التي يتفوهن بهن لصديقاتهن " آه انه مجرد صديق استعمله ليشتري لي الحاجات أوغير ذلك من العبارات وحقيقة الأمر بالنسبة لمعظم النساء ان الرجال الذين يقدمون الهدايا كثيراً ويشترون لهن الأشياء لايتمتعون باحترام كبير بالنسبة لهن، فهن يعتقدن ان ذلك النوع من الرجال يحاولون شراؤهن من خلال تلك الهدايا، وكذلك الرجال الذين يتوسلون خوفاً من أن تهجرهم المرأة إنهم في الحقيقة يدفعون المرأة إلى فعل ذلك من خلال هذا التصرف وهذا من التناقضات النفسية العجيبة .
فاذا بدأت المرأة بالشكوى يبدأ الرجل بالتفكير" انني يجب علي أن أتوسل وإلا سوف تهجرني حتى لو تصرفت بحماقة يجب ان احتمل ذلك" ان هذا النوع من التفكير أمر سيء بالنسبة لها وللرجل وللعلاقة بين الاثنين، فعلينا نحن الرجال أن لاندع المرأة تتصرف كطفل مشاكس ، لكن دون أن نجعلها تحس بذلك  بل بشكل لطيف وبطريقة مختلفة ولكن كيف ؟
الحل هو ان لانتوسل أو نفعل الأشياء التي عادة ما يفعلها الآخرون، لنكن مختلفين لنفترضهن انهن يقمن بعملية فقدان الوزن، لنناقشهن في شؤونهن ونفقد اعصابنا قليلاً كما لو اننا نتحدث مع صديق من الرجال أو احد أعضاء أسرتنا أن نقول مثلا " انك صديقتي وأنا أقول ذلك لمصلحتك " أن نشير إلى الرجال الآخرين الذين يتوسلون كاناس ضعفاء أن نضع الجمال في ضوء جديد كلعنة، وعن كيف لاتريد المراة لاي أحد أن يراها على هذه الحقيقة، وكيف يمكن لها أن تكون مشاعرها مكشوفة بهذا الشكل " الحقيقة إن المعاملة بشكل مختلف هو ليس أمراً مشوقاً فحسب بالنسبة لها، لكن أيضاً يمثل تحدياً "وهو أمر لم تألفه من قبل " أن تدعها ترتكب الاخطاء في التصرف وتكبحها، يدعك في موضع المسيطر على الموقف، فالرجل المباشر والمتحدي والواثق من نفسه والمسيطر على نفسه والثابت الذي لايتوسل أبداً هو من يفوز بالمرأة الجميلة من بين الأنواع الأخرى من الرجال .

JoomShaper