كتاب للباحثة المصرية كوثر محمد عمر
الحياة الزوجية السّعيدة مناطُ سعادة الأسرة كلها، ولا نجد النّموذج المثالي لهذه الحياة، بضوابطه القويمة، وأهدافه النبيلة، ومقاصده الحكيمة، إلاّ في ظلال الكتاب والسنّة. حيث أوضحا لكلّ عاقلٍ وعاقلة الوسائل والأسباب التي تضمن تحصيل تلك السعادة الزوجية المنشودة، بقدر ما تضمن المحافظة عليها وإنماءها.
وكتاب الباحثة المصرية والأستاذة الجامعية في المملكة العربية السعودية كوثر محمد عمر، الذي هو في أصله رسالة علمية نالت بها درجة الماجستير في الكتاب والسنة بتقدير ممتاز، وهو بعنوان «عوامل استقرار الأسرة في الكتاب والسنة» (الطبعة الأولى 1417 هـ ـ 1997 م)، منار ينير الطريق من أجل تفهّم تلك الضوابط والأهداف والمقاصد، وقد قدّمت الكاتبة لهذا البحث بمقدّمة جديرةٍ بالتأمّل مما جاء فيها:
«فالأسرة هي اللبنة الأولى في بناء المجتمع، والركيزة الأساسية التي يقوم عليها صرحه المتين، وعلى مدى قوّتها وتمسكها المستمدّين من عقيدة الأمة الراسخة والمستوحييْن من هدي تعليم السماء الراشد ـ تتوقف البنية الاجتماعية في سلامتها، وقدرتها على الاستقرار والعطاء والصمود في وجه هجمات المغرضين، وسهام المرجفين.
فالأسرة بما يخيّم على علاقة الزوجين فيها من سكنٍ وتفاهم، وبما يحكم علاقة الأصول والفروع من ودٍّ وتراحم وتكافل، وبما تقدمه الحياة من ثمرات صالحة خيّرة، أحسن تعهّدها وتربيتها على المبادئ الإيمانية والقيم الأخلاقية، هي المسؤولة الأولى عن صلاح الأمة، وقدرتها على حمل رسالتها الحق إلى الإنسانية.
لهذه الاعتبارات أولى الإسلام الأسرة جُلّ اهتمامه، يدل على ذلك النصيب الوافر الذي حظيت به أحكامها والتعاليم التي تخصّها في آي الذّكر الحكيم، ونفحات النبوّة العطرة، وحسب الأسرة شرفاً أن تحمل سورتان من كتاب الله اسمين يشيران إلى ميدان الأسرة وقضاياها وهما: «النساء» و «الطلاق».
وقد كان الدافع لي إلى اختيار موضوع «عوامل استقرار الأسرة في الكتاب والسنة» أسباب كثيرة منها:
أولا: ـ ما تمثله الأسرة من أهمية باعتبارها الوعاء الذي تخرج منه الأجيال التي تعبد الله وتوحده، وتحمل أمانة القيام بما يحتاجه المجتمع من أطر، وسواعد تحميه، وتحمي فيه الحق والفضيلة. وعلى ذلك فإن صلحت الأسرة واستقر بنياتها على أسس متينة وقواعد ثابتة من شرع الله وحدوده، فإن الأبناء سوف يكونون أبناء صالحين. وإن ضاعت الفضيلة وتركت حدود الله سبحانه، ولم تقم الأسرة على الأسس التي رسمها الله سبحانه، فإن ذلك سوف ينعكس على سلوك أبنائها، وبالتالي فسوف ينعكس على سلوك المجتمع بأسره.
ـ ثانيا: أنني رأيت أنّ هذا الموضوع تتمثل أهميته من ناحية بحثه لحقوق الزوج والزوجة باعتبار أن ذلك يمثل إحدى الركائز الأساسية في عوامل استقرار الأسر، والذي يضمن بدوره استقرار الأبناء في تلك الأسر، حيث أنه عندما يعرف كل من الزوج والزوجة حقوقه وواجباته تجاه الآخر، فإن ذلك يؤدّي إلى حفظ حقوق الزوجين التي حرص الإسلام على صيانتها.
إن الشريعة الإسلامية قد وضعت القواعد والأسس التي تصون حقوق الزوجْين بما يكفل الترابط والتماسك بين أبنائهما.
حيث نظم الإسلام حقوقا وواجبات متبادلة بين أفرادها، فليس هناك استبداد بالرأي، ولا ظلم في المعاملة.
وقد وصف القرآن الكريم رابطة المعاملة بين الزوجين فقال سبحانه «ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودّة ورحمة إنّ في ذلك لآية لقوم يتفكرون»
وقال سبحانه: «هن لباس لكم وأنتم لباس لهن«.
فكل حقّ في الأسرة يقابله واجب. قال عز وجل: «ولهن مثل الذي عليهنّ بالمعروف».
ثالثا: أنّ ترسيخ عوامل استقرار الأسرة في المجتمع الإسلامي يؤدّي إلى إمداد المجتمع بنسل صالح يقوم بدوره في الحياة خير قيام كما أمر الله سبحانه، إذ أبناء المجتمع هم ثمار الأسر، وإذا استقرت الأسرة استطاعت أن تمدّ المجتمع بالنسل الصالح.
وإن الضياع الذي نشاهده في المجتمعات من حولنا سواء كان في بعض المجتمعات الإسلامية أو غيرها، إنما جاء من تشتت الأسر وضياع حقوق الله سبحانه فيها وتنكر الزوجين لما شرعه الله سبحانه فنجد الفرقة، والسباب والشتات حيث غابت آداب الإسلام وتعاليمه التي حثّت على الاحترام بين الزوجين، وصيانة كل منهما لحق الآخر...»
تنقسم محتويات هذا الكتاب إلى تمهيد يشتمل على ثلاثة مباحث وهي: تعريف الأسرة في اللغة ـ تكوين الأسرة واهتمام الإسلام بها ـ أهداف الأسرة في القرآن الكريم والسنة النبوية، ثم الفصل الأول حول أسس تكوين الأسرة، يليه الفصل الثاني حول واجبات الزوج، فالفصل الثالث حول واجبات الزوجة، والفصل الرابع حول الحقوق المشتركة.
وقد ذيّلت الباحثة هذا الكتاب بفهرس للآيات القرآنية، وفهرس للأحاديث والآثار، فجاء في 424 صفحة من القطع الكبير، وقد صدر عن دار خضر للطباعة والنشر والتوزيع في بيروت ـ لبنان.
عوامل استقرار الأسرة في الكتاب والسنة
- التفاصيل