زي إسلامي يثير جدلا متجددا في الدول الغربية
لندن: صفات سلامة
موضوع الحجاب من القضايا المهمة متعددة الأبعاد، وبخاصة في الغرب، ومؤخرا بدأت فرنسا تطبيق قانون حظر ارتداء النقاب في الأماكن العامة، وفرض غرامة مالية في حال مخالفته، وهو ما يثير الجدل مجددا في الغرب والعالم الإسلامي.
وحول موضوع الحجاب صدرت حديثا عن مكتبة «العبيكان» في السعودية ترجمة لكتاب «نظرة الغرب إلى الحجاب: دراسة ميدانية موضوعية»، من تأليف الدكتورة كاثرين بولوك، والصادر باللغة الإنجليزية عن المعهد العالمي للفكر الإسلامي في لندن، وقد نقله إلى العربية في ترجمة دقيقة لشكري مجاهد، وهو دراسة مهمة ومفصلة تتضمن تحليلا نقديا قويا للمفهوم الغربي الشائع الذي يرى الحجاب رمزا لقهر المرأة المسلمة وتقييدا لحريتها، والإطار العام للكتاب يدعم وجهة النظر القائلة إن الحجاب لباس مفروض دينيا، وإنه ليس من صور القهر، بل هو جزء من دين يمنح النساء المسلمات الكرامة والاحترام.

والكتاب في الأصل رسالة المؤلفة لنيل درجة الدكتوراه عن المرأة والحجاب، والتي كانت بعنوان «سياسات الحجاب»، وقد اعتنقت الإسلام وارتدت الحجاب أثناء إعدادها لها، وكان جوهر الرسالة إجراء مقابلات شخصية مع بعض النساء المسلمات في تورنتو بكندا، للتعرف على رؤيتهن للحجاب وأفكارهن عن الإسلام والحجاب وحياتهن الشخصية.
وتقول الدكتورة كاثرين بولوك إن «أهم أهداف الكتاب هو تفنيد الصورة النمطية الغربية الشائعة عن ارتباط الحجاب بقهر المرأة، فكانت فكرتي الرئيسية هي أن الرأي الغربي الشائع حول كون الحجاب رمزا لقهر المرأة المسلمة، ما هو إلا صورة مختلقة لا تعكس خبرة النساء اللاتي يرتدين الحجاب، هذه الصورة المختلقة كانت دائما في خدمة السياسة الغربية، وما زالت كذلك في القرن الحادي والعشرين». وبالإضافة إلى ذلك ترى المؤلفة أن القول بارتباط الحجاب بالقهر قائم على تعريفات ليبرالية لمفهومي «المساواة» و«الحرية»، وهذه التعريفات تعوق بدورها طرقا أخرى لفهم «المساواة» و«الحرية»، من شأنها أن تتيح مدخلا أكثر إيجابية للتفكير في ارتداء المرأة للحجاب، وتتمنى المؤلفة أن يساعد كتابها على تبديد الصورة النمطية عن الإسلام والمسلمين، وهي صورة منتشرة في الثقافة الشعبية الغربية، وأن يؤدي ذلك إلى تشجيع الاندماج والتعاون بين المواطنين المسلمين وغير المسلمين في الغرب.
وتشير الدكتورة كاثرين بولوك إلى أن جوهر المشكلة هو أن الثقافة الغربية منحازة بشكل جذري ومتأصل ضد الإسلام والمسلمين، وأن النساء المسلمات في الغرب اللاتي اخترن ارتداء ما يؤمنّ بأنه اللباس المفروض دينيا، أصبح حجابهن أبرز الرموز الإسلامية الظاهرة في الشارع الغربي، ومن ثم أصبحن هدفا رئيسيا للمشاعر السلبية المعادية للإسلام. وقد تغلغل الخطاب النسوي العلماني السلبي عن النساء المسلمات في مصادر الثقافة الغربية الرئيسية إلى حد اعتبار مقولة «الحجاب يقهر النساء المسلمات» مسلما بها، حتى من قبل من لم يلتقوا امرأة مسلمة واحدة في حياتهم. وتضيف أنه ليس هناك فرق بين النظرة «النخبوية» لأولئك المثقفين الذين من المفترض أن يكون لديهم وعي أكبر، ونظرة «غير المثقفين» ممن هم أقل وعيا واطلاعا، إذ يمكن القول إن النظرة الجماهيرية غير الواعية التي تعادي الحجاب يعود سبب رواجها إلى أفكار ينشرها معلقون مفكرون من خلال كتاباتهم الصحافية في مختلف أنواع الثقافة الشعبية مثل وسائل الإعلام، كما يلاحظ أن أي دراسة موضوعية أو إيجابية، سواء أكانت أكاديمية أو صحافية، تعجز عن اختراق هذه الصورة السلبية، وهكذا فالوضع لا يختلف الآن عما كان عليه بالأمس، والأصوات الغائبة في هذا الجدل القائم هي أصوات النساء أنفسهن ممن اخترن ارتداء الحجاب.
وتضيف الدكتورة بولوك أن اللغز الذي يحتاج إلى تفسير من وجهة نظر النساء المسلمات، ليس لماذا اخترن الحجاب، بل لماذا لا تفعل الأخريات ذلك، فعندما تقوم النساء «العصرانيات» في الغرب بارتداء ملابس تكشف أكثر أجسادهن، وعندما تواصل الثقافة الرأسمالية استغلال الشكل الأنثوي في الإعلانات عن السلع الاستهلاكية، وعندما تستخدم مجلات الجمال برامج معقدة حاسوبيا لتكوين أنماط نموذجية جميلة ونحيفة وغير حقيقية للشكل الأنثوي، وعندما تزدهر جراحة التجميل، ومعها كل اضطرابات الأكل، وتشيع النظرة المنخفضة للذات لدى النساء، يصبح السؤال التالي ملحا وضروريا: لماذا تقبل النساء الغربيات هذا الاستغلال لشكلهن الأنثوي ولأجسادهن؟ ولماذا هذه الحاجة إلى «تعرية كل شيء وعرضه على الآخرين» بدعوى الحرية والمساواة؟
وتشير المؤلفة في مدخل كتابها إلى رد فعل بعض الناس على تحولها للإسلام وارتداء الحجاب، وهو ما دفعها إلى تغيير الموضوع الأصلي لرسالتها للدكتوراه، ولتجعله موضوع دراسة الحجاب، حيث تقول «بعد عام ونصف العام من العمل في رسالة الدكتوراه اتخذت قرار اعتناق الإسلام، وقررت كذلك أن أرتدي الحجاب، بغض النظر عن موقفي منه، فهذا أمر إلهي، ولا بد أن أنفذه، وعلى سبيل التحذير قلت لبعض زملائي في العمل إنني أسلمت، وإنهم لن يروني المرة القادمة إلا بالحجاب، ولا حاجة لي لأن أصف صدمة من كانوا حولي. عندما رآني الناس بلباسي الجديد وانتشر الخبر، وجدتني هدفا لمعاملة تنطوي على قدر من العداء. كيف لي وأنا المرأة الناشطة القوية الملتزمة بالحركة النسوية أن أخضع لهذا السلوك المجحف بحق النساء؟ كيف لمثلي أن تعتنق الإسلام؟ ألم أسمع بما ارتكبه أحد المسلمين من عهد قريب في حق امرأة؟ لم أكن مستعدة لمواجهة مثل هذا العداء، ولم أكن مستعدة كذلك لهذه المعاملة المختلفة من قبل السكرتيرات والموظفين الحكوميين والعاملين بالهيئة الطبية، بل ممن لا أعرفهم من ركاب قطار الأنفاق، كانت معاملتهم تنم عن ازدراء، لم أكن أعامل كما تعامل امرأة بيضاء من الطبقة المتوسطة، وكانت هذه أول مرة أعاني فيها من التمييز والعنصرية، وجعلتني هذه الخبرة أدرك أنني كنت أتمتع في ما سيق بمكانة متميزة، من غير أن أدرك ذلك على النحو الصحيح، وتأكد لي أن رد الفعل على ارتداء الحجاب موضوع يستحق البحث».
وتقول الدكتورة بولوك «إنه على الرغم من أن علينا مواجهة الصور النمطية السلبية الغربية، فإن علينا كذلك نحن المسلمين أن نبذل في ما بيننا جهدا أكبر لتحقيق العدل في ما يخص حقوق النساء وإصلاح ظروفهن الحياتية».
وفي النهاية ترجو مؤلفة كتاب «نظرة الغرب إلى الحجاب» أن يحدث كتابها ولو تأثيرا بسيطا في صورة الحجاب النمطية السلبية الواسعة الانتشار في الغرب وفي العالم الإسلامي، كما تتمنى أن يتم احترام اختيار المرأة المسلمة للحجاب، وألا يكون التزامها هذا عائقا في طريقها المهني أو أمام حاجاتها الأخرى ورغبتها في أن تكون جزءا من المجتمع الذي تعيش فيه.

 

JoomShaper