عمان - السبيل
صدرت عن جمعية العفاف الخيرية الطبعة الأولى من كتاب "وعاشروهن بالمعروف.. دراسة شرعية وفلسفية في الحقوق الزوجية"، للقاضي الشرعي الدكتور سامر مازن القبج.
والكتاب -الذي وقع في 98 صفحة من القطع الصغير- يمثل دليلاً للزوجين ورؤية شرعية للحقوق الزوجية؛ ليعرف كل منهما حقوقه وواجباته، فضلاً عن أنه وقاية للمقبلين على الزواج حتى لا يقعوا في الظلم.
ويشتمل الكتاب على أجوبة منطقية للسائلين والحائرين والمشككين، إضافة إلى التطرق لأحكام شرعية نحياها ونجهلها، وأحكام أخرى يحتاجها الناس، وتوضيح لمفهوم العنف الأسري، إلى جانب تأصيل لأحكام المعاشرة الزوجية.
ويوضح مؤلف الكتاب باعثه على التأليف، المتمثل في أن نجاح الحياة الزوجية هو نجاح للمجتمع كله؛ لأن الفرد الناجح وحده القادر على إنجاح أسرته، والأسرة الناجحة وحدها هي القادرة على تأسيس المجتمع المتفوق. ويلفت مؤلف الكتاب -الحائز على درجة الدكتوراة في العلوم الإسلامية من المعهد الأعلى لأصول الدين بجامعة الزيتونة في تونس عام 2003- إلى أنه كان قد قَيَّد مؤلَّفاً صغير الحجم سماه "الحقوق الزوجية"، ثم إنه ارتأى بعد أن نفدت النسخ أن يزيد عليها، وأن يُجلِّي غامضها، وأن يُبيِّن فلسفة الشريعة من تشريع هذه الحقوق.
وقد حرص مؤلف الكتاب على أن يُبيِّن قيمة الإسلام ومدى اهتمامه بالمرأة؛ إذ الإسلام قد أولى المرأة اهتمامه وعنايته فعلاً لا قولاً، مشيراً إلى أن قد أكثر من ذكر أحاديث النبي محمد صلى الله عليه وسلم؛ لأنها المرجع المهم واللسان العملي الشارح لكلام الله عز وجل.
ولذلك كان الإسلام كالكوكب -والكلام لمُؤلِّف الكتاب- تلحقه ولا تدركه، ولكنك تطال من نوره، وإننا عندما ننتقد قانوناً أو معاهدة ليس لأننا دعاة رجعية، بل لأننا دعاة تقدم نريد الخير للأسرة والمجتمع.
هل يحتاج الزواج إلى تأهيل؟
ويستهل المؤلف كتابه -الذي طُبع على نفقة أحد المحسنين- بتمهيد أوضح فيه أن الزواج مرحلة من مراحل الحياة الإنسانية، منها تتم عمارة الكون وخلافة الأرض، مستدركاً بأنه لابد لكل مرحلة من مراحل الحياة من تأهيل؛ فالجندي قبل أن يخوض غمار المعركة لا بد له من دورات تأهيل، وكذلك الزواج.
واستشهد المؤلف بأن دولة مسلمة كماليزيا، لا بد أن يحصل الزوجان فيها على رخصة زواج تتضمن حضورهما دورات تأهيلية وتثقيفية في أمور الزواج، علاوة على تدريب الزوج وتنمية قدراته على تحمل المسؤولية، وتهيئته بمعرفة حقوق زوجته عليه وواجباته تجاهها حتى لا يظلمها.
وفي مقابل تهيئة الزوج، فإن علينا -كما ذكر مؤلف الكتاب- تهيئة الزوجة أيضاً؛ فالمجتمع اليوم يهيئها بحصولها على الشهادة الجامعية، ولكن مؤسسة الزواج مختلفة، فشهادتها الجامعية لعلمها وثقافتها.
الحقوق المادية
وبعد هذا التمهيد، يلج المؤلف إلى "الحقوق المادية" وهي ثلاثة حقوق؛ الأول: المهر، والثاني: النفقة، والثالث: حق الزوجة في تحصيل العلم الشرعي الضروري.
وجوب الطاعة إلى دون السلطوية
ثم يتعرض المؤلف إلى قضية "الطاعة" التي هي حق خالص للزوج على زوجته، مبيناً حدود هذه الطاعة، وهل هي مطلقة أم مقيَّدة، وهل الحياة الزوجية حياة تشاركية أم هي حياة سلطوية يمارس فيها الزوج دور المتسلط والديكتاتور؟ وهل يجوز للمرأة أن تبدي رأيها وتناقش الزوج؟
وعلى الرغم من وجوب طاعة المرأة لزوجها إلا أن الحياة الزوجية -وفق مؤلف الكتاب- إنما هي حياة شورى؛ فالمرأة تستشار أولاً في قبولها للزوج.
للغرب خصوصية في تسويغ عمل المرأة
ويُبيِّن مؤلف الكتاب أن عقد الزواج ليس عقد خدمة، بل هو عقد تبادل المتعة وتشارك الحياة، ذاهباً إلى أن الأصل هو عدم خروج المرأة للعمل إلا للضرورة؛ كحاجة الأسرة للمال أو حاجة المجتمع لعمل هذه المرأة.
ويرى المؤلف أن عمل المرأة في الغرب له خصوصيته؛ إذ إنه خرج من حربين كونيتين، الحرب الأولى بدأت عام 1914 وانتهت عام 1918 بفناء ثمانية ملايين ونصف المليون من البشر، فضلاً عن 28 مليوناً من الجرحى والأسرى والمفقودين.
أما الحرب الثانية، فبدأت في عام 1939 وانتهت عام 1945 مُخلِّفة ما يزيد على 61 مليون قتيل، ما أدى إلى وجود خلل ديمغرافي؛ حيث تضاعفت أعداد النساء فاضطرت المرأة للعمل، لأنه لا مُعيل في ظل دول تعاني آثار الحرب.
ثم يتساءل المؤلف: "هل الحالة الغربية التي ذكرناها تنطبق علينا؟ فكم من رجل قعيد بيت لتعمل بدلاً منه امرأة؟".
مَصْدر القوامة أفضلية مَصْلحية وليست ذاتية
ويُنوِّه المؤلف بأن القوامة على الأسرة في الإسلام تكليف وليس تشريفا؛ وهي وظيفة اجتماعية تقتضي بأن يكون القَيِّم على مستوى تحمل المسؤولية، وأن تكون لديه الكفاءة لإدارة شؤون الجماعة على نهج سليم.
ويضيف: "قوامة الرجل هي قوامة رعاية وإدارة، وليست قوامة هيمنة وتسلط، وإن كلمة الأفضلية الواردة في قوله تعالى (الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم..) هي أفضلية التناسب المصلحي مع الوظيفة التي يجب النهوض بأعبائها؛ فالرجل وليس الذكر هو الأقدر على حماية الأسرة في حالة وجود خطر داهم".
وتعتبر القوامة -على ما يذكر الكتاب- إخباراً عن واقع يفرض نفسه أكثر من أن يكون تقريراً لحكم مفروض؛ فمصدر هذه القوامة لا يتمثل في أفضلية ذات الرجل عند الله على ذات المرأة، وإنما مصدرها الأفضلية المصلحية الآتية من توافق إمكانات الرجل ووظيفته الإنفاقية.
ويرى المؤلف أن إسناد مهمة التربية والحضانة والإرضاع المعطاة للمرأة، ليس مصدرها أفضلية ذاتية للمرأة على الرجل، وإنما مصدرها الأفضلية المصلحية ذاتها؛ لتوفر إمكانات المرأة مع هذه المهام.
والخلاصة هي إبداع إلهي في استثمار طاقات المخلوقات كل حسب نوعه.
تأديب الزوجة فلسفة الضرب
يؤكد المؤلف أن العنف الصادر من الزوج على زوجته مرفوض شَرْعاً وعُرْفاً قبل أن ينبذه الغرب، ذاكراً أن الشريعة جعلت ولاية التأديب على ثلاث مراحل؛ الأولى: الموعظة الحسنة، والثانية: الهجر في المضجع، والثالثة: الضرب غير المُبرِّح.
ويشدد المؤلف أن هذه المراحل جُعلت على سبيل الترتيب لا التَّخيير؛ فالزوج لا يُخَيَّر بين العظة أو الهجر أو الضرب، بل هو مأمور بأن يلجأ للمرحلة الأولى من مراحل الإصلاح (الموعظة).
حتى إذا اتفق العقلاء من حوله على فشل هذه المراحلة انتقل إلى المرحلة الثانية (الهجر)، التي تسمى في علم الاجتماع بـ"الطلاق العاطفي" وهي ليست مرحلة عقوبة تأديبية، وإنما هي مرحلة اختبارية، وإن لم تنجح فلا مناص من التوجه إلى المرحلة الثالثة، التي إن لجأ إليها الزوج قبل هاتيك المرحلتين كان آثماً ومتعدياً.
والإسلام حينما يقرر أن الضرب آخر المراحل، يرى أن هذه المرأة الناشز التي أعيت زوجها، وأُعطيت حقها المالي والمعنوي، وتم التفاهم معها بالحسنى فلم يُفلح الأمر، وتم فراقها عاطفياً ولم يُفلح الأمر، فإنما هي امرأة تستحق الضرب كي تصحو من غلفتها.
على أنَّ هذا الضرب -بحسب مؤلف الكتاب- مُوجَّه إلى شذوذ المرأة وليس إلى إنسانيتها الوديعة، إضافة إلى أنه ليس وسيلة للانتقام أو التصفية؛ فلا يجوز كسر عظم أو ترك أثر أو قصدُ الوجه، بالتالي لم يبق للزوج غير اللكز ونحوها، ذلك أن المقصود منه الصلاح والإصلاح والتذكير والتحذير.
ويؤكد المؤلف أن النساء من مراحل التأديب على أقسام؛ فمنهن مَنْ لا يصلح معها إلا الكلمة الطيبة، وقد تأسرها بها فيختفي نشوزها، ومنهن مَنْ لا يَصْلح معها إلا الكلام الغليظ -الخالي من الفحش والإهانة- والتخويف.
ويَخْتم المؤلف الحديث في "فلسفة الضرب" بأن وسيلة الضرب مُوجَّهة لكلا الزوجين إذا تحقق موجبه، إلا أن تنفيذه يَخْتلف؛ فبينما مَكَّنت الشريعة الزوج من تطبيق هذا العقاب على الزوجة عند تَحقق مُوجبه، فقد مَكَّنت القاضي دون غيره من تطبيق الضرب على الزوج في حالة تَعَسُّفه في استعمال حقه، إنْ هو آذى زوجته بدنياً.
حقيق بالذكر أنَّ مُؤلف الكتاب د.سامر مازن القبج عضو في محكمة الاستئناف الشرعية في عمان، ومجاز في المحاماة الشرعية منذ عام 1994، وهو محاضر غير متفرغ في كلية الشريعة بالجامعة الأردنية، وأشرف على العديد من الرسائل الجامعية، وله تسعة مُؤلَّفات.


JoomShaper