اسم المؤلف :      د. سلمان بن فهد العودة
اسم الكتاب :       بناتي
دار النشر :         الإسلام اليوم
سنة النشر :         1429 هـ
نوع الكتاب :       غلاف
تعريف بالكتاب : "بناتي" للشيخ العودة.. كتاب عن المرأة والدين والحياة
قراءة/ مصطفى عياط
تعتمد البنية التكوينية لأي فقيه على ثلاثةِ أعمدةٍ رئيسةٍ، وهي: امتلاكُ أدواتِ العلم الشرعيِّ، والإحاطةُ بالواقع الْمُعَاشِ، وفَهْمُ علاقاته المتداخلة، وأخيرًا تنزيلُ العملِ الشرعيِّ على الواقع، وهو ما يسميه الأصوليون بـ"تحقيق المناط"، وإذا ما حدث اختلال لأي عمود من هذه الأعمدة، فإن الفتوى تُخْطِئ مرادها، وغالبًا ما يرجع ذلك إلى سوءِ إدراك الفقيهِ للواقع، رُغْمَ امتلاكِهِ لناصية العلم الشرعي، ولذا فإنه من المعروف أنّ الفتوى تتغَيَّر باختلاف الزمان والمكان، أي بتَغَيُّرِ الواقع.
هذه المقدمة رغم طولها، وبَدَهِيَّتِها لدى الكثيرين، إلا أنّ طيفها يبدو حاضرًا بقوة مع مطالعة صفحات كتاب الداعية السعودي الدكتور سلمان العودة، المشرف العام على مؤسسة "الإسلام اليوم"، الجديد والمعنون: "بناتي"، فالكتابُ ليس مُصَنَّفًا فِقْهِيًّا كما هو الحال في عشرات المؤلفاتِ التي تندرج تحت باب "فقه النساء"، كما أنه ليس من صِنْفِ الكتب الوَعْظِيَّةِ ذات النَّفَسِ الدَّعَوِيّ، وإن كان ذلك حاضرًا بين صفحاته، وهو أيضًا ليس من باب "الحَكْيِ الاجتماعي"، رُغْم أن الروح الأبويةَ تبدو طاغيةً في جُلِّ سطوره، فالكتاب يجمع بين هذه الصنوف الثلاثةِ بِنِسَبٍ مختلفةٍ، ويضيف إليها عُمْقًا اجتماعِيًّا تَرْبَوِيًّا.

فمن الصفحات الأولى، يبدو الدكتور العودة حريصًا على حضور "النَّفَس الأَبَوِي"، فالإهداء لبناته الثلاث ورابعتهن حفيدته، أما المقدمة فهي أَشْبَهُ بـ "قصيدة حب" مهداةٍ لهن، حيث يقول: "رزقني ربِّي بغادة وآسية ونورة، وهنَّ يمنحنني الوَجْهَ الجميلَ للحياة، الحبَّ والعَطْفَ والحَنَانَ، ولا حياةَ للمرءِ من غيرِ قلبٍ يحنُّ ويَفْرَحُ ويُحِسُّ".

رسائل تلغرافية

ثم يلمس "العودة" بقوةٍ ذلك التناقُضَ بين نظرة الإسلام السامية للمرأة، وسلوكياتِ بعض المتدينين، متسائلًا" إذا كنا نعرف أسماء أزواجِ النبي وبناتِه وأُمِّه وحاضِنَتِه وقابِلَته ومُرْضِعته، فلِمَ نستحي مِن ذِكْر أسماء أُمَّهاتنا وزوجاتنا وبناتنا..؟ ولِمَ نخجل أن يرانا أحدٌ نمشي إلى جِوَارِهِنّ في شارعٍ أو سوقٍ أو سَفَرٍ..؟ وإلى متى نَظَلّ نصنعُ المقدِّمات الجميلةَ عن حقوق المرأة ومكانَتِها في الإسلام، ثم نَفْشَلُ في تطبيقاتها الميدانيةِ اليَومِيّة الصغيرة في المنزل والمدرسةِ والسُّوق والمسجد؟".

ويتَّبِع الدكتور العودة في الكتاب أسلوب "الرسائل التلغرافية"؛ حيثُ يتَطَرَّق إلى عددٍ كبيرٍ من القضايا والإشكالاتِ المتعلقةِ بالمرأة، خاصةً من هُنّ في سِنّ الشباب، من خلال نقاطٍ محددةٍ ومُرَكَّزة، مُبْتَعِدًا عن الأسلوب الإنشائي، أو الوعظِ التقليدِيّ. فبعد أن يَلْفِتَ لأمثلةٍ تُوَضِّح تعامُلَ البعضِ مع المرأةِ بصورة مُزْرِيَةٍ باعتبارها أَقَلّ درجةً من الرَّجُلِ، يُشَدِّد على أن "مجتمعنا الإسلامِيّ والعربيّ والخليجيّ، بحاجةٍ إلى إعادةِ صياغةِ الصورةِ الصحيحةِ للمرأةِ التي لن تكون رجلًا بلباسٍ مُخْتَلِفٍ، ولن تتخلى عن خصوصيتها وأنوثَتِها وتَمَيُّزها، ولن تكون ظلًّا للرجل، وصدًى واهنًا لِإِرَادَتِه وحُضُورِه"، مُحَذِّرًا من "أن كل الحركات المتطرفةِ الداعيةِ إلى الانفلاتِ تَقْتَاتُ من انحرافِ المفاهيمِ المتعلقةِ بالمرأةِ، ومن سُوءِ التَّطْبيقِ والتَّعَامُلِ، وسوءِ استخدامِ الرَّجُلِ للسلطة".

وبشكلٍ أكثرَ تحديدًا، يُؤَكِّد الشيخ العودة أنّ بعضَ مُقَرَّراتِ الثقافةِ الأُسَرِيةِ والمدرسيةِ والوعظيةِ تَضَعُ المرأةَ مَوْضِعَ الشَّكِّ والرِّيبَةِ، وتختصرها في جانبها الجسديِّ الجنسي الشهواني، وكأن الأنوثة عَيْبٌ أو عَارٌ.

الوعي المفقود

أما فترة المراهقة، والتي يعتري خلالَهَا جسدَ المرأةِ تغيراتٌ فسيولوجيةٌ ونَفْسِيَّةٌ عِدَّة، أبرزها الحيض، فيرى فيها الدكتور العودة "مناسبةً جديرةً بأن تحتفل بها الفتاة، فها هي قد دخلتْ سنَّ الرُّشْدِ، والكمالِ، والنُّضجِ، والمسئوليةِ"، كما أنها مرحلةٌ جميلَةٌ جيِّدَةٌ، مليئةٌ بألوان الإيجابيات، والمباهجِ، والإشراقِ.

ويلفت إلى أن كثيرًا مِن الأمهات، والمعلماتِ، لا يتجرّأن على الحديث، عن مسألة الحيض، وقد تُخفي البنتُ الخبرَ عن أهلها، وهذا يصنع لها حرجًا عظيمًا، ومشكلة نفسيَّة، حتى إن بعضهن قد يُصَلِّين أثناء الدورة الشهريَّة؛ إمَّا جَهْلًا، أو خَجَلًا. مع أنه ليس في الأمر ما يدعو إلى الخجل، فالله جل وعلا أَحْسَنَ كُلَّ شيءٍ خَلَقَهُ، وهذا جزءٌ مِن خَلْقِ الله سبحانه وتعالى، ومن سُنَّته في عباده، وفي إِمَائِه. كما أنَّ الوعي مُهِمٌّ شرعًا، حتى تعرفَ الفتاةُ ما لها وما عليها، وتدري أنها دخلتْ مرحلةَ البُلُوغ، وأنَّ قلم التكليف أصبح يجري عليها، وتعرفَ أحكام الصّلاة والصّيام، والحجِّ والطَّواف والقرآن، وغير ذلك من الأحكام. وأيضًا هو مهمٌّ طِبِّيًا، حتى تستطيع البنت معرفةَ التعامل مع هذه الدّورة، التي تُؤَثِّر في بدنها، وفي نفسيَّتِها، وفي ظُرُوفِها.

وبالتوازي مع التغيرات الفسيولوجية، هناك أيضا تغيراتٌ نفسيةٌ وشخصيةٌ، منها رغبة الفتاة في إثبات ذاتِها؛ ولو من خلال التمرُّد على بعض الأنظمة، أو في الميل إلى الجنس الآخر، والرغبةِ في إقامة علاقات معهم. وهنا يُشَدِّد الدكتور العودة على أن هذه السلوكياتِ ليست بالضرورةِ تعبيرًا عن انفلاتٍ أخلاقي، وليست مقصودةً لذاتها، بقدر ما هي بعضُ تجلِّيات هذه المرحلة العمريَّة ومتغيِّراتها، وهو ما يَسْتَوْجِبُ توافُرَ القُدْوَةِ الحَسَنَةِ في البيت والمدرسة، وأنْ تُوجِد الأمُّ مساحةً من الصَّدَاقَةِ من ابنتها، وأن تُشْعِرها بشخصيتها من خلال مشاورتها، سواءٌ في أمورها الخاصة، أو في شئون الأسرة، فضلًا عن احترام خصوصياتها، وذلك بالتوازي مع مراقبةٍ ذكيَّةٍ حَذِرَةٍ من جانب الأم لأي تَغَيُّراتٍ تَطْرَأُ على ابنتها، وفي حال وقوع خطأ فالعلاج يجب أن يكون بحكمةٍ ولباقةٍ، دون تحقيرٍ أو قسوةٍ مُفْرِطة.

مفاهيم خاطئة

وفي رسالةٍ تلغرافية أخرى، يُرَكِّز الشيخ العودة على عددٍ من المفاهيم الشائِعَةِ في المجتمع، والتي تُرَسِّخُ لاحتقارِ المرأةِ ودُونِيَّتِها، سواءٌ من خلال النَّظَر لولادَتِهَا باعتبارها عارًا وشُؤْمًا، أو الزعم بكونها خائنةً بِطَبْعِهَا، أو أنّ مَكَانَهَا هو المطبخ فقط، وأنه لا رأْيَ لها ولا قَرَارَ، مُوَضِّحًا أن ذلك يُشْعِر الكثير من الفتيات بالغبن والغضب، ما يجعل الْمُنَاخَ ملائمًا لدعواتِ التغريبِ؛ باعتبارهَا -في ظن الكثيرات- ملاذًا من هذا الظلم الاجتماعي.

علاج ذلك، كما يشير الكتاب، يبدأ من خلال الإيمان بأن المرأة -كالرجل- تحتاجُ إلى مَن يمنحها الأهمية، ويستَمِع لشكواها، ويُشبِعها وجدانيًّا وعاطفيًّا؛ فالإصغاء الفعَّال المدروس يُشكِّل صمامَ أمانٍ للفرد والمجتمع، وللإصغاءِ مهارات، منها: إعادة صياغة كلام المتحدث بشكلٍ يُشْعِره بانتباهك وتَفَهُّمِكَ لما يقوله، وإضفاءُ لمسةٍ حميميّةٍ على الحوار، فالكثيرون لا يُرِيدون مِنّا حلًّا لمشكلاتهم، بقدر ما يُرِيدُونَ القلبَ الذي يتوجَّع ويتأسَّى.

وإذا كانت الفتاةُ بحاجةٍ لمن يَمْنَحُهَا الإحساس بالأهمية، فإن الأم يُفْتَرَض أن تكون أوَّلَ مَن يُبَادِرُ لذلك، لكنّ الدكتور العودة يسوق العديدَ من النماذج لعلاقاتٍ مُتَعَثِّرة بين الأم وفتاتِها المراهقة، فخطوط التواصل والتَّفَاهُمِ مقطوعةٌ، وكلماتُ الحُبّ والتدليل غائِبَةٌ، لافتا إلى أنه "مع استيقاظ أحاسيسِ الأنوثة عند البنتِ؛ فإنها تبدأ في مزاحمة الأم، لِنَزْعِ الاعتراف بِهَا، وتَرْسِيمِ حُدُودِها، كدولةٍ جديدةٍ إن صَحّ التعبير".

علاج ذلك يتطلب من الأم بناءَ جُسُورِ الصَّدَاقَةِ مع فَتَاتِهَا، وتَرميمَ ما تَآكَلَ مِنْها، وهذا لا يمكن أنْ يَتِمّ إلا بالهدوء، والحكمة، وغَمْرِ الابنةِ بكلمات الحب والعاطفة، والتَّعَوُّدِ على جِلْسَاتِ المكاشفةِ والمصارَحَةِ معها، والانتباهِ الجيِّدِ لأي عوامِلَ طارئةٍ في حياتها وسُلُوكِها، وبرامِجِهَا، ومشارَكَتِها هوايَاتِها، ومراعاةِ ظُرُوفِها النفسيةِ والاجتماعيةِ، والبُعْدِ عن التّوبيخِ والحَطِّ الدائِمِ من شَأْنِها، وغرس القيم الإيمانية ومكارم الأخلاق، وهو ما يتَطَلَّبُ أن تكون الأم قدوةً حسنةً لابنتها.

قضية شائكة

وبعد أن يتعرّض لجانبٍ من القضايا المرتبطة بعلاقةِ الفتاة بالْمُدَرِّسة، محذِّرًا من الغِشّ، وغِيبَةِ الْمُعَلِّمات، وتبادُلِ الخبراتِ الرديئة، ومُشَدِّدًا كذلك على اختيار التخَصُّصِ الملائم، وعدمِ الانسياقِ وراءَ تقليدِ الآخرين، وأنّ الفشل يجب ألّا يُفْقِدَنا ثِقَتَنا بأنْفُسِنَا، وإِحْسَاسِنَا بالقُدْرَة على النهوض، ينتقل الدكتور العودة إلى قضيةٍ في غايةِ الأهميةِ والخطورةِ، وكذلك الحساسيةِ، وهي مشاعرُ الحبّ الزائدة بين الفتيات، والتي تتجاوَزُ الصداقةَ لِتُلَامِسَ حافَّةَ الشذوذ، عاطِفِيًّا كان أم جَسَدِيًّا.

ويُرْجِع المؤلف ذلك الانحرافَ إلى عدة أسبابٍ، منها: الفراغُ العاطفي لدى الفتاة، وضَعفُ الإيمان بالله، والتأثيرُ السَّيِّئُ لوسائل الإعلام، والمبالغةُ في الزِّينة والتجميلِ، وفِقْدَانُ القدوة الحسنة، وأخيرًا تأخيرُ الزواج.

أما الحل، فيكمن في الالتجاء إلى الله، والاستغراقِ في عبادته، وتوسيعِ دائرة العلاقات مع الأَخْيَار الطيبين، والاهتمامِ بالأعمال التي تَسْتَنْزِفُ الوَقْتَ والْجَهْدَ، وتكونُ نافِعَةً للإنسانِ في دِينِهِ أو دُنْيَاه.

ومن خلال استعراضه لجوانبَ من الواقع الذي تتعرَّض له الفتاة، سواءٌ على الإنترنت أو الفضائيات، يَنْتَهِي المؤلف إلى أن "المرأة هي إحدى نقاطِ الضَّعْفِ في مجتمعنا التي يُرَاهِنُ عليها العَدُوّ الخارجي"، ثم يَمْضي مُتَسَائِلًا: "فمتى نُحَصِّن مجتمعَنَا بالعَدْلِ والإنصافِ ضِدَّ قُوَى البَغْيِ الخارِجِيّة؟ ومتى نقطعُ الطريقَ بالرؤيةِ الشرعيةِ الواقعيةِ ضِدَّ قُوَى التغريبِ الداخلية؟".

ويعتبر الدكتور العودة أنه ليس صعبًا أن تُفتحَ آفاقُ الحوارِ الَّذِي يسمَحُ للفتاة بأنْ تتحَدَّثَ عن آلامِهَا وآمَالِهَا وتَطَلُّعَاتِهَا، ويسمح للأُخْرَيَاتِ وللآخَرِينَ أنْ يُشَارِكُوهَا في طَرْحِ الحُلُولِ، أو على الأَقَلّ تقديمِ المواساةِ الصَّادِقَةِ، كما أنه ليس صَعْبًا أنْ يَفْرَح مُجْتمَعُنا بالمؤسساتِ والبَرَامِجِ العَمَلِيّة، والقنواتِ المتنوِّعة التي تحتوي الفتاةَ، وتحفظُ وقتَهَا وتُحفِّز طاقاتِها، وتكشِفُ مواهِبَهَا، وتمنَحُهَا الجَوَّ النَّظِيفَ الحرَّ لبناءِ التَّعَارُفِ والصَّدَاقَةِ.

كوابِحُ الإبداع

وإذا كانت الفتاة قد تُوَاجَهُ أحيانًا بمن يقف عثرة في طريقِ إبدَاعِهَا بِدَعْوَى الدين، فإن التصدي لذلك، بحسب الشيخ العودة، يكون من خلال إعادة الدين إلى ذاته، واقتباسِهِ مِن مصادره، ورفضِ الإضافات البشريةِ التي طالما سوَّدتْ صفحَتَه وكدَّرت نقاءَه، ويضيفُ: "لَسْتُ أجِدُ حَرَجًا أنْ أُجَادِلَ إنسانًا غيرَ مسلم أيًّا ما كان الموضوع؛ لأن إسلامي قوةٌ عظيمةٌ مليئةٌ بالإقناع والحُجّة، ولكني أجد الحرج حين يكون المسلم الضعيفُ رقيبًا يبحثُ عن الأخطاء والزلَّات والأقوال الْمُحْتملة، وكأنه يريد مني أن أَنْقِلَ للآخرين رؤيتَه الخاصَّةَ عن الإسلام، وليس المعنى العظيم المتضمَّنَ في الكتاب والسنة (...) ومتى ما حمَّلنا الإسلامَ أخطاءَنَا حَرَمْنَا أنْفُسَنا من رحمته، وحَرَمْنَا الناسَ والعالَمَ من سبيله وهُداه، وكنَّا وسيلةً للصدِّ عن طريق الإيمان والرحمة".

المتاجرة بالجسد

"هل الموضة حرام؟!".. تحت هذا العنوان تطَرَّق المؤلف إلى قضية بيوت الأزياء ومحلات الزينة، التي باتتْ تلتَهِمُ جزءًا كبيرًا من ميزانية الأسرةِ الْمُسْلِمة، وتَسْحَرُ عقول الكثيرات؛ حيثُ يُحَذّر العودة من أن المتاجرين بالجسد يُضَخِّمون في المرأة جانِبَها الأنثوي والمادِّي، ويحصرون الاهتماماتِ في حدود جغرافية البدن، بحيث يصبح الشُّغل الشاغِلَ للمرأة؛ هو الزينةُ من قِمّة رأْسِها إلى أظافر قَدَمَيْهَا، وهذا يُؤَدّي إلى ضحالة الاهتمامات، وتحويلِ المرأةِ من إنسانٍ إلى شيءٍ، أو إلى سلعة.

وينتهي إلى أن "التَّبَرُّجَ ليس دليلًا على الحُرِّيَةِ والتَّقَدُّمِ -كما يُقَال- بل هو سللوكٌ مُوغِلٌ في التَّخَلُّفِ والرَّجْعِيّة، كما قال الله: ((وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى)) [الأحزاب: 33]. كما أن المعاصرة ليست هي الْمُسايرةَ العَمْيَاءَ لهذه المظاهِرِ السَّطْحِيّة، بل هي تَفْهَمُ رُوحَ العَصْرِ، ومَعْرِفَةَ أبعادِه، وتحويلَ الاهتمامات -عند الفتى والفتاة- إلى الأشياءِ الجوهرية العلمية المفيدة، وليس إلى المظاهر والأشكال.

أنامل الحب!

ورغم عدم وجودٍ تَقسيمٍ موضوعيٍّ للكتاب، إلا أنه يمكن التمييز بين ثلاثة أجزاء؛

الأول: تناوَلَ القضايا المتعلقة بالفتاة في مرحلة المراهقة.

الثاني: تَطَرَّقَ إلى قضايا الفتياتِ في مرحلةٍ عُمُرِيّةٍ أكبرَ قليلًا.

أما الجزء الثالث والأخير: فإنه مُوَجَّهٌ للمتزوجات؛ حيث صدَّره الدكتور العودة بمقولة رائعة: "المرأة التي لم تُدغدغ أناملُ الحب عواطِفَها هي تُرْبَةٌ لم يَشُقَّها المحراث،ُ إن لم يَنْبُتْ فيها الزَّرْعُ والثَّمَر، رعتْ فيها الحشرات والهوامُّ، ولهذا كان الزواج من هَدْيِ الأنبياء والمرسلين"، وينقل أيضا عن أحد الحكماء قوله: إنني مُسْتَعِدٌّ أن أتخلى عن نساء الدنيا كُلِّهَا، وحظوظ الدنيا كُلِّها من أجل امرأةٍ، إذا تأخرتُ عليها عن موعد العشاء أَصَابَها القَلَقُ، وساوَرَهَا الهمُّ.

وأعلى درجات النجاح أو السعادة الزوجية هي: أن يكون النجاح في الدنيا والآخرة، ودستورُ النجاح يتمثّل في ثلاثِ نقاط: الحوار، والحب، والتضحية.

ومشكلة الحب الزوجي ليست في الخلافات العادية، التي يتم تجاوُزُها، بل ربما تكون هذه سببًا في تجديد العلاقة، أو هي (بهارات) تُضَاف إلى هذه الطبخة الجميلة، إنما المشكلة تكمن في: عدم قدرة الإنسان على فَهْمِ الطرف الآخر؛ بل ربما عدم قدرته على فَهْمِ نفسه هو، وعدم القدرة على التَّكَيّف مع هذه الشراكة الجديدة، وثالثا والأهمُّ: عدم الإخلاص لهذه العلاقة، وعدم الاستماتَةِ مِنَ الطَّرَفَيْنِ في ديمومتها وبقائها، وإزالةِ وطَرْدِ كُلّ ما يُعَكِّرها.

ويحدد المؤلف عشر وسائل للحب الدائم، وهي: التَّعَوُّد على استخدام العبارات الإيجابية، كالدعوات الصالحة وكلمات الثناء، والحرصُ على اللَّفَتَاتِ الصغيرة المعبرة، وتخصيص وقتٍ للحوارِ بين الزوجين، والتقارُب الجسدي ليس فقط من خلال الوصال والمعاشرة، بل اعتياد التقارب في المجلس والمسير، وتأمين المساعدة العاطفية عند الحاجة إليها، كما في أوقات المرض والحمل والحيض، والتعبير المادِّي عن الحب من خلال الهدية، سواءٌ كان ذلك بمناسبةٍ أو بغير مناسبة، وإشاعةُ رُوحِ التسامح والتغاضي عن الأخطاء الصغيرة، والتفاهُم حول القضايا المشتركة: كالأولاد، المنزل، العمل، المصروف، والتجديد الدائم وإذابة الجليد، وأخيرًا حمايةُ العلاقة الزوجية من المؤثِّرات السلبية مثل: المقارنة مع الأُخْرَيات.

وقفةٌ للتَّأَمُّل

وفي وقفة تأمُّلٍ، يلفت المؤلف إلى أن تعبير "اللِّباس" الذي استخدمه القرآن الكريم في وَصْفِ العَلَاقَةِ الزوجية، في قوله تعالى: ((هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنّ)) [البقرة: 187] حمَل العديدَ من المعاني العظيمة، فهو يعني الاتصالَ الجَسَدِيّ المباشر، وكذلك فيه إشارةٌ للتكافُؤِ النَّفْسِيّ والبَدَنِيّ، فضلًا عن كون اللباس زينةً، وسِتْرًا، وطهارةً، وطِيبًا، ونظافةً وغُسْلًا، وغنًى واستغناءً، ونعيمًا ولذةً، ووقايةً وحمايةً ودِفْئًا، وخصوصيةً، وهدوءًا وسكينةً، وتجددًا وتَنَوُّعًا، وحفظًا للعورة.

حلم الفتاة في الزواج، وبناء عشها الخاص، قد تحول دونه بعض العقبات، مثل التكاليف الباهظة للزواج، والمواصفات المبالغ فيها التي يضعها بعض الشباب لعروس المستقبل، مُتَأَثِّرًا في ذلك بما تَبُثّه الفضائيات، كما أنّ بعضَ الأُسَرِ قد تتحَجَّج بحاجةِ الفتاةِ لإتمامِ دراستِهَا أوَّلًا..

وهنا يَلْفِت الْمُؤَلّفَ إلى أن الزواج لا يتعارض مع الدراسة، خُصُوصًا إذا تمَّ التفاهم بين الزَّوْجَيْنِ على ذلك. كما أن الأب؛ قد يصرف عن بناته الخُطَّابَ لأسباب مادية، أو لأعرافٍ عشائريةٍ، كاحتجازِ الفتاة لابنِ عَمِّها، أو لأيِّ سببٍ آخَرَ، والأخيرةُ جريمةٌ نَكْرَاء تَقْشَعِرّ منها الجلود، فعَضْلُ البنات ومَنْعُهن ممن يُرِدْنه من الأزواج الأَكْفَاء المناسبين ظُلْمٌ فادح؛ ويجب أن يتدخل المعارفُ والأقاربُ لِرَفْعِه، وفَكّ أَسْر هؤلاء المعضولات المأسورات؛ فإذا لم يُجْدِ ذلك فَلْيَتَدَخَّلِ القضاء، ولتَقُمْ لجانٌ شعبِيَّةٌ ورسمية؛ لحماية البنات من عَضْلِ الآباء، والوقوفِ أمام عدوانهم.

وإذا كان بعض الازواج يعتقد أنه من حَقِّهِ التَّلَصُّص على الأشياء الخاصة بزوجته، بدعوى أنّ سلطانهم على الزوجة مطلق ، من خلال مبدأ " القوامة"، فإن المؤلفَ ينفِي تلك الصورةَ المغلوطةَ بشِدّة، مُشَدِّدًا على أن الأصل في العلاقة الزوجية هو التكافؤ، وأن الإسلام مَنَحَ المرأةَ المسئوليةَ الكامِلَةَ عن سائر أعمالها، ولها ذِمَّتها المالية المستقلة.

مُقَارَنَةٌ قاصرة

وفي نهاية الكتاب، يُشَدِّدُ الدكتور سلمان العودة على رَفْضِه لتَوَقُّفِ البعض عند المقارنة بين وضع المرأة في الجاهلية (قبل الإسلام) ثم وضعها في عصر الإسلام، كأن الإسلام لم يُعْطِ المرأة دورها وحقها وتميّزها إلا فقط مُقَارَنَةً بالجاهلية الأولى، ولذا فثمة حاجَةٌ مُلِحَّة إلى أنْ نُتَرْجِم خِطَابَنَا الإنشائِيَّ عن المرأة إلى برامِجَ عَمَلِيّة واقعية؛ لِتَرْبِيَةِ المرأة وإِعْدَادِهَا عَقْليًّا، ونفسيًّا، ووجدانيًّا، وماليًّا، لدورٍ صحيحٍ في تنمية المجتمع وقدراته وطاقاته، من أجل تفعيلٍ إسلامي معتدل، عِوَضًا عن أن يختطف الخاطفون بغير حَقٍّ المعانِيَ البرَّاقة العامة؛ كالتحرير، ويوظِّفوها في أدوار شخصية أو تخريبية.

وفي عبارةٍ جامِعَةٍ يقول العودة: إن الجامع لهذه الأخطاء هو: الإفراطُ في الخوف على المرأة؛ مما يجعلنا نُركِّز دائمًا على مجرَّد وَعْظِها وإرْشَادِهَا وتَحذِيرِها وتخويفِهَا وملاحظتها الدائمة، وسدِّ كل الأبواب في وجهها مخافةَ الفتنةِ والشُّبهة، وهو خوفٌ محمودٌ بذاته، لكن يجب ضبْطُه وتعديلُه وتوازُنُه. والمطلوب تُجَاه ذلك: هو تسليحُ المرأة بثقتِها بنفسها، وثقةُ الناس بها وبقدراتها، وزرْعُ الوازع الديني الذاتي في نفسها، وإتاحة الفرصة لها من خلال مُؤَسّساتٍ وأفكارٍ وأنشطةٍ موجودةٍ في المجتمع؛ كي تستعيدَ الثقةَ بذاتها.

ـــــــــــــــــــــــــــ

الإسلام اليوم
=========

JoomShaper