لها أون لاين
من الكتابات الهامة التي تتناول قضايا المرأة وما يثار حولها من الشبهات، على قلة هذه الكتابات، هو بحث " شبهات حول حقوق المرأة في الإسلام"، للكاتبة "د. نهى قاطرجي" وتأتي أهمية هذه الدراسة، على الرغم من صغر حجمها، من طبيعة المواضيع التي يتناولها حيث يكشف الخلط والزيف في كثير مما يروجه التيار العلماني حول الشريعة الإسلامية والمرأة، وقد ساعد في ذلك سعة ثقافة المؤلفة واهتمامها بشؤون المرأة المسلمة.
بدأت المؤلفة دراستها بتوضيح الهدف من كتابتها حيث قالت: يكثر الحديث في هذه الأيام عن حقوق المرأة وحريتها، حيث يحاول العلمانيون أن يشوهوا صورة المرأة في الإسلام ويظهروها وكأنها مسلوبة الحقوق، فالإسلام بنظرهم فرّق بينها وبين الرجل في الحقوق، وجعل العلاقة بينهما تقوم على الظلم والاستبداد لا على السكن والمودة، الأمر الذي يستدعي من وجهة نظرهم قراءة الدين قراءة جديدة، تقوم على مراعاة الحقوق التي أعطتها الاتفاقيات الدولية للمرأة، ومحاولة تعديل مفهوم النصوص الشرعية الثابتة. ولقد ردَّ العلماء على كل من سوَّلت له نفسه التهجم على الدين عبر الدعوة إلى إعادة النظر في تشريعه المستمد من الكتاب والسنة وعبر المطالبة بفتح باب الاجتهاد في مسائل يرى المهاجمون أن الزمن قد تعداها، ومن هذه المسائل: حق تأديب المرأة ولا سيما ضربها، صيغة الطلاق المعطاة للرجل، سلطة الزوج (القوامة)، تعدد الزوجات، الإرث، الشهادة... وسنقوم بعرض لهذه الأفكار ومن ثمَّ الرد عليها.
و تشير الكاتبة في مقدمتها إلى عدد من النقاط الهامة:
1- إن الإسلام نظام عالمي لكل الأزمنة والأمكنة، وأي إساءة في استخدام هذا التشريع لا تعود للتشريع نفسه، وإنما تعود للأشخاص الذين يسيئون فهمه أو يجهلون أحكامه، من هنا فإن إساءة استعمال التشريع الرباني لا يقتضي إلغاءه، وإعادة النظر فيه، وإنما يقتضي منع تلك الإساءة عبر تنشيط الوازع الديني الذي يؤدي إلى ذلك.
2- إن فتح باب الاجتهاد الذي يتستر وراءه البعض هو أمر غير مقبول، لكون الذين يدعون لهذا المطلب أصحاب أهواء يفتقدون لأدنى صفات المجتهد من جهة، ولكونهم يهدفون إلى ضرب النصوص الشرعية الثابتة في القرآن والسنة خدمة لمصالح غربية معلنة في إعلانات عالمية تهدف إلى تقويض عرى الأسرة الإسلامية من جهة أخرى.
وتعرض لعدد من الحقوق التي أعطتها الشريعة الإسلامية للمرأة والرجل أثناء الزواج، وهي حقوق تقوم على المبادئ التالية:
1- المساواة: قال تعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} البقرة : 228، أي أن كل حق وواجب للمرأة يقابله حق وواجب للرجل، وكلما طالبها بأمر تَذَكَّر أنه يجب عليه مثله، عدا أمر واحد هو القوامة، وتقسم الواجبات بحسب طبيعة كل منهما.
2- القوامة: معناها القيام بشؤون الأسرة ورئاستها وحماية أفرادها.
3- التشاور في شؤون الأسرة ويستمر التشاور حتى بعد الطلاق في شؤون الأولاد.
4- التعامل بالمعروف وحسن المعاشرة لقوله تعالى: (وعاشروهن بالمعروف).
5- على المرأة حضانة طفلها في سنواته الأولى، والإشراف على إدارة البيت والخدم وطاعة زوجها في المعروف.
6- على الزوجين التعاون في تربية الأولاد لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:(كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته)رواه البخاري.
7- على الرجل معاونة زوجته في أعمال البيت، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعاون زوجاته.
أما المطالبة بالمساواة في الحقوق بين المرأة والرجل التي يدعو إليها بعض دعاة التحرر من أتباع الإعلانات العالمية، فيعود لجهلهم بحقوق المرأة في الإسلام وتجاهلهم للاختلافات البيولوجية بين الرجل والمرأة مما دفعهم إلى اعتبار أن العلاقة بين الرجل والمرأة علاقة تماثل لا علاقة تكامل، فتجدهم يصدِّقون ما يقوله غيرهم عن حرمان المرأة في الإسلام من حقوقها، أو يصدقون ما يقوله المستشرقون من ضرورة تأويل النصوص التي لا تتوافق مع الواقع الراهن رافعين بذلك شعار "تاريخية النصوص" أو شعار "التعبير عن واقع حال" بهدف تحويل المضامين وإلباسها اللباس الغربي، وهكذا تصبح قوامة الرجل على بيته وحقه في تأديب زوجته الناشز وحقه في الطلاق مجرد "عبارات تاريخية" أساء الفقهاء تأويلها بهدف "تقييم دور الرجل".
ثم بدأ الكتاب في الرد على شبهات العلمانيين حول الشريعة والمرأة:
الشبهة الأولى: حق تأديب الزوجة
يستند الداعون إلى إبطال صيغة الضرب الموجودة في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة إلى أن قاعدة حق تأديب المرأة "ولا سيما ضربها هي عبارة تاريخية كان لها فعالية جمّة لنقل الذهنية الجاهلية من قتل المرأة إلى التساؤل حول ضربها" وليست قاعدة شرعية.
وللرد على هذا الأمر نورد في البداية بعض الآيات والأحاديث التي ذكرت هذا الأمر، ثم نورد بعد ذلك الرد إن شاء الله تعالى، يقول عز وجل:
{الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا إن الله كان علياً كبيراً}سورة النساء 34.
ويقول عليه الصلاة والسلام في حَجَّة الوداع : (ألا واستوصوا بالنساء خيرا فإنما هنَّ عوانٌ عندكم ليس تملكون منهن شيئاً غير ذلك إلا أن يأتين بفاحشة مبينة، فإن فعلن فاهجروهن في المضاجع واضربوهن ضرباً غير مبرح فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً، إلا أن لكم على نسائكم حقاً ولنسائكم عليكم حقا فأما حقكم على نسائكم فلا يوطِئن فُرُشَكم من تكرهون ولا يأْذَنَّ في بيوتكم من تكرهون ألا وحقهن عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن)رواه الترمذي وصححه وأصله في البخاري.
والملاحظ أن هؤلاء الأشخاص تحت شعار إنسانية المرأة وكرامتها يأخذون من الآية ما يريدون فقط، وهي كلمة الضرب وينسون التسلسل الذي ورد في الآية، حيث ورد في البداية مدحٌ للمرأة المؤمنة الحافظة لحدود الزوج، ومن ثَمَّ ورد ذكر الناشز، فالكلام إذاً يتعلق بنوع خاص من النساء وليس كل النساء، والمعروف أن طبائع الناس تختلف من شخص لآخر وما ينفع الواحد لا ينفع الثاني، ومن عدالة الإسلام أنه أورد العلاج لكل حالة من الحالات، فما دام يوجد في هذا العالم امرأة من ألف امرأة تصلحها هذه العقوبة، فالشريعة التي يفوتها هذا الغرض شريعة غير تامة، لأنها بذلك تُؤثِر هدم الأسرة على هذا الإجراء وهذا ليس شأنه شريعة الإسلام المنزلة من عند الله.
والواقع أن التأديب لأرباب الشذوذ والانحراف الذين لا تنفع فيهم الموعظة ولا الهجر أمر تدعو إليه الفِطَر ويقضي به نظام المجتمع، وقد وَكَلته الطبيعة من الأبناء إلى الآباء كما وكلته من الأمم إلى الحكام ولولاه لما بقيت أسرة ولا صلحت أمة. وما كانت الحروب المادية التي عمادها الحديد والنار بين الأمم المتحضرة الآن إلا نوعاً من هذا التأديب في نظر المهاجمين وفي تقدير الشرائع لظاهرة الحرب والقتال.
قال تعالى: {فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله}سورة الحجرات.
إضافة إلى ذلك فإن الضرب الوارد في الآية مشروط بكونه ضرباً غير مبرح، وقد فسر المفسرون الضرب غير المبرح بأنه ضرب غير شديد ولا شاق، ولا يكون الضرب كذلك إلا إذا كان خفيفاً وبآلة خفيفة ، كالسواك ونحوه.
ولا يكون القصد من هذا الضرب الإيلام وإطفاء الغيظ، ولكن التأديب والإصلاح والتقويم والعلاج، والمفترض أن التي تتلقى الضرب امرأة ناشز، لم تنفع معها الموعظة والهجر، لذلك جاء الضرب الخفيف علاجاً لتفادي الطلاق، خاصة أن نشوز بعض النساء يكون عن غير وعيٍ وإدراكٍ لعواقب خراب البيوت وتفتت الأسرة.
إن سعي بعض الداعي لإبطال مفعول آية الضرب تحت حجة المساواة لن يفيد في إيقاف عملية الضرب إذ إن المرأة ستبقى تُضرب خِفْية كما يحصل في دول العالم الغربي الحافل بالقوانين البشرية التي تمنع الضرب، وتشير إحدى الدراسات الأميركية التي أجريت عام 1987 إلى أن 79% من الرجال يقومون بضرب النساء … (هذا عام 87 فكيف النسبة اليوم) ويقدر عدد النساء اللواتي يُضربن في بيوتهن كل عام بستة ملايين امرأة.
فإذا كان هذا العدد في تزايد في تلك الدول التي تحرّم الضرب، فلماذا لا يوجد في بيئاتنا الإسلامية هذا العدد مع أن شريعتنا تبيح الضرب؟ أليس لأن قاعدة السكن والمودة هي الأساس بينما العظة والهجران والضرب هي حالات شاذة تُقَدَّر بضوابطها وكما قال تعالى في نهاية الآية : {فإن أطعنكم فليس لكم عليهن سبيلاً }.
الشبهة الثانية : حول صيغة الطلاق المعطاة للرجل
يعترض كثير من المعاصرين على كون الطلاق بيد الرجل ويرون في التشريع التونسي حلاً حيث جاءت المادة 31 منه لتقول: "إن المحكمة هي التي تعلن الطلاق بناء لطلب أحد الزوجين بسبب ما حصل له من ضرر، ويُقضى لمن تضرر من الزوجين بتعويض عن الضرر المادي والمعنوي الناجم عن الطلاق".
ويرى أنصار هذا القانون "أنه أكثر ملاءمة باعتباره أكثر إنصافاً. إنه يحرر المرأة من حق يتمسك به الزوج، أصبح جائراً جداً بحقها".
والواقع أن هذه الطروحات حول الطلاق لا تخرج كثيراً عن ما يدعو إليه علماء الغرب وأتباعهم من الكتاب الذين يريدون بذلك تنفيذ القانون المدني الفرنسي، وهنا من المفيد الإشارة إلى النقاط التالية:
-1- إن قبول الزوجين الارتباط الإسلامي يفرض عليهما الالتزام بأحكام الشرع التي لا تخلو من بعض الحقوق التي يمكن للزوجة الخائفة على نفسها من الزوج أن تحمي بها نفسها، كأن تجعل العصمة بيدها وأن تشترط في عقد الزواج شروطاً خاصة.
-2- إن حصر الإسلام الطلاق في يد الزوج إنما يعود لعدة أسباب، أهمها: كونه المتضرر الأول من الطلاق من الناحية المادية، فهو الذي يجب عليه المهر والنفقة لمطلقته ولعياله طوال فترة العدة والحضانة، هذا الأمر يجعله أكثر ضبطاً لنفسه من المرأة التي قد لا يكلفها أمر رمي يمين الطلاق شيئاً.
-3- إن حصر الطلاق بيد الزوج وعدم إعلانه للقاضي إلا في حالات قصوى، إنما يعود لمبدأ التستر الذي يدعو إليه الإسلام لأن" معظم أسباب الطلاق تتمثل في أمور لا يصح إعلانها، حفاظاً على كرامة الأسرة وسمعة أفرادها ومستقبل بناتها وبنيها ".
كما أن حصر الطلاق بيد القاضي أمر أثبتت التجارب عدم جدواه وذلك من نواح عدة منها:
- الفشل في التقليل من نسب الطلاق وهذا أمر أثبتته إحصائيات الطلاق التي سجلت في تونس حيث إن العدد لم ينقص بل على العكس من ذلك، فلقد ارتفع ارتفاعاً ملحوظاً " رغم أن المبرر الذي قُدِّم لانتزاع سلطة الطلاق من يد الزوج وإيكاله إلى القاضي هو حماية الأسرة بإتاحة فرصة للقاضي ليراجع فيها الزوجين ويحاول الصلح بينهما، فإن الواقع يثبت أن نسبة المصالحات الناجحة ضئيلة جداً، فمن بين 1417 قضية طلاق منشورة في المحكمة الابتدائية بتونس في الموسم القضائي 80-81 لم يتم المصالحة إلا في عشر منها، بينما كان الاعتقاد أن تعدد الزوجات وجعل العصمة الزوجية بيد الرجل وعدم تغريمه لفائدة الزوجة هي الأسباب الرئيسية للطلاق وأن القضاء عليها سيقلل من نسب الطلاق، والإحصائيات تثبت أن شيئاً من ذلك لم يحدث".
- لجوء بعض المحاكم الغربية التي تتوكل بنفسها أمور الطلاق في محاولة منها إلى خفض نسبة الطلاق إلى رفض التطليق إذا لم يكن بسبب الزنى، لذلك كثيراً ما يتواطأ الزوجان "فيما بينهما على الرمي بهذه التهمة ليفترقا، وقد يلفقان شهادات ووقائع مفتعلة لإثبات الزنى حتى تحكم المحكمة بالطلاق.
فأي الحالتين أكرم وأحسن وأليق بالكرامة؟ أن يتم الطلاق بدون فضائح؟ أم أن لا يتم إلا بعد الفضائح؟".
الشبهة الثالثة: سلطة الزوج (القوامة)
يعترض المخالفون للشريعة الإسلامية على مبدأ القوامة الذي يطلق البعض عليه لفظ "قيمومية" قاصدين بذلك تعريف القوامة بأنها "تقييم دور الرجل"، فيتساءلون: إن هذه الحقوق الممنوحة للزوج والتي تدعم هذه السلطة أعطته إياها النصوص القرآنية أو أنها تشكل تحديداً "لحالات واقعية" تترجم فكرة " الدور" الخاص بالرجل والذي لا بد من حمايته؟
إن التخليط في فهم مفهوم القوامة إنما يعود لاعتبارهم رئاسة الرجل على المرأة رئاسة تقوم على الاستبداد والظلم، بينما هي في الحقيقة رئاسة رحمة ومودة وحماية من الخوف والجوع، إنه لو كان في الأمر استبداد وتسلط من الرجل على المرأة لكان يحق للرجل أن يمد يده إلى مال زوجته أو يمنعها من أن تتاجر بمالها والإسلام يمنعه من ذلك، أو أن يجبرها على تغيير دينها والمعروف أن الإسلام أباح للمسلم أن يتزوج النصرانية واليهودية مع احتفاظ كل منهما بدينه.
إن هذه القوامة مبنية على كون الرجل "هو المكلف الإنفاق على الأسرة، ولا يستقيم مع العدالة في شيء أن يكلَّف فرد الإنفاق على هيئة ما دون أن يكون له القيام عليها والإشراف على شئونها، وعلى هذا المبدأ قامت الديمقراطيات الحديثة، ويلخص علماء القانون الدستوري هذا المبدأ في العبارة التالية: "من ينفق يشرف " أو" من يدفع يراقب".
هذا هو الأصل، الزوج ملزم بالعمل والمرأة ليست كذلك، إذا أحبت عملت وإذا كرهت جلست، وما أجمل ما قالته إحدى الكاتبات المشهورات "أجاتا كريستي" حيث قالت: " إن المرأة مغفلة: لأن مركزها في المجتمع يزداد سوءاً، يوماً بعد يوم، فنحن النساء نتصرف تصرفاً أحمق، لأننا بذلنا الجهد الكبير خلال السنين الماضية للحصول على حق العمل … والمساواة في العمل مع الرجل، والرجال ليسوا أغبياء فقد شجعونا على ذلك، معلنين أنه لا مانع مطلقاً من أن تعمل الزوجة وتضاعف دخل الزوج ، ومن المحزن أننا أثبتنا، نحن النساء، أننا الجنس اللطيف، ثم نعود لنتساوى اليوم في الجَهْدِ والعرق اللذين كانا من نصيب الرجل وحده".
الشبهة الرابعة: تعدد الزوجات
يعترض أنصار حقوق المرأة على نظام تعدد الزوجات الذي يقره الإسلام ويعتبرون أن فيه إهداراً لكرامة المرأة وإجحافاً بحقها واعتداءً على مبدأ المساواة بينها وبين الرجل، إضافة إلى أن في هذا الأمر مدعاة للنزاع الدائم بين الزوج وزوجاته وبين الزوجات بعضهن مع بعض، فتشيع الفوضى ويشيع الاضطراب في حياة الأسرة، ولذلك هم يَدعون إلى التأسي بتركيا وتونس اللتين ألغتا نظام التعدد وفرضتا نظام آحادية الزواج، مع أن هؤلاء الأشخاص لو اطلعوا على إحصاءات المحاكم في هاتين الدولتين لبدلوا رأيهم أو بعضاً من آرائهم.
إن أبرز نتائج إلغاء نظام التعدد نورده على لسان الغربيين أنفسهم الذين يؤكدون على الخلل الذي أصاب المجتمع نتيجة تزايد عدد النساء بشكل عام، حيث تزايد هذا العدد إلى ثمانية ملايين امرأة في أميركا، وقد أرسلت فتاة أميركية اسمها "ليندا" رسالة إلى مجلس الكنائس العالمي تقول فيها: "إن الإحصاءات قد أوضحت أن هناك فجوة هائلة بين عدد الرجال والنساء فهناك سبعة ملايين وثمانية آلاف امرأة زيادة في عدد النساء عن عدد الرجال في أميركا، وتختم رسالتها قائلة: أرجوكم أن تنشروا رسالتي هذه لأنها تمس كل النساء، حتى أولئك المتزوجات، فطالما أن النسبة بين الرجال والنساء غير متكافئة ، فالنتيجة الأكيدة هي أن الرجال سيخونون زوجاتهم، حتى ولو كانت علاقتهم الزوجية قائمة على أساس معقول".
إن تزايد عدد النسوة عن عدد الرجال له مبررات عدة، منها ما هو طبيعي ومنها ما هو اجتماعي ومنها ما هو خاص.
أما المبررات الطبيعية فتتمثل في القوانين التي تخضع لها الفصيلة الإنسانية فيما يتعلق بالنسبة بين الذكور والإناث، فيما ترجع أهم المبررات الاجتماعية إلى أمرين : أحدهما يعود إلى أعباء الحياة الاجتماعية وتوزيع الأعمال بين الجنسين، وكل ذلك يجعل الذكور أكثر تعرضاً للوفاة من الإناث وأقصرَ منهن أعماراً، وثانيهما: أن الرجل لا يكون قادراً على الزواج بحسب الأوضاع الاجتماعية إلا إذا كان قادراً على نفقات المعيشة لزوجته وأسرته وبيته في المستوى اللائق به...على حين أن كل بنت تكون صالحة للزواج وقادرة عليه بمجرد وصولها إلى سن البلوغ.
بينما تتمثل المبررات الخاصة فيما يطرأ أحياناً على الحياة الزوجية من أمور تجعل التعدد ضرورة لازمة، فقد تكون الزوجة عقيماً، أو قد تصير إثر إصابتها بمرض جسمي أو عصبي أو بعاهة غير صالحة للحياة الزوجية.
فأي الأمور أصلح للزوجة أن تَطَلَّق وهي مريضة تحتاج إلى العناية والاهتمام وينعت الرجل حينذاك بالصفات الدنيئة من قلة الوفاء والخِسَّة، والمثل المعروف يقول "أكلها لحمة ورماها عظمة" أم يكون من الأشرف للزوجة أن يتزوج عليها مع احتفاظها بحقوقها المادية كافة؟
إن نظام التعدد نظامٌ اختياريٌ وليس إجبارياً، وهو لا يكون إلا برضا المرأة، هذا الرضا الذي يحاول كثير من الناس أن ينزعه عن الفقه الإسلامي مدعين بأن الإسلام حرم المرأة من حقها في اختيار الزوج، إلا أن نظرةً إلى هذا الفقه تشير إلى اتفاق الفقهاء على أن المرأة البالغة الثيّب يُشترط إذنها ورضاها الصريحين قبل توقيع العقد، وهذا النوع من النساء هن في الغالب من يرتضين أن يكن زوجات ثانيات، أما المرأة البالغة غير الثيِّب فقد اتفق الفقهاء على أن سكوتها المنبئ عن الرضا يجزئ في صحة العقد، أما إذا كان هناك قرينة على رفضها فهناك خلاف بين الفقهاء، يقول الأحناف أنه لا يجوز لوليها أن يزوجها، بينما قال الشافعية أنه يجوز لولي الإجبار وهو (الأب أو الجد) أن يزوجها ولكن بشروط منها:
1-أن لا يكون بينه وبينها عداوة.
2-أن يزوجها من كفء، والكفاءة معتبرة في الدين والعائلة والمستوى الاجتماعي.
3- أن يكون الزوج قادراً على تسليم معجل المهر.
كل هذا يصح به العقد وإن كان يفضل أن يتخير لها الولي من ترتضيه.
أما بالنسبة للزوجة الأولى فإن الإسلام لم يحرمها رضاها بالزوجة الثانية إذ أباح لها الإسلام إذا كرهت زواج زوجها عليها أن تشترط ذلك عند العقد، فتحمي بذلك نفسها من التجربة.
هذا من وجهة النظر الشرعية أما من ناحية الواقع فإن "الإحصاءات التي تنشر عن الزواج والطلاق في البلاد العربية الإسلامية تدل على أن نسبة المتزوجين بأكثر من واحدة نسبة ضئيلة جداً لا تكاد تبلغ الواحد بالألف.
والسبب في ذلك واضح، وهو تطور الحياة الاجتماعية، وارتفاع مستوى المعيشة، وازدياد نفقات الأولاد في معيشتهم وتعليمهم والعناية بصحتهم"، إضافة إلى خوف الزوج وخاصة المتدين من عدم العدل بين الزوجات، فقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: ((من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وأحد شقيه (خديه) ساقط))رواه أبو داود وصححه الألباني.
وفي ختام الرد على هذه الشبهة تؤكد المؤلفة على أن طرح رفض تعدد الزوجات إنما يخدم أهدافاً غربية تقوم على تحديد النسل بغية إضعاف أمة الإسلام وتقليل عدد أبنائها بحيث لا يشكلون قوة لا يستهان بها في المستقبل.
الشبهة الخامسة: الإرث
إن المطالبة بالمساواة في الإرث بين الرجال والنساء أمر غير غريب على الإسلام، بل إن بوادر هذا الأمر بدأت منذ نزول الوحي، فقد جاء في إحدى الروايات عن أسباب نزول الآية 32 من سورة النساء في قوله تعالى: {ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن، واسألوا الله من فضله إن الله كان بكل شيء عليما) أن أم سلمة رضي الله عنها قالت: "يا رسول الله يغزو الرجال ولا نغزو، ولنا نصف الميراث"رواه الترمذي وصححه الألباني. فلأول وهلة قد يبدو أن الإسلام ظلم البنت إذ جعل لها نصف حظ أخيها من تَرِكَة الأب، إلا أن هذا الأمر ينافي الواقع إذ إن الإسلام كلف الرجل بما لم يكلف به المرأة فهو المسؤول عن نفقتها ونفقة عياله وحتى أخواته إذا لم يكن لهن معيل، بينما لم يكلف الشرع المرأة بأية مسؤوليات، فالمال الذي ترثه من أبيها يبقى لها وحدها لا يشاركها فيه مشارك، فنصيب الابن" معرض للنقص بما ألقى عليه الإسلام من التزامات متوالية متجددة، ونصيب البنت معرض للزيادة بما تقبض من مهور وهدايا".
أما حجة نساء اليوم بأن المرأة تعمل وتنفق على بيتها كالزوج وتشاركه في الأعباء، فلهذا انتفى الحكم التاريخي لهذه الآية، هذا القول هو أمر مرفوض شرعاً حتى لو اتفق الزوجان على كتابة شرط عمل المرأة في العقد، صح العقد وبطل الشرط بخلاف بعض القوانين الغربية ومنها القانون الفرنسي الذي يشترط مساهمة الزوجة في النفقة.
ومن المفيد الإشارة هنا إلى أن قاعدة التنصيف في الإرث المبنية على قوله تعالى: (للذكر مثل حظ الأنثيين) ليست قاعدة مطردة، لأن هناك حالات يتساوى فيها الذكر والأنثى كما في حال تساوي نصيب الأب وهو ذكر مع نصيب الأم وهي أنثى في ميراث ابنهما.
الشبهة السادسة: الشهادة
تطالب الجمعيات النسائية بتعديل القانون اللبناني منسجماً مع الاتفاقيات الدولية التي تدعو إلى إعطاء المرأة الأهلية الكاملة في مركزها وحقوقها القانونية، وهم يرون أن الإسلام يقف عائقاً أمام تساوي الرجل والمرأة في الشهادة معتبرين أن" قضية الشهادة هذه منافية لمبدأ المساواة بين الرجل والمرأة، وأنها مظهر آخر من مظاهر الدونية للمرأة في الشريعة الإسلامية" وللرد على مزاعمهم نؤكد على أن التمييز في الشهادة بين الرجل والمرأة ليست مطلقة، بل هي تختلف من حالة إلى أخرى، وهي على أقسام:
1- شهادة التي لا يقبل فيها شهادة المرأة مطلقاً وهي شهادة القصاص والحدود؛ ذلك لأن هذه القضايا تثير موضوعاتها عاطفة المرأة ولا تقوى على تحملها.
2- شهادة المبايعة والمداينة وهي التي يُطلب فيها شهادة رجلين أو رجل وامرأتين بناء على قوله تعالى : (واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما تذكر إحداهما الأخرى)
وهذا التمييز في هذا النوع من الشهادة ليس تمييزاً عبثياً، وإنما يعود إلى الفوارق الفطرية والطبيعية بين الرجل والمرأة، حيث إن المرأة لقلة اشتغالها بالمبايعات معرضة أكثر من الرجل للضلال الذي هو نسيان جزء وتذكر جزء آخر، ويعود سبب ضلال المرأة أكثر من الرجل إلى طبيعة تركيبة جسمها الذي يجعلها تتأثر بسرعة مما يعرضها لعدم الثبات.
3- شهادة اللعان التي تتساوى فيها شهادة الرجل وشهادة المرأة كما في حال اللعان، وهي الحالة التي يحصل فيها اتهام بالخيانة الزوجية، قال تعالى : (والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين * والخامسة أن لعنت الله عليه إن كان من الكاذبين * ويدرأ عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين * والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين)سورة النور.
4- شهادة الولادة وإحقاق النسب للمولود والرضاعة كلها شهادات التي تنفرد فيها المرأة دون الرجل، كما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم "فقد روي عن عقبة بن الحارث، أنه تزوج أم يحيى بنت أبي أهاب. فجاءت امرأة وقالت: "لقد أرضعتكما" فسأل عقبة النبي صلى الله عليه وسلم فقال : كيف وقد قيل ؟ ففارقها عقبة، فنكحت زوجاً غيره"رواه البخاري.
يتبين لنا مما سبق أن وجوب وجود امرأتين في الشهادة مع رجل واحد، هو أمر خاص في المداينة فقط دون سائر أنواع الشهادات مما ينفي وجود تمييز في الحقوق بين الرجل والمرأة، ومما ينفي المساس بكرامة المرأة بل جُلَّ ما في الأمر أن الدين الحنيف يهدف إلى توفير الضمانات في الشهادة وزيادة الاستيثاق لإيصال الحق إلى أصحابه.
وتختم المؤلفة هذا البحث القيم مؤكدة أن الإسلام أعطى المرأة حقوقاً وفرض عليها واجبات يجب عليها مراعاتها عندما تطالب بأي حق يمكن أن لا يتناسب مع ما فرضه عليها الإسلام، من هذه الحقوق تلك التي تطالب الاتفاقيات الدولية بها والتي يتعارض تطبيقها مع الشريعة الإسلامية في عدة نواح منها:
1-كونها لا ترضي المرأة المسلمة لأن جُلَّ ما تطالب به من حقوق قد مارستها المرأة المسلمة منذ أربعة عشر قرناً.
2-إن الحقوق التي شرعها الإسلام للمرأة هي ثابتة لأنها موثقة بآيات قرآنية وبأحاديث نبوية شريفة وهي بالتالي ملزمة للرجل والمرأة على حد سواء.
3-إن هذه الاتفاقيات أغفلت ناحية هامة هي الناحية الروحية والعقائدية.
4-إن حقوق المرأة في الاتجاهات الدولية هي حقوق غير ثابتة لأنها من وضع الإنسان.
5-إن هذه الاتفاقيات بمجمل موادها أغفلت الخصائص المميزة لكل شطر من شطري النفس الواحدة أعني الذكورة والأنوثة والاختلافات الجسدية والفيزيولوجية منها.
مشيرة إلى المؤامرات التي تهدف إلى تدمير المرأة المسلمة، عبر تدمير أسرتها ودفعها إلى مخالفة فطرتها، فالاتفاقيات الدولية لا تهتم بسعادة المرأة أو شقائها، وإنما تهتم بقضايا أكبر تطال الدول الكبرى التي وضعتها والتي من أهمها تحديد النسل في الدول النامية؛ حتى لا تشكل في المستقبل قوة تشكل خطراً عليها، وهذا الأمر أكد عليه "هنري كيسنجر" مستشار الرئيس الأميركي الأسبق عام 1974م. عندما قال: "إن هناك 13 دولة من بينها ست دول مسلمة ذات كثافة سكانية عالية وللولايات المتحدة فيها مصالح سياسية وإستراتيجية؛ لهذا لا بد من تنفيذ سياسات لخفض سكانها حتى لا تصبح أكثر قوة مما هي عليه الآن".
عرض كتاب" شبهات حول حقوق المرأة في الإسلام"
- التفاصيل