الكتاب: حقوق الإنسان غاية الشريعة
المؤلف: الدكتور خير الدين عبد الرحمن
عدد الصفحات:189 صفحة من القطع الكبير
الناشر: الهيئة السورية العامة للكتاب – دمشق - سوريا
عرض: محمد بركة
لقد شهدت السنوات الأخيرة تصعيدًا هائلاً وغير مسبوق في شراسة الحملة المعادية للإسلام على امتداد العالم، والتي اشتهرت بمصطلح "الإسلاموفوبيا" الذي يعني: الخوف من الإسلام. وكان أبرز أسلحة هذه الحملة الافتراء الذي يزعم أن الإسلام بطبيعته معادٍ لحقوق الإنسان. وقد رافق هذه الحملةَ -للأسف- تراجعٌ واضح في وزن وفعالية العالم الإسلامي عمومًا على الصعيدين الذاتي والعالمي؛ وبالتالي كان تصديه لها واهنًا.
إن الإنصاف يبدأ بنقد الذات، لا نستطيع مثلاً أن نتغافل في هذا الصدد عن حقيقة أن "الميثاق العربي لحقوق الإنسان" الذي أقره مؤتمر القمة العربية في تونس لا يزال ينتظر التزام حكومات دول أقر ملوكها أو رؤساؤها ذلك الميثاق، حيث لم يُصَدِّق عليه حتى كتابة هذه السطور -بعد خمس سنوات من تلك القمة- سوى عشر دول فقط، أي أقل من نصف مَن أقروه! فهل يُعقل أن يكون هذا هو التعامل مع ذلك الميثاق من قِبل واضعيه في الوطن العربي، موئل الإسلام؟ مع ذلك، لا نغفل الإشادة باستثناءات من الإنجاز والتقدم على درب احترام الإنسان وحقوقه في عدة بلدان إسلامية، بما ينسجم مع جوهر الإسلام. كما لا نتجاهل كيف تستغل حملات صهيونية وغربية منظمة أساليب تعامل بعض السلطات في البلدان الإسلامية مع شعوبها لتكرس تشويه سمعة العرب والمسلمين. وتتجاوز هذه الحملات مسئولية مرتكب الانتهاكات، سواء أكانت انتهاكات صحيحةً أو مزعومةً، حقيقيةً أو مضخَّمةً، لتركز هجومها على الإسلام عقيدةً وشريعةً وفكرًا، مروِّجة –زورًا وبهتانًا- أن تلك الانتهاكات ترجمة لأحكام دينية؛ بينما يعتبر الإسلام حقوق الإنسان من الفطرة التي فطر الله عز وجل عليها بني آدم؛ حبًّا للخير وسعيًا إليه، ونزوعًا إلى السلم والحرية، ورفضًا للظلم والعدوان.

مفاهيم رئيسة حول حقوق الإنسان

يرى المؤلف أنه من المعلوم أن الشريعة هي ما شرع الله من نظمٍ وأحكامٍ، أو أصولها، وكلَّف المسلمين إيَّاها لتحكم علاقتهم بالله وعلاقاتهم فيما بينهم. وهي تدخل تحت عنوانين رئيسين: العبادات، والمعاملات؛ وَفقَ عامة الفقهاء، لكن المؤلف يأخذ بهدي الحديث النبوي(*) الذي اختَصَر بإعجازٍ واضحٍ "الدينَ" بكلمةٍ واحدةٍ هي "المعاملة" باعتبار العبادات أيضًا من تعامل العبد مع خالقه.

والشريعة في تراثنا العربي الإسلامي تعني القانون، والمجتهد في الشريعة هو عالم بالقانون الإسلامي بالضرورة، لا رجل دين كما شاع تسميته في استنساخ خاطئ للرهبنة المسيحية، فلا رهبانية في الإسلام، ولا وسيط بين المرء وخالقه. لذلك لم تعرف الدولة العربية الإسلامية مفهوم "الدين والدولة" بالمفهوم الأوربي، ولا عَرَفت سلطة دينية وأخرى مدنية، أو تشريعًا دينيًّا وآخر دنيويًّا، كما كان حال أوربا في ظل صراع سلطة كنسية وسلطة مدنية لكل منها تشريعها الخاص. فليس في أصول الإسلام وتطبيقاته ازدواجية الفكر والتشريع والسلطة، وهذا ينسف استنساخ المنبهرين بكل ما هو غربي لمقولة "فصل الدين عن الدولة" في المجتمع الإسلامي.

كما يبين المؤلف اهتمام علماء أصول الفقه الإسلامي باستنباط مقاصد الشريعة عبر دراسة عميقة للنصوص التي تشكل التشريع، وعلاقتها فيما بينها، وبنصوص تبين العقيدة، وأخرى ترسم أخلاق المؤمن الفرد ومجتمع المؤمنين.

استنبط العلماء المقاصد الكلية من فهم الأحكام الشرعية التي توجهها تلك المقاصد، استنباطًا للكليات من الجزئيات، ثم عودة إلى الجزئيات لإعادة فهمها في ضوء تلك الكليات المستنبطة منها، فالعلاقة تفاعلية بين الكلي والجزئي، مما يفتح آفاقًا متجددة، ويتيح تعديل الجزئيات على ضوء مستجدات الدراسة المتكررة والمتعمقة وتطبيقاتها، وتحولات الزمان والمكان والإنسان والأحوال.

والإسلام يحتم تعانق الشريعة والعقيدة، بحيث لا تنفرد إحداهما عن الأخرى، على أن تكون العقيدة أصلاً يدفع إلى الشريعة، والشريعة تلبية لانفعال القلب بالعقيدة، كما قال الشيخ/محمود شلتوت شيخ الأزهر الأسبق.

كما يورد المؤلف تنبيهًا للدكتور/سلمان العودة إلى أن بحث المقاصد لا يزال بحاجة لمزيد من التقعيد والضبط والنشر المتوازن، وإن كان الشاطبي سبق إلى درسه، وتوارد عليه من بعده الباحثون، وكان من أكثر البحوث المتأخرة فيه تجويدًا كتاب الإمام الطاهر بن عاشور في مقاصد الشريعة، كما توسع في استنباط المقاصد وتطبيقها الشيخ/عبد الله بن بيه في كتابه (علاقة مقاصد الشريعة بأصول الفقه). وسيظل يتطرق إليه أهل العلم في مصنفاتهم التي تحتاج إلى نظر متوازن بين المصالح والمفاسد، مثل: أبواب السياسات الشرعية، كما في كتب الماوردي وأبي يَعلَى وابن القيم وغيرهم، وكان الإمام الجويني من أبرز معتمدي هذا المعنى في تفصيل المسائل الحادثة. وقد كُتبت أبحاث متفرقة في فقه الموازنات أُدرجت ضمن أبحاث أوسع في (فقه الأولويات)، كما فعل العلامة الدكتور/يوسف القرضاوي. وأوصى الدكتور/العودة الباحثَ المعاصر بالتوسع في دراسة هذا الموضوع بالانفتاح على عدد من العلوم الحديثة، فالحياة شيء واحد متصل بعضه ببعض، وتوجب ثورةُ المعلومات الانتفاعَ بالمنجزات المعرفية، والتجارب البشرية في العلوم العديدة.

أما عن "الحق" فيورد المؤلف أنه نقيض "الباطل"، وقد تعددت معاني هذا المصطلح، فالحق هو الثابت في نفس الأمر، وما يثبت يقينًا أنه قد وقع، أو هو واقع حاليًّا، أو سوف يقع بالتأكيد، فالموت حق، والحساب في يوم القيامة وما يستتبع من عذاب أو ثواب أو مغفرة وعفو كل هذا حق، والحق كذلك من أسماء الله عز وجل. وفي سياق آخر: الحق هو صدق الخبر أو الحكم ومطابقته للواقع. والحق يعني الصواب والمشروعية والمعقولية والمطابقة لمقتضى الحكمة، وهو أيضًا وضع الشيء في موضعه الذي هو له، كما في قوله عز وجل: {ويمحو اللهُ الباطلَ ويحقُّ الحقَّ بكلماتِه} (الشورى:24). ويعني الحق أيضًا الامتياز والحصّة والنّصيب.

ثم يبين تعريف الحق من وجهة النظر القانونية، فيرى أنه ما طابق فعلُه قاعدةً محكمةً، أو هو ما تسمح القوانين الوضعية بفعله. وللتعامل مع الحقوق فقه يهتم بالتمييز بين حق وآخر، وبالموازنة بين هذا الحق وذاك، مثل تمييز حقّ الثابت عن حقّ المتحول، أو حقّ الضروريّ القطعيّ عن حقّ الاجتهاديّ الظنيّ، أو حقّ الأصول عن حقّ الفروع. ويجمع هذه قوله سبحانه وتعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} (إبراهيم: 24، 25)، فقرّر الأصل، وسمّاه (الثابت)، وهو أصل الدين الجامع الذي به قوام الملّة واجتماع الأمّة من الأركان الخمسة للإسلام، والأركان الستة للإيمان، ومنزلة الإحسان، ومكارم الأخلاق، وأصول المحرّمات المجمع عليها، بينما تتعدد الفروع وتتجدد وتتباين. كذلك هو شأن ضرورة الموازنة في تعددية الانتماء، بين حقّ الأسرة، وحقّ الجماعة، وحقّ المجتمع، وحقّ الوطن، وحقّ القُطر، وحقّ القبيلة، وحقّ المذهب، وحقّ الأمة، فلا يلغي شيءٌ منها شيئًا، ولا يوغَل في تحقيقه بما يجور على ما سواه، ولا يعتبر الانتساب لشيء مما هو منها مباح نقضًا لانتساب إلى آخر هو مباح أو مطلوب أيضًا. بل والموازنة أيضًا بين ما هو ماضٍ أو بائد، وما هو قائم وآنيّ، وما هو متوقع ومستقبلي، كما بين الدكتور سلمان العودة.

تصنّف الحقوق عمومًا -وَفقَ التعامل القانوني السائد عالميًّا- إلى حقوق عامة وحقوق خاصة، كما تصنف الحقوق العامة إلى حقوق سياسية -تتعلق بمساهمة المواطنين في تكوين الإدارة العامة الجماعية- وحقوق مدنية (أو حقوق الشعب، حقوق الحرية، الحقوق الاجتماعية، حقوق المواطنين الأساسية) وهي تتعلق بالفرد بصفته عضوًا في الدولة، وتتعامل مع ما تلتزم الدولة بتوفيره للمواطنين من خدمات ومزايا وضمانات بما يكفل حماية الحريات والحقوق العامة، وعدم تقييدها إلا بقانون وفي أضيق الحدود وأمس الحاجات.

وأوضح أن الشرع الإسلامي أقر جملة حقوق امتاز بها عن غيره، مثل: حق الجار الذي بلغت أهميّته حد اعتبار النبي صلى الله عليه وسلم إياه سبيلاً لتحقيق الإسلام بقوله: "وأحسن مجاورة مَن جاوَرَك تكن مسلمًا"، وحق الأسير، وحق اللجوء السياسي والأمني الذي قرره القرآن الكريم بحضّه على إجارة المستجير ورعايته وحمايته واحترامه، وحق مقاومة الجَوْر، كما قال صلى الله عليه وسلم: "مَن رأى منكم منكرًا فلْيغيرْه بيده، فإن لم يستطع فبلسانه..."، وحق اليتيم، وحق اللقيط، والحق في اختلاف الرأي، وحق المستضعفين، وحق الطريق... كل هذا في إطار الحرص على العدل، الذي إذا ظهرت أماراته بأي طريق مشروع؛ فذاك شرع الله ودينه، كما قال ابن قيم الجوزية.

وحرّم الإسلام الاعتداء على حقوق الآخرين، أفرادًا كانوا أو جماعات، وأنذر المعتدين بعقاب شديد؛ قال نبينا صلى الله عليه وسلم: "من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه فقد أوجب الله له النار وحرم عليه الجنة" فقال رجل: وإن كان شيئًا يسيرًا يا رسول الله؟ فقال صلى الله عليه وسلم: "وإن كان قضيبًا من أراك".

وكما تكلم عن الحق تناول الواجب، والحق الإلهي، والحق الطبيعي، والحق المكتسب، والحريات الأساسية، والمسئولية، والتحيز، والتمييز، والعنصرية، وحقوق الله وحقوق الناس وغير ذلك.

وخلص إلى تصنيف الفقهاء للحقوق عمومًا في ثلاثة أصناف: الأول: هو حق خالص لله، والثاني: يشتمل على حق لله، وحق للفرد، ولكن حق الله فيه أغلب. والثالث: يشتمل على حق الله، وحق الفرد، وحق الفرد فيه أغلب.

ثم تناول البعد الشرعي والثقافي، فبحث: منشأ حقوق الإنسان، ومصادرها، ومقوماتها، والحقوق بين القيم الأخلاقية والقانون، وما بين مقاصد الشريعة وحقوق الإنسان والعقوبات، وحقوق تقابلها واجبات، وحقوق الإنسان بين الفلسفة والعقيدة والسياسة.

كما بحث البعد السياسي، مثل: التضييق على حقوق الإنسان، والحقوق بين الأنظمة الشمولية والأنظمة الليبرالية والنظام الإسلامي، وأزمة حقوق الإنسان، والعقد الاجتماعي بين المواطن والسلطة، وفاعلية الميثاق العالمي لحقوق الإنسان، ودور منظمات حقوق الإنسان، والرقابة العامة ونظام الحسبة.

أما عن البعد الاقتصادي والاجتماعي، فتناول: الأمن الغذائي وحقوق الإنسان، وحق المواطنة، والأمن الاجتماعي، والتمييز العنصري، والسلم الأهلي، ودور مؤسسات المجتمع الأهلي.

ولم يغفل البعد التربوي، فتناول: العولمة وتنميط الإنسان، وانتهاك الخصوصيات الثقافية، والمعرفة كحق إنساني، ومخاطر احتكار العلم، ووجهة الإنتاج العلمي والهيمنة السياسية والعسكرية، والمعرفة والارتقاء بأدوات الإنسان وخصائصه، وتوازن الحقوق مع الواجبات، وواجب بناء إنسان، وضمانات حقوق الإنسان.

المؤلف:

والمؤلف هو خير الدين عبد الرحمن، وُلد في فلسطين سنة 1945م، واقتلعته الغزوة الصهيونية منها سنة 1948م. وقد حصل على درجة الدكتوراه في العلاقات الدولية، وأنجز دراسات عليا في الإدارة والإستراتيجية. وكان رئيسًا لتحرير صحيفة "فتح" اليومية ومجلتي: "المسيرة"، و"الأشبال" (1970-1973م). وكان سفيرًا لفلسطين في السودان وإثيوبيا وباكستان وسريلانكا وكينيا (1973-1989م. وعمل مستشارًا لجامعة جنوب الباسفيك في لوس أنجلس بكاليفورنيا منذ 1985م.

وقد أسس مركز القرن الحادي والعشرين للدراسات الدولية في ليماسول بقبرص 1991م. وهو عضو اتحاد الكتاب العرب والاتحاد العام للكتاب والصحفيين الفلسطينيين، وعضو لجنتي التحكيم لـ: جائزة الباسل للإنتاج الفكري في مجلس مدينة حلب، وجائزة البحث العلمي لرابطة الحقوقيين بحلب.

ومن كتبه المنشورة بالعربية: الثورة الفلسطينية 1971م، الصخرة والبحر 1980م، الوجيز في علم السياسة 1986م، سؤال الثقافة..سؤال المصير (مع آخرين) 1995م، أسلحة القرن الحادي والعشرين 1995م، القوى الفاعلة في القرن الحادي والعشرين 1995م، آسيا مسرح حرب عالمية محتملة 2001م، العرب والعالم اليوم (مع آخرين) 2005م، تصدعات في القلعة الأمريكية 2006م، الهلاك (بالاشتراك) 2009م، الحوار أولاً..الحوار دائمًا 2010م، حقوق الإنسان غاية الشريعة.

أما كتبه التي ما زالت تحت الطبع فنذكر منها: الماضي يغزو مستقبلنا، كرامة المواطن أساس المواطنة، جذور تراثية لوعي بيئي مغيب، مستقبل المدن العربية، التكامل مع المستقبل، أوراق تتوق إلى النور، تنمية البشر قبل الحجر، نهوض الأمة بنهوض الثقافة، سباق بين الأمل والكارثة.

وله كتب منشورة باللغة الانجليزية، كما نَشَرت له مجلات عربية وأوربية وآسيوية وإفريقية موضوعات في الشئون الفكرية والدينية والسياسية والإستراتيجية والحضارية والتراثية، بالعربية وبالإنجليزية، وترجم بعضها إلى اللغات الأمهرية والسواحلية والأردية والتاميلية والسنهالية.

(*) "الدين المعاملة" ليس حديثًا عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا أصل له في كتب السنة، وقد ذكره الشيخ الألباني -رحمه الله- في مقدمة المجلد الخامس من "سلسة الأحاديث الضعيفة" ص 11، وقال عنه: "لا أصل لذلك، ولا في الأحاديث الموضوعة!"، وسُئل عنه الشيخ ابن باز -رحمه الله- فقال: "هذا ليس بحديث، إنما هو من كلام الناس".

JoomShaper