لها أون لاين
المفكرون والمجددون في حياة الأمة كالعلامات المضيئة التي تنير الطريق للسائرين، لذلك كان من الأهمية بمكان أن نعرف حياة هؤلاء المجددين في جميع جوانبها، لنستفيد منها، ونربي الأجيال عليها حتى نخرج جيلا يجدد للأمة شبابها ومجدها، لكن للأسف الشديد في كثير من الأحوال عند تدارس سير هؤلاء المصلحون يغفل المؤرخون عن إبراز الدور الذي لعبته المرأة في حياتهم على الرغم من أهمية هذا الدور، هذا الإغفال يرجع إلى عدد من العوامل ليس مجال بسطها الآن، ومن هنا تأتي أهمية الكتاب الذي بين أيدينا "المرأة في حياة إمام الدعوة، الشيخ محمد بن عبد الوهاب" ، لمؤلفه الشيخ"حمد الجاسر".
الدفاع عن حقوق المرأة من أسس التي قامت عليها الدعوة الوهابية:
ويؤكد المؤلف في مقدمة كتابه أن من أسس دعوة الشيخ محمد - رحمه الله - إنصاف المرأة، والدفاع عن حقوقها،  فقد كان بعض الناس في عهده يتحايل بطريقة الوقف أو الهبة أو القسمة لحرمان النساء من حقهن تحايلا، فوصف الشيخ هذا (بالجنف والإثم) وشدد النكير على فاعله، وأقام الأدلة الشرعية على بطلانه.
كما كان للمرأة دور فاعل في الدعوة والبذل والتضحية، ومن  الأمثلة الحية لمشاركة المرأة في جميع الأعمال النافعة، حتى في مقارعة الأبطال، ومجالدة الأعداء بأدوات القتال، "غالية البقمية"، فقد كان لشجاعتها وقيادتها الأثر العظيم في مؤازرة أنصار الدعوة، حتى انهزم جيش طوسون بن محمد علي باشا في وقعة تربة سنة 1229هـ (1813 م)، ثم تصدت مع المجاهدين لحرب جيش محمد علي حين غزا تربة؛ ليثأر لهزيمة ابنه بشجاعة نادرة. أثارت حفيظة الباشا الذي تمنى أن يقدر على إمساكها بعد انهزام جيشها وذهابها إلى الدرعية سنة 1230هـ بعد هزيمة وقعة بسل، وقال عنها المؤرخ المصري محمود فهمي المهندس في كتاب "البحر الزاخر": وتكدر محمد علي باشا كثيرا من هرب غالية ونجاتها من يده؛ لأنه في اشتياق زائد لإرسالها إلى القسطنطينية، علامة وشهرة على نصره وظفره. انتهى.

نساء في حياة الدعوة
هناك العديد من الناس اللاتي كان لهن دور بارز في دعوة الشيخ محمد ابن عبد الوهاب، ومن هؤلاء النسوة:
زوجة الإمام محمد بن سعود: وهي أول امرأة تحدث مؤرخو نجد عن مناصرتها لدعوة الشيخ هي موضي بنت بن وهطان، زوجة الأمير محمد بن سعود. فهي من حثت زوجها على قبول الدعوة، ومناصرة إمامها تلك المناصرة التي عادت بخير العوائد وأعظم النتائج.

ومنهن ابنة محمد بن سعود: وكانت شاعرة و ذات همة عالية وشجاعة، وتطلع إلى معالي الأمور، وتحرض على مجاهدة أعداء الدعوة. وهي من قالت تدعو لجهاد ابن معمر وهو يهاجم الدرعية من العيينة في أول دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - في الدرعية:
تشوق عيني سرية ابن معمر *** تطل على الزلال كل عشية
يابوي شف للخيل خيل مثله ***  وإلا فخل إمارة الدرعية

ومنهن زوجة الشيخ محمد بن عبد الوهاب واسمها "الجوهرة بنت عبد الله بن معمر" : ولها في سبيل نشر الدعوة - يدان كريمتان.  اليد الأولى: أنها قبل زواج الشيخ بها كانت سبباً في إنقاذ حياة محمد بن سعود بن محمد بن مقرن الذي قام بنصرة الشيخ ومؤازرته في نشر الدعوة، وسار أبناؤه وأحفاده من ملوك آل سعود على نهجه حتى حقق الله لتلك الدعوة الظهور والانتشار في جميع أنحاء العالم.  واليد الأخرى للجوهرة تقوية الصلة بين زوجها الإمام محمد، وبين ابن أخيها الأمير عثمان، وحقاً ما قال الدكتور عبد الله الصالح العثيمين: "وحين وصل محمد بن عبد الوهاب - إلى العيينة رحب به أميرها وأكرمه - إلى أن قال -: وازدادت علاقة الاثنين توطدا بزواج الشيخ من الجوهرة بنت عبد الله بن معمر، ويبدو أن زواجه منها لم يكن لشهرة أسرتها فقط، وإنما لسمعتها الاجتماعية الخاصة أيضاً".

ومنهن  بنات الشيخ وهما شائعة وهيا:  وقد تزوجت الأولى من عبد العزيز ابن الإمام محمد بن سعود، وأما الثانية من بنات الإمام: فقد تزوجت عالمين آزرا الدعوة الإصلاحية في إبان قيامها، وشاركا القائمين بها في نشرها والدفاع عنها، ولازما الشيخ وعاشا معه في الدرعية. ، هما الشيخان: حمد بن إبراهيم بن حمد بن عبد الله، ومحمد بن غريب، وقد أنجبت ابنة الشيخ الثانية من زوجها حمد ابنان هما: إبراهيم الذي نشأ في بيت جده  الإمام بعد وفاة أبيه، وتلقى العلم على علماء الدرعية في العهد الذي كانت فيه حافلة بالعلماء، ثم تولى قضاء بلدة مراة حتى استشهد في وقعة الماوية في جمادى الآخرة سنة 1232 هـ.   والابن الثاني هو عبد العزيز و كان صاحب عقل راجح، وفكر ثاقب، ولسان بليغ، لذا اختاره الإمام سعود سفيرا إلى محمد علي باشا صاحب مصر سنة 1230هـ حين وقع الصلح بين عبد الله وبين طوسون، وكان ممن اجتمع به في مصر المؤرخ عبد الرحمن الجبرتي، فقال عنه وعن رفيقه: عبد الله بن محمد بن بتيان: "وقد اجتمعت بهما مرتين فوجدت منهما أنسا وطلاقة لسان، واطلاعا وتضلعا ومعرفة بالأخبار والنوادر، ولهما من التواضع وتهذيب الأخلاق، وحسن الأدب في الخطاب والتفقه في الدين، واستحضار الفروع الفقهية، واختلاف المذاهب فيها ما يفوق الوصف، واسم أحدهما عبد الله، والآخر عبد العزيز وهو الأكبر حسا ومعنى".

لقد كان للمرأة دور رئيس داخل الدعوة الوهابية، فاق في بعض المراحل دور الرجال، فقد جاهدت وطلبت العلم، وكانت قدوة في بيتها ومحل استشارة زوجها، ومعينة له وكان من نتاج هذا الدور الفعال أن أصبحت دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب ملأ السمع والبصر وانتشرت في ربوع الأرض.

JoomShaper