تُتهم مجتمعاتنا بأنها تنتقص من حق المرأة في التعليم والثقافة والإبداع. ولكن هناك من لا يسلِّم بهذا من حيث أن النقص في ثقافة المرأة لا يقتصر على مجتمعاتنا وحسب بل هو سمة المجتمعات قاطبة بما فيها الغربية الحديثة. والدليل على ذلك استئثار الرجال بالنصيب الوافر من الأفكار والنظريات والمبادئ، وبالمخترعات والمكتشفات المختلفة، وحظ النساء من ذلك قليل. وسرعان ما يأتي الرد بأن تلك المجتمعات على الأقل قد شرعت في عملية التغيير، وقد قطعت أشواطا كبيرة فيها، أما مجتمعاتنا فلا زالت تراوح مكانها أو تسير ببطء شديد، والبون شاسع جداً
ومن اجل الإنصاف وإحقاق الحق فان مثل هذه الردود اعتراف ضمني بوجود النقص في ثقافة المرأة وقلة إنتاجها، وكل ما هنالك أننا نقارن أنفسنا بغيرنا لنبين أننا لسنا الوحيدين أو لنشير إلى الفرق في المستوى. ولكن السؤال الحقيقي الجدير بالطرح هو هل هذا النقص بسبب الثقافة السائدة أم بسبب المعتقدات؟ أو بمعنى آخر هل هو بسبب الإسلام أم بسبب سوء تطبيقنا للإسلام وابتعادنا عن أفكاره الحقيقية
الحق أن المرأة تعاني في مجتمعاتنا من نقص الثقافة والعلم سواء من حيث الإنتاج أو التلقي. هناك أسباب عالمية تعوق إبداع المرأة وتثقفها وهناك أسباب خاصة بنا، لكن النقطة الهامة التي لا بد أن نشير إليها هي أن الإسلام بريء مما نحن فيه، ولقد تسببنا في ظلم الإسلام كما تسبب فيه غيرنا. أما نحن فبسوء التطبيق، وأما الآخرون فبمحاولتهم إلصاق تخلفنا وجهلنا بالإسلام وانه المعوق الحقيقي للتقدم
العلاقة بين نقص العقل ونقص الثقافة
من الأسباب التي تؤدي إلى نقص الثقافة القول بان التفكير هبة وراثية لا سبيل إلى تطويرها أو تحسينها، وهذا يشمل كلا من المرأة والرجل. وقد ثبت خطأ هذا التوجه، وتبين أن التفكير مهارات يمكن تعلمها وتعليمها ويمكن الإبداع في ذلك بالتمرين والممارسة. كما تبين خطأ التوجه الآخر المتعلق بكون التفكير لا يكون إلا في المخترعات والأمور المعقدة، وتبين أن التفكير هو أساس حياتنا اليومية وانه كما يكون في الأمور المعقدة فانه يكون في الأمور البسيطة، وانه يشمل أمورا أخرى
تلك هي بعض العقد التي تتسبب في نقص الثقافة والإبداع في المجتمعات وهي ليست خاصة بنوع دون آخر. لكن المرأة لها طبيعة تكوينية تتعلق بجسدها وما لذلك من تأثيرات نفسية، وهي المتعلقة بالحمل والولادة ورعاية الأطفال. وهذه قد تفرض وقائع تحول دون أن تتفرغ المرأة لأعمال أخرى يمكنها أن تبرز فيها مواهبها أو أن تتلقى ما أنتجه غيرها، وهذا أيضا يمكن أن ينطبق على أي مجتمع، وإن كانت المجتمعات تتفاوت في طريقة التعامل معه
لكن العقدة الكبرى الخاصة بمجتمعاتنا والمتعلقة بالمرأة بشكل خاص هي القول بان المرأة ناقصة عقل، وما يترتب على ذلك من الإحباط وفقدان الثقة في اكتساب الثقافة وفي إبداعها. وهذا التوجه مبني على حديث صحيح عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد تطرق الكثيرون إلى هذا الحديث بتوجهات مختلفة، وتمسك به أعداء الإسلام ليطعنوا من خلاله في موقف الإسلام من المرأة وانه سبب جهلها وتخلفها الثقافي والعلمي. وهذا القول خاطئ من عدة وجوه :
·العقل في القرآن والسنة يعني التفكير من اجل إدراك العاقبة واتباع الصراط المستقيم، ولهذا فان من لم يدرك عاقبة أمره وكان مصيره النار فهو ناقص عقل سواء كان رجلا أو امرأة
·يتعرض الحديث لأعمال تقوم بها النساء قد يترتب عليها عقوبة النار وهي كثرة اللعن وكفران العشير والفتنة. هذه الأعمال من أمارات نقصان العقل، لكنها ليست خاصة بالمرأة دون الرجل، فمن يقوم بها فهو ناقص عقل سواء كان رجلا أو امرأة.يشير الحديث إلى أن المرأة قد تفتن الرجل اللبيب، وفي هذا إشارة إلى قدرة المرأة والى نقص عقل الرجل الذي وقع في المطب على الرغم من ذكائه.
نفى القرآن صفة العقل عن كثير من الكفار، ومعلوم أن فيهم الأذكياء والعباقرة والعلماء. قال تعالى )وإذا قيل لهم اتبعوا ما انزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا، أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون(، وقال )صم بكم عمي فهم لا يعقلون( البقرة 170-171. فأين نقصان العقل من ذهابه كله فالحديث لا يدل على أن نقصان العقل أمر فطري في المرأة، بل هو متعلق بعوامل مؤثرة فيه. كما أن نقصان العقل ليس شيئا خاصا بالمرأة، بل يمكن أن ينطبق على الرجل أيضا. والإسلام يعتبر أن المرأة والرجل سواء أمام التكاليف الشرعية من حيث الأداء والعقوبة، فلو كانت المرأة ناقصة عقل بالنسبة للرجل، فكيف يكون أداؤها وعقوبتها بنفس المستوى الذي للرجل، وناقص العقل لا يُكلَّف بمثل ما يُكلَّف به من هو اكمل منه عقلاً، ولا يُحاسب بنفس القدر الذي يُحاسب به.
من هنا نخلص إلى أن المعوقات الحقيقية التي تعيق المرأة عن الإبداع الثقافي هي من واقعنا ومن الأفكار الخاطئة التي نحملها. وينبغي علينا أن نعمل على إزالة هذه المعوقات بالتثقيف العملي الصحيح والمكثف والمصحوب بالتطبيق والممارسة. كما ينبغي على المرأة أن تبدع في الطرق التي تمكنها من التوفيق بين المعوقات الحقيقية والطريق إلى الإبداع، وان يكون التركيز على المعوقات الحقيقية وليس الوهمية مثل نقصان العقل وفقدان الثقة وغير ذلك. وسوف نكون في حاجة ماسة إلى طرق إبداعية لعملية التوفيق هذه طالما أنها مشروعة ولا تؤثر في تحقيق أهدافنا الأخرى
عزيز محمد أبو خلف