إنها إحدى قواعد الرياضيات البسيطة، أن الصفر إذا وُضع على يسار الرقم ما أضاف إليه شيئًا؛ فالرقم (9) تسعة مثلًا، لو أضفنا له أي عدد من الأصفار عن يساره هكذا: (00009)؛ لظل كما هو تسعة؛ فما أضاف له الصفر شيئًا.
فالرقم تسعة هو الحياة التي نعيش فيها، هي الأمة التي نحيا بداخلها، هو كل ما يحيط بكِ، ولكن منا من يصير شخصًا ذا قيمة، وذا أثر، ومنا من يكون صفرًا على الشمال، لا أثر له في الحياة؛ وكما قيل: (إن لم تضف شيئًا للحياة؛ كنت أنت زائدًا عليها).
فإليكِ هذه الشخصية ـ صفر على الشمال ـ حتى ننظر في أنفسنا ونصلح منها، ونتغير إلى الأفضل والأفضل، فأمتنا قد اشتكت كثيرًا من سلبية أبنائها، وقد قال الله جل وعلا: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الرعد: 11].
مظاهر وأعراض:
أولًا ـ السلبية مع الذنب:
هل هناك سلبية مع الذنوب؟ نعم أخيتي، السلبية مع الذنب موجودة، وهي مظهر من مظاهر السلبية، فالذي ابتلاه الله تعالى بالوقوع في أحد الذنوب، وحاول مرة أو مرتين أن يكف ويمتنع، ولكن إذ به يفشل؛ فرفع راية الاستسلام، وجنب سلاح المجاهدة، وقال: (لا أستطيع ... مش قادر ... مش عارف أكف عنه).
أو التي تريد المواظبة على الصلوات، فتلتزم بها حينًا وتفرط أحيانًا، حتى إذا امتلء قلبها بالاستسلام تركت مجاهدة نفسها.
فالسلبية هنا، أن الفتاة تكره ذلك الذنب وتريد الخلاص منه، ولكنها شعرت بصعوبة ذلك؛ فاستسلمت، وعقدت معاهدة سلام مع ذنوبها، وقبلت بها كأمر واقع لا يمكن تغييره ... فهذه سلبية.
ثانيًا ـ السلبية مع البلاء:
وهذه فتاة أخرى، أقبلت على حياتها بالأمل والعمل، تعلو وجهها البسمة، وتستمتع بحياتها فرحة مسرورة، وهي أيضًا مع ذلك تواظب على ما افترضه ربها عليها.
ولكن ... لا تأتي الرياح دومًا بما تشتهيه السفن، فقد جاءتها البلايا تطرق على حياتها الأبواب؛ فإذا بها تجزع وتفزع، فيتحول طموحها في الحياة إلى سراب، ونشاطها إلى خمول وفتور، وتتبدد سعادتها؛ فعنوان حياتها اليأس والقنوط، حتى يصل بها المطاف إلى تفريط في طاعة الله تعالى ... فهذه سلبية مع البلاء.
فحالها كحال ذلك الرجل الذي وصفه القرآن قائلًا: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ} [الحج: 11].
ثالثًا ـ السلبية مع الفساد:
من ابتُليت بخُلُق العصبية في التعامل مع الناس؛ مع أمها وأختها وصديقاتها، فإذا نصحتها إحدى صديقاتها بالتحلي بالحلم؛ تبحث عن الحجج والأعذار: (لقد تربيت على هذا الخلق)، (إنني هكذا منذ زمن)، (الطبع يغلب التطبع) ... (إن أجدادنا هم المسئولون عما نحن فيه، إنهم السبب في تلك العصبية التي تنتابنا، لقد كان أجدادك من ذوي الطباع الحادة، لقد انتقل ذلك الطبع عبر أجدادك جيلًا بعد جيل حتى وصل إليك بالوراثة) [العادات السبع، ستيفن كوفي، ص(95)]، وهكذا فهي تستسلم أمام طباعها وتقبل بها كأمر واقع وكحتمية لا يمكن تغييرها أبدًا، ولِمَ لا وهي تربت على ذلك!! ... فهذه سلبية.
والتي تقبل بمعصية أو بمال حرام؛ وتتحجج بفساد المجتمع، وأن الناس كلها تفعل مثل هذا الخطأ؛ هذه أيضًا سلبية.
فقد تلاحظين على من كانت (تاركة لبعض الواجبات والأركان مثل الصلاة أو الحجاب، ويكون هذا الإنسان ممن تحبينه وتتمنين له الخير في الدنيا والآخرة، وخاصة إذا كانت من أقربائك أو زميلاتكِ في العمل تجيب على دعوتك لها بالالتزام بهذه الأمور بقولها: (الله ما هداني)، (عسى الله أن يهديني) أو (ماذا أعمل إذا الله ما هداني؟!)، والحقيقة أن الله بيَّن الحق للجميع، ويسر لهم سبل الهداية، وقد أودع جهازًا بمثابة جهاز الاختيار يستطيع كل إنسان من خلاله أن يختار الحق أو الباطل، فيستطيع أن يكون أصلح الصالحين أو أطلح الطالحين) [رسائل سريعة للشباب والشابات، عبد الحميد البلالي، ص(132-133)، بتصرف].
وقد ذم القرآن من يتحجج بمجتمعه وبيئته وآبائه على أخطائه وزلاته، فكل من كفر بالأنبياء ورفض الإيمان والصلاح كانت حجتهم الآباء والمجتمع، كما بيَّن الله تعالى: {وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آَبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آَثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ} [الزخرف: 23].
رابعًا ـ السلبية مع المجتمع:
رزق الله تعالى الكثير من فتيات أمتنا الهداية والصلاح، ولله الحمد والمنة.
ولكن بعض هذه الفتيات يستبعدن الهداية عن صديقاتهن، ويقلن: هن يفعلن كذا وكذا، ويقصِّرن في كذا وكذا، فكيف لهن من هداية؟!
وإذا سمعت إحداهن من يتكلم عن الدعوة إلى الله، ونصح الناس، وبذل الخير؛ لم تقم لنصح صديقاتها ولا لتدلهم على طريق الهداية ... لماذا؟ لأنهن بعيدات عن الاستجابة إلى كلامها؛ لذلك لا حاجة لها بأن تنصح وتعظ!!
فعلها ذلك سلبية، لأن النبي صلى الله عليه وسلم حذرنا أيما تحذير من الحكم على الناس بالضلال؛ فقال: ((إذا قال الرجل هلك الناس فهو أهلكهم)) [رواه مسلم].
خامسًا ـ السلبية مع الحياة:
فالشخصية السلبية كلما واجهتها مشكلة، في البيت أو في الدراسة أو في الوظيفة، حاولت الهروب منها، وبحثت عن الآخرين كي يقوموا بحلها لها، أما هي فإنها تهرب من المشاكل ولا تستطيع أن تواجهها وتتحداها.
فهي تتبع أسلوب النعامة في مواجهة المشاكل! هل تعرفين ماذا تفعل النعامة إذا واجهها حيوان مفترس؟ إنها تضع رأسها في التراب حتى لا ترى الحيوان؛ فتظن أنه لما غاب عن ناظريها فهي بمنأى عن الخطر!!
وهي أيضًا لا تستطيع اتخاذ قرارها بذاتها، بل تحتاج للآخرين ـ للوالدين أو للصديقات ـ ليتخذوا لها قرارها، ولا يُفهم من كلامي أني أعترض على المشورة، ففيها خير كثير، وأنا هنا لا أذمها، بل أذم التردد في اتخاذ القرار، والخوف من ذلك.
والعجيب لو تعلمين أخيتي أن تحمل المسئولية شيء فطر الله عليه الإنسان، فالمراهق حينما يكبر تنمو له الحاجة إلى المسئولية أي الإيجابية؛ و(تنبع حاجة المراهق إلى المسئولية والعمل من التغيرات النوعية التي تطرأ على حياة المراهق في جوانبها المختلفة العقلية والوجدانية والاجتماعية والعضوية ... فطول الجسم ووزنه وشكله تؤذن بتحوله من الطفولة إلى الرجولة أو الأنوثة، فيقوم بالبحث عن أدواره في الحياة ليضطلع بها) [المراهقون دراسة نفسية إسلامية، د.عبد العزيز النغيمشي، ص(101)].
نماذج وعواقب:
إليكِ أخيتي هذه النماذج التي أقعدتها السلبية عن الصواب، يعرضها لنا القرآن الكريم ويبين لنا عاقبتها:
منعتهم الطاعة:
إنهم كفار قريش، الذين جاءهم النبي صلى الله عليه وسلم بالنور والهداية، فآثروا الظلام والضلال، فحينما حذرهم من عبادة الأصنام ومن عبادة الملائكة ومن معصية الله تعالى؛ فإذا بجوابهم: {وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ} [الزخرف: 20]، فمنعتهم سلبيتهم من مواجهة الكفر والضلال ومنعتهم من طاعة الله تعالى.
أقعدتهم عن نصرة الدين:
اصطفى الله تعالى اليهود في زمانهم، وأكرمهم ببعثة موسى عليه السلام فيهم نبيًّا، ورفعهم مكانة عالية بين أمم الأرض قاطبة، ولكن ... حينما أمرهم الله تعالى أن يبذلوا أموالهم وأنفسهم لنصرة هذا الدين تحت إمرة موسى عليه السلام؛ ما كان منهم إلا أن قالوا: {يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} [المائدة: 24]، فأقعدتهم سلبيتهم عن نصرة دين الله تعالى.
أبعدتهم عن النصح:
هل أتاكِ عزيزتي نبأ أصحاب السبت، الذين حرم الله تعالى عليهم الصيد والمرابحة يوم السبت، لأنه يوم عيد لهم، فتحايل بعضهم على الشرع فنصبوا الشباك يوم الجمعة ليلًا وجمعوا ما علق فيها يوم الأحد صباحًا؛ فانقسم الناس إلى ثلاثة فرق.
فريق أصر على المعصية، وفريق امتنع عنها وأخذ ينصح ويعظ، وفريق امتنع عن المعصية أيضًا إلا أنه لم يدعو المخطئين إلى الصواب، فقالوا: {لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا} [المائدة: 164]، أبعدتهم سلبيتهم عن النصح؛ فحينما ذكر الله عاقبة القوم، قال: {أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ} [المائدة: 165]، وغابت الفرقة الثالثة السلبية عن الذكر؛ فإما أنهم هلكوا مع من هلك، وإما لا يستحقون الذكر في القرآن.
سلبية إبليسية وإيجابية عمرية:
كان إبليس من قبل طائعًا للمولى سبحانه وتعالى، حتى أمره الله أن يسجد لآدم؛ فكيف فكَّر إبليس؟ إنه لم يفكر في التنافس على الطاعة بعد ذلك مع آدم عليه السلام، ولكنه ألحق الخطأ بالمولى حاشاه سبحانه، ورفض الأمر بالسجود ... هذه سلبية إبليسية.
على النقيض من المشهد السابق يأتي أبو بكر وعمر رضي الله عنهما، فإنهما كثيرًا ما تسابقا في الخيرات، وطالما كان أبو بكر رضي الله عنه هو السباق، وصاحب المكان القريب من النبي صلى الله عليه وسلم، فكيف فكر عمر رضي الله عنه؟ ما زادته مكانة أبي بكر من النبي صلى الله عليه وسلم إلى استباقًا إلى شتى صنوف الطاعات، وحبًّا واعترافًا بمكانة أبي بكر رضي الله عنه ... فتلك إيجابية عمرية.
لغة السلبي:
كما قيل قديمًا: (الألسنة مغارف القلوب)، فهكذا صاحب سمة السلبية دومًا تسمعين منه عبارات بعينها يرددها مرارًا وتكرارًا، يكشف بها عن مكنون صدره؛ فإليكِ عزيزتي مثالًا لهذه العبارات لتراقبي نفسكِ جيدًا:
(ليس لدي ما أفعله ...
هكذا تمامًا هي طرقتي ...
إنه يدفعني إلى الجنون ...
إنم لن يسمحوا لي بذلك ...
إنني مضطر/مجبر لفعل ذلك ...
لا أستطيع ...
يتحتم علي أن أفعل كذا) [العادات السبع، ستيفن كوفي، ص(110)].
إجمال بعد تفصيل:
ما تحدثنا عنه سابقًا هو الشخص السلبي، الذي لن يستطيع أن يترك أثرًا يُذكر في الحياة، بل هو كما قلنا: "صفر على الشمال"، وأجمل إليكِ عزيزتي صفات الشخص السلبي، حتى تربأي بنفسك عنها:
1-يهرب من المسئولية ويرفض دومًا أن يتحملها.
2-إذا أخفق في أمر ألقى اللوم على الآخرين أو الظروف أو أي شيء آخر خارج نفسه.
3-إذا واجهته مشكلة؛ هرب منها ولم يستطع مواجهتها، بل ينتظر أن يقوم أحد غيره بحلها.
4-إنه دومًا يبحث عن عيوب الآخرين وأخطائهم ولا يفطن أبدًا إلى عيوبه.
5-إذا بدر منه خطأ ما يصيبه الإحباط واليأس.
هذا هو تفكير السلبيين (إن مشاعرهم بأنهم ضحايا، وأنهم لا يملكون من أمور أنفسهم شيئًا، وليسوا مسئولين عن حياتهم أو مصائرهم، إنهم يلقون باللوم لما وصلوا إليه على عناصر خارجية ـ سواء أكانوا أشخاصًا آخرين أو الظروف المحيطة) [العادات السبع، ستيفن كوفي، ص(112)].
قلب يطل على أفكاره:
هذا ما نريده اليوم منكِ عزيزتي، قلب يطل على أفكاره، فبعد أن عرضنا لكِ هذه الشخصية بصفاتها وأسلوبها في التفكير ونمط حياتها، فعليكِ الآن أن تتأملي في نفسك؛ هل أنا هذا الشخص؟
وإليكِ نقاط تساعدكِ في ذلك:
1-اسألي والدتك ووالدك عن صفاتكِ؛ فإنهما قد ربياكِ صغيرة.
2-اسألي صديقاتكِ المقربات ـ فقط ـ عن هذه السمات ـ إن كانت فيكِ أم لا ـ فالصديق كما يُقال مرآة لصديقه.
3-راقبي لغتك طوال اليوم، وانظري هل هي لغة سلبية أم لا.
أهم المراجع:
1-المراهقون دراسة نفسية إسلامية، د.عبد العزيز النغيمشي.
2-العادات السبع للناس الأكثر فاعلية، ستيفن كوفي.
3-رسائل سريعة إلى الشباب والشابات، عبد الحميد البلالي.
مفكرة الإسلام