شادية ضاهر
الأمومة نبع الحنان ونعمة أغدقها الله على الإنسان والحيوان، وفطر عليها كل كائن حي، وهي سلوك غريزي يتدفق دون توقف، يتميز بالحساسية والحنان والهدوء والانفعال، وهي كذلك مجموعة مشاعر متجانسة غريزية، والحيوانات بكافة سلالاتها وأنواعها فطرها الله على غريزة الأمومة، فعالم الحيوان عالم مليء بالتضحيات والحب والحنان..
ومن أروع ما يميّز الحيوانات أنها تشعر بالأمومة تجاه صغارها في لحظات الخطر، فنجدها تدافع عنها بكل شراسة، حتى لو كان العدو حيواناً مفترساً، بل نجد بعض الحيوانات تضحي بنفسها من أجل صغارها، مثل أنثى الفيل والبطة البريّة أيضا. والأمومة عند الطيور تعني الحنان والجهد والتضحية لحد إزهاق الروح في سبيل الحفاظ عليها. فنجد أنثى طير أبوقير تدخل في نقرة شجرة، وتضع بيضها، فيأتي الذكر ويطلي النقرة بالطين، ويترك فتحة تتسع لعنق أنثاه الحبيسة، ليدخل منها الغذاء لها إلى أن يفقس البيض.
ومن المؤشرات على عظمة غريزة الأمومة أيضاً، حمل الدِّببة والكلاب والقطط صغارها بأنيابها الحادة والعدو بها مسافات شاسعة، دون أن تخدش جلدها. وهناك العديد من القصص الغريبة عن الأمومة لدى الحيوانات، فالإكسيلوب تعيش منفردة في فصل الربيع، وعندما تبيض تموت، فالأم لا ترى صغارها، بل تضع بيضها ثم تموت، ولكي تؤمن لصغارها الطعام تحفر قبل موتها في خشب حفرة مستطيلة، وتجلب طلع الأزهار وبعض الأوراق السكرية، وتحشو بها ذلك السرداب، ثم تبيض بيضة، وتأتي بنشارة خشب وتجعلها سقفاً لهذا السرداب، وبعدها تموت، بعد أن تكون أمّنت لصغارها طعاماً يكفيها لمدة سنة.
وتطعم بعض أنثى الطيور صغارها أكثر من ألف وثلاثمئة مرة في اليوم، وتُلقم صغارها الطعام ما بين الفجر والغروب.
والناقة تبكي على فقد صغارها، والكلبة تبكي على جروها الميت، وإذا فقدت الخيل صغيرها نهنهت بصوت مسموع وتوحشت، ولا تدع أحداً يقترب من صغيرها، فإذا حُمل صغيرها ليُدفن سارت خلفه، فإذا دفن لازمت قبرهُ وانقطعت عن الأكل والشرب.
وتعتني الأغنام بوليدها جيداً وتحس به، وإذا أبعد عنها فإنها لا تأكل وتحزن، وكذلك الدجاجة فإن لها قوة هجومية لمن يحاول التحرش بفراخها، ونراها ترقد على أي بيضة تراها بسبب غريزة الأمومة.
وتبذل معظم الطيور مجهوداً كبيراً في رعاية صغارها بادئة بالاهتمام بالبيض، ومكرسة أكثر وقتها لإطعام صغارها وحمايتها بعد ولادتها، وهي تفعل كل ذلك بالغريزة، فالغريزة هي التي تجعل البطريق الكبير يصوم شهرين في الشتاء لكي يحافظ على حرارة البيض الذي يحضنه أثناء صقيع القطب الجنوبي المميت.
والزرافة كذلك تعد من المخلوقات القادرة على الدفاع عن نفسها وعن صغارها ضد أعدائها، وأهم عدو للزرافة هو الأسد، وتستطيع التغلب عليه، وذلك من خلال ركله ركلة قوية بقدميها تؤدي إلى كسر جمجمته وعموده الفقري، ولكن للزرافات قوانين تحكمها، إذ إنه عندما تتقاتل زرافتان لا تركلان بعضهما بالأقدام، لأنها ضربة مميتة، وإنما تتقاتلان بأن تضرب إحداهما الأخرى بجسمها.
وترضع الأم الدبة صغارها لمدة 18 شهراً، وتقضي أوقاتاً طويلة في رعايتها، وتسارع بنقلها كلما تعرضت للخطر، وتظل على التزامها بهذه الرعاية حتى يتمكن الصغار من الاستقلال بحياتهم والاعتماد على أنفسهم في مواجهة مصاعب الطبيعة وأخطارها.
ومن الأمور الطريفة في علاقة أنثى الدب بجرائها، أنه حين يقترب من صغارها حيوان مفترس -خصوصاً الذئب- تبادر إلى مطاردتها لتدفعها إلى تسلق الأشجار، ثم تستدير لمواجهة الخصم، وقد تهرب فجأة لتشتت انتباهه، وقد تأخذ الأم أحياناً في دفع الجراء إلى تسلق الأشجار دون وجود أي خطر، وهنا يكون هدف الأم تدريب الصغار على مهارة التسلق.
صحيفة أوان