نسرين حبيب
في بحثنا الدائم عن تحقيق أهدافنا وأحلامنا في هذه الحياة، في صراعنا المستمر للقيام بما نريد أو بما نحب، في محاولاتنا المستمرة للتأقلم مع أوضاع وظروف قاسية أو غير مرغوبة، ننسى أحيانا أننا المصدر، وأن كل فرد منا هو المسؤول بشكل أو بآخر عن كل ما يحدث أو لا يحدث له وعن الطريق الذي يسلكه وسيكمل به في المستقبل.
أنا لا أتحدث هنا عن الظروف أو الأحداث القسرية التي قد تحدث وتعيق ما نقوم به مثل الموت، أو الاصابة أو أي شيء مماثل لأن مثل هذه الأحداث والتي نمر بها جميعنا ولكن بتوزيع عشوائي- تشكل نسبة قليلة جدا من الظروف التي تحيط بنا، ولن نرسم ونخطط بناء على مصادفات قد أو قد لا تحدث. أنا أتحدث عن المواقف والنتائج التي نمر بها بشكل يومي، وعن تأثيرها علينا وعلى محيطنا الصغير أو الكبير، هذه التفاصيل هي من تصنعنا وبها ترتسم الشخصية التي يتلقاها ويتعامل معها من حولنا.


نحن نتوجه دائما الى المسميات الكبرى والعناوين العريضة التي تساعدنا في تفادي وتبرير عدم السعي الى تطوير الذات وتحقيق الأهداف، مثل: أنا فقير، أنا غير محظوظ، أنا قبيح، أنا لا أملك امكانيات، أنا مأسور، أنا عربي، أنا فتاة، أنا لا أملك الوقت... فعلا ان قول مثل هذه الصفات واقناع الذات بها عن طريق تكرارها بشكل مستمر يعطينا مبررا لعدم قيامنا بما نطمح له، ولكن وفي نفس الوقت يتركنا في نفس المكان، وبقاؤنا في نفس المكان بينما الوقت يمضي ودقات الساعة لا تتوقف يعني أننا نتراجع، هذا يؤدي الى أن عبارة أنا ما زلت مكاني ولم يتغير في شيء هي عبارة غير صحيحة وغير منطقية، وعلينا أن ندرك- ولو كان في ذلك الادراك نوع من الرهبة والخوف- أننا نخسر الكثير مع كل يوم يمر دون أن يكون مدرجا في خطة أو هدف حتى لو كان الهدف يومي، ولا تتجلى هذه الخسارة فقط في انقضاء يوم أو شهر أو سنة دون القيام بشيئ، بل أيضا بالتأثيرات التي كانت ستنعكس علينا لو أننا بدأنا ننفذ ما نريد في هذه الأيام الضائعة.

الظروف من حولنا قاسية وقاسية جدا: تناقضات اجتماعية، عادات بالية، التزامات وواجبات تمنعنا من القيام بما نرغب، صعوبات في اثبات الذات، سعي مستمر لتأمين حياة مستقرة، نقص حرية، علاقات معقدة، تقييمات مستمرة... والكثير من الأمور القادرة على جعلنا تعساء محبطين، جاهزين لأخذ دور حيادي، منتظرين أن يأتي التغير. ولكن من سيأتي بالتغيير؟
شخص ما أم حدث ما؟ كما يحصل في الأفلام التي بتنا نعشقها لتجسيدها ما نحلم به: أن يأتي شيء من المجهول ويغيير كل حياتنا، أن يلاحظنا شخص ما ويلاحظ الموهبة والتميز في داخلنا ويؤمن بنا ويدعمنا للقيام بما وجدنا لنقوم به. هل هذا ما ننتظره فعلا؟ اذا سننتظر كثيرا حتى نصل الى اللحظة التي سنندم فيها لاعتمادنا على الغير أو على المجهول.

ان أي تغيير وعلى المستوى الشخصي بشكل خاص يبدأ من الشخص بحد ذاته ولا يمكن أن يبدأمن أي مكان آخر، بعدها يمكن للمصادفات أن تساعد وستساعد بالقدر الذي نريد فالتناسب هنا يأخذ صفة الطردي. ان ما نريده فعلا في هذه الحياة هو أن نكون سعداء مع التنويه الى أن السعادة لا تملك سمة الاستمرارية أبدا، انما وجودها بين الفترة والأخرى هو ما نطمح له، وكيف لنا أن نكون سعداء ونحن لا نسعى لتحقيق ما نريد؟ واذا كنا غير فرحين وراضين بما نقوم به؟ بل اذا لم نحدد بالأصل ماذا نريد وكيف سنصل؟

أنا المصدر، أنا من يفكر ويتخيل ويقرر ويتصرف وينفذ، مهما كانت العوامل التي ساعدت للوصول الى ما أنا عليه، أبقى أنا المعني والمسؤول. أنا من أوصلني الى ما أنا عليه مهما كان، أنا من صنع هذه الشخصية التي يراني ويحدد صفاتها الآخرون، أنا من قام برد الفعل ذاك، وأنا من اخترت طبيعة علاقتي بكل من حولي، وأنا من قررت أن أقوم بذلك الفعل حتى لو أجبرت عليه بشكل أو بآخر ولكن أبقى أنا، أنا من يحدد كيف يتعامل معي الآخرين عن طريق تحديدي كيفية تعاملي معهم، أنا من حول أفعالي الى عادات، أنا وأنا وأنا.
بل انه من المعيب الاعتقاد والاعتماد على متحولات خارجية، لأن في ذلك الغاء لدورنا ولتأثيرنا كأشخاص، وخاصة كل من يؤمن بالحرية والاستقلالية واثبات الوجود، فكيف لنا أن نكون أحرار ان كنا مقيدين بما حولنا؟ وكيف نستقل ونحن نعتمد على الآخرين؟ ان ما أهدف اليه فعلا هو أن نقتنع بأننا المركز، على الأقل لشخصنا، ولا أهدف أبدا الى تعظيم الأمور والتهويل بها كقول: يكفي أن نفكر بما نريد وأن نحدد الوقت وسنجده حاضرا في الوقت الذي حددناه، أو يكفي أن تطلب شيئا بتركيز عال فيستجيب الكون لما تريد، لا بل انني ضد هذه العبارات لأنها غير كاملة، أي انها صحيحة في حال أضفنا المقطع المفقود منها وهو (خطط واسع لتحقيق ما تريد) وبذلك تكتمل الجمل السابقة لتصبح: حدد ما تريد ثم خطط ثم ابذل جهدا كافيا وستحصل على النتيجة المطلوبة.
لا بد أن نساعد أنفسنا للوصول الى ما نريد، وأول خطوة تكمن في معرفة الذات، نقاط القوة، نقاط الضعف، أن نعرف طباعنا وعاداتنا، ماذا نحب، ماذا نكره، مما نخاف، بما نرغب...الخ. ثم نبدأ بالعمل على تطوير ما لدينا، مع العلم أننا نملك الكثير والكثير من الكفاءات التي يمكن أن توصلنا الى ما نطمح، ولكن علينا أن ندرك ذلك ونؤمن به بشكل كامل.
سنسمي ما نقوم به ب( ادراك وتطوير الذات) وسيكون الهدف أن نعيش حياة أفضل، لأننا نستحق ذلك!

 

 

نساء سورية

JoomShaper