أ. رضا الجنيدي
كم مرة خطَّطتُ لأهدافي وقمْتُ بتدوينها، وتابعتُها يومًا بعد يوم، وكأنَّها وليدي الصغيرُ، أراها وهي تنمو فتنمو معها سعادتي، يحلُّ المرضُ في جسد أحدها فينتابني الحزنُ وكأنَّ بضعةً مني قد نالها الوَهَنُ، ولِمَ لا وأنا التي عشتُ لها، وسعيتُ بكل ما أُوتيتُ من قوَّةٍ لتحقيقها؟!
في نهاية كل شهر أنظر إلى قائمة أهدافي الشهرية، فإذا بي قد نجحتُ في تحقيق بعضها، وأخفقْتُ في تحقيق البعض الآخر، وقتها لا أدري: أأفرحُ على ما حقَّقتُ، أم أحزن على ما فرَّطتُ؟ فيتعكَّر صفو سعادتي.
هكذا نحن كثيرًا ما نظلم أنفسَنا حين ننظر إلى بعض تقصيرنا بمرآةٍ مُكبَّرة، وننظر إلى إنجازاتنا بمرآةٍ مُصغَّرةٍ، فنغضُّ الطَّرْفَ عن إنجازاتنا، ونحزنُ على ما فاتَنا، ونسقُط في مستنقع إحباطنا.
في هذا الشهر قررتُ أن أحيا حياةً جديدةً، حياةً تَنبِضُ بالتقدير لإنجازاتي مهما بدَتْ صغيرةً؛ فكتبتُ أهدافي كعادتي، ثم خطَّطتُ للقيام بمهمَّةٍ لإسعاد قلبي، وإرضاء عقلي، وإحياء بهجتي من

جديد.
في دفتري كتبتُ عنوانًا بخطٍّ ملوَّنٍ ومُميَّز (إنجازات هذا الشهر)، كتبتُ هذا العنوان في اليوم الأول من الشهر، وكلَّما حقَّقتُ هدفًا هرولتُ وكتبتُه في دفتري وأنا شاكرةٌ لله وسعيدةٌ بجهدي الذي وفَّقني الله له.
لم أكتفِ بالأهداف بل كتبتُ الإنجازات التي كنتُ أمرُّ عليها مرور الكرام، ولا أعبأ بتحقيقي لها، فأدركتُ كم يبذل الإنسانُ من جهود يومية رائعة، ولا ينتبه لجمالها؛ لأنه يُركِّز فقط في متابعة أهدافه الكبيرة التي خطَّط لها.
في كل يوم كنتُ أنظر إلى إنجازاتي السابقة، وأتساءل: ماذا سأكتب اليوم في دفتري، فيشتعل الحماس داخلي.
دفتري يُناديني... إنجازات الأمس تنتظر أخواتها بشوقٍ، فتجري دماءُ الإرادة في عُروقي، وتستنفرُّ كلَّ قوَّتي لبذل المزيد من الجهد.
بدأتِ الإنجازاتُ تتوالى، والأهدافُ تتحقَّق، والسعادةُ في أعماق القلب تُشرق، أضفتُ إلى دفتري كل الإنجازات اليومية التي صنعَتْ فارقًا في حياتي، أو في منزلي، أو مع زوجي وأولادي، حتى تلك الإنجازات البسيطة التي لم أكن أضعها في الحسبان؛ كتعلُّم مهارة منزلية جديدة، أليستْ هذه المهارة خبرةً تُضاف إلى خبراتي كامرأة وربَّة منزل؟
فلِمَ إذًا أغضُّ الطَّرْف عنها وكأنَّ هذا الوقت الذي قضيتُه في تعلُّمها ذهب أدراجَ الرياح؟!
لماذا سعادتنا بإنجازاتنا تتجلَّى مع الأهداف الكبيرة فحسب؟!
لماذا هذه النظرة الضيِّقة للأمور، وهذه النظرة الباخسة للجهود؟!
أليس هذا من الظلم؟
اليوم كان نهاية الشهر... نظرتُ إلى إنجازاتي، فوجدتُني بفضل الله حقَّقتُ أهداف الشهر كلَّها على غير العادة، وأضفْتُ إليها أهدافًا لم تكن ضِمْن خطة هذا الشهر، ووجدتُ فوقها إنجازات حياتية يومية كنتُ أمرُّ عليها مرور الكرام، وهي بالفعل في غاية الأهمية.
اليوم وفي نهاية الشهر كان ميلاد سعادة من نوع جديد، كما كانت بداية الشهر فكرة من نوع جديد.
جرِّبوا أن تسعدوا بإنجازاتكم مهما بدَتْ في أعينكم بسيطة.
تذكَّروا أن جلوسكم مع أطفالكم تقصُّون عليهم قصةً، أو تمنحونهم بعض الخبرة الممزوجة بالدفء والحب هو إنجاز عظيم بحقٍّ.
تعلُّمكم لمهارة جديدة مهما بدَتْ بسيطةً هو إنجاز جميل بالفعل.
توقُّفكم عن سلوك سلبيٍّ كان يُؤرِّقكم أو يُؤرِّق من حولكم - إنجازٌ يستحقُّ الفخر.
إضافةُ نافلةٍ إلى عباداتكم إنجازٌ يستحقُّ السعادة بالفعل.
جرِّبوا الفكرة مع أطفالكم... اجعلوا لهم دفاتر إنجازات يُسجِّلون فيها ما أنجزوه، واكتبوا لهم فيها ما لا يُقدِّرونه من إنجازاتهم... امدحوا إنجازاتهم مهما بدَتْ صغيرة، ودعوهم يفرحون بها نهاية كل شهر، واحتفظوا بهذا الدفتر ليمنحهم مزيدًا من السعادة والثقة مع الأيام، واحتفظوا بدفاتر إنجازاتكم، وعُودوا إليها كلما شعرتم بالإحباط واليأس.

JoomShaper