حسن الموسوي
يعد عالم الاجتماع الألماني أدورنو من أوائل الذين كتبوا عن التسلط والشخصية المتسلطة عند دراسته للنظام النازي في ألمانيا بصورة عامة وشخصية الدكتاتور بصفة خاصة. حلل ادورنو الاسباب الكامنة والظاهرة وراء هذه النزعة التي نجد قدرتها على التأثير في السلوك، وكذلك في الحياة السياسية والاجتماعية والمرتبطة بالنزعة القومية المتطرفة بنظام التربية والتعليم والتوجيه وفق ايديولوجية معينة. ويرى «ادورنو» انه لا يمكن فهم الشخصية المتسلطة الا عند وضعها خارج السياسة، اي في البحث عن اسباب ظهورها او عدم ظهورها في مجتمعات دون اخرى، كما اهتم عالم الاجتماع الألماني ومؤسس المدرسة النقدية في علم الاجتماع ماكس هوركهايمر بدراسة موضوع العائلة والسلطة وتتبع الحاجات من قبل العائلة البرجوازية التي تفرض طاعة الكبار على الصغار وتحول الضعفاء الى قاصرين. ويضع هوركهايمر المسؤولية بالدرجة الاولى على الضغوطات الاجتماعية، والكبت، وحين يبحث الطفل عن هويته فيجدها غير متكاملة، وعن استقلاليته فلا يجدها عند اتخاذه قرارا ما. ما سبق هو من الجانب الاجتماعي الفلسفي، اما الجانب النفسي فيرى أن الشخصية المتسلطة هي احد انماط الشخصيات المضطربة، والتي لا يمكن ان يتم تقييمها الا من خلال المنظور الخارجي، ومن خلال هذا المنظور الخارجي لا يمكن للفرد نفسه ان يشخصها ويقيمها، فلابد للآخرين او لشخص محترف ان يقوم بذلك من خلال تحديد الانحراف او الشذوذ في السلوك.
ويمكن تحديد الخصائص العامة للشخص المتسلط او صاحب الشخصية المتسلطة من خلال التالي:
ــــ القليل من ـ او عدم ـ المرونة في التعامل مع الآخرين ويرى أن الآخرين مسخّرون لتلبية رغباته ولا يعترف بحاجات الآخرين ورغباتهم.
ــــ عدم احترام انسانية الآخرين، ويرى ما هو صحيح وما هو خاطئ من خلال منظوره الخاص.
ــــ الجمود والأنانية وحب الذات.
ــــ عدم الاستعداد للتنازل عن أفكاره وآرائه حتى لو كانت غير متناسبة مع المنطق والواقع.
ــــ البرود الانفعالي وعدم التأثر بالأحداث الخارجية إلا بمقدار ما تنساها ذاتيا.
ــــ التفكير المحدود في «إما معي أو ضدي».
ولاشك أن اساليب التنشئة الاجتماعية السائدة بشكل خاص والثقافة العربية بشكل عام هما من الاساليب الحقيقية وراء ظهور مثل هذه الشخصيات، فمن المعروف أن التنشئة الاجتماعية العربية يغلب عليها الاسلوب القمعي الجامد والتفكير الموجه الذي يفقد الابناء القدرة على التفكير الحُرّ وعلى اكتساب الخبرة الحياتية المهمة من اجل النمو.
ومن هنا كان علاج التسلط والمتسلط يكمن في الكشف المبكر والتشخيص الأولي، وكذلك في تغيير النمط الثقافي السائد في المجتمعات العربية وتغيير اساليب التنشئة الخاطئة التقليدية وتطوير وتحديث المناهج الدراسية القائمة على اسلوب التلقين والحفظ وتجميد الفكر. إن واقع التعليم لدينا يعمل على ترشيح روح العجز والاتكالية والإذعان لمن هو أقوى منه فلابد من التغيير، وكذلك لابد من تغيير القيم والاتجاهات التي تعرقل بناء الديموقراطية واستبدال ذلك بروح الحوار والنقاش الموضوعي وتقبل الرأي المخالف.
وخلاصة القول: إن لم يحدث تغيير دراماتيكي في بعض القيم والاتجاهات واساليب التنشئة والبناء، فإننا سنظل نخلق شخصيات متسلطة ومدمرة لشعوبها ومجتمعاتها، ولنا في بعض زعماء العرب السابقين والحاليين، عبرة يا أولي الألباب.
د. حسن الموسوي
التسلط والمتسلط
- التفاصيل