د. محمد أبوالفرج صادق
أعترف أننا أمة تراجعت أمام الأمم بعد أن كنا نحمل راية السبق خفاقة في شتى الميادين العلمية منها والحضارية والثقافية والإنسانية، ونعترف أيضا بتقدم الغرب في الصناعة والزراعة والتكنولوجيا وفي معظم العلوم الطبية منها والصناعية والعمرانية والاجتماعية.
ومع هذا فإنني لست من المنبهرين بالغرب وتقدمه! ولا من المتحاملين عليه، بل احترم الإنسان وأجله واحترم العلم وأدعو للاستفادة منه دون النظر إلى هويته ووطنه، بل إلى قيمته العلمية، لأن الاستفادة من تجارب من سبقنا هي من سنن الكون التي توفر الجهد في البحث وتكاليفه، وأن التعاون مع الآخرين يحقق التكافل والتكامل ويمد جسورا من العلاقات الإنسانية بين الشعوب، فنحن نعيش على كوكب واحد ونخضع جميعا للمصير المشترك الواحد في البناء والتقدم مع اختلاف أوطاننا وأدياننا وألواننا وأطيافنا، ولا بد من التسليم بأن ربنا واحد، وأبونا واحد، وأمنا واحدة، مع تعدد الأديان واللغات والحضارات، "فكلنا لآدم وأدم من تراب".
وليس في كل ماذكر مايستدعي التساؤل أو الحيرة أوالقلق؟ تقدموا وتراجعنا، وجدوا وتقاعسنا، فكانت النتيجة التي حصدنا،هذا هو الواقع شئنا أم أبينا، بل أصبح الكل يسير للأمام ونحن نسير للخلف وربما بنفس السرعة،وربما أسرع منهم لأن الصعود دائما يمشي ببطئ بخلاف الهبوط فإنه يهوي بسرعة من غير كوابح تحد من انحداره نحو الأسفل، "فمن المعلوم أن وقوف الإنسان في مكانه يعني التقهقر، فكيف بالرجوع إلى الخلف وبهذه السرعة".
فلا بد من الدعوة إلى عدم الاكتفاء بتجارب الغير وعلومهم، بل الانطلاق إلى آفاق علمية أوسع وأرحب تخص حضارتنا وهويتنا وانتماءاتنا،ومن ثم تسخيرها لتكون سياج واق لحضارتنا الدينية والإنسانية فكما يقال: "من يلبس مما يصنع ويأكل مما يزرع لا يركع".
لأن الغرب كما هو معلوم لا يعطي باليمين ما لم يأخذ باليمين والشمال!! وما يعطيه لا يساوي أبدا ما يأخذه من هذه الدول والتي تسمى في أجندت الأمم المتحدة الدول النامية أو دول العالم الثالث، وكما قيل: "إذا كان العطاء من أجل الأخذ فهو أخذ مضاعف".
وعلى كل فلسنا في صدد الحديث عن واقع الأمة الإسلامية والعربية وتحليل الأحداث، بل هي مقدمة لابد منها تمهيدًا للحديث عن التقليد الأعمى للغرب وللجوانب السلبية فقط والتي برئ منها المنصفون منهم قبل أن تصل إلينا ونعمل بها وتدخل مجتمعاتنا وبيوتنا دون رقيب ولاحسيب، بل أصبح التقليد شكلا من أشكال التعبيرعن التقدم والرقي الاجتماعي!!
وقد أخذ هذا التقليد أشكالاً عديدة كملابس البنات القصيرة والشفافة والتي تفضح أكثر مما تستر، وسراويل الشباب ذوات الخصر المنخفض الساقطة إلى أسفل الوسط - موضة نزلني - وقصات الشعر والتسريحات العجيبة والتفنن القذر لقصات اللحية الشاذ والغريب !! ودق الوشم وارتدائهم للاكسسوارات الغريبة والعجيبة من حيث هي، وأساليب استخدامها نحو أقمشة على الرأس وأربطة على العنق والساعـد وكأنهم نجوم هوليوود ونجوم البوب والجاز، خاصة عندما تجدهم في أروقةالشوارع والأرصفة يتمايلون ويرقصون رقصات عجيبة تدعو للاشمئزاز والحيرة إلى آخر ما هنالك من تلك الصرعات المشاهـدة في الشوارع والحدائق والمراكز التجارية –المولات- والتي أصبحت واقعا في مجتمعاتنا العربية والإسلامية.
بل والأدهى من ذلك أن بعض المدارس والجامعات أصبحت ساحة للتنافس في اقتناء السلاسل والأقراط في الأذن والخواتم بأحجامها غير الطبيعية والملابس الفاضحة، وربما الأغرب ما تفعله بناتنا المحجبات فهي ترتدي الحجاب ومعه البنطال الضيق وربما الكاشف لأجزاء عددية في وسط الجسم والصدر، وعن الوجه لا تسأل !! ألوان محيرة وخرائط تشبه تجاعيدها خريطة الأمة العربية؟! بعد معاهدة - سايس بيكو-.
والسؤال المطروح على العلماء والمصلحين والأدباء والمفكرين وفي مقدمتهم علماء الدين والاجتماع والمربين في الجامعات والمدارس وأولياء الأمور وكذلك الشباب والشابات:
ما مدى خطورة هذا التقليد الأعمى في الشكل والمضمون- لسلبيات الغرب فقط - على مستقبل أبنائنا ومجتمعاتنا وهويتنا وثقافتنا، وما هي أسبابه، ودوافعه، وانتشاره، ومن ثم ما هو العلاج الناجح للقضاء على هذه الظواهرالمخجلة وغير المحتشمة والبعيدة كل البعد عن أخلاقنا الإسلامية، وتقاليدنا العربية الشرقية الأصيلة، ومن المسؤول عن هذا التردي المتصاعد يا ترى؟ وهل يشكل خطرا حقيقيا في سلوك أبنائنا؟ أم أنه في الشكل وليس في المضمون، وهل هو نوع من أنواع التحضر والتقدم في ظل هذا التقارب والانفتاح نحو العالم المنادي للعولمة والانفتاح؟!
ومن وجهة نظري المتواضعة وحسب قراءتي للواقع والاحداث فإنني اعتقد أنه يشكل خطرا حقيقيا على مستقبل أبنائنا ومجتمعاتنا وهويتنا وثقافتنا الإسلامية والعربية وهو أخطر ما يكون على الشباب والبنات ومستقبلهم وهذه حقيقة وواقع بل إن الخطر في تزايد لا تحمد عقباه ما لم نقف جميعا في وجهه بكل ما نملك من حب وغيرة ورعاية... انطلاقا من مسؤولياتنا أمام الله والمجتمع والتاريخ، والشركاء في ذلك كثر ابتداء من البيت والمدرسة والجامعة والإعلام والدولة في حزمة واحدة وتوجه واحد إذا أردنا الرجوع إلى تربيتنا الأصيلة والمحافظة على أبنائنا فلذة أكبادنا وعماد المستقبل والأمل الواعد لأوطانهم والأمة جمعاء.
ذلك أن لهذه الظواهر الغريبة والدخيلة على أوطاننا ومجتمعاتنا، لها انعكاسات سلبية في السلوك والتربية علاوة على الثقافة والهوية،
فتقليد الممثلين والممثلات والمطربين والمطربات والراقصين والراقصات الأحياء منهم والأموات يشكل في أبعاده الحقيقية تدميرا حتميا للخصوصية الإسلامية والعربية والمسيحية الشرقية، وهو المدخل الأسهل والأقرب لتغير واقعنا في شرق أوسط جديد وينسلخ تماما عن أي نوع أو ارتباط في التاريخ والحضارة.
الأسباب والدوافع
وأما الأسباب والدوافع فهي كثيرة ومتنوعة ومتشعبة، وربما من أهمها ذاك الفراغ الفكري والعاطفي بالإضافة للتشتت بين أصالة الماضي وحداثة المستقبل وعدم إمكانية الجمع بينهما في ظل غياب أو تغيب! الدور الرائد لحضارتنا في واقع المجتمعات.
ومنها أيضا على سبيل المثال التفكك الأسري وانشغال الوالدين في الحصول على لقمة العيش، أو انشغالهم في الحصول على الثروة وترك الأبناء للمربيات والخدم والشوارع والحدائق وشواطئ البحار والمراكز التجارية ورفاق السوء، وكذلك تركهم يقضون الساعات الطوال في غسق الليل أمام التلفاز أسرى وعبيدا لا حول لهم ولا قوة ينصتون محلقين بأفكارهم وخيالهم لتلك الفضائيات غير الملتزمة والتي تتخذ من العري طريقا للشباب والشابات في ظل الغياب الكامل والمعطل للأدوار التربوية المعهود عليها المسؤولية لهذا الجيل والنشئة، وكذلك الدور السلبي للعديد من المجلات الهابطة والأفلام الإباحية،وربما للمدارس الأجنبية دورا سلبيا يتمثل في تبني بعض المناهج وبعض الأنشطة البعيدة عن هويتنا وحضارتنا بالإضافة إلى المناخ السائد في عموم هذه المدارس، إلى جانب أخطر أنواع التأثير السلبي في حياة أبنائنا، ذلك التقدم الراقي المتمثل في شبكة الإنترنت التي دخلت البيوت دن استئذان وأدخلت معها الفساد والانحلال الخلقي بأبشع صوره
"فبينما كنا نخاف على الأبناء إذا خرجوا من البيت أصبحنا نخاف عليهم وهم في البيت بيننا"، بل في غرف نومهم، فهناك الإنترنت وما أدراك ما هناك؟ الإنترنت الذي يحلق بهم إلى كل أصقاع الأرض من غير رقيب ولا وازع ديني أو أخلاقي... يدلهم على الخير ويرشدهم إلى الفوائد العديدة من هذه التكنولوجيا التي قربت البعيد ونوعت وعددت وطورت مصادر البحث وآفاق المعرفة.
كما أن انتشار الهواتف المحمولة بين أيدي كل الشباب والبنات لا يقل خطراً عن وحشة الظلمة من شبكة الإنترنت وشبكات التواصل وما أدراك..؟ من نقل صور عارية ومقاطع أفلام إباحبة بأبشع صورها والتي تستحي الأزواج فعله في غرف نومها!
أما العلاج وأدواته بعد هذا التنوع من مصادر الخطر على الشباب والبنات، بل على المجتمع بأكمله، والذي ربما يعتبره البعض أنه مبالغ فيه وبأخطاره وأن تعميم هذه الظواهر فيه تيئيس لواقع الحال ومجحفا بحق الجيل والنشأة،
نعم إن العلاج الشافي من هذا العدو الخطير، المختبئ بعبائة التقدم والتحضر والحرية... يتمثل بخطوات عديدة وتوجهات مدروسة ومنهجية من أبرزها الرجوع إلى الله بالالتزام الحقيقي - وليس الصوري طبعا - بتعاليم ديننا الحنيف وعاداتنا وتقاليدنا العربية الأصيلة، وذلك مع وجود القدوة الحسنة في البيت والمدرسة، وتظافر الجهود بين المؤسسات الإعلامية بكافة أشكالها وتنوع أساليبها المرئية منها والسمعية والمقروءة.. لخلق مناخ آمن وسياج ضامن لمستقبل الجيل الواعد، بعيدا عن التشدد والتزمت والعنف والتعصب.. بل بالكلمة الطيبة الهادئة والهادفة والمقرونة بالعطف والحنان والتوجيه الحازم بالرفق والموعظة والحوار، مع احترام الخصوصية والشعور بالمسؤولية وخاصة تجاه الأبناء والمجتمع، وهذه مسؤولية لا يعفى منها أحد ولا ينفرد فيها أحد بل هي مسؤولية الجميع كل حسب موقعه وتخصصه ومنصبه ومسؤوليته عملا بقول سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم: (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته) وقوله أيضا (كفى بالمرء إثما أن يضيع من يعول). وقال أيضا: (اليد العليا خير من اليد السفلى، ويبدأ أحدكم بمن يعول)، وكفى هنا: تشعرك بأن هذا الفعل هو بذاته يكفي في هلاك صاحبه، وهو أن يضيع المرء من يعول، أي من تقع عليهم مسؤوليتهم.
نعم إن المتمعن بهذه الكلمات البليغة يستشعر حقيقة المسؤولية والواجب الحتمي والمفروض من الكل للكل، وأننا جميعنا سنحصد الزرع, من المسلمين وغير المسلمين، ذلك أن القيم الإنسانية لا دين لها ولا وطن بل هي لكل الأديان والأوطان؟ بل إنني أجزم بأن جميع الأديان تأمر بالفضيلة وتنهى عن الرزيلة،وإنني أتحدى أن يكون لدين سماوي أو حتى غير سماوي يحلل الزنا، أو شرب الخمر، أو الكذب، أو الخيانة، أو التعري الفاضح، وخيرمثال على ذلك ومن غير المسلمين- لكي لايتهمنا احد بالتطرف والغلو- حقيقة الراهب والراهبة؟ فهل يشرب الراهب الخمر ويسمح بالزنا؟ قطعا كلا وألف كلا؟ وهل تتعرا الراهبة وتظهر مفاتنها لكل الناس، وتصاحب الأخلاء في الهواء الطلق وعلى الشواطئ والطرقات؟ حتما لا، بل إن بعضهن يلبسنا الحجاب واللباس الساتر إنما يتقيدن بالألوان الداكنة أيضا والمعبرة عن الاحتشام الكامل باللباس والصفات.
وختاما فإنني أناشد الإعلام العربي ومن خلال هذا الموقع المتحضر واسع الانتشار أن يتقوا الله في برامجهم وأن يكون هناك محطات نافعة تساهم في تبيان وتوضيح ما يحيط بالأمة الإسلامية والعربية من مخاطر، وإعادة النظر في المواد الإعلامية المقدمة،
وكذلك أناشد الآباء والأمهات بمد يد العون لأبنائهم وذلك بالجلوس معهم ومصادقتهم والاستماع إليهم ورعايتهم وعدم تركهم للتيارات الجارفة لكل القيم والفضائل. وأن يشغلوا أنفسهم بطاعة الله والعلم والثقافة والرياضة والشعر والأدب والإبداع في مناخ آمن يسوده الوضوح في الرؤيا والهدف، لخلق جيل واع وقادر على حمل مسؤولياته في هذه المرحلة الصعبة التي تمر بها الأمة وقد تكالبت علينا الأمم من كل حدب وصوب؟ والأمل بكم أيهاالشباب وأيتها البنات لحمل راية التقدم والازدهار فأنتم الحلم الواعد والأمل الصاعد فالزمان زمانكم وهذا العالم المفتوح في العلم والثقافة وتواصل الحضارات، فمع كل التحديات التي تواجهنا في ظل القطب الواحد المهيمن على العالم والمتحكم في واقع الشعوب والدول والفارض هيمنته على المعادلة الدولية والمساند الأعمى للكيان الصهيوني الداعم والمؤيد لآخر أشكال الاحتلال في العالم لدول الغير هذا الكيان الصهيوني الفاشي المتربع على عرش الإرادة الدولية والمحمي بالسلاح والمال والسياسة والمحافل الدولية ووسائل الإعلام العالمية وحتى العربية التي تسمي نفسها بأسماء عربية؟!
في ظل كل هذا الواقع الحزين فإن مساحة للتقدم والتصالح تبدو في آخر الطريق تدعوكم للتمسك بالحقوق الثابتة والقيم الأصيلة، فدعكم من مخلفات الغرب وأوصاخه وخذوا من علمه وانهلوا من تقدمه، وهيا بكم نحو عالم مفعم بالنظافة والمحبة والمآخات، لنتصالح مع أنفسنا ومع غيرنا مسيحيين وإسلام مع المحافظة على دينينا وثقافتنا وعاداتنا الأصيلة
وختاما أقول لكم: والذي خلق محمد وعيسى وموسى والأنبياء علهم الصلاة والسلام إنني أحبكم أيها الشباب أيتها البنات فأنتم ربيع العمر، فإليكم ومن أجلكم أكتب لأنكم الحلم الواعد والأمل الصاعد لحاضر ومستقبل هذه الأمة.
نساء سورية