أ.د.  ناصر أحمد سنه / مصر
ما تناقلته وسائل الإعلام من أنباء إحباط السلطات التشادية محاولة "سرقة" ما يزيد عن مائة طفل من أطفال "دارفور وتشاد"، و"التحايل" لتهريبهم لفرنسا، ليس بجديد في عالم "تجارة الأطفال". فالذاكرة لا تنسي إحباط السلطات الإندونيسية لمحاولات مشابهة من قبل جمعيات وأفراد إبان كارثة "تسونامي". وكذلك لا يمكن نسيان تلك الجرائم البشعة التي يقترفها سفاحون مجرمون ـ تم تعقبهم والقبض عليهم عبر عديد من الدول ـ بقيامهم بالاعتداء الجنسي علي أطفال وقتلهم. ووفقا "لليونسيف" وأرقام "باهتة" لمنظمة العمل الدولية للعام 1996م، يوجد نحو 73 مليون طفل ما بين 10-14 قد دخلوا أسواق العمل علي كافة أشكاله المختلفة!!، وربما ارتفع إلي 250 مليونا إذا كان المسح قد شمل الصين والدول الصناعية." لذا فلقد تزايد القلق الإنساني العالمي جراء تفاقم جريمة "الاتجار الدولي بالأطفال، وسرقتهم" بغرض بيعهم واستغلالهم.. اقتصاديا وعسكريا واسريا واجتماعيا وصحيا وجنسيا الخ ، ويدعم هذا القلق توافر سبل الجريمة ومنظماتها الدولية المتعددة الجنسية، ووسائلها التقنية الحديثة من انترنت وغيرها من التكنولوجيات الناشئة. كما يقف خلف هة المشكلة عوامل عدة أهمها:الفاقة والفقر الأسري والاجتماعي والصحي، والأمية والجهل، والكوارث والنزاعات الاجتماعية والسياسية. 
وعن "سرقة العقول" تشير أرقام إلي أن نحو:"54% من الطلاب العرب المبتعثين للغرب لا يعودون، في حين أن  31% من إجمالي هجرة الكفاءات في العالم النامي تأتي من العالم العربي، منها 50% أطباء، 23% مهندسون، 15% علماء نابهين، وأن الأطباء العرب يشكلون نحو 34% من أطباء المملكة المتحدة الأكفاء، كذلك توجد 75 %من الكفاءات العربية العلمية في ثلاث دول: أمريكا وكندا وبريطانيا، وفي هذا المجال تقدم مصر وحدها 60% من العلماء والمهندسين العرب إلي الولايات المتحدة الأمريكية وهو ما يكلفها حوالي200 مليار دولار خسارة سنوية".  وخلال العام 1999م "هاجر من العرب علي الإجمال مما مجموعه 4.5 مليون عربي، كان منهم مليون جامعي غالبيتهم من الأطباء والمهندسين، ونحو 120 ألف طالب للدراسات العليا، 85% منهم للحصول علي الدكتوراه، عاد  فقط نحو 15% من إجمالي هؤلاء الدارسين"("الثقافة العلمية واستشراف المستقبل العربي"، كتاب العربي: 67، يناير 2007م، ونقلاً عن جريدة الدستور المصرية).
هذا بخلاف أن هناك "تهجيراً قسرياً" بسبب حروب ونزاعات وكوارث طبيعية، فمفوضية الأمم المتحدة لشئون اللاجئين وفقا لأرقام العام 1996م، تعترف بخمسة ملايين لاجئ عربي: " 3.2 مليون فلسطيني، 630 ألف عراقي، 446 ألف صومالي، 424 ألف سوداني ، و362 ألف إريتري"، ولا شك أن هذه الأرقام قد تغيرت كثيرا في الأوقات الراهنة.
لاشك أن هذه الأرقام وغيرها "نزيف العقول والكفاءات" تثير تعليقات عدة تتناول معرفة وعلاج الأسباب المتداخلة:علمية وعملية واقتصادية وسياسية وشخصية، وظلال ذلك علي المنظومة العلمية والتعليمية والبحثية والتنموية في بلادنا العربية الإسلامية، كما تطرح العديد من الأسئلة: لماذا يتم "التهجير الانتقائي" لهذه الكفاءات وترد أخرى علي أعقابها حية أو ميتة؟، ولماذا تنتظم هذه العقول في " مشاريع وخدمات" يريدها الآخر لاستكمال منظومة وتفوقه وهيمنته حتى لو استدعى الأمر مواقف سلبية من إمكانية نهوض أوطانهم الأصلية؟، ولماذا لا يتم أخذ الخطوات الجادة والعلمية والعملية لـ"نقل التقنيات والظروف البحثية" كي يكتمل نمو هذه الكفاءات داخل أوطانها وتقل الفجوة العلمية والبحثية؟، ولماذا يتم تكريس "الفقر والجهل والتخلف" مما يدفع بهذه العقول للاغتراب والاستلاب، فيعانون، وتعاني بلدانهم ذلك النزيف المستمر لمواردها وطاقاتها؟.
وما يزال نزيف سرقة الأوطان" والديار وسلب مقوماتهما مستمرا من فلسطين وكشمير والشيشان وأفغانستان والعراق والصومال وسبتة ومليلة والبوسنة وكوسوفا الخ.، وذلك بسبب من أسباب داخلية و" قابلية للاستعمار"، وأخري خارجية "إمبريالية استخرابية" لنهب الموارد والثروات، وتكريس الهيمنة والاستعلاء.

ما سبل المواجهة؟:
لحماية الأطفال.. ينبغي بذل كل الجهود من قبل الأفراد والمجتمعات والدول لتوفير بيئات مناسبة، وخاصة في أماكن الفقر والكوارث والحروب لحماية الأطفال من بيعهم واستغلالهم، ومن أداء أي عمل يحتمل أن يكون خطيراً عليهم أو يعرقل تعليمهم أو يضر بصحتهم أو بنموهم البدني والعقلي والروحي والخلقي والاجتماعي.
فبعد عدة مؤتمرات دولية ـ في "استكهولم" في أغسطس 1996م، و "فيينا" 1999م، وما انتهيا إليه من دعوة إلى " الاتجار الدولي بالأطفال، وسرقتهم" بغرض بيعهم واستغلالهم، وأهمية التعاون الأوثق والشراكة بين الحكومات في ذلك الشان". لذا قامت الجمعية العامة للأمم في دورتها الرابعة والخمسون في 25 أيار/مايو 2000م  قامت بعرض "بروتوكول حماية الأطفال" لإقراره والتصديق عليه، ومن ثم اصبح ساريا ونافذا  منذ 18 يناير 2002م. وهي تسعي لتعزيز التعاون الدولي بغية التصدي للأسباب الجذرية مثل: "الفقر والتخلف والتفاوت في الهياكل الاجتماعية والاقتصادية، وتعطل الدور الأسري، والافتقار إلى التربية والتعليم، والهجرة من الأرياف إلى المدن، والتمييز المبني على نوع الجنس، والسلوك الجنسي اللامسئول، والنزاعات المسلحة الخ.".
لاشك انه عبر تاريخ الحضارة العربية الإسلامية كان للوقف وأعماله ومشاريعه دور مشهود وفاعل وملموس في شتي جنبات الحياة، لذا فعلينا توجيه جهود هيئاته ومشاريعه الوقفية، والتعاون مع هيئات الإغاثة الإسلامية لحماية هؤلاء الأطفال ورعاية أسرهم.. اقتصاديا وتربويا واجتماعيا.
وللمحافظة علي "العقول والكفاءات" يستلزم إيجاد المحاولات الجادة لرأب الفجوة العلمية المتزايدة، ووضوح الرؤية لألوية البحث العلمي، وتقوية الهياكل التنظيمية والإدارية والمؤسسية والرقابية والمالية للجامعات ولهيئات التعليم والبحث العلمي وتكوين مؤسسات ومحاضن ترعي المواهب والكفاءات. ومناهج صالحة ومناسبة ومتناسقة مع تكوين مجتمعاتنا تعمل علي توسيع هوامش الحرية والإبداع والابتكار. وإيجاد توجه شعبي/ اجتماعي / أكاديمي يخدم ذلك. كما يستلزم زيادة الدعم المادي والاجتماعي والمعنوي للعلم وللعلماء وللجامعات ومراكز البحث العلمي. وإنشاء المزيد من أعمال الوقف علي البحث العلمي المعاصر وتلبية نفقاته ونفقات المشتغلين به. كذلك ربط وتفعيل الناتج العلمي ودور الجامعات في حل مشكلات المجتمع وتلبية حاجاته.
وفي الإمكان قيام خطط تنموية تستوعب ضمن مشاريعها تلك الكفاءات وتوطينها. ولقد اعتمد المؤتمر الإسلامي الثالث لوزراء التعليم والبحث العلمي الذي عُقد بالكويت علي مشروع خطة عمل للحد من هجرة الكفاءات العلمية من دول العالم الإسلامي، وإعادة توطينها.. تقدمت به المنظمة الإسلامية للعلوم والثقافة "الإيسيسكو" وركزت علي دعم مركز الأيسيسكو لتعزيز البحث العلمي، وإنشاء مركز إسلامي للتميز عالي الجودة، وتطوير قاعدة بيانات خاصة بالموارد البشرية الدولية العلمية المهاجرة ووضعها تحت تصرف دول المؤتمر الإسلامي.
وللذود عن الأوطان تبذل كل الجهود لراب الصدوع الحضارية والتنموية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية داخل الأوطان العربية والإسلامية كي تقوي في مواجهة الأخطار المحقة بها من كل جانب، عبر توحد صفها وكلمتها وبنيانها:"وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنْ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ" (آل عمران:103).

بقلم: أ.د. ناصر أحمد سنه ..أكاديمي بجامعة القاهرة
E.mail:عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

JoomShaper