أ.د. ناصر أحمد سنه
من الصين والهند شرقاً، حيث السيول الهادرة من الدراجات علي الطرقات، مرورا بأوربا، وأمريكا غرباً حيث الخطط القومية لتشجيع التنقل/ التريض/ السياحة بالدراجات، يزداد بإضطراد عدد الذين يستجيبون فيعتمدون عليها، حلاً لمشكلات ومعضلات متعددة. فكيف يتأتي لها ذلك؟. وهل لهذا "الأسلوب من الحياة، وثقافة عصر الدراجات" لدينا من سبيل؟.
وتناغماً من زيادة استعمالها.. تتوافر الدراجات الهوائية التقليدية، ويتم إبداع أخري كهربائية حديثة. وثالثة قابلة للطي فلا تشغل حيزا كبيرا عند نقلها، ورابعة ـ حسب المقاس والطلب ـ مصنوعة من الخشب صديق البيئة. وخامسة ثابتة للتريض الداخلي والعلاج الرياضي. أنواع وطرازات جديدة تعرضها معارض عالمية خاصة، تغري بمتعة استعمالها مما يجعلها "صرعة عالمية"، بيد أن لها فوائدها الجمة!!.
إلي العمل/ التنقل/ التريض بواسطة الدراجات
لا تجد فئات كثيرة عاملة في البنوك والمصالح والمدارس والجامعات الخ (ببزات أنيقة، وربطات عنق، وأحذية لامعة، وقد شمر بعضهم رجلي بنطاله الخ)، غضاضة أو حرجاً من استعمال الدراجات إلي أعمالهم، وفي تنقالاتهم اليومية، وأنشطتهم الرياضية. فيعبرون طرقا مخصصة للدراجات، وبنية تحتية مناسبة لها، ويتخذون إحتياطات بسيطة. وبينما تتقدم السيارات ببطء، هم يقودون دراجتهم بهدوء، ومتعة، ووصول دون تأخير (حوالي 20 دقيقة لقطع مسافة 5 كم). وحسب مكتب البيئة الألماني الأتحادي فإن التنقل بالدراجة الهوائية داخل المدن لمسافة 6 كم هو أسرع من التنقل بالسيارة.
لذا تكثر المبادرات لتشجيع الناس لإستبدال الدراجة بالسيارة. فهناك مبادرة "العمل، والدراجة" (Business & Bike) التي أطلقها نادي الدراجات الألماني ADFC، وشارك فيها نحو 45000 ألماني، من العاملين في 14 شركة كبيرة ومنها البنك الاتحادي الألماني. مما خلق جواً مناسباً للدراجات وازدادت شعبيتها لدي العاملين (من 6% إلى حوالي 10%). وظهرت الشركات "بمظهر عصري، وصديق للبيئة". وتقوم بنوك وشركات بتوفير الدراجات الجديدة لموظفيها مجاناً (كما تفعل شركة غوغل "Google" في هامبورغ).
ويجد حالياً في ألمانيا وحدها حوالي 68 مليون دراجة. عدد يزداد سنويا بمقدار 4.5 مليون. حيث يمتلك حوالي 80% من الأسر الألمانية دراجة واحدة على الأقل. وكل ألماني يمشي سنويا ما متوسطه 290كم علي الدراجة. وحين يقود المرء دراجته قد يتصبب عرقاً، فإن معظم المكاتب الكبيرة يوجد فيها حمامات, يستطيعون فيها أن يخلعوا بدلاتهم التي التصقت بأجسامهم، وأن يغتسلوا ويرتدوا شيئا أكثر ملاءمة.
فوائد صحية
- ما تفعله الدراجة للجانب المعنوي شيئ كثير، فاستخدامها يؤدي إلى الهدوء والبهجة، ومتعة قضاء المشاوير، مع روعة مشاهدة المناظر، واستنشاق الهواء النقي، والتركيز أثناء قيادتها، فيضيع القلق, وتخف نسبة التوتر، والشعور بالراحة النفسية، وشعورا دائما بالشباب والحيوية.
- وسيلة للتمتع بلياقة بدنية عالية، فهي تنشط الجسم، وتساعد على مرونته، والتخفيف من وزنه، والتقليل من تراكم دهونه، وتنظم عمل أعضائه (وخاصة القلب، والدورة الدموية، وعضلات التنفس). كما تقوي عضلات الجسم (ويخاصة الساقين)، والظهر، ومفاصل الجسم. وهذا ينطبق على كافة الاعمار كافة.
- توفر تغيرا في يوم العمل، فتطرد شبح الروتين والممل والكآبة، وتساعد على ترك التدخين، ونسيانه.
- ركوب الدراجة تمثل بديلاً جيداً لرياضة العدو البطيء، فهي تسبب إجهادا أقل علي مفاصل الركبة. فركبوها أمر صحي مفيد في تخفيف احتمالات الإصابة بأمراض شرايين القلب أو السمنة أو غيرها من عواقب عدم ممارسة الرياضة البدنية. كما إن الدراجات الرياضية الثابتة تفيد أيضا حسب أحوال مستخدميها.
- أما ممارستها كرياضة: فهي سهلة القيادة، قليلة التعرض للاصطدام والحوادث، لمرونة المناورة بها. وتنظم النوداي لها سباقات متنوعة، ومنتخبات، واتحادات رياضية. يمكن القيام بتلك الرياضة في الطرق الساحلية للمبتدئين لنصف ساعة يوميا لتزداد تدريجيا لتصل الى ساعة. اما الطرق الجبلية، للأكثر تمرساَ، فبداية عشر دقائق وتزداد تدريجياً. كما تزداد الفائدة منها إذا مارستها في طريق يوجد بها مرتفعات أو قمت بزيادة المقاومة بالدراجات التي تحتوي على سرعات مختلفة. ويشترط عدم ممارسة رياضة ركوب الدراجات في طريق توجد بها سيارات، مع التأكد من أن مقعد الدراجة مريح، وأن فراملها جيدة، مع لبس خوذة علي الرأس للحمايتها من أي ضرر. فيما يلي جدول يبين عدد السعرات الحرارية/ الدقيقة التي تحترق مع معدل ركوب الدراجة:
عدد السعرات الحرارية التي تحترق / الدقيقة |
معدل ركوب الدراجة |
|
ركوب الدراجة 6 ميل بالساعة |
5-6 |
ركوب دراجة 8 ميل بالساعة / |
6-7 |
ركوب الدراجة بسرعة 10 ميل بالساعة. |
7-8 |
ركوب دراجة 11 ميل بالساعة |
8-10 |
ركوب دراجة 12 ميل بالساعة |
10-11 |
ركوب دراجة 13 ميل بالساعة |
- معها.. لا ضرورة للذهاب إلى نادي الجيمنيزيم، وإنفاق مئات الجنيهات سنوياً.
- للرياضة دور هام في الخطط العلاجية لمرضى السكري، وغيرهم. والتمارين الهوائية مثل المشي وركوب الدراجات والهرولة والسباحة هي أكثر فائدة لمرضى السكري. فوفق ضوابطها وتحت إشراف طبي يحدد نوعها المناسب لعمر ولياقة وجنس المريض، ونوع السكري، ومضاعافاته إن وجدت، تسهم في تنظيم نسبة السكر بالدم، وتنشيط الدورة الدموية، والمحافظة على أو الوصول إلى الوزن المثالي، وخفض نسبة المضاعفات المزمنة للسكري.
- آلام الركبة والمفاصل من الأمراض الشائعة، وتزيد حدتها كلما تقدم العمر. وتشير الدراسات أن ركوب الدراجات لأمد منتظم يقلل من آلام الركبة/ المفاصل. ويساعد في تنظيم فرز السوائل الزلالية المفصلية، ويفيد في تقوية عضلات الظهر، فيجعل القامة مستقيمة.
- الدرجات العلاجية والشلل الرعاش، فهناك دراجات للشد الأمامي، وأخري للشد الخلفي، وثالثة للشد الرباعي. وهي تنبه الحركة التبادلية في الطرفيين السفليين، وتقوي العضلات المضادة للجاذبية بهما. تنبه استخدام الجسم كوحدة واحدة مما يطور ردود الفعل، والانعكسات غير الإرادية. كما إن استعمالها ينمي وضع الجلوس وأكتساب قدرات عالية لتوزيع الاتزان، والتحكم الحركي، والمهارات البصرية، والثقة بالنفس.
فوائد مرورية
- حسب وزارة النقل الألمانية يتم قطع نحو 270 مليون كم يوميا من قبل الألمان، تساهم الدراجات في حركة النقل الإجمالية بنسة 10 %، (ويتم السعي لمضاعفتها بحلول 2015م)، بينما تحتل وسائل النقل العامة نحو 8% أما المشي علي الأقدام فيمثل 23%، ويتبقي 59% تقطعه السيارات والدراجات النارية. وثمة "خطة ألمانية قومية للتنقل بالدراجات"، تسعى المدن بموجبها لتكون الأكثر ملاءمة للدراجات، والوصول لنجاحات كبيرة في ذلك الشأن.
- في العواصم المزدحمة كالقاهرة وغيرها، تبدو شوارعها الرئيسية، وقت الذروة، كما ولو كانت مرآبا كبيرا للسيارات. كذلك شوارعها الجانبية الضيقة والمكتظة حيث ندرة المرافئ العامة، فتكثر "المشاحنات والمشاجرات" حول السيارات المنتظرة. في مثل هذه الكثافات المرورية علي الطرقات تغدو الدراجات وسيلة أكثر كفاءة وسهولة وخفة ومرونة وسرعة في التنقل والحركة، وتجاوز الازدحام.
- ليس ثمة أضطرار إلى الانتظار، ولا إلى مزاحمة الآخرين في ساعة التدافع/ الذروة.
- تقلل من حوداث السيارات، وسرعاتها الجنونية علي الطرق، تلك الحوادث ذات الكلفة البشرية والأجتماعية والأقتصادية الباهظة. كما تقلل من التكاليف الباهظة للسيارات، ووقودها، وقطع غيارها.
- وسيلة تفيد في الإلمام بقوانين المرور، وخاصة لمن يرغب في التقدم للحصول على ترخيص قيادة مركبة.
فوائد بيئية
- لا تسبب أضراراً للبيئة، بل تقلل من التلوث الجوي/ والصوتي فهي لا تنفث سموماً، ولا تصدر ضجيجاًً. ويـُقدر حجم كمية ثاني اكسيد الكربون الذي يخففه ركوب الدراجات الهوائية في ألمانيا بحوالي 3 مليون طن/ سنويا!.
فوائد سياحية
- معرفة اماكن جديدة، لم تطرقها الأرجل من قبل، وتشيع روح المغامرة، وتقطع مسافات طويلة لا تلجها السيارات. - خلال عام 2007 هناك أكثر من 20 مليون ألماني قد استعملوا الدراجات في إجازاتهم السياحية علي الدراجات لمسافات قصيرة وطويلة. "أكتشف روعة البلد علي الدراجات" تسويق سياحي، وطلب يتزايد فتتوفر له مستلزماته وخدماته المطلوبة، ومن ثم تجني أرباحه المتوقعة.
فوائد إقتصادية
- لرخص أسعارها النسبي، يعتبر شرائها إدخاراً بالنسبة للشباب.
- "الدراجة شعبية وليس لها أعداء"، لذا تزدهر تجارتها بسبب التحول إلي استعمالها. وقد بلغت مبيعاتها في ألمانيا عام 2008 نحو 1,7 مليار يورو. ويصل متوسط ثمنها إلى 368 يورو إلا أن أسعار بعضها قد تزيد لما تحتويه من تقنيات حديثة وتصميمات عصرية.
فوائد إجتماعية
- في ظل أزمات أقتصادية عالمية طاحنة.. يقلل استعمال الدراجات من "التحاسد الإجتماعي/ الطبقي" بسبب انتشار موديلات السيارات باهظة الثمن، في أوساط مجتمعات متدنية الدخول.
- قيادتها وصيانتها، ومستلزماتها تعطي الفرصة لكسب أصدقاء جدد، وتعطي وقت فراغ وإنتاجية وإنجاز أكبر.. وإنقاذا للمعمورة أيضا.
- تظهر أذواق أصحابها من خلال اعتنائهم بها، وتزيينها.
- لقد ولى الزمن الذي كان ينظر فيه إلى راكب الدراجة على أنه ممل، وإلى دراجته على أنها موروث قديم. فمن يترك السيارة وينتقل إلى ركوب الدراجة يعتبر اليوم عصريا ومجاريا لـ "أحدث موضة". فهي تمثل "شعارا للحياة العصرية، ولها مستقبلها الواعد كوسيلة أساسية في التنقل"، لأنها "الرابح الأكبر من تغيرات المناخ". لذا فازدهار "عصر الدراجة"، وافول عصر"جنون السرعة" سيولد "ثقافة وأسلوب حياة جديد، ومجال خدمات مختلف".
صفوة القول: إنها فرصة للخروج من بيت وسيارة وعمل وتريض في أماكن مغلقة مكيفة إلي حيث الطبيعة والنشاط والحيوية. كما أنه في ظل تنامي مشكلات صحية وبدنية، ومعضلات مرورية وبيئية وإقتصادية وإجتماعية تبقي الدعوة جادة لإستعمال الدراجات "الوسيلة الأسرع، والأكثر صحية، والأوفر تكلفة". ولنجرب الدراجات، فرادي وجماعات، ولن نخسر شيئأ، بل سنربح كثيراً. لنجرب، وسأكون أول المُجربين.
بقلم: ا.د. ناصر أحمد سنه.. كاتب وأكاديمي من مصر.
E.mail:عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.