ربى الرياحي
قد تكون الحياة معقدة وغير مفهومة وفيها الكثير من الضغوطات والمواقف الصعبة، لكن ذلك لا يعني الاستسلام والبقاء داخل دائرة الأفكار السوداوية المتشائمة. فالجميع يدرك تماما أن الحياة لا تقدم الفرح طوال الوقت، بل هناك صعود وهبوط، فالحزن يعقبه فرح والفشل يعقبه نجاح. ولأن القوة تأتي من الأفكار، فمن الطبيعي أن نركز بالدرجة الأولى على كل ما يسعدنا ويجعلنا ناجحين.
واقعك يشبه أفكارك، قانون حياتي يغفل عنه أغلبية الناس ويعتقدون أنه مجرد كلام فقط، تركيزهم على الأمور السلبية في حياتهم يمنعهم حتما من أن يكونوا سعداء حتى مع أنفسهم، لذا يظلون رهائن لأفكارهم البعيدة كل البعد عن الأمل والمبنية فقط على المخاوف والقلق والهواجس التي تقتل فيهم التفاؤل بواقع يحتضن أفكارهم.


زياد شاب لم يتجاوز عمره 35 عاما، آمن بنفسه جيدا، واستطاع أن يكون ناجحا بعمله وحياته الأسرية، هو بإيجابيته عرف كيف يجذب السعادة لحياته، يقول إن الأفكار تجذب الأقدار، وهذا تماما ما ركز عليه منذ أن كان صغيرا.
زياد اشتغل على نظرته تجاه نفسه واهتم كثيرا بأن تكون أفكاره داعمة له وليست عدوا عليه، مبينا أنه وثق بإمكاناته منذ البداية ولم يفقد يوما إيمانه بأنه قادر على أن يطور نفسه ويستطيع أن يكون مالكا لمشروعه الخاص ومحاطا بأشخاص يحبونه ويدعمونه في كل خطواته.
ويشير زياد إلى أن الأفكار السعيدة والإيجابية هي وقود النجاح، وأن القوة تأتي من الداخل، فلا يهزم شخص يؤمن بإمكاناته وقدرته على رؤية الخير حتى في أصعب المواقف. وتوافقه نسرين الرأي نفسه، تقول إن جذب الأفكار السعيدة لحياتنا لا يعني أن الحياة خالية من الهموم والضغوطات، بل النظر بإيجابية لكل ما يحدث حولنا يساعدنا نفسيا على اجتياز كل العقبات والتعاطي مع الواقع على أساس ما نزرعه، فكلما كنا أقدر على إسعاد أنفسنا من خلال أفكارنا كان النجاح أقرب لأن يتحقق.
نسرين كانت دائما صديقة لنفسها، وما تزال كذلك تبحث باستمرار عن أفكار تعزز الثقة لديها وتمكنها من الوصول بشكل أسرع لهدفها. دراستها الطب كانت نتيجة تركيز وجهد وإيمان، لم يكن ذلك صدفة أبدا، وخاصة أن ظروفهم المادية كأسرة كانت عائقا يقف بينها وبين شغفها في أن تكون طبيبة أطفال يوما ما. لكن نسرين اشتغلت على أفكارها، فحرصت أن تجعلها أكثر إيجابية وطموحا، لذا تحاول أن تكون داعما لنفسها في أي موقف تتعرض له. كما تهتم بتخصيص وقت لممارسة كل الأشياء التي تحبها واللجوء أيضا للرياضة، إضافة إلى تحدثها يوميا مع نفسها، وهذا كله يجعلها أقوى تعيش الحياة من زاويتها، وبالطريقة التي تبقيها سعيدة مهما حدث.
ويؤكد الباحثون، أن للأفكار الإيجابية منافع صحية كثيرة، أهمها خفض معدلات الاكتئاب، التقليل من الشعور بالتوتر والألم، مقاومة عالية ضد الأمراض، التمتع بصحة نفسية وبدنية أفضل، تحسين صحة القلب والأوعية الدموية، وغيرها من الإيجابيات التي تدفع الإنسان لأن يكون متصالحا مع كل ما يحدث معه، فالحياة لا يمكن أن ننظر إليها من زاوية السيئ أو الجيد فقط، هناك حلول وسطى أيضا بإمكانها أن تساعدنا على اختيار الأنسب لنا ضمن حدود الإيجابية.
ويبين الاستشاري النفسي الأسري الدكتور أحمد سريوي، أن واقع حياتك هو رهين أفكارك أنت كما تفكر، إن فكرت بطريقة إيجابية وتبنيت عقلية الطامح نحو تحقيق الأهداف وبناء المستقبل، ستجد أن هذا التفكير هو وقود العمل وهو الدافع تجاه التحرك والإنجاز، أما المتشائم والمتبني لعقلية السلبية تجاه مستقبله وحياته، فإنه يفتقر للشغف ولا يمتلك الحافز نحو العمل والتغيير ستراه بأحسن أحواله لا يتقدم خطوة، وإن ساءت فإنه يتأخر كل يوم.
خطوات إيمانك بأفكارك تدفعك نحو محاولة تحقيقها، وفق سريوي، ولكن حينما تغفل عن هذه القوة الدفينة بداخلك، فإن الأهداف لن تتحقق حينها من تلقاء ذاتها، إذا ما القوة التي تتدخل لتجعل هذا إيجابيا، وذاك ذا تفكير سلبي؟ إنها الشخصية على نوعيها (السوية والمرضية)، فالشخصية السوية هي التي تتمتع بكل الصفات الإيجابية السابق ذكرها.
ويكمل سريوي، أما الشخصية المرضية فهي على شقين: 1-الاضطرابات في الشخصية (العصابية) تندرج تحت أكثر من شخصية، قد يسبب هذا النوع من التفكير السلبي مثل: الشخصية الوسواسية القهرية (وهي أكثرهم معاناة وأشهرهم فيما يتعلق بموضوع التفكير الزائد والتفكير السلبي)، الشخصية التجنبية (وهي في كثير من الحالات تكون موجودة على أرضية شخصية وسواسية قهرية، فتختلط لديها السمات لتزيد الحالة معاناة أكثر)، الشخصية الاعتمادية:
حيث المخاوف المبالغ بها وصعوبة اتخاذ القرار والتردد بشكل مبالغ فيه بسبب الخوف من عواقب هذا الفعل في المستقبل والتشاؤم سيد الموقف وبالنهاية عدم اتخاذ القرار، والشخصية الشكاكة: في حالة عدم الثقة بالآخرين وتوقع الأسوأ منهم، فإن التفكير السلبي هو المسيطر على الأفعال والأقوال.
2- الأمراض النفسية: مثل الاكتئاب والاضطراب الوجداني ثنائي القطب وغيرها من الأمراض، ولتغيير تفكيرك من سلبي لإيجابي، يجب العلم أن المسألة تحتاج إلى حلين حسب الحالة: 1- إذا كان السبب اضطرابات في الشخصية، فالعلاج هو جلسات العلاج النفسي غير الدوائي من خلال العلاج المعرفي السلوكي، 2- إذا كان السبب أمراضا نفسية، فالعلاج هنا هو دوائي، إضافة إلى جلسات علاج سلوكي معرفي.
وترى خبيرة علم الاجتماع فادية إبراهيم، أن كل ما يحصل لنا في هذه الحياة هو نتيجة اختياراتنا أفكارنا وسلوكنا، وأي شخص مهما كانت ظروفه يستطيع أن يغير واقعه، وإن لم يستطع فيجب أن يكون لديه القدرة لتجميل واقعه والتعايش معه بشكل إيجابي بعيد عن السلبية والسوداوية. ويمكن أن نجعل واقعنا أفضل بفهم ذواتنا أولاً من نحن وماذا نريد من هذه الحياة وما العلاقة بيننا وبين الواقع.
أيضاً التخلص من السلبية من أهم الأمور التي قد تساعدنا على عيش حياة أفضل لأن السلبية أكبر عائق أمام أي تقدم أو تطور، فيجب أن نتخلص من أفكارنا السلبية مشاعرنا السلبية وكذلك سلوكنا السلبي، وفق الخبيرة إبراهيم.
كذلك من الممكن البحث عن خيارات في حياتنا وإن لم تكن موجودة يجب خلقها أو صنعها أو البحث عنها، لأن الاستمرار في خيار واحد قد يكون هو ما يقتلنا ويقتل سعادتنا. كذلك العائلة والأصدقاء والعلاقات الإنسانية والاجتماعية الجيدة والناجحة تقدم لنا الدعم والمساندة، ونشعر بأننا نعيش حياة أفضل حتى وإن كان الواقع صعبا. العمل والعطاء أيضاً قد يخلقان عالما ذا مشاعر إيجابية، ويشعر الشخص أن له تأثيرا جيدا على هذه الحياة وعلى واقعه. المشاعر الجيدة مثل التسامح والامتنان تشعرنا بالرضا بالواقع بدل السخط وكثرة التذمر وعدم الإنجاز.
وتختم إبراهيم "من المهم عدم مقارنة حياتنا أو واقعنا بواقع الآخرين؛ لأن المقارنة متعبة وقد لا تفيدنا بشيء غير المشاعر السلبية، مثل الغيرة والحسد من واقع الآخرين والسخط وعدم الرضا عن واقعنا".

JoomShaper