ربى الرياحي

عمان- المواقف معيار حاسم في تحديد ما إذا كنا سننحاز إلى الصمت أم الكلام. يظل القرار معلقا حتى نفهم الموقف بكل تفاصيله. إنّ معرفة متى نصمت ومتى نتكلم قرار قد يتحكم بعلاقاتنا ومحيطنا.

نلجأ إلى الصمت عندما نشعر بالخذلان، أو حينما يساء فهمنا، أو عندما نرغب في تجنب حوارات جوفاء لا فائدة منها. يعلمنا الصمت التوقف على حافة الحلول، ونلجأ للبحث عن رصيد المحبة والثقة وأعذارٍ تخرجنا من مأزق القرارات الخاطئة التي قد تكلفنا عمرًا من الندم.

الصمت في العديد من المواقف خيار صحي يحمينا من نطق كلمات قد تصدر عن غير وعي أو لرغبة في الكلام. لكنه قد يصبح سلاحا ذا حدين، والسبب بالألم والجروح والعداوة. إن معرفة متى نصمت ومتى نتكلم سؤال يستحقّ التفكير، للتمكن من اختيار التوقيت الأمثل للتعبير في كل موقف نمر به.

مريم جهاد موظفة في إحدى المؤسسات تجد أن الصمت رغم أنه في أوقات كثيرة قد يكون الخيار الأفضل لإنقاذ علاقات من الانهيار، إلا أنه أيضا دليل على الخذلان في موقف يستدعي الكلام لتتوضح وجهات النظر وازالة اللبس.

وتبين أنها تعرضت لموقف صعب في مكان عملها وكانت صدمتها عندما اختار زملاؤها الصمت بدلا من الدفاع عنها وإنصافها في أكثر وقت كانت بحاجة لكلمة منهم تشعرها بقيمتها عندهم. هي تدرك متى يكون الصمت قاتلا ومتى يكون درعا للنجاة من الغرق في مشكلات لا نهاية لها، لكن الأهم من ذلك بحسب رأيها أن نتعلم متى يكون الوقت المناسب لنقرر الصمت أو الكلام.

في حين أن لمى ترى الموضوع من زاوية أخرى، فهي شخصيا تفضل الكلام على الصمت لأنها بالكلام تفهم كيف يفكر الطرف الآخر وماذا يريد بالضبط وأيضا الكلام بالنسبة لها يضع الأمور في نصابها، لكن بحسب لمى هناك أشخاص يلجأون للصمت كنوع من العقاب والإهمال وخوفا من كشف أخطائهم. وتلفت إلى أنها تعتمد الحوار في كل المواقف التي تتعرض لها ولا تحب أن تسجن داخل مصيدة الصمت، وبالتالي تجد نفسها مغيبة عن أمور كثيرة كان الأولى بها أن تعرفها لتستطيع بعد ذلك أن تجد حلا لكل مشكلة تواجهها.

يسلط الاختصاصي النفسي الدكتور موسى مطارنة الضوء على أهمية التوازن بين الصمت والكلام في حياتنا، مؤكدا أن الاختيار بينهما هو أساس التعامل الأمثل مع المواقف الحياتية المتنوعة وبردة فعل مناسبة.

 ووفق قوله، فإن الصمت يكون خيارا عندما نتألم وتبنى الحواجز ويفقد الكلام معناه نصمت عندما نخشى الخسارة وعندما نريد الاحتفاظ بعلاقاتنا بعيدا عن قسوة الكلام، وهو حل للهروب من الوضوح وإشعار الآخر بالتقصير كمحاولة لتأديبه.

ويشير مطارنة إلى أن الصمت في غير مكانه قد يكون خذلانا وكذلك الكلام في غير وقته بلا قيمة، لذا لا بد من قراءة المواقف وفهمها ومن ثم يأتي القرار بالصمت أو الكلام ليغلق أبوابا كثيرة من الشك والخوف.

ويبين أن الكلام وسيلة مهمة للتعبير عن الذات وعن الأفكار عن طريقه نقدم شخصيتنا للآخر لكن بشرط أن يكون نافعا ومفيدا وفي مكانه الصحيح إضافة إلى ضرورة اللطف بالحديث ليستطيع الآخر تقبله والتفاعل معه واحترامه حتى وإن لم يتفق معه. ويختم حديثه أن اختيار التوقيت المناسب هو ما يعطي للصمت هيبته وللكلام معناه.

وتبين خبيرة علم الاجتماع فاديا ابراهيم أن العلاقات الإنسانية والاجتماعية تعتمد على التواصل والتفاعل، الكلام والحوار أحد أهم الأساليب لتحقيق ذلك، وهناك مواقف يكون السكوت أو الصمت أيضاً أحد أساليب التفاعل الإنساني وردة فعل ضرورية بمواقف مختلفة للتعبير عن مشاعرنا ومواقفنا تجاه أفعال كثيرة تصدر من الآخرين.

والصمت هو ردة فعل لكثير من المواقف والأفعال. وهناك أسباب كثيرة يلجأ فيها الشخص إلى اتباع أسلوب الصمت في التعامل مع الآخرين، وتختلف تلك الأسباب على حسب الموقف، وحسب قرب الشخص لك وأهميته ومن هذه الأسباب: الغضب والانزعاج، رغبة في راحة البال والهروب من العتاب واللوم، أسلوب لحفظ الكرامة، تجنب المواجهة، نوع من الخجل والحياء، الكلام لن يفيد في هذه الحالة، بث إحساس التقصير وتأنيب الضمير لدى الطرف الآخر، ومن أنواع العقاب، والإساءة العاطفية، والإحساس بالخذلان، والوجع، والقلق، والصدمة، والانسحاب.

ووفق قول إبراهيم، فإن الصمت قد يكون أكبر إثبات على لغة العقاب، أو الخذلان، أو التجاهل، وعندما تتحول المشاعر إلى صمت وسكوت وتقف حائرا بين تفسير وترجمة هذا الصمت وترهقك تلك المشاعر ويصبح تفسيرها صعبا جداً.

ويأتي الصمت كأسلوب قد ينتج عنه تأثير معنوي ونفسي قد يكون سلبيا أو إيجابيا تجاه الطرف الآخر أو الشخص نفسه، فهو يرسل رسائل تنبيهية للتحذير. ويختلف الوقت حسب نوع المشكلة، وحجمها، وقرب الأشخاص من بعضهم. فهناك صمت صحي الهدف منه الانتظار حتى تهدأ وتستقر الأمور ويزول سوء التفاهم، ومن المتوقع أن تكون المدة قصيرة للتواصل من جديد.

 وإذا كانت الأمور متفاقمة، تقول إبراهيم إن هذا الأسلوب يأتي للمعاقبة أو التجاهل أو الإهانة والإحساس بعدم الأهمية فهنا ستطول المدة حتى يخضع الطرف الآخر، أو يرحل نهائيا.

والتواصل اللفظي ضروري جدا في نجاح العلاقات، ويصعب الاستمرار في علاقة سواء كانت عاطفية أو صداقة أو شخصية أو أسرية إذا كانت تعتمد على أسلوب الصمت، لذا يجب أن نحاول دائماً كسر حاجز الصمت عن طريق التكلم بلطف وحب، وخلق أجواء بعيدة عن التوتر والقلق والخصام، والتحدث بالصراحة ومناقشة المشكلة، والتعبير عن شعورنا بهدوء لكي نتخذ القرار السليم، ومعرفة أنه من الخطأ الاستمرار في حالة السكوت بعد انتهاء المشكلة.

 

JoomShaper