أصبح الحديث عن ظاهرة المثلية مكرراً في عدة مناسبات، وبلغت المقالات التي تناولت هذا الموضوع ظواهر غير مسبوقة، ومع أن السينما أبدت جرأة في تناول الموضوع مؤخراً، إلا أنها لم تسلم من الهجوم على عدد من الممثلات اللواتي تجاوزن المحظور بقبول هذا النوع من الأدوار

وقد اشترك معهم حين يخرج الطرح عن إطار الرفض ليدخل في ميدان الإغراء، ربما دون قصد من المؤدين، وإنما تبعا لقصور في طريقة المعالجة

ولا نريد ان نتهم أحدا بالغرض التجاري، العائد بقوة، بعد أن ظنناه ماض تجاوزته ثقافتنا التي نبذت يوما سينما العرض المستمر، وظل التنويه خجولاً رغم الحديث الذي يتناقله عدد من المواقع الالكترونية عن تفشي هذه الظاهرة لحد العلنية أحياناً ..
وفي دراسة عرضها أحد المهتمين عاد بذاكرتنا إلى قصص من هذا القبيل تناولتها السينما المصرية حيث كان المخرج يوسف شاهين قد نوه بشكل بسيط في فيلمه اسكندرية لي عن علاقة شاب بضابط انكليزي، ولمح له فيلم كشف المستور من خلال الفنانة نجوى فؤاد، و طالعتنا عمارة يعقوبيان رواية الدكتور علاء الأسواني بتصوير لشخص مثلي أيضاً، وبينت حقيقة تحوله من خلال علاقة الولد الصغير مع الخادم في ظل انشغال الأهل، حيث الأب المهم، والأم التي ارتبطت بعلاقة غير شرعية مع القنصل الفرنسي، وبالتالي من خلال إدريس الخادم، تحول الصغير إلى شخص مثلي، وكبر، وأصبح صحفياً موسوماً بالشذوذ، وانتهى الأمر إلى قتله على يد أحد الذين اصطادهم لتحقيق متعته الشاذة.
وطبعا ظهرت مؤخرا مجموعة مقالات تتحدث عن موقع على الانترنت أطلقه المثليون في سورية، مستخدمين شعار أنا مثلي مثلك، وحيث أن هناك عدة مظاهر شكلية تفرز ما يسمى بالطنطات، فقد اختلط الشك باليقين لدى الناس بين اعتبار بعض المظاهر من نواتج الموضة، أو أنها تخفي ميولا مثلية حقيقية، وطبعا لا توجد إحصاءات دقيقة لهذه الحالات كونها تتم في السر، وفي غياب رقابة المجتمع، والرعاية النفسية المناسبة، وحتى لو كان هناك بعض ممن يريدوننا أن تقبل هذا الواقع الشاذ، تحت مسميات يتحذلقون بها إلا أنها جزء من خلل نفسي، ربما تكون له دوافعه، التابعة لحالات الاضطهاد، وما إلى ذلك إلا أنها تظل ظاهرة شاذة تنتج شخصيات متآكلة نفسياً، وبحاجة للعلاج النفسي، والذي تفتقر له مجتمعاتنا التي لم تأخذ الرعاية النفسية فيها حقها، ولا التوعية المناسبة أو الحديث العلمي الموضح، والمعني بثقافة جنسية حقيقية يمكن أن تعصم أبناءنا من خطر الشذوذ، وفي العمل المسرحي تكتيك الذي قدمه عبد المنعم عمايري، في العام الماضي ظهر الفنان قاسم ملحو في دور الشاب القواد الخارج عن أصول النزاهة، والمجتمع، المستعد لبيع أي شيء، بعد أن فقد الثقة بالواقع إثر تعرضه للاعتداء على يد الشخص الذي اعتبره بديلا عن الوالد المفقود ..
وفي دراسات عديدة يتحدث عدد من الباحثين عن استعداد فطري عند الأطفال لميول غير طبيعية في ظل حجب الستار الآمن عنهم، وانعدام الثقافة الجنسية الهادفة، وهذا اعتراف صريح، بأن المثلية ليست
إلا مأزق نفسي، لا يصلح لتعميمه كظاهرة .
مواقف الدول:
وفي كانون الأول (ديسمبر) 2008، وقع 66 بلداً في الجمعية العامة للأمم المتحدة بيانا يتعلق برفع العقوبة عن المثلية في حين وقع ستون بلدا آخر بيانا مخالفاً تلته سورية وأيدته الدول العربية.
إذا سورية كانت من أولى الدول التي تصدت للتساهل في هذا الموضوع، والذي لا يجوز استغلال شعارات غربية متطرفة عنا، للترويج أو التغاضي عن هذه الظاهرة، لما يمكن أن يتسبب في استغلال عدد من الأطفال، والمراهقين، وتحويلهم إلى أشخاص شاذين، في فترة من العمر يكونون فيها أضعف من أن يقيموا التجربة، وعواقبها الاجتماعية.
ورغم المطالبات الغربية بالتنحي من الحياة الشخصية للإنسان، والترويج لجعل هذه الممارسات جزء من واقع شخصي . إلا أن إيزنهاور الرئيس الأميركي سنة 1953 أصدر مرسوماً بحرمان أي مثلي أو مثلية من الحصول على وظيفة فيدرالية ..
من الشوارع .. مع الأسف!!
اللافت في الموضوع انتشار ظاهرة الصيد، فقد ذكر أحد الأشخاص تعرضه لمحاولة اجتذاب أكثر من مرة وكان مذهولاً من العرض، وأسلوبه حتى لو كان تلميحي، خاصة في بلد لا يزال يفاخر بموروثه من القيم الإجتماعية، والدينية.
أما الشاب سامي فيقول كنت أسمع عن شاب، ينتمي لأسرة مفككة على الصعيد الاجتماعي، منذ خمس أو ست سنوات يمارس هذا النوع من العمل سرا في إحدى المنشآت السياحية، حيث يتقاضى أجورا من أشخاص غير سوريين يلتقيهم من خلال عمله، ويجري معهم اتفاقات مأجورة، دون علم الإدارة.وقد ترك العمل حين شك بأمره أحد زملائه حيث لاحظ تسلله إلى غرف الزبائن، ورغم أننا لا نريد الخلط بين الميل الجنسي الشاذ، والدعارة إلا أنه يبدو أن لا مفر من ذلك، كجزء من الظاهرة، ورغم عدم وجود عيادات مختصة بهذا النوع أي المثليين، إلا أن عدد من الأطباء النفسيين أكدوا أن هناك من يلجأ من هؤلاء للعلاج خاصة، أن عقدة الذنب تسيطر عليهم، وتسبب لهم إشكالات مضاعفة خاصة عندما يواجههم المجتمع بالاحتقار الشديد.
استطلاعات وآراء:
وعند استطلاع رأي بعض الشبان والشابات تبين أن معظمهم لا يتوفر لديه الوعي الكافي بحقيقة المثليين، وطبيعة مشاعرهم، وحاجاتهم النفسية والعضوية، ودوافعهم إلى اختيار شريك من الجنس نفسه، واجتمع أغلبهم على أن المسألة " منافية للطبيعة البشرية ويحرمها الدين وكثيرون متفقون على ضرورة المحاسبة القانونية، والتخلص من هذه الظاهرة إن كان عن طريق العلاج النفسي على اعتبار أن المثلية مرض نفسي، أو بالعلاج الطبي، على اعتبار أن المسألة ترجع لخلل هرموني، أو بكلا العلاجين معاً، لأنها برأي هؤلاء ترجع لأسباب فزيولوجية (هرمونية، ووراثية) وأخرى نفسية في الوقت نفسه.
وعمليا فإن هذه الظاهرة النامية مع الأسف، في ظل السواتر، ليست إلا جزءا من التشوه الذي يجتاح مجتمعاتنا، وطبعا لا تنتمي لثقافتنا على كل الصعد، فهي دخيلة على قيمنا، متصاعدة ضمن حياة الشحن الذي يعيشه الشباب المفرغ من محتويات الثقافة الراقد أمام الإعلام العالمي الموجه للتحريض الغريزي غير الواعي كحملة حقيقية ضد شبابنا الضائع إمعانا في تغييبه في ثقافات الغير ليختار منها الأسوأ في ظل انعدام القدرة على المحاكمة، وابتعاد المؤسسات التربوية عن السجالات البناءة في هذه الأمور مكتفية بالتجاهل، أو الإطلالة الخجولة، دون دور توجيهي حقيقي.
مناشدة وتوسل:
لم يبق لنا ما نراهن عليه سوى هذه القوى الشابة التي نأمل أن تكون جزءا من الموارد الفعالة لعمليات التنمية بوصفها موارد يشرية فعالة، رجاء لا تسمموا أفكارهم بحكايات عن الحرية الشخصية مغلوطة ومتناقضة مع مشروعنا الحضاري، إنها أفكار مستوردة لن تزيد إلا اضطهادهم النفسي، ونبذهم من المجتمع، وانعزالهم عنه، لنقف مع من ينحاز لصلاح هذا الجيل، ونتعامل مع الظاهرة كمرض عضال، لابد من بذل الجهود الحثيثة للقضاء عليه خوفا من تضخم يودي بقسم كبير من مقدرات المجتمع البشرية، وهذه المجتمعات أحوج ما تكون إليها ..

مجلة ثرى - العدد 195 تاريخ 22\ 8 \2009 - السنة الخامسة

 

JoomShaper