تغريد السعايدة
عمان- نهاية وبداية في آن معا، يطوي العالم صفحة مضت ويفتح أبواب عام جديد، محملا بآمال وتطلعات لمستقبل أكثر إشراقا وأمانا وإنسانية. ما مضى أثقل كاهل كثيرين بمشاهد الألم والحروب والدمار، وحصد أرواح الآلاف، تاركا خلفه جراحا وندوبا كبيرة.
ومع إشراقة العام الجديد، تتجدد الأمنيات بأن يكون 2025 بداية تحول إيجابي، أملا بأن ينهي هذا العام الحروب، ويرسي السلام والأمن، ويمنح العالم فرصة جديدة لترميم ما كسر وفقد، وتوسيع "فسحة الأمل" في القلوب.


  إسقاطات الحرب المستمرة على غزة ما تزال تثقل قلوب العالم الإنساني، إذ تتردد أصداء الألم في كل أمنية ودعاء، حيث تتصدر غزة تلك الدعوات لإنهاء معاناة طال أمدها واشتدت شراستها، فما يحدث يبقى "غصة في القلب"، حتى في لحظات الفرح والمناسبات السعيدة، ليصبح الألم اليومي في غزة وازدياد شراسة الحرب، مشهدا حاضرا.
"ونحن نلعن الظلام، لا بد لنا من إشعال شمعة"، بهذه العبارة تختصر صباح سمور حديثها عن العام الماضي واستقبالها للعام الجديد. ترى صباح أنه رغم ما يمر به العالم من أحداث مأساوية، علينا أن نمنح الأيام فرصة للمرور والعمل على تجميلها، والتركيز على الجانب المضيء منها والتعلم من الأخطاء والمضي قدما بروح أكثر تفاؤلا.
أما ماجدة صالح، فتشير إلى أنها عاشت خلال العام 2024 بعض الأحداث العائلية التي تركت أثرا عميقا في حياتها.
ورغم ذلك، لا تنكر أن العام حمل أيضا لحظات سعيدة ومميزة أضفت على قلبها فرحا خاصا. وتضيف: "هذه هي الحياة؛ كل عام يمضي يحمل في طياته تناقضات من الفرح والحزن، ولا يعني ذلك أن نقف عند لحظات الألم".
الأهم هو أن نلتفت إلى الوراء لنستذكر ما كان جميلا، ونستمد منه الأمل بأن تكون السنة القادمة أفضل، وأكثر أمنا وطمأنينة للجميع. وتختم ماجدة حديثها: "نرجو أن يشهد العام الجديد نهاية الحرب في غزة".
"خير وسلام وأمان وبركة وسعادة، وتحقق كل الأمنيات الجميلة، وأن يرضى الله على الجميع متحابين فيه بلا حقد ولا حسد ولا ضغينة"، هكذا تختصر نور قويدر أمنياتها مع نهاية العام واستقبال عام جديد. تبين نور أن كل عام يجب أن يستقبل بالتفاؤل وحسن الظن بالله، على أمل أن يحمل القادم معه الخير، رغم ما تصفه بـ"مطبات الحياة"، وأن تتوقف الحرب في غزة.
ورغم الأحداث العالمية والإقليمية التي تلقي بظلالها على العالم، يبقى هناك مجال للكثير من الأمنيات الشخصية التي يتطلع الناس لتحقيقها مع بداية العام الجديد. بين الدراسة، والعمل، والتفوق، وتطوير الذات، وتحقيق الأمنيات المتعلقة بالأسرة والأبناء والأصدقاء، يسعى كل فرد لصناعة لحظات السعادة مع محيطه. لكن في قلب تلك الأمنيات، تبقى دعوات السلام والاستقرار والأمن والأمان حاضرة، لعلها تخفف آلام الدول المكلومة وتداوي جراح الشعوب التي أتعبتها الحروب وأنهكتها.
وما بين متفائل ومتخوف من العام القادم، ومتذمر أو شاكر للعام الماضي، تبقى مسيرة الحياة مستمرة، تحتاج دائما إلى النهوض بعد كل سقوط، والسعي للبحث عن مواطن السعادة أينما كانت.
في هذا الجانب، تشير الاستشارية النفسية الأسرية والتربوية حنين البطوش إلى أن عام 2024 كان عاما حافلا بالأحداث التي هزت العالم، خاصة في منطقة الشرق الأوسط. فقد شهدت صراعات دامية وأزمات إنسانية عميقة وتحديات اقتصادية واجتماعية ونفسية، تركت آثارا كبيرة على نفوس الملايين، خاصة في قطاع غزة الذي مثل نقطة تحول حاسمة في المشهد العالمي.
بحسب البطوش، أدت هذه الأحداث إلى تفاقم الأزمة الإنسانية وخلق صدمات نفسية عميقة، مما ولد شعورا باليأس والعجز أمام استمرار الحرب الدامية في غزة. ترك هذا العام بصمات واضحة على نفوس الناس، حتى خارج القطاع، حيث بات الشعور بالخوف والقلق كبيرا، والمستقبل غامضا ومليئا بالتحديات. كما عانت مجتمعات كثيرة من حالة من عدم الاستقرار، وتأثرت العلاقات الاجتماعية بشكل ملحوظ. أما الأطفال والشباب، فكانوا الأكثر تضررا من الناحية النفسية، وهي تأثيرات قد تمتد وتؤثر على مستقبلهم بشكل كبير.
"عام 2025 هو الخطوة الأولى نحو حلمي بدراسة الطب، وأتمنى أن تكون الثانوية العامة هذا العام فرحتي المنتظرة لي ولعائلتي ولكل من حولي"، بهذه الكلمات البسيطة تعبر ماسة محمد عن أمنيتها الكبرى. تأمل ماسة أن تكلل جهودها في عام 2024 بالنجاح، رغم انه كان عاما صعبا بكل المقاييس، مليئا بالجد والتعب والصعوبات.
أما إلهام الترك، فتقول إنها تحرص مع بداية كل عام على وضع العديد من الأمنيات والطموحات، وتسعى لتحقيقها. لكنها لا تحكم على عامها إذا لم تحقق كل ما تطمح إليه، فالقناعة والإيمان بأن لكل شيء وقتا هي السبيل الأمثل لرؤية الجمال فيما مضى. تواصل العمل على تطوير نفسها، سواء في مجال عملها أو في علاقاتها مع الآخرين، متطلعة نحو الأفضل.
تقول إلهام إن كل عام ينتهي يحمل معه مشاعر وتجارب مختلفة، مما يغير نظرتنا للأمور من حولنا. وترى أن هذا التغيير يساعدنا على تجاوز الأخطاء والذكريات الحزينة، والتركيز على اللحظات الجميلة التي مررنا بها خلال العام، مع تكرار الشكر لله على نعمة الصحة، وعلى أمل أن يكون العام القادم مليئا بالخير لكل من حولنا، وأن تستجاب الدعوات وتشفى جراح شعبنا في غزة".
وعلى الرغم من تتابع الأحداث وتسارعها، كما هو الحال في سورية، ترى إلهام أن الأمل ما يزال حاضرا. فقد شهدت مواقع التواصل الاجتماعي موجة من الفرح والسعادة بين اللاجئين السوريين، مع الإعلان عن إمكانية عودتهم إلى ديارهم التي هجروا منها لسنوات بسبب الحرب. تعبر المنشورات عن مشاعر مختلطة من الحنين والفرح بعد سنوات طويلة من المعاناة والألم والفقد.
مع نهاية عام وبداية آخر، تتوجه الأنظار نحو المستقبل بأمل في عام أفضل، كما تقول البطوش، حيث يتطلع الناس إلى تحقيق السلام والاستقرار والازدهار، وإعادة إعمار ما دمرته الحرب، وتوفير حياة كريمة للأجيال القادمة، مع تعزيز التضامن والتكاتف لمواجهة التحديات الكبيرة والمشتركة.
ووفق البطوش فإن التغيير يبدأ من داخلنا، عبر العمل الجاد والتعاطف مع الآخرين، وأن الأمل والإيجابية هما السبيل للتحول من ضحايا لما يحدث إلى صناع للتغيير. وترى أن أهم الدروس المستفادة من هذا العام هي أهمية التضامن الإنساني كأساس لبناء مجتمعات قوية ومتماسكة، حيث يمكننا بالتكاتف التغلب على أصعب التحديات.
تضيف البطوش أن قصص الصمود والإصرار التي شهدها العالم تلهمنا للاستمرار، وتؤكد الحاجة الملحة لتتحقق الإنسانية والسلام والاستقرار، لافتة إلى أن هذه التجارب، رغم صعوبتها، تحمل دروسا قيمة يمكن أن تكون نقطة تحول نحو مستقبل أفضل.
ومن أهم الدروس التي يجب أن يتعلمها الإنسان هي أهمية التضامن الإنساني لبناء مجتمعات قوية ومتماسكة. بالتكاتف والتعاون، يمكننا التغلب على التحديات والوقوف أمام الكوارث، فقد أثبتت الإرادة البشرية قدرتها على الصمود، وكانت قصص الإصرار والنجاة مصدر إلهام يدفعنا نحو الأمام، مشددة على الحاجة الملحة لتحقيق السلام والاستقرار.
وترى البطوش أن التعليم المستمر والتطوير الذاتي وتحسين المهارات، السلاح الأقوى لمواجهة التحديات. وتعلم مهارات جديدة وتحويل الشكوى إلى عمل يساعد على إيجاد حلول مبتكرة والمساهمة في التغيير الإيجابي.
وتنصح من يسعى للنمو الشخصي في العام الجديد بتحديد أهداف واضحة والعمل عليها تدريجيا، مع التركيز على الرعاية الذاتية من خلال ممارسة الرياضة، تناول طعام صحي، والنوم الكافي، إضافة إلى بناء علاقات إيجابية وتعزيز التفكير الإيجابي كأسلوب حياة.
تقول البطوش: "عليك أن تصنع فرصك بنفسك، وتكون صبورا ومثابرا، ولا تخف من اتخاذ قرارات تخدم مصلحتك الحقيقية. استلهم من تجارب العام الماضي لبناء مستقبل أفضل قائم على التعاون والتضامن".

JoomShaper