أيمن بريك
- الروح المتشائمة لا يمكن أن تصنع تغييرًا
أكد فضيلة الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة ـ المشرف العام على مؤسسة "الإسلام اليوم" ـ أن القدرة على فهم الذات جيدًا هي أحد أنماط التغيير سواء كان ذلك مرتبطًا بتغيير الاسم أو غيره، مشيرًا إلى أن الروح المتشائمة لا يمكن أن تصنع تغييرًا.
وقال الشيخ سلمان في حلقة الاثنين من برنامج "حجر الزاوية"، والتي جاءت تحت عنوان "تغيير الذات" وفي رده على سؤال، يقول: لماذا نبدأ بتغيير الذات ؟، قال الشيخ سلمان: إن الإنسان قد يولد عاديًا ويعيش عاديًا ويتزوج عاديًا ويموت عاديًا ويكتب على قبره عادي بن عادي، وذلك لأن كل الأشياء عنده عادية، مشيرًا إلى أنه عندما تعم الأشياء العادية، فلا يتوقع الإنسان أن يحصل منها على الأشياء المتميزة والمتفوقة، ولذلك فإن تغيير الذات هو أول محطة يجب أن نتوقف عندها، يقول الشاعر:
دَواؤُكَ فيكَ وَما تُبصِرُ وَدَاؤُكَ مِنكَ وَما تَشعُرُ
وَتَزعُمُ أَنَّكَ جُرمٌ صَغير وَفيكَ اِنطَوى العالَمُ الأَكبَرُ
وأضاف فضيلته: أن هذه الذات التي نتحدث عنها ليس فقط فرداً، ولكنها فرد له حضور اجتماعي، وذلك لأن تغيير الذات لا يقصد به فقط الحديث عن الشخص بذاته، لأنه من الصعب تصور شخص سليم مائة بالمائة في وسط مجتمع ليس كذلك وإنما نتحدث عن تغيير ذاتي للفرد وتغيير ذاتي للمجتمع.
معاناة نفسية
وأردف الدكتور العودة: أننا لو نظرنا إلى عدد الناس الذين يعيشون حياة سوية وتربية ممتازة في الطفولة، وعلاقة حميمية مع الوالدين، ونجاح في المدرسة، فإننا سنجد أن هؤلاء في الغالب ما بين خمسة إلى عشرين في المائة من الناس، بينما سيكون هناك أكثر من ثمانين بالمائة من الناس يعيشون ظروفًا لا تخلو من صعوبات، سواء مشكلات في الطفولة، أو مشكلات مع الوالدين أو بين الوالدين، أو في المدرسة، أو في الحي، أو في العلاقات، وبناءً عليه فإننا حينما نتحدث عن تغيير الذات، فإننا لا نتحدث عن أناس أسوياء تمامًا.
وتابع فضيلته: يندر أن تتحدث عن شخص بأنه سوي تمامًا من الناحية النفسية، ولكن نتحدث عن أناس لديهم معاناة، أو أزمة نفسية، لافتًا إلى أن الصحة النفسية في الذات هي قضية جوهرية، فأغلبية الناس لديهم قدر من الإشكال النفسي، والقدرة على السلامة، والصفاء، وهذا المعنى العظيم الذي ينعكس على النفس والجسد، حيث تشير بعض الدراسات إلى أن 75% من الأمراض العضوية لها علاقة بوجه أو بآخر مع المعاناة النفسية التي يعيشها الإنسان..
أثر إيجابي
وذكر الشيخ سلمان أنه يبدو أنه من المهم أن يكون عندنا حديث عن تغيير الذات، موضحًا أنه لا قيمة للحديث عن تغيير الذات ما لم يكن عندنا إحساس بأن هذا التغيير ممكن، فإذا كنا سنظل نردد أنه يعيش كل إنسان على ما شاب عليه، ونظل نعتصم أمام كل نصيحة يمكن أن تقدم لنا أو توجيه بأنه لا فائدة.
ولفت فضيلته إلى أنه إذا كان الأمر بهذا الشكل، فإن كل الكتب التي نقرؤها والنصائح التي نسمعها، والتجارب التي نعيشها، لن تفلح في تحقيق هذا الشيء الذي أصبح أشبه بالمعجزة وهو القدرة على التغيير الذاتي، مشيرًا إلى أن تغيير الذات يكون للشخص وللآخرين، وذلك لأن هذا الفرد الذي يتغير إيجابيًا سيكون من تغييره لذاته الأثر الإيجابي الذي يصنعه هو للآخرين.
تغيير الأسماء
ولفت الشيخ سلمان إلى أن الاسم جزء من الذات ؛ ولذلك فإن جمال الاسم أمر هام، فقد قام النبي -صلى الله عليه وسلم- بتغيير عدد من الأسماء، وعلى سبيل المثال، فإن الحسن كان اسمه حربًا فسماه النبي -صلى الله عليه وسلم- الحسن، وواحد آخر اسمه حرب سماه النبي -صلى الله عليه وسلم- سلم، وذلك في إشارة إلى أن الإسلام لا يتشوف للقتال بل للسلام واختيار الأسماء الجميلة، كما أن عاصية سماها النبي -صلى الله عليه وسلم- جميلة، ولم يسمها مطيعة - في إشارة إلى أن طبيعة الأنثى يتطلب منها استخدام أسماء تتناسب مع هذه الطبيعة، كما أن جثامة سماها النبي -صلى الله عليه وسلم- حسانة، والإمام أبو داود وغيره عندهم مثل هذه المرويات العديدة.
وأكد فضيلته أن اختيار الاسم الجميل مما يشجع على التعرف الجيد على الذات ولا يمكن احتقاره، وذلك لأن الاسم مرافق للإنسان دائمًا، فالشيء الذي تتبعه ولا يتبعك هو الاسم، مشيرًا إلى أن هناك بنات أسماءها تكون غريبة، وعلى سبيل المثال، هناك من الفتيات من اسمها "عمشة" وهو اسم غريب، موضحًا أن هناك من الأسماء ما قد يكون مقبولًا ومفهومًا في القرية أو في الصحراء، لكن عندما تنتقل إلى المدينة أو إلى الجامعة يصبح هناك حرج من مثل هذه الأسماء، فإذا ذكر هذا الاسم أو اسم العائلة أثار التعليق والسخرية، مما ينعكس على الإنسان بقدر من الحرج.
القدرة على التغيير
وضرب الدكتور العودة، أمثلة لذلك، قائلًا: لقد رأيت في تركيا شخصًا يشتكي من أن اسم عائلته غير مناسب، فيقول: لقد ذهبت بأهلي محل ألعاب، عندما نادى المكبر، فإذا كل الناس الموجودين يلتفتون ويصدرون تعليقات، كما يقول أيضًا: لقد ذهبت إلى مصر، وفي المطار قال لي مسئول الجوازات: ما الذي أتى بك إلى هنا ؟، وذلك لأن اسمه فعلًا يدل على أنه لا يأتي إلى هنا.
وذكر فضيلته أن أخًا من موريتانيا قال ذات مرة: إياك لا بأس إياك للخير عسى أنت متاكي، دون أن أعرف كيف أجيب عليه لأن هذه الكلمات وهذه المصطلحات خاصة ببلده، وهذا يؤكد أن القدرة على فهم الذات جيدًا وعلى ما يتعلق بالذات هو واحد من أنماط التغيير.
القناعة بضرورة التغيير
وتعقيبًا على مداخلة، تقول: إنه إن لم يكن الإنسان مقتنعًا بأنه يجب أن يغير ذاته فليس لكل محاضرات أو فلسفات التغيير معنى، قال الشيخ سلمان: إن القناعة بضرورة التغيير تعتبر نصف المهمة، حيث يجب علينا أن نقتنع بأن التغيير ممكن، وأنه لولا أن التغيير ممكن، فإنه لم يكن هناك مطلب شرعي أصلًا، فعندما يأمرنا الله -سبحانه وتعالى- في القرآن الكريم أن نتغير وأن نغير، فإن معنى ذلك أن هذا ممكن، سواء أكان هذا التغيير هو عبارة عن تغيير الأخلاق أو الطبائع أو العادات السيئة.
وأضاف فضيلته أن كل الأشياء قابلة للتغيير، ولولا ذلك فإنه لم يكن هناك تعبد بهذا الفعل، فضلًا عن أن التجارب الإنسانية تؤكد على هذا المعنى، لافتًا إلى أن هذا الكلام ربما يكون بدهيًا وبسيطًا لكن تجربتي مع نفسي ومع كثير من الناس الذين أحتك بهم أو بمعاناتهم تجعلني أقول إن الحديث عن تغيير الذات يجب أن يبدأ ويعاد فيه لأن الكثير من الناس بسبب النشأة يصبح الحديث عن التغيير عندهم كلامًا جميلًا ومعسولًا ولكن غاية ما يقول الواحد منهم: "اللي واضع يده في المويه ما هو بمثل اللي واضع يده في النار"، أو الذي رجله في الماء ليس كالذي رجله في الجمر ! وبناء عليه يحبط الإنسان أي مشروع لعملية التغيير.
قناعات.. ولكن
وفيما يتعلق بتغيير القناعات الموجودة عند الإنسان، قال الشيخ سلمان: إنه ليس كل التغييرات مبنية على القناعة، حيث تلاحظ أن الناس في المجتمعات اليوم ربما يفعلون أشياء كثيرة أو يتلقونها أو يقولونها أو يمارسونها ليس بسبب القناعة ولكن بسبب المحاكاة أو التقليد، مشيرًا إلى أن هذه العلاقة الاجتماعية تؤثر أحيانًا أكثر مما تؤثر القناعة، وتأتي القناعة فيما بعد، حيث يفعل الإنسان الأشياء من غير قناعة لأن الناس فعلوها ثم يقتنع بها فيما بعد.
محاكاة
أن المجتمع يعمل محاكاة ويتلقى الناس بعضهم عن بعض دون أن يكون عندهم تمييز ذاتي ثم تأتي القناعة فيما بعد ذلك، فضلًا عن أن كثير من المواهب والطاقات والقدرات قد تذهب أدراج الرياح بسبب أنه لم يهيأ لها من يقوم بتقديمها للناس، كما أن هناك معنى جميلًا ورائعًا وهو كم في هذه الحياة من حولنا من الجماليات، لافتًا إلى أن هذا له علاقة بتغيير الذات، فهو من الأشياء الجميلة التي نمر بها نحن لكن لأننا مستعجلون ذاهبون إلى عمل أو إلى ارتباط أو إلى موعد ضروري إلخ لم نعطها وجهًا.
تغيير جزئي
وأردف الشيخ سلمان: ولذلك فقدت هذه الأشياء وهجها لأن جماليات هذه الأشياء إنما تظهر من خلال انعكاسها على عيوننا وآذاننا وعقولنا، مؤكدًا أن القناعة ليست هي الحل الوحيد للتغيير، فقد يكون التغيير بسبب المحاكاة، مشيرًا إلى أن المحاكاة تسمى تغييرًا خارجيًا، في حين أن التغيير بسبب قناعة يسمى تغييرًا داخليًا.
ولفت فضيلته إلى أن التغيير قد يكون جزئيًا -إن صح التعبير- لأنك لو تخليت أنك ستغير إنسانًا مائة بالمائة ستجد أن هذا محالًا كأنك تنقل جبلًا من مكان إلى غيره، لكن فكرة نقل صخرة فصخرة من مكان إلى آخر، فهي أمر ممكن، ولذلك فإن التغيير الجزئي حتى على صعيد الشخص ذاته أمر ممكن.
تطوير الذات
وتعقيبًا على مداخلة من مشارك، يقول: إنه لا توجد ذات فاسدة، لأن الذات هي منشأ الفطرة، وبالتالي فإن الذات يمكن تطويرها وتنقيتها بدلًا من تغييرها، قال الشيخ سلمان: إنهم يقولون دائمًا إن الشرير نصف خيّر، والخيّر نصف شرير، كما أن هناك حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- في الرجل الذي قتل تسعة وتسعين نفسًا ثم بحث عن التوبة، فإن هذا يشير إلى جزء من المعنى السابق.
وضرب فضيلته مثالًا لذلك، بالقاتل المحترف الذي حاول أحد الأشخاص أن يؤاجره على أن يقتل صديقته الحبلى لأنها تضايقه وتزعجه، فبعدما اكتشف هذا القتل المحترف أن هذه العملية لا إنسانية جمع كل المعلومات ثم هدد هذا الشخص إذا لم يوصل إلى هذه المرأة حقوقها كاملة فإنه سوف يقوم بقتله هو، مشيرًا إلى أنه هكذا تجد شعراء الصعاليك في الجاهلية، وكيف هم صعاليك وخارجون على نظام القبيلة وجاهليون ولكن كان عندهم أحيانًا معاني إنسانية، فكل نفس فيها جانب من الخير لو وجد من يوظف هذا الجانب.
إزدراء.. وتضخيم
وتعقيبًا على مداخلة، تقول: إن نظرة الإنسان لذاته هي ربما أولى عتبات الحل الجيد فهنالك ازدراء أحيانًا وهنالك تضخيم في أحايين أخرى، قال الشيخ سلمان: إن الذي لا يعرف ذاته مثل الإنسان الفاقد لذاته، أو مثل الإنسان التائه في غابة متشابكة الأشجار مليئة بالوحوش، مشيرًا إلى أن المشكلة تكمن في أن الكثيرين يعتقدون أنهم يعرفون ذاتهم، كما أنك لو سألت أي إنسان ربما يزدري هذا الكلام، ويتساءل: كيف لا يعرف ذاته !.
وأضاف فضيلته أنه ليس المقصود بمعرفة الذات هو معرفة الاسم فقط، وإن كان الاسم يصبح جزءًا من تعريف الذات، ولكن معرفة الذات هي عبارة عن الغوص في الأعماق، ولذلك فإنه من أدوات التغيير الذاتي أن يكون لدينا قدرة على عمل أحافير داخل النفس بدلًا من هذه الأضواء المسلطة على الناس، فلان غبي وفلان حقير وفلان جاهل وفلان أهبل وفلان فاشل وفلان سيئ، فبدلًا من هذه الألفاظ والملاحظات التي نقدمها على الآخرين، يمكن أن نمهل أنفسنا ونعطيها بعض الوقت في مراقبة الذات والتعرف عليها من الداخل.
معرفة الذات
وأوضح الدكتور العودة أن معرفة الذات هي عبارة عن شبكة لأن هذا الإنسان عبارة عن عقل وقلب وروح وجسد وذكريات وماضٍ وحاضر ومستقبل وخيال، كما أن هناك أسرارًا إلهية عظيمة في هذا المخلوق، لافتًا إلى أن هذا التشابك أو هذه الشبكة الهائلة تحتاج إلى أن يتعرف الإنسان على ذاته وأن يكون عنده إلمام وإدراك لكثير من جوانبها وأن لا يفصل بعضها عن بعض.
وتابع فضيلته: إنني أعرف أحد أصدقائي كان ولا يزال ممتازًا ومثالًا، ولكن في العمل ألمت به ظروف فانعكست على هذا الموظف، فلم يعد يحتفظ بنفس قدراته ومكانته السابقة، وأصبح يشعر ببعض التعب، مما انعكس على تعامله مع الموظفين، فصار عنده شك أحيانًا فيهم، ونوع من القسوة مع بعضهم ومواقف صارمة، ونتيجة لذلك يصبح عنده نوع من تأنيب الضمير. فإذا رجع إلى البيت بدأت هذه الأشياء، والذكريات تؤثر عليه، ويتضح أثر ذلك على علاقته الزوجية، حيث يصبح هناك نوع من التوتر، ويشعر الأولاد أن هناك تغيرًا، فضلًا عن حدوث متاعب صحية، وتجده يجلس يقول: إن المصائب لا تأتي فرادي، ولكنها تأتي مثل أسراب الغربان جماعات جماعات، أو مثل الجيوش تأتي جماعة تقول: يا ليت المصائب مثل الجواسيس يأتون واحدًا واحدًا. فكنت أقول له: إن الأمر قابل للتفكيك لأن هذه الأمور التي تشعر أنها تحيط بك هي ربما بدايتها بداية صغيرة ومن الممكن أن يتعامل الإنسان معها بطريقة صحيحة ويحاول أن يفكك هذه المشكلات واحدة بعد أخرى.
واستطرد فضيلته: أذكر كتابًا أهداه لي أحد الناس من الإنترنت، ولم أجده في المكتبة، اسمه "الإنسان يبحث عن معنى"، مشيرًا إلى أن هذا الكتاب يتحدث عن رجل كان في معسكرات النازية وقتل أقاربه وسحلوا وأحرقوا، وكان أفضل ما ينتظره أنه يمكن يومًا من الأيام يسلم من الموت ليكلف بحمل العظام أو بأخذ الرماد المتبقي من بعض المحروقين والمسحوقين، لافتًا إلى أن هذا الإنسان هو عالم ودكتور وأخصائي نفسي من المدرسة النمساوية في علم النفس، حيث بدأ يحاول أن يتعرف على ذاته أكثر ويقوي ذاته خلال السجن حتى تولّد عنده إحساس بقدر من الحرية في الخيارات البسيطة والصغيرة المتاحة له، فبدأ يحرك الخيال، وتخيل أنه يدرّس طلابًا في الجامعة وأنه استطاع أن ينجح ويتفوق بل استطاع أن يؤسس نظرية في علم النفس من خلال القدرة على التعرف على الذات وعلى جوانب القوة وأنه مهما يكون الإنسان يشعر بالحرمان أمامه فرص.
حلم.. وإطاحة بالذات
وذكر الشيخ سلمان أنه عندما كان في الحائر، جاءه شخص، وقال: لقد رأيتك البارحة في المنام، فقلت: خيرًا! فقال: لقد رأيتك في التلفزيون تتكلم مع الناس، فقلت في داخل نفسي: يحلم هذا الإنسان حلمًا في المنام، فالأمل في الله كبير والثقة موجودة، ولكن أيضًا أحيانًا الإنسان عندما تعطيه خبرًا ولا يوجد أي مقوم لهذا الخبر في الواقع الذي يعيشه، فإنه ربما يكون عند الإنسان نوع من الشعور مثلما جاء في قول الله -سبحانه وتعالى-: (قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا) (مريم:20)، (قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا) (مريم:8)، فبعض الأخبار تكون مفاجئة بشكل يجعل الإنسان ربما يتوقف فيها.
ولفت فضيلته إلى أن معرفة الذات هي ضرورة، لكن من الممكن أن تكون أحيانًا بنوع من الازدراء، حيث تجد أن كثيرًا من الناس ينظر إلى ذاته نظرة ازدراء، ويرى أنه لا يستحق شيئًا ولا يصلح لشيء، وفي اعتقاده أنه يتقبل كل المشاعر السلبية تجاه الذات، مشيرًا إلى أن هذا معنى سلبي وفيه نوع من الإطاحة بالذات وبكفاءتها وقدرتها وأنها لا تصلح لشيء، موضحًا أن هذا ليس معرفة حقيقية للذات.
إحساس مفرط
ومقابل ذلك، كما يرى الدكتور العودة، الإحساس المفرط بالتفوق على الآخرين، فضلًا عن الشعور بالاستعلاء على الآخرين، وهذا ناتج عن اضطراب في تقييم الإنسان لذاته، بحيث إن بعض الناس يرى نفسه فوق الآخرين، ويشمت في الآخرين بالقضاء على مواهبهم أو قدراتهم أو نجاحاتهم أو يشعر بالألم إذا تفوقوا، لافتًا إلى أنه ذات مرة كان هناك شخص عنده نوع من التعالي على الآخرين، يقول: إن الله -سبحانه وتعالى- يقول: (وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (آل عمران:139)، فقلت: هذا اللفظ جاء في سياق الحرب، ومواجهة المحاربين المقاتلين.
وأضاف فضيلته: أنه حتى لو كان الإنسان ضعيفًا فإنه لا ينكسر ولا ينهزم، لكن لا يَسوغ بحال أن يشعر الإنسان بالفوقية على الآخرين أو بالاغترار أو أن يجعل لنفسه ما يحب من التفوق والنجاح والصدق والإخلاص والتقوى وأن يرمي الآخرين بأضداد ذلك، مشيرًا إلى أن هذا لا يمكن أن يكون مقبولًا.
ازدراء.. وكبرياء
وفيما يتعلق فيما تقصده الدورات النفسية وتطوير الذات من مساعدة للإنسان كيف يفهم ذاته بعيدًا عن الازدراء والكبرياء، قال الشيخ سلمان: إنه يذكر عن محمد بن أبي عامر وأصدقائه أنهم كانوا يتكلمون حول طموحاتهم، ماذا تريد ؟، فقال: محمد بن أبي عامر: أتمنى حكم الأندلس. فقال له زميله: إذا حكمت الأندلس أنا أتمنى أنك تستدعيني وتركبني على حمار وتضع العسل على وجهي حتى يتجمع علي الذباب والنحل وتطوف بي في الأسواق وتفعل بي وتفعل، وذلك على سبيل الازدراء.
وأضاف فضيلته: أن هذا ازدراء للذات وازدراء للآخر، وكتب الله أن ذلك الإنسان الذي عنده طموح وضع ذاته، وكما يقول الشاعر:
وَما المَرءُ إِلّا حَيثُ يَجعَلُ نَفسَهُ فَفي صالِح الأَعمالِ نَفسكَ فَاِجعَلِ
فالإنسان الذي يقول إنه يريد شيئًا أو يستحق شيئًا فإنه يحصل عليه في الغالب، بينما الإنسان الغير طموح، أو المحبط، فإنه لا يصل إلى شيء.
وأضاف فضيلته: إنني عندي في جوالي شخص أسميه "بقايا رماد"، و"بقايا إنسان" وعبارات من هذا القبيل، حيث يرسل لي رسائل أحيانًا مؤلمة، مما يجعلك تعذره أحيانًا، وذلك إذا اطلعت على ظروفه التربوية، والأسرية، وحالة الفقر التي يعيشها، لكن ماذا يستفيد الإنسان من أن يكون هو عونًا للظروف على نفسه.
برمجة لغوية
وتعقيبًا على مداخلة، تقول: إن البرمجة اللغوية العصبية متجهة إلى إعادة التهيئة النفسية والنظرة حول الذات، قال الشيخ سلمان: يبدو أن القناة هذا العالم فيها العديد من البرامج التي تدور حول التغيير، منها برنامج للأستاذ الشيخ عبد العزيز الأحمد حول البرمجة النفسية والتغيير، فضلًا عن عدد من البرامج تتعلق بهذا.
وأضاف فضيلته أنه ينبغي أن يدرك كل أحد أن بمقدوره أن ينجح فالله -سبحانه وتعالى- "لم يخلق الله من خلق يضيعه"، كما أن النجاح ليس حكرًا على أحد، وإنما النجاح هو لمن يريد أن يقول أنا ناجح لمن يقول أنا لها.
أركان النجاح
وأردف الدكتور العودة أن هناك كتابًا أجرى مقابلة مع عشرات من الناجحين، حيث ذكر أن هؤلاء العشرات من الناجحين في المجالات الاقتصادية أو السياسية والإدارية أو الفنية وغيرها غالبًا أن نجاحهم يعود إلى عدة أسباب، والتي يمكن أن نسميها بـ"أركان النجاح"، وهي:
1 ـ الصبر: وذلك لأن كثيرًا من الناس لا يملك القدرة على الصبر والمواصلة حتى يصل إلى النجاح الذي يريده.
2 ـ المرونة: وذلك لأن كثيرًا من الناس ربما لديه استعداد أن يعمل أو ينجح في وضع معين، لكن لا يستطيع أن يعمل في كل الظروف، فهو ربما يعمل في حالة الغنى وليس الفقر، أو في حالة الكثرة وليس القلة، أوفي حالة الصحة وليس المرض، فالقدرة على المرونة والتكيف مع الظروف المختلفة أمر في غاية الأهمية.
3 ـ العشق: والحماس، وأن لا يكون الإنسان كسولًا أو بليدًا، فالهزيمة رديئة حتى لو كانت باللعب، فعلى الإنسان أن يكون عنده حماس للأشياء التي يتعاطاها والتي يهتم بها.
4 ـ احترام الآخرين: لأنك لا تقتبس هذا النجاح، أي: لا تسرقه منهم أو تنهبه أو تغتصبه منهم، وإنما نجاحك هو من خلال الآخرين، فلا أحد ينجح إلا من خلال الآخرين الذين ساعدوه على النجاح، حيث اشتروا منه أو استمعوا إليه أو شجعوه أو أعانوه أو حتى تحدوه أحيانًا فحفزوه على النجاح.
برمجة سلبية
وأكد الشيخ سلمان أن البرمجة النفسية هي أمر في غاية الأهمية، مشيرًا على أن البرمجة السلبية توجد عند كثير من الناس، وعلى سبيل المثال، فإنك تجد أن أي واحد منا تلقائيًا عندما يجلس يقول: يا أخي سبحان الله أنا دائمًا -لاحظ كلمة دائمًا- طبعي كذا وكذا، أي: من عادتي، تقول له عن شيء يقول لك: خلقة، فيعطي أولًا طابع الديمومة لبعض هذه الأشياء السلبية، ثم غالبًا أنه يتجه إلى ذكر أشياء سلبية تخصه أو تخص الآخرين فإذا تكلم عن نفسه -مثلًا- تجده يقول أنا دائمًا إنسان محبط، أو دائمًا فاشل، أو لا أحب العمل.
ولفت فضيلته إلى أن هذا الكلام الذي يقوله الإنسان ينعكس عليه لأنه يسمع الكلام هذا مثلما لو أن الآخرين حطموه، فربما يتحطم، أو أن تقول هذا عن المجتمع من حولك، حيث تجد الشخص يقول: يا أخي الجيل الجديد جيل سيئ ! ليس دائمًا، وليس كل قديم جيدًا، ولا كل حديث سيئًا وإنما الناس فيهم السيئ وفيهم الجيد، أو تجده يقول لك: إن المرأة ضعيفة!، وهذا غير صحيح، فليس كل امرأة ضعيفة، فامرأة فرعون كانت أقوى منه، فهو فشل في عملية التغيير وذكر الله تعالى عنه ما ذكر من سوء المصير بينما امرأة فرعون صبرت وقالت: (رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ)(التحريم: من الآية11).
روح متشائمة
وتابع الدكتور العودة أن مريم -عليها السلام- ليست ضعيفة، بل من النساء كوامل كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "كمل من النساء أربع"، أو تجد -مثلًا- برمجة أن المرأة المطلقة فاشلة، مشيرًا إلى أنه لا يلزم ذلك، فقد تكون هي من طلبت الطلاق، أو لم توفق مع هذا الرجل، موضحًا أن من البرمجة السلبية أيضًا أن نحكم على الحياة بأنها -مثلًا- تعب، وذلك مثلما يقول أبو العلاء المعري طبعًا هنا تجد المتشائمين:
خَفّفِ الوَطْء ما أظُنّ أدِيمَ الأرْضِ إلاّ مِنْ هَذِهِ الأجْسادِ
رُبّ لَحْدٍ قَدْ صَارَ لَحْدًا مرارًا ضَاحِكٍ مِنْ تَزَاحُمِ الأضْدادِ
وَدَفِينٍ عَلى بَقايا دَفِينٍ في طَويلِ الأزْمانِ وَالآباءِ
أو مثلما يقول بشار أيضًا الشعراء يكثر فيهم التشاؤم:
يا راقِدَ اللَيلِ مَسرورًا بِأَوَّلِهِ إنَّ الحَوادِثَ قَد يَطرُقنَ أَسحارا
وذكر فضيلته أن هذه الروح المتشائمة من الإنسان في المستقبل وفيما حوله تعد برمجة سلبية في غاية الخطورة، مشيرًا إلى أنه لا يمكن للإنسان أن يُغيّر ذاته إذا كان مستسلمًا لهذا النوع من البرمجة.
تفاءَل بالخير
وضرب الشيخ سلمان، مثالًا لذلك، قائلًا: لقد قلت لواحدة من بناتي الحبيبات: أرجوك لا أريد أن أسمع منك كلامًا متشائمًا من هذا القبيل. فقالت: لا.. فعلًا الأمور ممتازة وجيدة، وبعد فترة قلت: أنا أعرف أنكم تقولون هذا الكلام على سبيل التمثيل ليس على سبيل القناعة الداخلية، أو على سبيل الخداع مع النفس أو الخداع مع الآخرين، مشيرًا إلى أننا ينبغي أن نتعود أن نعتقد هذا في نفوسنا وليس فقط أن نقوله بألسنتنا، وبعد فترة أرسلت لي رسالة تقول: "أنا أحب أن أكون متشائمة"، لماذا ؟ قالت: لأنه إذا كنت متشائمة توقعت الأسوأ فمهما يكون هذا متوقعًا، لكن إذا كنت متفائلة ولم يأت الشيء الذي أحلم به صار عندي صدمة!
وتساءل فضيلته: لماذا لا أتوقع أن الإنسان إذا تفاءل بالخير وتوقع الخير فإنه يحصل عليه، أو أن الخير ربما يكون على مرمى حجر منك، فلو صبرت قليلًا وأحسنت الظن بالله -سبحانه وتعالى- مثلما قال ربنا -سبحانه وتعالى- في الحديث القدسي: «أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِى بِى فَلْيَظُنَّ بِى مَا شَاءَ»، لحصلت على هذا الخير.
تصالح مع النفس
وفيما يتعلق بأن المختصين في دورات إعادة التهيئة النفسية يركزون بالدرجة الأولى على التصالح مع النفس، قال الشيخ سلمان: إن التصالح مع النفس هو المنطلق للتصالح مع الآخرين، ومع المجتمع، بل ومع الحياة بخيرها وشرها وحلوها ومرها،، مشيرًا إلى أن السؤال الذي يطرح نفسه، هو: كيف تتصالح مع نفسك ؟ موضحًا أن ذلك يكون بحسن الظن بالله -سبحانه وتعالى-، كما أن الصحبة لها تأثير، سواء كانت الصحبة أهلًا حتى الوالد أو الوالدة أو الزوج أو الزوجة.
ولفت فضيلته: إلى أن إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- عندما جاء بَعْدَ مَا تَزَوَّجَ إِسْمَاعِيلُ يُطَالِعُ تَرِكَتَهُ، فَلَمْ يَجِدْ إِسْمَاعِيلَ، فَسَأَلَ امْرَأَتَهُ عَنْهُ فَقَالَتْ خَرَجَ يَبْتَغِى لَنَا. ثُمَّ سَأَلَهَا عَنْ عَيْشِهِمْ وَهَيْئَتِهِمْ فَقَالَتْ نَحْنُ بِشَرٍّ، نَحْنُ فِى ضِيقٍ وَشِدَّةٍ. فَشَكَتْ إِلَيْهِ. قَالَ فَإِذَا جَاءَ زَوْجُكِ فَاقْرَئِى عَلَيْهِ السَّلاَمَ، وَقُولِى لَهُ يُغَيِّرْ عَتَبَةَ بَابِهِ. فَلَمَّا جَاءَ إِسْمَاعِيلُ، كَأَنَّهُ آنَسَ شَيْئًا، فَقَالَ هَلْ جَاءَكُمْ مِنْ أَحَدٍ قَالَتْ نَعَمْ، جَاءَنَا شَيْخٌ كَذَا وَكَذَا، فَسَأَلَنَا عَنْكَ فَأَخْبَرْتُهُ، وَسَأَلَنِى كَيْفَ عَيْشُنَا فَأَخْبَرْتُهُ أَنَّا فِى جَهْدٍ وَشِدَّةٍ. قَالَ فَهَلْ أَوْصَاكِ بِشَىْءٍ قَالَتْ نَعَمْ، أَمَرَنِى أَنْ أَقْرَأَ عَلَيْكَ السَّلاَمَ، وَيَقُولُ غَيِّرْ عَتَبَةَ بَابِكَ. قَالَ ذَاكِ أَبِى وَقَدْ أَمَرَنِى أَنْ أُفَارِقَكِ الْحَقِى بِأَهْلِكِ. فَطَلَّقَهَا، وَتَزَوَّجَ مِنْهُمْ أُخْرَى، فَلَبِثَ عَنْهُمْ إِبْرَاهِيمُ مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ أَتَاهُمْ بَعْدُ، فَلَمْ يَجِدْهُ، فَدَخَلَ عَلَى امْرَأَتِهِ، فَسَأَلَهَا عَنْهُ. فَقَالَتْ خَرَجَ يَبْتَغِى لَنَا. قَالَ كَيْفَ أَنْتُمْ وَسَأَلَهَا عَنْ عَيْشِهِمْ، وَهَيْئَتِهِمْ. فَقَالَتْ نَحْنُ بِخَيْرٍ وَسَعَةٍ. وَأَثْنَتْ عَلَى اللَّهِ. فَقَالَ مَا طَعَامُكُمْ قَالَتِ اللَّحْمُ. قَالَ فَمَا شَرَابُكُمْ قَالَتِ الْمَاءُ. فَقَالَ اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُمْ فِى اللَّحْمِ وَالْمَاءِ. قَالَ فَإِذَا جَاءَ زَوْجُكِ فَاقْرَئِى عَلَيْهِ السَّلاَمَ، وَمُرِيهِ يُثْبِتُ عَتَبَةَ بَابِهِ، فَلَمَّا جَاءَ إِسْمَاعِيلُ قَالَ هَلْ أَتَاكُمْ مِنْ أَحَدٍ قَالَتْ نَعَمْ أَتَانَا شَيْخٌ حَسَنُ الْهَيْئَةِ، وَأَثْنَتْ عَلَيْهِ، فَسَأَلَنِى عَنْكَ فَأَخْبَرْتُهُ، فَسَأَلَنِى كَيْفَ عَيْشُنَا فَأَخْبَرْتُهُ أَنَّا بِخَيْرٍ. قَالَ فَأَوْصَاكِ بِشَىْءٍ قَالَتْ نَعَمْ، هُوَ يَقْرَأُ عَلَيْكَ السَّلاَمَ، وَيَأْمُرُكَ أَنْ تُثْبِتَ عَتَبَةَ بَابِكَ. قَالَ ذَاكِ أَبِى، وَأَنْتِ الْعَتَبَةُ، أَمَرَنِى أَنْ أُمْسِكَكِ.
برمجة ذاتية
وأوضح الدكتور العودة: أن الظروف لم تتغير في الحالتين، فلا الماء القليل في مكة ولا الجو الحار ولا قلة المعيشة ولا الخوف تغير، ولكن، ما الذي تغير ؟، مشيرًا إلى أن الذي تغيّر هو انطباعنا الداخلي، ورؤيتنا الذاتية أو برمجتنا الذاتية عن فهم هذه الأشياء، كما تغيرت رؤية هذه المرأة ؛ ولذلك قال لها: (فَإِذَا جَاءَ زَوْجُكِ فَاقْرَئِى عَلَيْهِ السَّلاَمَ، وَمُرِيهِ يُثْبِتُ عَتَبَةَ بَابِهِ).
وتابع فضيلته أن هذا يؤكد على أهمية اختيار الصحبة سواء كانت صحبة زوجية أو صداقة أو اختيار الإنسان للأصدقاء والأصحاب.
وذكر الشيخ سلمان: أن الإنسان عنده أحيانًا مستويان، هما: مستوى قريب، والآخر بعيد، وعلى سبيل المثال، فإن البنت التي تريد أن تنحف هذا هدف بعيد أنها تحب أن تكون رشيقة، وهذا ذوق العصر الحاضر في الغالب ربما بتأثير الإعلام وغيره، لكن الهدف القريب: أن تعجبها الوجبة هذه وهذا الحلا، وهذا الطعام، وهذا ما يترك وهذا لا يفوت، مشيرًا إلى أن هذا الهدف القريب يقضي على الهدف البعيد ؛ ولذلك فإنه مع الوقت ربما ييأس الإنسان ويقول: هذه مجرد أحلام، أو يحاول محاولات ربما تكون غير واقعية.
وضرب فضيلته، مثالًا آخر، بشاب يريد أن يتفوق في الدراسة، فهذا هو هدفه البعيد، لكن الهدف القريب هو أنه يريد أن يلعب البلايستيشن، أو الكرة، أو يشارك في الدورة التي بدأت، والمسابقات، ويسهر مع أصدقائه ويسترخي.
قريب.. وبعيد
ولفت الدكتور العودة: إلى أن الأهداف القريبة هي التي تميل إليها النفس عادة "والنفس مولعة بحب العاجل" ؛ ولذلك فإن الله -سبحانه وتعالى- يقول: (أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ)(التوبة: من الآية38)، مشيرًا إلى أن أحد الناس هرب من معركة فرآه شخص وهو يهرب وقال: (قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذًا لا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا) (الأحزاب:16).
وتابع فضيلته: أن هذا القليل هو الذي يبحث عنه !، فيقول: إنني لا أريد الخلود، ولكن أريد هذا القليل، يقول تعالى (وَإِذًا لا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا)، موضحًا أنه من المهم أن يستطيع الإنسان أن يوفق بين الهدف البعيد وبين الأشياء القريبة التي يحبها هو.
الحب.. والبرمجة الإيجابية
وفيما يتعلق بأن الإنسان يمكن أن يحقق ذلك كله بل ويحقق أكثر من ذلك إذا عاش الحب، قال الشيخ سلمان: إن الحب بدون شك من أسباب البرمجة الإيجابية، حيث يقول العلماء: أن الإنسان إذا أحب فإن "التستستيرون"، هذا في الجسم، يزيد عند المرأة حتى تصبح أقرب إلى الرجل، وينقص عند الرجل حتى يصبح أقرب إلى المرأة بحيث يكون هناك نوع من التلاحم والتقارب بينهما، لافتًا إلى أن الشيء الغريب أنه ثبت أنه مع الحب تضعف قدرة الإنسان على التمييز ؛ ولذلك يقول الناس: "الحب أعمى"، وذلك لأن المحب لا يرى عيوب الحبيب في كثير من الأحيان، حتى لو كانت هذه العيوب واضحة في رابعة النهار، فالحب مؤثر في التغيير.
وأضاف فضيلته: إنني أذكر الأستاذ عبد الوهاب المسيري ـ رحمه الله ـ، حيث كان عنده ميول ماركسية تقريبًا وفي النهاية تحوّل إلى إسلامي رائع وباحث كبير ومفكر خالد، ففي حوارات معه في كتاب من ضمنها يتحدث عن قضية البدايات وأنه كان عنده نظرات ماركسية فيقول: أن أول مرة أحب زوجته بدأ يفكر في الحب هذا كيف يفسر بالنظريات الماركسية ؟ فقال: إن ماركس يقول إن الحب هو عامل اقتصادي مصحوب بقدر من العاطفية، هنا دخلت العاطفة، ولما جاءت بنته الأولى نور أحبها وكان يتحدث أن هذه من أهم أسباب عملية إعادة النظر أو تحول فكري أصابه.
الحب.. والتغيير
وأكد الدكتور العودة: أن الحب يحمل الإنسان على التغيير ويجعله متحمسًا له، مشيرًا إلى أننا حينما نتحدث عن كلمة " الحب "، فإننا نشعر أحيانا بأننا كأننا دخلنا في حقل ألغام أو في شيء يستحى منه، ولذلك فإن الإنسان يجد نفسه بمجرد أن يتحدث عن الحب يسارع إلى الحديث عن حب الله -سبحانه وتعالى-، ولا شك أن حب الله -سبحانه وتعالى- هو أعظم أنماط الحب وأكمله، كما أن الذي وجد لذة محبة الله -سبحانه وتعالى- سيعتبر أن كل ما سواه هو شيء دون ذلك، يقول تعالى (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ)(آل عمران: من الآية31)، و« مَنْ أَحَبَّ لِلَّهِ وَأَبْغَضَ لِلَّهِ وَأَعْطَى لِلَّهِ وَمَنَعَ لِلَّهِ فَقَدِ اسْتَكْمَلَ الإِيمَانَ ».
واستطرد فضيلته: ولكن ينبغي ألا يكون هذا المعنى جحودًا، وذلك لأن الحب عنصر بشري إنساني، موضحا أن الحب قد يفضي إلى العلاقة الزوجية، أو قد يكون مبنيًا على أساس صحيح، أو حب الآخرين، لافتًا إلى أنه لا يلزم أن يكون الحب موجهًا فقط لشخص بعينه، بل إن الحب مثل الينابيع التي تتفجر في القلب بحيث أنه مع الوقت إذا كان عند الإنسان روحانية لهذا الحب وصفائية وإصرار عليه، كما يتولد عنده قدرة على التفويت والتسامح وإيجابية النظر إلى الآخرين، فيصبح عنده حب للآخرين من حيث المبدأ وعنده إشفاق عليهم، كما يستطيع أن يعطيهم من مشاعره ومن أحاسيسه الشيء الكثير.
برمجة إيجابية
وذكر الشيخ سلمان: أن هذا الحب مما يؤثر في البرمجة، ولكن هناك عوامل أخرى قد تؤثر في هذه البرمجة الإيجابية وفي تقديم الأهداف البعيدة -إن صح التعبير- على الأهداف القريبة التي ربما تحول دون الإنسان ودون ما يحلم ويطمح إليه مثل: وخزات الذاكرة، فكون الإنسان عنده في السيارة لوحة معلقة أو في الغرفة أو في أي مكان يذكره دائمًا وأبدًا بالأشياء التي يريد أن يحققها، كذلك ما يتعلق بالمحاولة لأن كثيرًا من الناس يحاول مرة مرتين ثلاث ثم يتوقف ويقول: ما فيه فائدة.
وتابع فضيلته: أنني من خلال تجربتي الشخصية، فإنني أنصح بتكرار المحاولة ولو لألف مرة أو لمائة ألف مرة، موضحا أن أهم شيء ألا تستسلم وألا تقول لا فائدة، لأن كونك تحاول مع الوقت ربما تقوى الدوافع فيصبح عند الإنسان قدرة على تحقيق الانتصار ولو بعد حين، لافتًا إلى أن هناك عوامل أخرى ربما يأتي فرصة للحديث المفصل عنها لكن موضوع البرمجة الإيجابية، وإدراك الإنسان حجم الضرر الذي يصيبه من خلال تكرار الكلمات السلبية عن نفسه وأن هذا يضر به ويدمره، لافتًا إلى أن من شأن ذلك أن يساعد الإنسان على التغيير.
الكل يتغير
وفيما يتعلق بأبرز المناقشات التي أثارتها حلقة الأمس، قال الأستاذ أحمد الفهيد "والذي يمثل صدى الجمهور"، أن جريدة الحياة كتبت مقالا بعنوان (العودة يعالج بالتغيير في حجر الزاوية نساءً وشابًا حليقًا)، حيث تحدثت عن التغيير في حجر الزاوية هذا العام، وأن الشيخ تخلى عن وشاحه، قال الشيخ سلمان: إن التغيير ليس مثلبة، ولقد أكدنا على أهمية أن يتوقف "التعيير بالتغيير"، مشيرًا إلى أن كل شيء تغيير، فأنظمة سياسية تغيرت، وأنظمة اجتماعية، تغير الدكتور غازي، أنا تغيرت، وأشياء كثيرة طرأ عليها التغيير، فالذي لا يتغير فقط هو الميت.
وأضاف فضيلته: الآن لن يتغير الدكتور غازي -رحمة الله تعالى عليه – بعد الآن أما ما قبل ذلك فكان من الممكن أن يتغير، مشيرًا إلى أن ابنه فارس ذكر في لقاء مع صحيفة عكاظ أنه -رحمة الله عليه –كان في آخر أمسية يشاهد حجر الزاوية، فالميت هو الذي لا يتغير أما ما سوى ذلك الكائن الحي ( المخلوق) من طبيعته أن يتغير.
العودة..والقصيبي
وفيما يتعلق بأن جريدة الشرق الأوسط، نشرت خبرا يقول: إن الشيخ العودة ينعي الدكتور القصيبي على الهواء مباشرة على الرغم مما كان بينهما من مصادمات في التسعينات، إلا أنهما التقيا وتبادلا القصائد في الفترة الأخيرة، قال الشيخ سلمان: لقد كان الدكتور غازي كتب كتاب "حتى لا تكون فتنة"، وأنا ألقيت محاضرة عن "الشريط الإسلامي ما له وما عليه"، وكل ما قلته هو أن الدكتور يتكلم في قضايا كثيرة ، والآخرون يراد منهم أن يكونوا متخصصين ليس فيه أكثر من ذلك، فالبعض ربما يحملون ذلك على أساس أنها كانت مصادمة تصل إلى النهاية، ومع ذلك حقيقة أعجبني أنه في مرة من المرات سئل فقال: إن الأخ سلمان استعدى علينا الناس ونحن استعدينا عليه السلطة !، مشيرًا إلى أن هذا كان فيه قدر من الإنصاف.
وأضاف فضيلته: أنه في مرة أخرى سئل عني وأنا كنت في الحائر ورفض أن يقول شيئًا، وهذا موقف مروءة في الوقت الذي ربما كان كثيرون يجدونها فرصة لكتابة تقارير أو التشفي، وعندما لقيناه قال لي: أنت شاعر وقلت له شعري من شعر الفقهاء قال أنا قرأت قصيدتك في ابنك عبد الرحمن التي هي:
وداعًا حبيبي لا لقاء إلى الحشر *** وإن كان في قلبي عليك لظى الجمر
قلت له: هذا من شعر الفقهاء. قال: أبدًا ليس فيها من شعر الفقهاء إلا قولك:
جلست بحجري والسرور يلفني *** وشنفت سمعي تاليًا سورة العصر !
فرحمة الله تعالى عليه، فالرجل كان عنده إيمان بالله -سبحانه وتعالى- وخوف من الآخرة، نحسبه كذلك والله حسيبه وقصيدته التي هي حديقة الغروب توحي بهذا المعنى.
تغيير شكلي
وفيما يتعلق بأن التغيير الشكلي، وما إذا كان جزء من تغيير الذات، قال الشيخ سلمان: إن التغيير الشكلي هو جزء من تغيير الذات، فالإنسان شبكة متصلة لا يمكن أن تفصل بعضه عن بعض، مشيرًا إلى أنه من التغيير الشكلي:
1 ـ حسن اللباس وجودته: فإن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده، و(خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ )(الأعراف: من الآية31).
2 ـ الشعر: يقول صلى الله عليه وسلم « مَنْ كَانَ لَهُ شَعْرٌ فَلْيُكْرِمْهُ »، العناية بشعر الرأس وشعر الوجه وشعر البدن.
3 ـ طيب الرائحة: فقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- رائحته طيبة، يقول أنس إذا صافح النبي -صلى الله عليه وسلم- تكون يده كأنما أخرجت من جونة عطار، أي: من شنطة أو حقيبة بياع فيها المسك من جودة ريحتها، وهكذا جودة رائحة الإنسان في جسده أو في فمه.
4 ـ النظافة: حرص الإنسان على النظافة.
5 ـ النظام: في سيارته، حيث تركب سيارة واحد من الشباب مثلًا فتجد المناديل مع الأحذية مع الكتب الدراسية مع الكرة مع علبة بيبسي مشروب نصفها، وهذا ليس مشجعًا على أن يبرمج الإنسان نفسه بشكل إيجابي مع أن العوام يقولون: "ليس بين الشيء الجيد والرديء فارق كبير"، فهي عادة صغيرة يلتقطها الإنسان.
6 ـ اللغة: فلا يكثر الإنسان من الحديث عن الذات، أو المبالغة في الكلام عن النفس.
ضبط اللغة
وأضاف الدكتور العودة: أنه من الخطأ أن يفرط الإنسان في الحديث عن نفسه، أو إنجازاته، أو استخدام الكلمات الغير مناسبة، مشيرًا إلى أن اللغة الآن بأمس الحاجة إلى الضبط والتغيير، وعلى سبيل المثال، قد تجد شابًا يبدو لنفسه أنه صاحب خلق كريم ومع ذلك تجد أنه يستخدم الكلام في شتم الناس وازدرائهم وتحقيرهم وسبهم وتوزيع التهم جزافًا، فالله -سبحانه وتعالى- قال: (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا )(البقرة: من الآية83)، قال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا)(البقرة: من الآية104) فنهانا عن اللفظ ونبهنا إلى لفظ آخر أفضل منه.
وتابع فضيلته: كذلك فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن استخدام الألفاظ الخبيثة مع النفس أو مع الآخرين: « لاَ يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ خَبُثَتْ »، موضحا أن القدرة على تغيير السلوك الظاهري قضية ذات أهمية كبيرة في انعكاسها على النفس.
مواكبة.. وتكيف
وردًا على سؤال، يقول: ماذا عن التغيير الشكلي الذي يطرأ على الإنسان بتغيير ذاته، قال الشيخ سلمان: إنه لابد من التواكب والتكيف مع الأشياء المتغيرة بحيث أن الإنسان يتقبل الوضع الذي يعيشه، مشيرًا إلى أنه لا بأس أن يتعامل الإنسان مع هذه التغييرات بأسلوب شرعي، من خلال مراعاة الناس وانطباعهم بشكل معتدل، وعلى سبيل المثال، هناك آداب عن الرسول -عليه الصلاة والسلام- فيما يتعلق بالشعر، حيث يقول: « مَنْ كَانَ لَهُ شَعْرٌ فَلْيُكْرِمْهُ »، فلا يأتي الإنسان وهو أشعث الشعر غير مرتب ولا منظم، ويمكن أن يجلس الإنسان أيامًا دون أن يقوم مثلًا بغسل شعر رأسه أو شعر لحيته، بل البعض ربما يعتبر هذا نوعًا من الزهد أحيانًا أو نوعًا من التقوى !.
وأضاف فضيلته: أن الأمر ليس كذلك فالله « جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ »، مشيرًا إلى أن خريجي المدرسة النبوية عندما سمعوا قول النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- « لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِى قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ ». قَالَ رَجُلٌ إِنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا وَنَعْلُهُ حَسَنَةً. قَالَ « إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ »، فهذا جزء من التربية، لافتًا إلى أن الكثيرين يؤمنون به لكن تربويًا لا يميلون إليه، بل يحتاجون إلى تدريب وتعويد.
نجم الشمراني.. وتغيير جذري
وتعقيبًا على تقرير البرنامج، والذي تحدث عن الأخ نجم الشمراني مرحبًا به أخًا في الإسلام، لافتًا إلى أن تجربته كانت ثرية وتمثل تغييرًا جذريًا، قال الشيخ سلمان: هذا ميلاد جديد نسأل الله -سبحانه وتعالى- باسمه العظيم ووجه الكريم وسلطانه القديم أن يثبتنا وإياه على الإسلام، وأن يحفظنا وإياه بحفظه التام، معربا عن شكره للأخ مبارك على هذا التقرير، ومثل هذه التقارير فعلًا نحتاج إلى المزيد والمزيد منها.
وأضاف فضيلته: أن الانتقال عملية ربما لا يدركها إلا من جربها، فبقاء الإنسان لفترة معينة على نمط وانتقاله بعد ذلك هي عملية تحدٍ ليست بالسهلة، فما لم يكن الإنسان ممدًا بروح من عند الله -سبحانه وتعالى- وعنده ثقة بذاته وقدرة على تجاوز الصعوبات والعقبات فإنه لا يستطيع أن ينجح في كثير من الأحيان، حيث توجد تحديات لكن بعض الناس لأنه قوي بذاته يكون التحدي يفعل العكس بالنسبة له.
رحمة للعالمين
وأعرب الشيخ سلمان عن سعادته بكلام الأخ نجم، مشيرًا إلى أن لغته المكسرة عندي هي أفضل لغة أسمعها لأنها لغة تعبر عن مصداقية، مشيرًا إلى أنه ليس هناك لباس خاص نقول هذا لباس إسلامي، فالإسلام ليس دينًا سعوديًا أو عربيًا أو عنصريًا، وإنما هو دين للعالم كلهم ؛ ولذلك لباس أي بلد ينبغي وإذا كان هناك ما يخالف الشريعة يتم تعديله ليس أكثر.
وذكر فضيلته: أنه ليس فقط اللباس بل حتى طبيعة التفكير أو العقلية، فقد وجدت شخصًا أمريكيًا في الرياض ويزورني دائمًا أقول له: أريد أن تحافظ على عقليتك الأصلية، لا أريد أن تتحول إلى واحد منا لأنك سوف تخاطب قومك، فخاطبهم بلغتهم وخاطبهم بأسلوبهم وخاطبهم بثقافتهم وبعقولهم ولا تعتبر أن الإسلام كأننا نقدمه للناس على أنه دين عربي بل هو رحمة للعالمين.
تحد للنفس
وضرب الدكتور العودة، مثالًا، قائلًا: إن أحد الإخوة من الإمارات اسمه علي النعيمي كان في شركة وهو عامل عادي فأراد أن يشرب فطرده المهندس وقال له: أنت عامل كيف تشرب من هذه البرادة هذه مخصصة للمهندسين. فهذا التحدي جعله يذهب ويتعلم ويتدرّب ويتخرج ويصبح مديرًا لهذه المنشأة حتى أن هذا المهندس جاء يومًا من الأيام يريد أن يأخذ منه إجازة فمنحه إجازة وقال له: إن الموقف السابق محفور في ذهني لكني لابد أن أشكرك عليه لأن هذا الموقف هو الذي حفزني واستفزني إلى أن أقوم بعملية التغيير هذه.
وأوضح فضيلته: أن الله -سبحانه وتعالى- عندما يعطي الإنسان قوة، فتكون قوة من عند الله، يقول تعالى (وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) (التكوير:29).
التوبة.. والتغيير
وأردف الشيخ سلمان: نحن الآن أمام توبة، وذلك لأن التوبة قد تكون من الكفر إلى الإسلام وقد تكون من المعصية إلى الطاعة، مشيرًا إلى أن قدرة الإنسان على أن يحدث توبة وخاصة في هذا الشهر الكريم فهذا من التغيير الإيجابي، مذكرًا بقصة كعب بن مالك، وقصة الفضيل بن عياض وكان يقطع الطريق وسمع الآية الكريمة: (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ)(الحديد: من الآية16)، ثم قال بلى قد آن وتاب إلى الله، وأصبح هو الفقيه والعالم والسيد المشهور.
كذلك القعنبي رأى ناسًا متجمعين عند شعبة يومًا من الأيام، فقال من هذا ؟ قالوا هذا واحد يحدث فجاء إليه، وقال حدثني: فكأنه قال أنت ما تصلح للحديث لأنه كان شابًا لعابًا فكأنه هدده أو رفع عليه صوته إما أن تحدثني وإما أن أضربك، فقال له شعبة عن ابن مسعود -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- « إِذَا لَمْ تَسْتَحِى فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ »، فهو حدثه كما أراد ولكن الحديث في الصميم، وفيه إشارة إلى أن الذي تفعله شيءٌ نقيض الحياء، فلما سمع هذا الحديث استيقظ وتاب وهاجر إلى المدينة المنورة ولازم الإمام مالك وتعلّم عليه وأصبح إمامًا مشهورًا ومحدثًا كبيرًا.
القدرة على التوبة
وأكد الدكتور العودة: أن القدرة على التوبة، وخاصة الرجوع إلى الإيمان أو الدخول فيه هو أمر عظيم، مشيرًا إلى أن الإيمان هو أعظم المحفزات، لافتًا إلى أن قراءة الكتب والدورات والبرامج والتذكير هي أسباب إنسانية بشرية صحيحة، لكن الإيمان بالله هو أعظم زاد حتى حينما يعجز الإنسان عن كل الوسائل، فإنه لا شيء كالإيمان بالله يقوي إرادة الإنسان ويحفزه على التغيير، ومن حُرم الإيمان فقد حرم الخير كله ومن فقد الله -سبحانه وتعالى- فماذا وجد ؟!
ولفت فضيلته: إلى أن كون الإنسان يعرف ربه ويؤدي الصلوات الخمس يحل ويحرم فهذا معنى عظيم، لافتًا إلى أن فضيلته وهو يتأمل الحديث عن تغيير الذات انقدح في ذهنه سورة (وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى)، فوجدت كأنها مخصصة لهذا الأمر، فقسم الله -سبحانه وتعالى- للنبي -صلى الله عليه وسلم- (مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى) (الضحى:3)، فهولا يشعر الإنسان بالغربة أو الانفراد ثم يقول: (وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى * وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى) (الضحى:5، 4)، وفي هذا إشارة إلى المستقبل وأنه مستقبل واعد وجميل ومليء بالفرص والإيجابيات فلماذا يتشاءم الإنسان منه ؟
عطاء.. وإحسان
واستطرد الشيخ سلمان: ثم الحديث عن الماضي لأن بعض الناس يؤلمه الحديث عن الماضي وذكرياته، يقول تعالى: (أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى * وَوَجَدَكَ ضَالًا فَهَدَى * وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى) (الضحى:8، 7، 6) أي أنه لا داعٍ لأن يكثر الإنسان من التلفّت إلى الماضي أو التقوقع والتردد فيه، ثم الحديث عن المستقبل بلغة أخرى وهي لغة الإحسان العطاء (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ * وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ * وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ) (الضحى:11، 10، 9)، مشيرًا إلى ضرورة العطاء والإحسان إلى الناس حتى لو كان بشيء تافه، وعلى سبيل المثال، يقال أن شخصا كان يركب القطار وسقط حذاؤه فرمى الفردة الأخرى من الحذاء. فقال له واحد، لماذا ؟ قال: حتى الفقير الذي حصل على الأولى يستفيد منها.
وتابع فضيلته: أنه يجب على الإنسان ألا يزدري من الخير والفعل والإحسان إلى الناس شيئًا ولو بكلمة طيبة، وختم الله عز وجل السورة بقوله: (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ) (الضحى:11)، فهذا من البرمجة الإيجابية، من خلال الكلمة الطيبة يقولها الإنسان عن نعمة الله تعالى عليه سواء في نفسه أو أهله أو ماله أو ولده، كما يجب على الإنسان أن يحافظ على إيمانه وأن يظل يذكر ربه سبحانه، في كل حال في الصباح وفي المساء، وإدمان هذا الذكر بحيث يكون جزءًا من عادة الإنسان التي تبرمج عليها.
غير جبلًا ولا تغير طبعًا
وتعقيبًا على مداخلة، تقول: غير جبلًا ولا تغير طبعًا، قال الشيخ سلمان: إن هذه هي قاصمة الظهر، فإذا كان الإنسان يعتقد بأن التغيير مستحيل فيكون الكلام هنا غير ذي بال وغير ذي جدوى، موضحا أن تغيير الطبع ممكن شرعًا وواقعًا، وقد أثبتت الدراسات أن تغيير الإنسان ممكن ومهم ومقدور عليه، لكن بشرط أن يكون عند الإنسان نفسه إرادة التغيير، لافتًا إلى أنه يوجد ما يسمى بنزيف العقول، حيث إن هناك عقولًا كثيرة لا يستفاد منها.
وأضاف فضيلته: أن العلماء يقولون: إن الإنسان يستفيد 10% أو يحرك 10% من طاقته العقلية، لكن الآن هناك دراسات تقول إن الإنسان الكسول الذي لا يقرأ ولا يكتب ولا يفكر ولا يستمع ولا يحاور لا يستخدم 10% وإنما يستخدم ½ بالمائة فقط من قدراته الذهنية وقدراته العقلية.
تغيير خيالي
وذكر الدكتور العودة: أن الكثيرين ربما يحلمون بتغيير خيالي ولكن ليس عندهم استعداد أن يمشوا الخطوة الأولى في هذا التغيير، وهم مشحونون بكثير من الأمثال الشعبية والقصص والكلام المحبط اليائس، فالإنسان يحتاج إلى أن يتخيل أنه قام ودخل داخل المخ والذاكرة ومعه كل الوسائل والأجهزة التي يحتاج إليها، وقام بعملية فرز كل الأفكار والتصورات والنظرات والنظريات والعادات والتقاليد والمألوفات والأقوال الموروثة التي يرددها الإنسان دون أن تكون صحيحة، ويكون عنده شجاعة أن يركلها بعيدًا ويُبقي الأشياء الصحيحة والجملية والمفيدة.
الخوف..قيد
وردًا على سؤال من مشارك، يقول: كيف يمكن لمن يريد التأثير والتغيير أن يتغلب على خوفه من فوبيا التصنيف ومشجب السب والشتائم، قال الشيخ سلمان: إن الخوف هو قيد يربط الإنسان عن أي عمل وأي إنجاز إلا أن يكون خوفًا من الله، الله -سبحانه وتعالى- يقول (فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)(آل عمران: من الآية175)، مشيرًا إلى أن الإنسان إذا كان سيدفع ثمن الخوف فلا داعي لأن يخاف، فإنني لا أدعو الإنسان لأن يكون مجازفًا أو متسرعًا أو لا مباليًا، ولكن أقبل أن أراعي وأفرق، فأقبل أن أراعي الآخرين فيما أقوله ولا أصادمهم بشكل ربما يدعوهم إلى الرفض.
وأضاف فضيلته: ولكن فكرة أن يحتل الآخرون عقلي وتفكيري وطريقة نظري للقضايا فأي قيمة للحياة إذًا ؟، لافتًا إلى أن الإنسان في هذه الحالة لا أقول عادي بن عادي بل أقل من عادي، فالله -سبحانه وتعالى- حمّل الإنسان مسئولية وجعل عليه تبعة وله حساب (وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا) (مريم:95)،، فلن يحاسب الناس وفق القائمة ولا وفق انتماء معين، وإنما وفق القيم الإيمانية والإسلامية، أما الانتماءات الخاصة فربما يستفيد الإنسان منها.
انعدام القيم
وأردف الدكتور العودة أن بعض الكلام الذي يقال لأناس في بعض المواقع، يمكن أن يهز ثقتهم بدينهم، نظرًا لوجود بعض المضايق وبعض الناس الذين ليس عندهم قيم أخلاقية، لولا أن يربط على قلوبهم ويكون عندهم إيمان، متسائلًا: كيف يطلب الإنسان من الناس شيئًا ويقوم هو بنقيض الشيء الذي يطلبه منهم تمامًا !
وتابع فضيلته: إننا عندما نتحدث عن الاجتهاد، فإننا لا نقبل من عارضنا ولو كان محقًا، ونقبل من وافقنا حتى لو كان إنسانًا جاهلًا أو صغيرًا، ولو قال الكلام الذي يروق لنا لن نقول له: لست أهلًا أن تتكلم بل سوف نصفق له ونؤيده لأنه قال الكلام الذي يروق لنا، مشيرًا إلى أن البعض يحتاجون إلى أن يتنبهوا إلى أنهم قد يعظمون نصوصًا لأنهم يستدلون بها لكنّ نصوصًا أخرى قد يغفلون عنها أو يجورون عليها.
التحلي بالصبر
وتعقيبًا على مداخلة من مشاركة، تقول: إن شخصا من عائلتها سيئ السلوك ومن عناده وكبرياء نفسه يرفض الاستجابة للتغيير، قال الشيخ سلمان: لابد من التحلي بالصبر، ولا يلزم أن نباشر الناس، ففي كثير من الأحيان تكون الوسائل غير المباشرة أكثر تأثيرًا من الوسائل المباشرة، مذكرًا بطرفة، قائلًا: إن رجلًا كان أعمى يتسوّل وقد كتب لوحة أنه "أنا أعمى ومحتاج" ولا يعطيه إلا القليل، فمرّ به متخصص في الإعلان، فقام بتغيير اللوحة وقال له: قل "إن الوقت هو وقت الربيع ولكنني لا أستطيع أن أستمتع برؤية أزهاره"، فانهالت عليه المساعدات، فبحث الأعمى فوجد أنه فعلًا هناك تغيير في اللغة.
وأضاف فضيلته: أن الدعاية -إن صح التعبير- وكذلك الدعوة يمكن ألا نستخدم معها أحيانًا الأساليب المباشرة وإنما نستخدم أسلوبًا غير مباشر، فمن الممكن أن نحفزهم من خلال أسلوب الحوار على أن يقوموا هم بوضع الأسئلة لنا.
من السيئ إلى الحسن
وردًا على سؤال من مشارك، يقول: كيف يكون التغيير من السلوك السيئ إلى حسن، قال الشيخ سلمان: إن الحل يكمن في الإيمان والصلة بالله -سبحانه وتعالى- والدعاء والتضرع، اللهم أنت الصاحب في السفر، (وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) (التكوير:29)، فكون الإنسان يعلم الله من قلبه أنه يريد أن يتحول، فسوف يساعده الله على تذليل هذه العقبات.
يهودي يدعم بناء مسجد
وفي وقفته الثانية، تحدث الأستاذ أحمد الفهيد "والذي يمثل صدى الجمهور"، حيث يشير إلى أن الزميل الصحافي عبد الواحد القاري كتب في مدونته على الإنترنت معترضا على ما ذكره الشيخ سلمان من دعم اليهودي بناء مسجد بثلاثة ملايين دولار، مشيرًا إلى أن المثال يحمل في عمقه رسالة غير صالحة، قال الشيخ سلمان: لا أعتقد أن الأمر كذلك، فأنت تتكلم عن واقع معين، والله -سبحانه وتعالى- في القرآن الكريم قال: (وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا)(آل عمران: من الآية75)، وقال -سبحانه وتعالى-: (لَيْسُوا سَوَاءً)(آل عمران: من الآية113)، والنبي -صلى الله عليه وسلم- استأجر عبد الله بن أريقط في حادثة الهجرة.
وأضاف فضيلته: أنه من الواضح أن السياقات القرآنية تفرق بين الناس وأننا حينما نتكلم عن أهل الكتاب أو غيرهم لا نجعلهم في دائرة واحدة وإنما فيهم أناس أسلموا، وهناك من هم في الطريق إلى الإسلام، فلا تستطيع أن نساويهم بالمحاربين الذين يخططون ويتآمرون على الإسلام ويسعون إلى القضاء عليه، وحشر الناس كلهم أيًا كانوا في زاوية واحدة ليس صحيحًا.
نظرة سوداوية
وتعقييبًا على مداخلة من مشارك، يقول: إن التغيير الحقيق يبدأ بعد الموت ويشعر بالإحباط، قال الشيخ سلمان: لا يوجد تغيير بعد الموت، حيث يكون كل شيء فالتغيير هو في هذه الدنيا، يقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: أَنَّ رَجُلًا قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَىُّ النَّاسِ خَيْرٌ قَالَ « مَنْ طَالَ عُمُرُهُ وَحَسُنَ عَمَلُهُ »، وكذلك يقول -صلى الله عليه وسلم-: « لاَ يَتَمَنَّى أَحَدُكُمُ الْمَوْتَ وَلاَ يَدْعُ بِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُ إِنَّهُ إِذَا مَاتَ أَحَدُكُمُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ وَإِنَّهُ لاَ يَزِيدُ الْمُؤْمِنَ عُمْرُهُ إِلاَّ خَيْرًا »، والله -سبحانه وتعالى- في القرآن الكريم يقول: (أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ)(فاطر: من الآية37)، ويقول -سبحانه وتعالى-: (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا) (الفرقان:62)أي من فاته شيء في الليل عمله في النهار أو شيء في النهار عمله في الليل.
وأضاف فضيلته: أن هذه النظرة السوداوية للحياة هي نظرة مدمرة وقاتلة ولا يمكن أن تتفق مع قيم الإيمان، فكيف تكره الحياة بهذه الطريقة وأنت تؤمن بأن الله هو خالقها، وهو خالقك وهو الذي أفاض بها عليك، وعدّها نعمة أنعم بها عليك وميزك عن الأموات قال -سبحانه وتعالى-: (وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلا الْأَمْوَاتُ)(فاطر: من الآية22).
الإسلام اليوم