في عصرٍ تلاشت فيه الحدود الثقافية بين الدول عبر ثورة علمية تكنولوجية واسعة، تلعب وسائل الإعلام دوراً كبيراً في بناء شخصية الطفل وثقافته وقيمه.
ولأن ثقافة الطفل لا تنحصر في كونها وسيلة للتثقيف وحسب، بل

تتعداها لمجال أوسع وأشمل للمنظومات الفكرية والاجتماعية والسلوكية، أي أنها تدخل في صلب التربية بكل أبعادها

لذا يجب تحديد ما يمكن تقديمه للطفل عبر هذه الوسائل، والتي يُعتبر الإعلام أحد أهم ركائزها لا سيما في وقتنا الراهن، حيث أن الإعلام عالم قائم بذاته، له أهدافه ورسالته ووسائله المتعددة والمعروفة، وأبرزها التلفزيون الذي يواجه اليوم منافساً قوياً هو الانترنيت، وهما معاً من أكثر الوسائل الإعلامية تأثيراً على مجتمع اليوم بشكل عام، وعلى الطفل بشكل خاص، ذلك أن الطفل أقل مناعة وحصانة ضد هذه المؤثرات.
فالطفولة من أهم مراحل الحياة الإنسانية وأكثرها تعقيداً وطولاً بين الكائنات الحية، فيها يجمع الطفل ويراكم المعلومات والمعارف التي تترك آثارها على الشخصية حتى في سن الرشد، هذا بالإضافة لتأثير المحيط الاجتماعي الآخر كالأسرة والمدرسة والأصدقاء.
غير أن التلفزيون يبقى الوسيلة الأكثر تأثيراً في شخصية الطفل، لأنه الوسيلة الأساسية في تعرفه على عالمه الخارجي إضافة لكونه وسيلة ترفيهية يشترك فيها مع الانترنيت حالياً.
ولعل أهم ما ساعد على بناء هذه العلاقة القوية بين الطفل وهذه الوسائل هو غياب الأهل وتخليهم عن دورهم الأساسي في تربية ورعاية الطفل بسبب تعقيد ظروف الحياة المعاصرة والضغوط النفسية والاجتماعية والاقتصادية، إضافة لعمل الأم خارج البيت وازدياد مهامها الحياتية والأسرية حيث لا تجد مساعد لها داخل أسرتها، فالأب ونتيجة الأوضاع الاقتصادية المتردية راح يعمل فترات أطول من المعتاد، وهي- الأم – تلجأ للتلفزيون مساعداً لها في تهدئة أطفالها وقتاً أطول حتى تنجز أعمالها، أو حتى ترتاح من صخبهم في ظل توترها الدائم داخل وخارج البيت، مما حدا بالطفل ليلوذ بأضواء وموسيقى التلفزيون وخيالاته الواسعة التي تناسب مخيلته الرحبة.
لا يمكننا أن ننفي ما لهذه الوسائل الإعلامية من تأثيرات إيجابية على الطفل من حيث اتساع فضاءات المعرفة وقصر طرقها التي لا تحتاج لجهد الخروج من البيت، ولكن بذات الوقت علينا الانتباه جيداً لمخاطرها التي تعتبر أكبر بالمقارنة مع الإيجابيات، ومن أهم هذه السلبيات:
- جعل الطفل يدخل في حالة من التقمص الذاتي والوجداني لما يراه من أفلام عنف وإجرام وحتى جنس في بعض الحالات، وذلك عن طريق التخزين اللاشعوري نتيجة المشاهدة لساعات طويلة، وهذا يؤدي لنتائج سلبية على القيم الأخلاقية والمجتمعية التي يتبناها الطفل.
- دخول الطفل في عزلة عن أسرته ومحيطه الاجتماعي وهذا من شأنه أن يقلص الروابط الأسرية لديه، إضافة إلى الأضرار النفسية والصحية التي تؤثر في تكوينه البيولوجي نتيجة قلة الحركة وانعدام النشاط الجسمي من خلال اللعب الذي يعتبر ركيزة أساسية في تكوين شخصية الطفل.
- تعزيز عادة الأكل أثناء مشاهدة التلفزيون أو اللعب على الكمبيوتر، وهذا أمر سيء باعتراف الأطباء وخبراء التغذية لأنه يزيد من احتمال السمنة عند غالبية الأطفال والتي لها عواقب وخيمة على الصحة.
- السهر الطويل والذي يؤدي لعدم التركيز والشرود الذهني الذي يؤثر سلباً على التحصيل الدراسي بسبب اعتلال الصحة والخمول الذهني وتعطيل الذكاء.
- ابتعاد الكثير من البرامج التلفزيونية أو برامج الانترنيت وألعاب الكمبيوتر عن الواقع معتمدة خيال المؤلف بما قد يحمله من قيم لا تتضمن معانٍ تربوية، إضافة لاكتساب العنف والرياء والنفاق على أنهما مهارة،وهذا ما يخلخل براءة الطفل وصفة الحياء والأدب في التعامل مع الآخرين.
- رغم ما تعتمد عليه الألعاب الالكترونية من سرعة الانتباه والتفكير، إلاّ أنها تحمل مؤثرات سلبية تعتمد الوحشية والعنف واعتياد مناظر الدم والقتل، وهذا ما يؤدي لتبلد المشاعر والأحاسيس عند الطفل، وبالتالي شعوره بالاغتراب وابتعاده عن التعاطف الإنساني.
أثبتت الدراسات أن نسبة كبيرة من أطفال الوطن العربي لا سيما في المرحلة الابتدائية يقضون حوالي/1000 ساعة/ أمام التلفزيون أي ضعف ما يقضونه في الدراسة وهذا مؤشر خطير لهذه المرحلة العمرية الحساسة التي تُعتبر مرحلة الخصوبة الفكرية والتلقي وزرع العادات والسلوكيات والقيم.
إن المنع الكلي والقسري أمر مرفوض ولا معقول، لكن لا بد من التعامل بحذر وإيجاد البديل المناسب من خلال صناعة إعلامية طفلية تتناسب والقيم الاجتماعية والأخلاقية والفكرية من جهة، وأيضاً تتناسب وعمر وعقل الطفل واحتياجاته من جهة أخرى، وهنا المسؤولية مشتركة ما بين الأسرة والمدرسة وأجهزة الإعلام.
من هنا يبقى للإعلام المقروء أهمية خاصة وكبرى بسبب حريتنا في اختياره لأطفالنا لملء وقت الفراغ وتنمية المواهب والهوايات.

 

إيمان أحمد ونوس
مجلة ثرى - العدد 195 تاريخ 22\ 8 \2009 - السنة الخامسة

 

JoomShaper