موجة الإعلام الفاسد.. هل تقتلع ثواب الشهر؟!
لها أون لاين
شهر رمضان من أهم شهور العام التي ينتظرها الناس؛ ليتقربوا إلى الله عز وجل، غير أن هناك عددا من المؤثرات التي تصد المسلمين عن دينهم، ومنها موجة الإعلام الفاسد التي يهدف أصحابها للأرباح والمكاسب، دونما النظر إلى ما يفعلونه من شغل للناس عن الاستفادة الحقيقية من الشهر.
في هذا التحقيق نتتبع أثر الإعلام على الصائمين وموقف الناس منه في رمضان.


موجة الإعلام الفاسد
أم سامي من القاهرة ـ في العقد الرابع من عمرهاـ تقول: "إن أهم تحد لها يقابلها كل عام الفساد الإعلامي، مشيرة إلى أن تأثيره على الأطفال كبير، وأن هذا التأثير يمتد للكبار، وغالبا ما يكون سببا لكثير من مشاكلنا الأسرية، وذكرت أنها تبتكر كل عام في شهر رمضان وسيلة جديدة لمواجهة هذا الفساد الإعلامي، ليس بطريقة المنع التي تجعل الأطفال يتشبثون أكثر بسماعهم للقنوات التي تبث السموم والقاذورات، وإنما من خلال تقديم البديل الهادف.
ولفتت، إلى أنها دفعت أبناءها إلى مقاطعة الإعلام في شهر رمضان، ونجحت هذه المقاطعة عندما جعلت من نفسها قدوة في ذلك، وبالتالي تجنبت هذا الفساد وكل ما أتى به.

ساري الزهراني من السعودية ترى أن موجة الإعلام الفاسد لا يوقف زحفها إلا إعلام قوي يراعي ذوق المشاهد، ويقدم ما يرغبه في إطار راق ومحترم، إذ لا بد أن يفرض الإعلام المحترم نفسه لمواجهة الإعلام المغرض، ويرفع من وعي المشاهد العادي.
فكثير من المشاهدين مجرد متلقين لأي مادة إعلامية معروضة، وليس كل مشاهد لديه  الوعي بما تدسه القنوات الفضائية من سم في العسل.

أم مهدي الزين من فلسطين ـ في منتصف العقد السادس من عمرها ـ تؤكد أن  الفضائيات الدينية زادها للتقوى في شهر رمضان وسائر أشهر العام، فهي أمية لا تستمتع بقراءة القرآن في شهر رمضان، لكنها تعمد إلى الاستماع إليه مع قناة المجد للقرآن الكريم، فتختم كل يوم جزء مع المقرئين الذين يتناوبون على الشاشة على امتداد ساعات النهار.
وتنتقد السيدة الكثير من الشباب الذين يقضون أوقاتهم أمام المسلسلات وبرامج التسلية التي تضيع الوقت وتذهب معها أجر الصيام.  وأضافت أنها تحاول أن تؤسس أحفادها على عدم متابعة التلفاز بصورة دائمة، فتفرد لهم وقتاً من يومها تجمعهم في حضنها، وتبدأ بقص بعض قصص الأنبياء على مسامعهم والتي تكون قد سمعتها من أحد البرامج.

حتى القنوات الدينية مضيعة للوقت!
وتقول سماح عبد الله ـ من القاهرة أم لثلاثة أبناءـ : "إن تأثير الفساد الإعلامي على أبنائها كتأثير النار في الموجودات التي تحرقها، حتى تصبح كالهشيم، وقديما قال أحد الأعداء أعطوني شاشات وأنا أخترق لكم الأعداء؛ فإنها عابرة للقارات، وهي أكثر إيلاما وتأثيرا في أعداءنا من الصواريخ عابرة القارات".
وعابت، على الدور السلبي للأبوين والأسرة في الرقابة الذاتية، وعلى دور الإعلام الإسلامي الذي لم يتعد دور المؤثر الحقيقي، بحيث ينافس غيره من الإعلام المفسد الذي لوث حياة الناس في رمضان وغيره من الشهور.
وأكدت أن المسلم إذا قام بما يجب عليه من عبادات وأعمال في رمضان، من صلاة الفرائض والنوافل، وقراءة قرآن، وذكر الله، وصلاة القيام، ومجالسة الأبناء، وصلة الأرحام، هل يبقى عنده وقت لمشاهدة التلفاز !!! الإجابة بلا شك لا.
وأضافت: وفي رأيي الشخصي أن حتى القنوات المسماة بالدينية هي خطر أيضا في رمضان، ويجب التقليل من مشاهدتها حتى لا تأخذ المسلم من واجباته في هذا الشهر، مكتفيا بالمشاهدة دون تأدية العبادات والطاعات!!

أما أمل مليباري من السعودية فتقول: "أنا كأم أواجه إشكالية عدم استطاعتي التخلي عن التلفاز لئلا نعيش معزولين عن الناس، وفي الوقت نفسه لا أستطيع تشغيل جميع القنوات،  فحتى بعض القنوات العادية قد تعرض أحيانا مالا يليق بالأسرة المحافظة أن تشاهده، ولكن دائما أقوم بدور المرشد لأطفالي في اختيار البرامج التي نشاهدها خلال عدد محدود من القنوات؛ حتى يكون الوضع دائما تحت سيطرتي.

أصحاب القنوات الفضائية لا يهمهم سوى الكسب المادي
يقول عماد العطر من السعودية: "لولا نسبة المشاهدة العالية لما تطاولت الفضائيات بهذا الكم من العبث لتلقين المشاهدين دروسا في اللهو واللغو على مدار الشهر الفضيل، هؤلاء أصحاب القنوات الفضائية لا يهمهم سوى شيء واحد، وهو الكسب المادي، والتجار الذين يضعون الملايين في إعلانات داخل البرامج المعروضة خلال الشهر أثارت شهية عبدة المال لمضاعفة جهدهم، وبذل قصارى جهدهم؛ لجذب المشاهد المسكين خلال شهر رمضان، والواجب على التجار عدم الإعلان خلال البرامج الهزيلة، وإذا ما أعلنوا على الناس الغيورين على دينهم مقاطعة المنتجات التي تعرض إعلاناتها خلال البرامج السخيفة؛ لردع التجار حتى لا يقوموا بتمويل القنوات الفضائية المخلة بمبالغ ضخمة، وبذلك يكونون قدموا يد العون بدون قصد لمن أراد إفساد رمضان علينا بقصد.

مفسدة الصيام
ترى الإعلامية المختصة بشؤون المرأة بفلسطين ماجدة البلبيسي أن أصحاب الفضائيات يعمدون إلى إفساد شهر الصيام بما يعرض على شاشاتهم الفضية، خاصة في ظل تعود الكثير من المواطنين الجلوس أمام شاشات التلفزيون لمتابعة المسلسلات التي يخصص إنتاجها لشهر لرمضان المبارك في ظل التسابق الشرس بين القنوات الفضائية على عرضها، وأضافت أن التلوث الإعلامي الحاصل تدخلت فيه مؤسسات الغرب، لافتة أن ما يعرض من مسلسلات لم يعد محكوماً بالمستوى المحلي، وإنما خرج ليواكب العولمة خاصة في ظل ظهور الكم الهائل من المسلسلات المدبلجة والتي تحمل أخطاراً من نوع آخر حيث تتغلغل في صميم الحياة وتفاصيلها.

المسؤولية الأكبر للفرد
من ناحية أخرى أشارت البلبيسي في حديثها لـ " لها أون لاين "  أن خطر الفضائيات وما تبثه من موجات فساد إعلامي من شأنها أن تذهب بأجر وثواب الصائم، وأن المتحكم في عملية البث الفضائي شركات أوروبية أجنبية، تعمل للترويج لسياساتها وثقافتها و أجندتها الغربية، مؤكدة أن المسؤولية الأكبر في مواجهة ما يعرض يقع على المشاهد الذي بإمكانه أن يحدد البرامج والمسلسلات التي يشاهدها، والتي يجد فيها نوع من التاريخ وتحمل معاني الثقافة الإسلامية خاصة البرامج الدينية، والتي تحث على كسب فضائل الشهر ليس بالصيام والعبادة فقط ،وإنما بالأعمال الصالحة.  واستكملت أن أساس الوصول إلى تلك المرحلة من انتقاء الجيد من مجمل الخبيث المعروض، هو التحصين من قبل الأسرة، وتمكين أفرادها من الأدوات والأسلحة لمواجهة ما يعرض، خاصة وأن فلسطين دولة خارج نطاق الفلترة الإعلامية، فكل شيء مباح.  وأضافت أن التربية الإسلامية القويمة من الأسرة لأبنائها يؤهلهم لأن يحصنوا أنفسهم من تلك  المخاطر التي يبثها الإعلام الفضائي.

لا تتركوا أنفسكم للتلفاز
ويقول فتحي عبد الستار المستشار الدعوي والاجتماعي بالقاهرة: "لا شك أن ما تقوم به بعض وسائل الإعلام من حرب على الصائمين في رمضان؛ له أثر كبير على هذه الشعيرة العظيمة، حيث تضيع فيها الأثر الروحاني والإيماني المطلوب والمبتغى من وراء هذه الفريضة، وهو التقوى كما أنها تفرغ الصيام من مضمونه، وتحوله إلى مجرد عادة أو طقس يتم تأديته من باب الفلكلور.
وتساءل قائلا، كيف يتأتى للإنسان الجمع بين النقيضين؟ وكيف تجتمع التقوى مع المعصية؟ وكيف يجتمع الإيمان مع النفاق؟ وكيف يجتمع الصيام مع الفواحش والمنكرات؟ وكيف يتأتى الأجر من عمل الأوزار؟!!
وأضاف أن مشاهدة التلفزيون يجب أن تأتي في ذيل قائمة الاهتمامات في رمضان، فالتلفزيون إن كان فيه ما يفيد، فهو موجود طوال العام، أما رمضان فلا يأتي إلا مرة في العام، والعاقل الذي يضع كل شيء في وقته ومكانه الصحيح. مشيرا أن المسألة لا تحتاج لتحديد، فالحلال بين والحرام بين، والمسلم يعرف تماما ما يصلح صيامه وما يفسده.
ولفت، إلى أن الأولى أن تكون مشاهدة التلفزيون في رمضان مقتصرة على أوقات الطعام أو ارتداء الملابس، أو القيام بأي عمل لا يحتاج لتركيز، وذلك للتعرف على آخر الأخبار، أو متابعة برنامج ما فيه استفادة معينة، وإلا فلا وقت نضيعه أمام التلفاز في رمضان.

من ناحيته أكد الداعية الإسلامي الفلسطيني د. حازم السراج على أن شهر رمضان شهر العبادات، وفيه تتوطد علاقة العبد بربه بالتقرب إليه بالطاعات بالصيام وأداء صلاة القيام وصلاة التراويح والتعبد بتلاوة القرآن والتفقه في سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام.
وأضاف قائلاً:" ليس العلاقة بين رمضان والبطن أو رمضان الهوى من الانسجام مع المسلسلات والبرامج التي تلهي العبد عن ذكر الله عز وجل" واستكمل: رمضان شهر للتزود والتسلح بالإيمان لأحد عشر شهراً حتى رمضان التالي، وأنه منحة من الله سبحانه تعالى على الإنسان أن يسعى إلى بلوغها.

أين دور الإسلاميين في مواجهة فساد الإعلام؟
أما الداعية الإسلامية فاطمة غلام من السعودية فتوجه نصيحتها إلى النساء، مبتدئة كلامها بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم:(لا يكن أحدكم إمعة) وتقول: "بعض النساء هداهن الله يجعلن مشاهدة المسلسلات مادة للحديث في المجالس! فتقول: أنا رأيت المسلسل الفلاني. والأخرى تقول: فاتك نصف عمرك؛ لأنك لم تري المسلسل الآخر، فأي عمر فات لأني لم أشاهد مجرد لهو، إنه الجهل بقيمة شهر رمضان العظيم، فالشخص العاقل يعي تماما أهمية رمضان وساعاته، بل دقائقه الغالية فإذا ذهبت لن ينفع الندم لمن أدرك رمضان.
وتضيف غلام: الجدير أن يكون للإسلاميين دور في مواجهة الإعلام الفاسد؛ بإعلام راق يجذب المشاهد قبل حلول شهر رمضان يحثه على اغتنام الشهر الفضيل، ويواصل برامجه القيمة على مدار شهر رمضان.
وتوافقها ندى روزي من السعودية التي ترى أن الإعلام الإسلامي والقائمين عليه لهم دور كبير جدا في صناعة إعلام يلائم ديننا ومجتمعاتنا، فسواء رضينا أم أبينا؛ هناك فئة من الناس يجذبها التلفزيون، و وسائل الترفيه حتى في رمضان، فالناس تختلف في درجة تحملها للعبادة، فالبعض لديه الإرادة للانقطاع للعبادة، والبعض الآخر يقلل فقط من الوقت المقطوع للتلفاز، وطالما التلفاز شر لا بد منه فليحسن القائمون عليه صناعته.

ويقول يوسف وهب ـ داعية بمساجد الأزهر الشريف ـ :"إن الفساد الإعلامي وسباق الفضائيات المحموم في التنافس على إذاعة المسلسلات والفوازير والبرامج الترفيهية هو السبب الرئيس في فساد صيام الكثير من الناس، وضياع مفهوم العبادة في الشهر الفضيل".
واقترح على الصائمين إغلاق التلفاز نهائيا في شهر رمضان إلا للحاجة الملحة، كمعرفة خبر أو نحوه دون الإكثار من مشاهدة البرامج بدعوى العلم والتفقه.
وطالب الصائمين باستغلال شهر رمضان في الحفاظ على ورد القرآن، بحيث تكون تلاوته ثابتة يوميا ومنتظمة، و المكث في المسجد أطول فترة ممكنة؛ لأن ثواب ذلك عظيم مع الحفاظ على صلاة القيام لما فيها من الأجر الجزيل.
ولفت، إلى أن الشهر الكريم فرصة كبيرة؛ لتجميع الأسرة على عدد من العبادات الجماعية، مثل: قراءة القرآن ضمن حلقات الذكر، وزيارة والمرضى، والإحسان إلى الفقراء، وصلة الأرحام.

JoomShaper