المعالجة القرآنية للجريمة والنهي عنها
لكل جريمة قصاصها في القرآن الكريم ووضع قواعد للحد منها
عرض - أماني أحمد:
القرآن الكريم كتاب الله العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه, تنزيل من حكيم حميد,ولقد قال الله تعالى : "ما فرطنا في الكتاب من شىء". ولما كان تناول الجريمة من جانب القرآن الكريم إنما يأتي عرضا في ثنايا القصص القرآني فإن هذه المعالجة لا تتناول الجريمة من دوافع وأسباب ونتائج تفصيلا, لأن المقصود منها العبرة والعظة.
والكتاب الذي نقدمه اليوم لقارئنا الكريم إنما يتناول بالتحليل جرائم عالجها القرآن الكريم, يقدمها المؤلف الدكتور علي أحمد المجدوب في عرض مفصل مع إجراء المقابلات والموازنات التي تمتاز بالبحث والتقصي.
لكتاب من القطع الكبير ويضم 240 صفحة وصدر عن الدار المصرية اللبنانية وينقسم إلى أربعة فصول, يتناول الفصل الأول وقائع الجريمة والباعث عليها ويتطرق الفصل الثاني عن الشروع في قتل نبي ويتوقف عند الأسرة التي وقعت فيها الجريمة ويتحدث عن المجنى عليه نبي الله يوسف عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام وعلاقة الجريمة بالرؤيا التي رآها يوسف والتآمر للتخلص من يوسف وتنفيذ المؤامرة والدليل المزور , وجاء الفصل الثالث تحت عنوان "المتهم البريء" ويتناول جريمة امرأة العزيز ووقائع القضية وسن يوسف يوم أن اشتراه العزيز وامرأة العزيز تبدأ في تنفيذ جريمتها ,أما الفصل الرابع فقد جاء تحت عنوان " مجتمع مجرم" وتوقف فيه المؤلف عند صورة المجتمع المجرم في القرآن الكريم, ومن هو المجتمع المجرم?
ويذكر المؤلف أن الكتب التي تناولت الجريمة في القرآن الكريم كثيرة ولكنها اقتصرت فى دراستها على الجانب التشريعي , بمعنى التجريم والعقاب, فضلا عن بيان الأسباب التي من أجلها جرم الفعل أو الترك,والأسباب التي من أجلها تقررت العقوبة نوعا وكما, مثال ذلك جرائم الزنا والقذف والسرقة وغيرها من جرائم الحدود.أما الدراسات التي تناولت الجريمة من حيث دوافعها أو بواعثها والعوامل المختلفة التي أدت إلى وقوعها, والملابسات التي سبقتها أو عاصرتها مثل التخطيط لها والإعداد لارتكابها, ومرحلة التنفيذ وكيفيته, وما أعقبه من آثار, فضلا عن السمات الشخصية لمرتكبيها,فإنها قليلة جدا تتناثر في بعض كتب التفسير وبخاصة المتأخر منها مثل تفسير المنار للشيخ محمد رشيد رضا, وتفسير " في ظلال القرآن "للأستاذ سيد قطب" وتفاسير قليلة أخرى. غير أنه يلاحظ أنها لم تتناول كل ما تقدم من موضوعات,وإنما اقتصرت على بعضها دون البعض الآخر, فالمفسر الذي تناول دوافع الجريمة أو بواعثها نجد أنه قد ترك العوامل التي تفاعلت فأدت إلى ارتكابها, مثل العوامل الاقتصادية والاجتماعية والشخصية وغيرها. والمفسر الذي اهتم بمرحلة التخطيط للجريمة والإعداد لارتكابها, نجد أنه لم يهتم ببيان سمات شخصية الجاني أو المجني عليه.
من ناحية أخرى وبالنظر إلى أن أغلب الجرائم التي وردت بالقرآن الكريم كانت في شكل قصص, وإن اختلفت فى الحجم, إلا أنها جميعا قصيرة تتراوح بين ست أو سبع آيات وثلاث وسبعين آية, كما في قصة لوط وقومه.
ويوضح المؤلف أنه وفيما يتعلق بالجرائم التي عالجها القرآن الكريم سيلاحظ القاريء للوهلة الأولى أن كل جريمة منها تمثل نمطا مختلفا من أنماط الجريمة. فمن حيث المساهمة في الجريمة نجد مثالا للجريمة التى يرتكبها فاعل واحد (قتل ابن آدم لأخيه)ومثالا آخر للجريمة التي يسهم فيها عدد من الأشخاص, بعضهم قام بدور الفاعل والبعض الآخر قام بدور الشريك(الشروع في قتل يوسف عليه السلام)أم المثال الثالث فخاص بالجريمة التي يرتكبها عدد كبير من الأشخاص, ليس بينهم من قام بدور الشريك, بل كانوا جميعا فاعلين.وفي كل مثال يبين لنا القرآن ما يقوم من اختلافات بين النمطين.
كذلك فيما يتعلق بالباعث على ارتكاب الجريمة, وهو الذي يختلف من جريمة إلى أخرى. ففى جريمة قتل ابن آدم لأخيه كان الباعث على الجريمة الحسد وكذلك شروع أبناء يعقوب في قتل أخيهم يوسف, وذلك بخلاف جريمة امرأة العزيز التى كان الباعث عليها الشهوة الجنسية العارمة التي سيطرت على هذه المرأة.أما جريمة قوم لوط- وهي إتيانهم الفاحشة- فإن الباعث عليها تمثل فى فساد الفطرة الناشئ عن تقليد العامة للخاصة في ممارستهم للجنس الذي يكون طرفاه من نفس النوع: ذكران(لواط), أنثتان(سحاق) إلى أن أصبح ذلك عادة تمكنت منهم, وانتقلت من السلف إلى الخلف, ومن النساء إلى الرجال.
واوضح المؤلف فيما يتعلق بالعوامل التي تتفاعل فتؤدي إلى وقوع الجريمة سنلاحظ أن القرآن الكريم قدم لنا أمثلة من الجرائم تختلف فيما بينها بحسب نوع العوامل التي ساهمت في وقوعها . ففي جريمة قتل ابن آدم لأخيه كان العامل شخصيا خالصا, يتمثل فيما كان يعيب شخصية الأخ القاتل من طمع وحسد وفساد في التفكير وتسرع في اتخاذ القرار دون إعمال نظر, أما في جريمة إخوة يوسف فإن عامل التنشئة الاجتماعية يبدو دوره واضحا حيث كان الإخوة غير أشقاء من ناحية الأمهات اللاتى كان عددهن أربعا نشأن أبناءهن على كراهية بعضهم بعضا وخوفهم بعضهم من بعض وقد تفاعل العامل الاقتصادي مع العامل الاجتماعي, ثم انضم إليهما العامل الشخصي فكانت الجريمة, وفي جريمة امرأة العزيز نجد تفاعلا واضحا بين العوامل الشخصية والاقتصادية والاجتماعية , انعكس لا على سلوك المرأة وحسب,بل وعلى سلوك زوجها ونساء المدينة والملك نفسه. إلى غير ذلك من الاختلافات التي تقوم بين الجرائم سواء من حيث الملابسات التى سبقت أو عاصرت الجريمة, أو من حيث النتائج التي ترتبت عليها.
ومن بين الجرائم الأربع التي يشتمل عليها هذا الكتاب جريمتان وقعتا في الأسرة, إحداهما جريمة قتل ابن آدم لأخيه, والثانية جريمة شروع إخوة يوسف في قتله, مما يدل على اهتمام القرآن بالأسرة ولفته الأنظار إلى ما يسودها من ظروف, وما يقوم فيها من علاقات كثيرا ما تؤدي إلى الجريمة .فإذا أضفنا إلى هاتين الجريمتين جريمة امرأة العزيز التي وقعت هي الأخرى داخل الأسرة فسيتبين لنا الدرجة التي بلغها اهتمام الإسلام بالأسرة .
كذلك سنلاحظ أن الإسلام لا يمنع البحث في الجريمة للتعرف على أسبابها ودوافعها من أجل العمل على الوقاية منها,وأن القرآن الكريم عالج جريمتين جنسيتين كبيرتين, إحداهما جريمة امرأة العزيز, والثانية جريمة قوم لوط, ومع ذلك فإنه خلا تماما من أي إثارة للمشاعر, وهي التي تقترن دائما بالموضوعات الجنسية, فكأنه يعلمنا كيف نتعامل مع هذه الموضوعات دون أن نثير الغرائز,أو ندغدغ الحواس مما يؤدي إلى إقدام الناس- وبخاصة الشباب- على ارتكاب الجرائم الجنسية, وهو ما نلاحظه على ما تنشره الصحف هذه الأيام, من موضوعات جنسية بطريقة فجة تثير الغرائز, وتلهب الحواس, ثم تدعي أنها إنما تقصد العلاج والوقاية .
كيف عالج الإسلام الجريمة وطرق الوقاية منها?
- التفاصيل