أ.د. محمود نديم نحاس
التقيت بمهندس يعمل في إحدى الشركات الوطنية، وهالني ضحالة ما عنده. لا أقول في الثقافة العامة، إنما في اختصاصه الهندسي، بل كان لا يعرف كثيراً مما هو مطلوب منه في وظيفته. فقد اكتفى أن يكون صلة وصل، كما قال، بين إدارته وبين الشركات التي تقدم خدمات لشركته. وعمله هذا لا يتطلب مهندساً، بل يمكن أن يقوم به موظف لم يكمل الثانوية.
في المقابل قرأت عن سائق تكسي، لم يستطع أن يحصل على الثانوية العامة، لأنه ترك التعليم ليعيل سبعة من الإخوة والأخوات. لكن طموحه لم يكن يقف عند حد. فكان عندما يتوقف في السوق في انتظار الزبائن يخرج أوراقاً ويبدأ بالكتابة. ولم يعرف السائقون الآخرون ماذا كان يكتب. لكن تبين بعد خمس سنوات أنه كان يؤلف كتاباً. وبطبيعة الحال فإن كتابه كان من واقع مهنته، دوّن فيه حكاياته مع ركابه، وملأه بالتجارب والأفكار التي أخذها من شريحة واسعة الطيف من الناس. إنه عمل يدل على طموح رفيع. وهكذا دخل الشهرة من باب صغير، وصار وجهه مألوفاً للناس في مدينته بسبب ما نشرته وسائل الإعلام عنه وعن كتابه، فقد أثبت أن المهنة ليست عائقاً أمام الطموح، وأن العطاء ليس حكراً على أحد. والطريف أن دار النشر التي نشرت الكتاب قد أقرت بأن أسلوبه في الكتابة كان مشجعاً على النشر ولم يحتج إلا إلى تصحيح بعض الأخطاء اللغوية. وبالمناسبة فهناك كتاب آخر منشور في بلد آخر يحمل عنواناً مماثلاً، لكنه من كتابة راكب، دوَّن فيه حواراته مع سائقي التكسي على مدى عدة أعوام.
فهل في هذه التجارب ما يشحذ الهمم؟
ولطالما رأينا على شاشة التلفاز أناساً مبدعين رغم أنهم معاقون. والأفضل أن نطلق هذه التسمية على المعاق فكرياً لا جسدياً. فمن لم يستطع أن يفكر بعمل ينفع به نفسه وأهله وبلده وأمته فماذا نسميه؟
كلية الهندسة، جامعة الملك عبد العزيز
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.