يبقى التنور عبر كل العصور الماضية وإلى وقتنا الحاضر آلة الخبز الشعبي التي تتجسد فيها روح التراث وعبق التاريخ منذ 7000 عام وهي اليوم تنبض بالحياة على جوانب الطرق في منطقة مصياف بمحافظة حماة بشكلها الكهفي الذي تتراقص فيه ألسنة النار لتفسح المجال لأنوثة العجينة بالتفتح على عزف الحطب. وقال ابراهيم عباس رئيس شعبة الآثار بمصياف إن ظاهرة التنور اندثرت فترة من الزمن إلا أنها عادت اليوم بقوة وهي تعتمد في صناعتها على نفس الصنعة للآلة البدائية التي كانت النساء قديماً يقمن بتصنيع التنور.

وأضاف إن انشاء التنور يحتاج إلى عشرة أيام تقريبا فهو يمر بعدة مراحل تبدأ بجلب وتنظيف التراب الأحمر المخصص لصناعته والذي يخلط مع الماء ويترك لمدة يومين ومن ثم يضاف له الملح والتبن وشعر الماعز والخيش والقنب لتقوية الطين وزيادة تماسكه ثم تبدأ مرحلة عجن الخليط مع بعضه لتبدأ عملية البناء بلف الطين على شكل حلقة دائرية بقطر 1 متر وبارتفاع 30 سم وسماكة 3 سم ثم يترك هذا النموذج لليوم الثاني حتى يجف ثم تليها مرحلة لف وسط التنور وفي اليوم الثالث من عملية تصنيعه تلف فوهة التنور قبل أن يعرض التنور لأشعة الشمس لمدة أسبوع على الأقل حتى يجف بشكل نهائي وفي مرحلة أخرى يوضع المجسم المبدئي وسط غرفة بيت التنور على أن تترك مصطبة على جانبيه محشوة بطبقات من الحجارة والطين تساعد في استدارة الرغيف باليدين وتسمح بصنع باقي المعجنات الأخرى كما تساعد في حماية التنور من الكسر وعند تنفيذ هذه الملحقات يصبح التنور جاهزا للعمل.

السياحة دفعت إلى إحياء التنور

ويقول عبد الكريم عمار صاحب تنور السنابل فى قرية السويدة السياحية بمصياف إن صنعة خبز التنور ليست شيئا معقدا لكنها تحتاج الى خبرة و ما دفعنى لبناء هذا التنور هو نشاط الحركة السياحية فى مصياف خلال السنوات الماضية وتزايد عشق المصطافين وأهالي القرى المجاورة لمنتجات التنور الحطبي بمختلف أشكال وأنواع الخبز المرقد والمدعوم بالسمن العربي و المحمر ومناقيش الجبنة والزعتر والسلق نظرا لما تمتاز به من مذاق شهي ويفوق مثيلاتها من أي منتج آخر لأننا نستخدم المواد الاولية من منتجات الارض المحلية كما نستخدم النباتات العطرية كوقود للتنور مثل الميرمية والريحان والسنديان والتي تضيف نكهة متميزة للخبز.

وتشير هيام وسوف العاملة على أحد تنانير المنطقة وهي منهمكة في ترقيق العجين إلى أن سر حرفية التنور يبدأ من بين الأصابع التي تموج وتدلك العجين برقة وحنان كأنه طفل رضيع دون أن تتجاهل دور مقادير الطحين والماء والخميرة والملح والسماق وحبة البركة فى انتاج عجنة بمواصفات جيدة موضحة أنها تحتاج فى بعض الاحيان الى أكثر من ساعة عمل متواصلة لتصنع من هذه المقادير كتلة عجينية رخفة ومطاوعة إلى أقصى حد.

وفي الوقت الذي تقوم فيه بتقطيعها إلى قطع دائرية صغيرة تكون نيران التنور استقرت بعد أن اجمر الحطب ونتيجة لذلك يتحول لون الفخار الوردي إلى اللون الأبيض ما يعطى إشارة إلى أن التنور أصبح جاهزا لاستقبال العجين الذي تقوم بترقيقه وتطويعه على الكارة وهى عبارة عن قطعة من اللباد دائرية الشكل تساعد فى لزق العجين على الجدار الداخلي للتنور لمدة دقيقتين وبعدها يعلن الخبز المقمر نضجه تمهيدا فى نزعه من جدران التنور بواسطة يديها من بين السنة اللهب وهذا بحد ذاته سر الحرفية .

ولفت أحمد ابراهيم وهو أحد المصطافين فى المنطقة إلى أن سبب توقفه أمام التنور وانجذابه اليه هو رائحة الخبز والمناقيش الشهية المنبعثة منه والتي تدفع أي زائر للمنطقة إلى تذوق هذه الأكلة التى لن يجد بمثل مكوناتها الطبيعية في أي صنف اخر من الطعام.

خبزه غذاء متكامل


وعن فوائد خبز التنور أوضح الطبيب باسم العيسى أن لخبز التنور قيمة غذائية وصحية عالية باعتباره يمثل غذاء متكاملاً يحتوي على القمح وقشوره ونخالته ويحتوى أيضاً على العديد من المواد المعدنية والفيتامينات التى يحتاجها الجسم لزيادة نشاطه وقوته إضافة إلى فائدته للمعدة والأمعاء ولمرضى السكري ولأصحاب الأوزان الثقيلة ولأمراض الجهاز العصبي.

كما يساعد على هضم المواد الغذائية وامتصاصها بشكل جيد ويسهم في طرح السموم خارج الجسم ويفيد الرجال ومرضى القولون لذا يمكن اعتباره غذاء مفيدا بكل مقاييسه نظرا لعدم دخول أي مواد كيماوية في صناعته.

يذكر أن التنور يعتبر أحد أهم مظاهر الفلكلور والتراث التي تزخر بها مصياف وهو يصنف اليوم كنموذج سياحى ومقصد لرواد المنطقة لتذوق أسرار الصنعة البدائية التى يخبئها خبز التنور.

تقرير عيسى حمود

حماة-سانا

JoomShaper