ما زالت اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة "سيداو" محط اهتمام العديد من العلماء والمفكرين الغيورين على دينهم، لما تحويه من تناول الكثير من المسائل الهامة التي تضعف توجهات المرأة المسلمة نحو الالتزام بدينها وعاداتها وتقاليدها، وتحاول من خلال تلك المسائل تمييع هوية المرأة الحضارية الإسلامية.
تعد اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (السيداو) بيانا عالميا بحقوق المرأة الإنسانية، إذ تؤكد على ان حقوق المرأة حقوق إنسانية، وتدعو هذه الاتفاقية بصورة شاملة إلى المساواة المطلقة في الحقوق بين المرأة والرجل في جميع الميادين، السياسية والاقتصادية، والثقافية والمدنية، وبعد المصادقة عليها تعد ملزمة قانونيا للدول الموقعة بتنفيذ بنودها، وتعتبر من أهم الصكوك الدولية التي تضم مبادئ أساسية تدعو لتمتع المرأة بكافة حقوقها، وان التمييز ضد المرأة يعد إجحافا أساسيا واهانة للكرامة الإنسانية؛ لذا يجب إلغاء كافة القوانين والأعراف والممارسات التي تشكل تمييزا ضد المرأة، فهي بمثابة قانون دولي لحماية حقوق المرأة، وعلى الدول الموقعة اتخاذ كافة التدابير للقضاء على التمييز بين الرجال والنساء، سواء على مستوى الحياة العامة فيما يتعلق بممارسة جميع الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية سواء أكانت المقاومة على أسس دينية أو أخلاقية أو اجتماعية.

والمنصف يرى أن للاتفاقية بنودا ايجابية وبنودا سلبية والخطورة من أخذها كحزمة واحدة ومن الايجابيات ما ورد في المادة (3) والتي تعمل على كفالة تطور المرأة وتقدمها وضمان ممارستها لحقوق الإنسان والحريات الأساسية وما ورد في المادة (5) والتي تدعو إلى القضاء على التحيزات والعادات العرفية وكل الممارسات الأخرى القائمة على فكرة دونية أو تفوق احد الجنسين وما ورد في المادة (6) والتي تدعو إلى اتخاذ جميع التدابير لمكافحة جميع أشكال الاتجار بالمرأة واستغلالها في الدعارة، وإكراهها على البغاء وما ورد في المادة (7) والتي تدعو إلى اتخاذ جميع التدابير لان تمارس النساء حقوقهن السياسية، ترشيحا وانتخابا ومشاركة في صياغة السياسات الحكومية وجميع المنظمات والجمعيات غير الحكومية ومثل المواد (8) و( 9) و(10) و(11).

وأما سلبيات الاتفاقية، فمنها أنها تعارض ميثاق الأمم المتحدة، والذي ينص على احترام كافة الأشكال الحضارية وكافة نظم الاعتقاد الديني في العالم وان تخرج معاهداته على مستوى الحياة الخاصة وعلى وجه الخصوص من الإطار الأسري، فينبغي على مختلف بلدان العالم التفكير بها والحوار حولها وذلك من خلال انتقال الموضوعات ذات الاهتمام من قائمة أولويات الحضارة الغربية إلى القائمة العامة لأوليات الشعوب باختلاف ثقافاتها، ولتطبيق هذه الاتفاقية فلا بد أن تمر بمراحل تبدأ بتكثيف اهتمام وسائل الإعلام، وتسليط الضوء عليها حتى يثور الاهتمام العام بها فتصل إلى مصاف الاحتياجات الاجتماعية الدولية. وحتى يبدأ النقاش العام حولها في مختلف بلدان العالم لتشكيل الرأي العام الدولي، ثم تأتي مرحلة صياغة قواعد كونية تحكم السلوك البشري للعالم كله في جميع مجالات الحياة عبر المؤتمرات الدولية للخروج بمواثيق واتفاقات تكون ملزمة للبلدان التي تصادق عليها ثم يتم الضغط على الدول التي صادقت وتحفظت على بعض البنود لرفع تحفظاتها كما حصل للأردن وغيرها من الدول والضغط على الدول التي لم توقع عليها أصلا ليتم التوقيع الحضاري الغربي واتفاقياته بما يتسق مع هذا الاحترام.

غير ان اتفاقية السيداو تريد أن تفرض نظرة واحدة للإنسان والكون والحياة وهي النظرة الغربية التي لا تعترف بالقيم الدينية أو الخصوصيات الحضارية فما طرحته الاتفاقية من حقوق وواجبات يغلب عليه سيادة النظرة الغربية والتي تنظر للإنسان باعتباره كائنا ماديا يستمد معياره من القوانين الطبيعية المادية، والتي ترفض وجود تمايز في الخصائص والوظائف بين الرجل والمرأة وتنظر إلى المرأة كفرد مستقل وليس عضوا في أسرة يتكامل فيها الزوجان مما يؤدي إلى تفكيك الأسرة ويعلن حتمية الصراع بين الذكر والأنثى وضرورة وضع نهاية للتاريخ الذكوري الأبوي مما يولد القلق والضيق والملل وعدم الطمأنينة عند المرأة، وخلاصة السلبيات من المادة (2) إلى اتخاذ جميع التدابير بما في ذلك التشريع لإبطال كافة الأحكام واللوائح والأعراف التي تميز بين الرجل والمرأة من قوانينها، وان تستبدل بها قوانين تؤكد القضاء على هذه الممارسات سواء أكانت صادرة عن أشخاص أو ناتجة عن تقاليد أو أعراف دون استثناء حتى تلك التي تقوم على أساس ديني وهذا مخالفة واضحة وصريحة للشريعة الإسلامية، وبمقتضى هذه القوانين تصبح جميع الأحكام الشرعية، المتعلقة بالنساء لاغية وباطلة ولا يصح الرجوع إليها أو التعويل عليها فالاتفاقية تنسخ الشريعة.

وأما في المادة (16) والتي تعتبر من اخطر مواد الاتفاقية على الإطلاق لأنها تمثل حزمة من البنود التي تهدد قانون الأحوال الشخصية فهذه المادة تمثل نمط الحياة الغربية فتتجاهل معتقدات شعوب العالم ومنظوماتها القيمة وأنساقها الإيمانية، فهي تتجاهل مسألة الولاية على البنت في اختيار من تراه وتتجاهل ما يفرضه الإسلام على الزوج من تقديم للمهر، وتأثيث منزل الزوجية، والتكفل بالنفقة وغير ذلك، وتتجاهل وضع الأسرة كمؤسسة مكونة من زوجين، وتسمح بان تنسب الولد لامه، وهذا مخالف للإسلام وغير ذلك كثير، وإذا نظرنا إلى الشريعة الإسلامية رؤية كلية، وحقوقا كاملة للمرأة نلخصها فيما يلي:

أولا: اعترف الإسلام بإنسانية كاملة للمرأة وجعلها والرجل سواء بسواء قال تعالى "يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة" النساء، وقال النبي صلى الله عليه وسلم "النساء شقائق الرجال".

ثانيا: في المجال الاجتماعي فتح لها باب العمل الاجتماعي من جميع جوانبه فالعمل شرف والعمل عبادة وعمل المرأة قد تتماثل فيه مع الرجل كالدعوة والتعليم وأداء التكاليف الشرعية وقد يجري فيه التفاضل فالمرأة أفضل من الرجل في الحضانة والرجل أفضل من المرأة في القوامة.

ثالثا: في المجال الاقتصادي والقانوني: أعطاها الأهلية الكاملة والمساواة الكاملة مع الرجل على مختلف المستويات.

رابعا: في المجال الأسري فقد اعتنى بها قبل الزواج وأعطاها حق اختيار الزوج واشترط موافقة الولي أو علمه عند زواجها لأول مرة ووضع لها من الأحكام ما يكفل لها الاستقرار والمودة والرحمة.

وختاما وبعد التوقيع على الاتفاقية وإلغاء التحفظات التي كانت على بعض بنودها تقول بأن هذا الأمر تم دون الرجوع إلى المرجعيات الشرعية من العلماء المخلصين والمختصين من دائرة قاضي القضاة ودوائر الإفتاء وكلية الشريعة وغيرها من الهيئات الشرعية الرسمية والشعبية وهذا أمر عير مقبول وعلى جميع هذه الهيئات أن تبذل جهودها وتقوم بالدور الحقيقي الذي كلفها الله تعالى به واسأل الله أن يحفظ العباد والبلاد.

 

د. تيسير الفتياني

موقع بوابتي

JoomShaper