سيد صباح بهبهاني
بسم الله الرحمن الرحيم(وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ) التوبة /105
(وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُواْ) الأنعام /132
(لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ) يونس /26
(وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا) الكهف
(وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ) الكهف/ 29(وَلَوْلاَ دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ) البقرة / 251إن ما يخسره الإنسان من ماله وسائر ممتلكاته ومكاسبه يمكن تعويضه، والتوفّر على بدائله، لكن الوقت هو الشيء الذي لا يعوّض ما فات منه، ولا يمكن تداركه، فكل لحظة تمضي لا تعود، وكل يوم ينقضي لا يرجع. فهو رصيد محدود، ورأس مال نادر، بل هو رأس المال الحقيقي للإنسان، فلا بد من الحفاظ عليه، والاستفادة منه بأعلى حد ممكن. وروي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال : وفي الحقيقة فإن الوقت هو الحياة يقول الإمام علي : ويقول: . وقال الشاعر: كل يوم يمر يأخذ بعضي * يورث القلب حسرة ثم يمضي فكل يوم يطوى بساطه، ويقوض خيامه، ويشد رحاله ونحن لازلنا في غفلة تتبعها غفلة .. وحسره يتبعها ندم .
وقال شاعر آخر:
إنا لنفرح بالأيام نقطعها * وكل يوم مضى جزء من العمر وتنبيهاً للإنسان على أهمية الزمن يقسم الله تعالى في القرآن الكريم بالعديد من الفواصل والمحطات الزمنية، كما في الآيات التالية : (وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى) الليل / 1ـ2 (وَالْفَجْرِ وَلَيَالٍ عَشْر)، (وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى) الضحى /1ـ2 . (وَالْعَصْرِ* إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ ) العصر/1 ـ2
هذه النصوص والتعاليم تربي الإنسان على احترام الوقت والاهتمام باستغلاله، وأن يتصرف فيه بمسؤولية وتقدير، ليستطيع تحقيق أكبر قدر من الإنجازات والمكاسب.
فهو مسؤول أمام الله سبحانه وتعالى عن تعامله مع أوقات حياته، عن معاذ بن جبل أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : (( لن تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن أربع خصال: عن عمره فيما أفناه وعن شبابه فيما أبلاه وعن ماله من أين اكتسبه وإلى أي محل صرفه )) الخصال : 253/125 ،تحف العقول :56 ، رواه البزار والطبراني بإسناد صحيح ، والأحاديث كثيرة في هذا الصدد لأن الوقت هو الأساس ويتبعه العمل والعمل يتبعه النية لأنها أساس كل الأعمال ومن كانت أساس عمله النية ،يعرف ثمن الوقت .

وكما يهتم الإنسان باحترام وقته واستثماره، عليه أن يحترم أوقات الآخرين، فلا يكون سبباً في تضييعها وإهدارها بعدم الالتزام في المواعيد، والزيارة في الأوقات غير المناسبة لهم، وإطالة اللقاء والحديث دون فائدة أو غرض .

1ـ ويجب أن نمني حس المسؤولية تجاه الزمن، والحرص على الوقت، باعتبار محدودية عمر الإنسان، وأهمية طموحاته وتطلعاته، وعظيم الطاقات والقدرات التي يختزنها، مما ينبغي أن يحفزه إلى استغلال كل لحظة من وجوده، بأفضل ما يمكن. إن ما يعيشه الإنسان من عمر في هذه الحياة يبدو قصيراً، قياساً إلى عمر الزمن، وإلى آمال الإنسان، ورغبته في الخلود، وهذا ما تعبّر عنه آيات عديدة في القرآن الكريم، تحكي عما يدور في نفس الإنسان تجاه الحياة بعد مغادرتها. يقول تعالى : (قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ ) المؤمنين /112 : (قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلْ الْعَادِّينَ) المؤمنين/113 ويقول تعالى : (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَن لَّمْ يَلْبَثُواْ إِلاَّ سَاعَةً مِّنَ النَّهَارِ ) يونس /45
2ـ فإن الحياة مستويات، كلما كان الإنسان أكثر حركةً ونشاطاً فإن نصيبه من الحياة أكبر، وكلما قل نشاطه وحركتُهُ كان نصيُبهُ من الحياةِ أقل. ونحن نجد أناساً أحياء إلا أنهم في الواقع يعيشون قليلاً من الحياة؛ لأنَّ نشاطهم وحركتهم محدودةٌ ضعيفةٌ. وكم من أناسٍ أحياء ظاهراً، هم في الحقيقة أموات لا حراك لهم ولا نشاط. ولكن الإنسان الواعي هو الذي يُمارس الحركة والنشاط، إلا أن بعض النفوس تُصابُ بمرضِ الكسل، وهو مرضٌ يجعل الإنسان أقل حركةً ونشاطاً، وبالتالي يُسرِع في خروجه من هذه الحياة شيئاً فشيئاً. والكسل مرضٌ خطير، وهو يعني: التّراخي وعدم الرغبةِ في النشاطِ والعمل، ويدعو صاحبه لأن يُقلِل من درجةِ حركتِهِ ونشاطِهِ . وأن هذه بالحقيقة هي أمراض وتنتج في بعض الأحيان مضاعفات عديدة على كل المستويات : :
1ـ المستوى النفسي

كلَّما قلت الحركة والنشاط شعر الإنسان بالفراغِ النفسي، وتسلل إليه الاكتئاب والسأم والملل، بينما النشاط يجعل الإنسان مُتفاعلاً مع الحياةِ مُستمتعاً بها.

وغالباً ما تُهاجمُ الأمراضُ النفسيةِ الأشخاص الذين تَقِّل أعمالهُم ومسؤولياتهُم، ونجد بعض الموظفين نَشِطين فإذّا أصبحوا في مرحلةِ التقاعُد وعاشوا الفراغ، تسللت إليهم العقد والأمراض النفسية.
الإنسان الكسول نفسيتهُ تَفقُد التّفاعُل والاستمتاعُ بالحياة، بينما الإنسان الَنشِط تكون نفسهُ مُتفاعلةً، فهو مشغولٌ بأداءِ عمل، أو ينتظر نتيجةَ عمل.

2ـ المستوى الجسمي
مِن الواضحِ جداً أنَّ الحركة هي التي تحمي صحة الجسم، بينما الخمول والتراخي يُسبب للإنسان الكثيرَ مِن الأمراض.
وفي هذا العصر وفرَت الحضارةَ الحديثة على الإنسان الجُهد إذْ أصبحت الأعمال التي كان يؤديها الإنسان بجُهدٍ عضلي كبير يؤديها بضغطةِ زر، فكل الأشياء أصبحت مُريحةً أمام الإنسان.
لذا على الإنسان أَنْ يبحث عن مجالاتٍ يتحرك من خلالها ولا يستسلم لِحالةِ الخُمول، لأنَّ الخُمولِ وضعف الحركة تُنتِجُ الكثيرَ مِن الأمراضِ الجسميةِ، فأمراضُ القلب والكولسترول والسكر والسمنَّة وما أشبه ذلك، كُلُّها تأتي مِن قِلَّةِ الحركة وضعفِها، لذلك أصبحت برامج الرياضة جزءاً لا يتجزأُ من حياةِ الإنسان المُهتم بصحتِه. بعكس ما كان عليه الإنسان في الماضي، حيث لم يكن هناك حاجةٍ إلى الرياضة لأنَّ الحياة بطبيعتها كانت تستلزم بذل الجهد وحرق الطاقة.

3ـ مثابرة الإنسان في الحياة
كلما كان الإنسان أكثر نشاطاً وحركةً فإنّ موقع المثابرة في الحياة تكون أكبر، اجتماعياً واقتصادياً، وفي مختلف المجالات، أما إذا انخفض مستوى النشاط والحركة تتقلص مواقع الجد والمثابرة ؛ لأن الحركة فيها إنتاجٌ وعطاء بينما القعود والكسل فيه خُمولٌ وجمود. ومن ناحية الآخرة واضحٌ جداً كيف أن ثواب الله لا يُنَال إلا بالعمل، فالثوابُ لا يُنَال بالتمني ، قال سبحانه : (وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُواْ ) الأنعام /132، وكلّ إنسان درجته في الدنيا وفي الجنة تكون بمقدارِ عملِهِ ونشاطهِ، لذلك على الإنسان أنْ يُطالِب نفسه بالمزيدِ ِمن الحركةِ والنشاط. صحيحٌ أنّ الإنسان بحاجةٍ إلى الراحةِ لكن الراحة الجسمية وسيلةٌ للعمل، فالإنسان يستريح حتى يستعيد نشاطه، وليس الراحة هدفاً بحدّ ذاتها، كما يظن البعض من الناس الذين يفهمون الراحة بشكلٍ خاطئ، فالراحة لا تعني أنْ يجلُس الإنسان مُترهلاً بلا عمل! هذه ليست راحة إنها العناء بعينه، والراحةُ الحقيقية ممارسةُ العمل والنشاط .

4ـ أدراك ثقافة الحركة ومدى خدمة النشاط لعجلة الزمن
النشاطُ والحركة يحتاجانِ إلى ثقافةٍ دافعة، وإلى تربيةٍ تُعَدّ لهُ، وإلى بيئةٍ تدفعُ باتجاهه، ونجد في هذا الصدد أن بعض الأفراد والمُجتمعات تسودُهَا ثقافةُ العمل والنشاط، لديها التشجيع على العمل، والحضُّ والتحفيز عليه، وعرض إنجازات العاملين، والتباهي والتنافس في العمل، وهذه ثقافةٌ دافعةٌ.بينما نجد بعض المجتمعات، تفتقر لمثلُ هذه الثقافةُ، بل قد تسودها ثقافة تدعو للتقاعس والكسل، والفهم الخاطئ للراحة. وهنا يأتي دور العائلة في تربية أبنائها على النشاطِ والحركة وليس على التراخي والكسل، فبعض العوائل وكنوع من التدليل والإراحةُ المُبالغ فيها للأولاد، فإنهم لا يُكلِّفون الولد بأيِّ شيءٍ في ترتيبِ حياته، وهذا خطاٌ تربوي كبير، وللبيئةِ دورٌ هامٌ، فإذا أصبح الإنسان ضمنَ فئةٍ أو مجموعةٍ غير مُبالية للعمل فإن العدوى ستنتقل إليه. ومن أهم الأسباب والعادات التي تُنّمي حالة الكسل كثرةُ الأكلِ وخاصةً الأكلاتُ الدسِمّة، فإذا امتلأت المعدة نامت الفكرة، فكثرةُ النوم وكثرةُ الأكل والفهمُ الخطأ للراحة كلُّ هذه أمورٌ تُنمّي عند الإنسان حالة الكسلِ. وأميرُ المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام يقول : ((عليك بإدمانِ العملِ في النشاطِ والكسلِ))، وفي وصايا رسول الله صلى الله عليه وآله لأميرِ المؤمنين علي عليه السلام : (يا علي إياكَ وخِصلتين: الضجَّر والكسل، فإنّك إنْ ضجرتَ لمْ تصبُر على حقٍ وإنْ كسلتَ لم تؤدِ حقاً)، فكُلّ لحظةٍ من اللحظاتِ تستطيع أنْ تبلُغَ بها مقاماً كبيراً عند الله تعالى، نسأل الله أنْ يوفقنا وإياكُم لاستثمار حياتنا والاستفادةَ من لحظاتِ وجودِنا.

5ـ العمل وتنمية الذات لخدمة الآخرين
التعاليم الإلهية جاءت لترشد الإنسان إلى طريق سعادته، وتعرفه كيف يخدم ذاته؟ فهو يحب ذاته ويريد مصلحتها، إلا أن نظرته غالباً ما تكون قصيرة ومشوشة، فلا يعرف كل مضان مصالحه. وغالباً ما يفضل المصالح العاجلة وإن قلّت على المصالح الآجلة، ومن تلك الآفاق التي تفتحها الرسالات الإلهية وتؤكد عليها أمام الإنسان إرشاده إلى أن خدمته للآخرين هي خدمة لذاته، ذلك أن الإنسان بقصر نظره يتصور أن منفعته ومصالحه هي تلك التي ترتبط بذاته مباشرة. في حين أن الرسالات الإلهية تنبه الإنسان أن خدمته للآخرين هي طريق أفضل لخدمته لذاته .
فالإحسان الذي تقدمه للآخرين هو في الواقع يعود عليك أنت بالنفع، فلا تتوهم أنه صرفٌ من جهدك ومالك ومصلحتك للغير، وإنما هو لك أنت شخصياً. وآيات كثيرة في القرآن الكريم تؤكد هذا المضمون، يقول سبحانه : (لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ) يونس /26 فحينما تحسن الحسنى تكون لك، وإن كان من حيث الظاهر ترى أنك أحسنت للآخرين أما الواقع فأنت أحسنت لنفسك وبزيادة ربحية كبيرة .

6ـ تهيئة مؤسسات اجتماعية قوية لخدمة الجامعة
إن وجود مؤسسات تهتم بالشأن العام وتهتم بحوائج الناس وقضاياهم أمر مهم، ومع الأسف فإن المشاركة في هذه المؤسسات لا تزال ضعيفة محدودة، فالروح التطوعية وروح العمل الجمعي تحتاج إلى تنمية في مجتمعاتنا، والعمل التطوعي ينعكس على نفس الإنسان وأجلى مصداقيته الأمور التي تعين الآخرين لشدهم لهذا الملاذ الصادق في خدمة البشر وهي الأمور التالية :

الراحة النفسية، حيث أن الإنسان الذي يساعد الآخرين ويعينهم ويتطوع من أجلهم يشعر براحة في أعماق نفسه، لا تشبهها أية راحة تأتي من الملذات الأخرى، ثم الثواب العظيم عند الله تعالى، وإلى جانب ذلك توفيق الله سبحانه وتعالى لهذا الإنسان، وهذا ما تؤكد عليه الآيات الكريمة والأحاديث والروايات، بأن من أعطى فإن الله تعالى سيخلفه ويعوضه بأكثر مما أعطى، وهناك أيضاً كسب الخبرة الاجتماعية وصقل المواهب والقدرات وكسب المكانة الاجتماعية والانتماء إلى المجتمع القوي.. وأود أن أوجّه الخطاب لشريحتين مهمّتين في المجتمع، هما: شريحة الشباب: لأن مرحلة الشباب هي مرحلة العطاء، ومرحلة القوة والقدرة، وشريحة المتقاعدين: وهؤلاء بما يمتلكون من خبرة حياتية واجتماعية عليهم أن يوظّفوها في خدمة المجتمع، لا أن يركنوا للراحة والدعة، وإنما العمل هو أساس الراحة .
وأن من المستحبات إشاعة فعل الخير وصنع المعروف والتزام العادات الحميدة في المجتمع المسلم وبين أفراد الجماعات من المؤمنين ، ودلالتهم عليها وترغيبهم فأن ( كل معروف صدقة ، والدال على الخير كفاعله) كما يقول خير الثقلين رسول الله صلى الله عليه وآله في الحديث الشريف ، وأن ( فاعل الخير خير منه وفاعل الشر شر منه) ، وأن ( من يعط باليد القصيرة يعط باليد الطويلة) كما يقول أمير المؤمنين عليه السلام في بعض كلماته المأثورة ، ( وأن من بقاء المسلمين وبقاء الإسلام أن تصير الأموال عند من يعرف فيها الحق ويصنع المعروف ، وأن فناء الإسلام وفناء المسلمين أن تصير الأموال في أيد من لا يعرف فيها الحق ولا يصنع فيها المعروف ) كما قال الإمام أبي عبد الله الثاني عليه السلام : ( من صنع إليه معروف فعليه أن يكافئ به ، وليست المكافأة أن يصنع كما صنع به ، بل يرى مع فعله لذلك أن له الفضل المبتدأ) وفي رواية أخرى : ( وليس المكافأة أن يصنع كما صنع به حتى يربى عليه ، فأن صنعت كما صنع كان له الفضل بالابتداء ) وعن الرسول صلى الله عليه وآله : ( من سألكم بالله فأعطوه ، ومن آتاكم معروفاً فكافئوه ، وأن لم تجدوا ما تكافئونه فادعوا الله له حتى تظنوا أنكم قد كافأتموه ).
ورد عن الإمام الباقر أنه قال: (لأن أعول أهل بيت من المسلمين أسد جوعتهم وأكسو عورتهم فأكف وجوههم عن الناس أحب إليَّ من أن أحج حجة وحجة وحجة ومثلها ومثلها حتى بلغ عشراً ومثلها ومثلها حتى بلغ السبعين ). وعن الإمام الصادق عليه السلام : ( رأيت المعروف لا يتم إلا بثلاث : تصغيره وستره وتعجيله ، فانك إذا صغرته عظمته عند من تصنعه إليه ، وإذا سترته تممته، وإذا عجلته هنأته ، وإذا كان غير ذلك سخفته ونكدته). وأنا لا أشجع الناس على التسول لذكر هذه الأحاديث ، ولكن نشر الجواهر والحكم الإسلامية أن أراد الرجل أن يفعل لأخيه خيراً أو يصنع له معروفاً مستحباً ، فلا ينبغي له أن يبذل له من المال أو غيره ما تكون مضرته على الباذل أكثر منفعته للمبذول له ، ففي الحديث عن الأئمة الأطهار عليهم السلام : ( ولا تدخل في شئ مضرته عليك أعظم من منفعته لأخيك) وفي خبر آخر : ( ولا تعط أخاك من نفسك ما مضرته لك أكثر من منفعته له) . ومن أمثلة ذلك : مساعدة اليتامى والأرامل وعابر السبيل والفقراء المتعففين أو يكون دين على أخيه ،فيدفع له من ماله مبلغاً ليسدد به دينه أو يوفي قسطاً منه ، ويكون ضرر ذلك بحال دافع المبلغ أكبر وأبلغ من منفعته لأخيه المدين لفقر الدافع وضيق ما في يده ، ومن أمثلته : أن يكون له على أخيه بعض الحقوق اللازمة ، فيسقط حقه عن أخيه ويصيب الباذل بسبب إسقاطه للحق ضرر أشد من نفع أخيه ، أو يقوم له بعمل كذلك. ومن المعروف المستحب المؤكد للرجل أن يقرض أخاه المؤمن عند حاجته إلى القرض ، وقد روي عن الإمام الصادق عليه السلام : ( ما من مؤمن أقرض مؤمناً يلتمس به وجه الله إلا حسب له أجره بحساب الصدقة حتى يرجع إليه ماله) وعن رسول الله صلى الله عليه وآله : ( الصدقة بعشرة ، والقرض بثمانية عشر، وصلة الأخوان بعشرين ، وصلة الرحم بأربعة وعشرين). وبعد أن عرفنا ما لنا وما علينا يجب على المكلف إذا أنعم الله عليه بنعمائه في الدنيا ، أن يشكر المنعم العظيم على ما آتاه ويعترف له بالفضل . ومن المستحسن أن نهيئ مؤسسات خيرية لهذا الشأن وندعم به الوطن والمواطن حتى لا يسقط المحتاج في الهاوية وهو لا يشعر.
7ـ الحرية الدينية من الحقوق الأساسية
وهذه الحادثة تنسجم مع مبادئ الإسلام والقرآن الذي يقول : (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) البقرة /256 ، وفي آية أخرى : (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ ) الكافرون /6 ويقول سبحانه أيضاً : (أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ) يونس /99 فمبادئ القرآن كلها تؤكد على الحرية الدينة ، وأنالإنسان حر في معتقداته الدينية وفي ممارساته وشعائره العبادية، بل إن الحرية الدينية هي من أهم الحريات عند الإنسان، لأن التدين في أعماق نفس الإنسان وحينما يمنع من ممارسة تدينه وشعائره الدينية فإنما تصادر حرية من أهم حرياته، وحق من أهم حقوقه الإنسانية.
وفي تشريعات الإسلام أن أتباع الديانات الأخرى لهم الحرية في أماكن عباداتهم: كنائسهم، بيعهم، ومعابدهم. ولا يصح التضييق عليهم ولا منعهم من ممارسة حريتهم الدينية فذلك لون من ألوان الظلم وقد توعد رسول الله بقوله : (من آذى ذميّاً فأنا خصمه) و(من ظلم معاهداً كنت خصمه). فالشـريعة الإسلامية تؤكد أن مصادرة الحريّات الدينية من أبرز ألوان الظلم والأذى، وجاء في السيرة النبوية أن رسول الله كتب إلى أسقف نجران رسالة يلتزم فيها للمسيحيين بحماية معابدهم وحريتهم الدينية، جاء فيها :
(بسم الله الرحمن الرحيم من محمد النبي للأسقف أبي الحارث وكل أساقفة نجران، وكهنتهم، ورهبانهم، و كل ما تحت أيديهم من قليل وكثير، جوار الله ورسوله، لا يغير أسقف من أسقفته، ولا راهب من رهبانيته، ولا كاهن من كهانته، ولا يغير حق من حقوقهم، ولا سلطانهم، ولا ما كانوا عليه من ذلك، جوار الله ورسوله أبداً ما أصلحوا ونصحوا عليهم غير مبتلين بظلم ولا ظالمين)، وكذلك خلفاء المسلمين الأوائل ساروا على نفس النهج، ومن ذلك عهد الخليفة عمر بن الخطاب إلى أهل إيلياء ـ القدس : (أعطاهم أمانا لأنفسهم وأموالهم وكنائسهم وصلبانهم وسائر ملتهم، لا تسكن كنائسهم، ولا تهدمنّ ولا ينتقص منها، ولا من حيزاها، ولا من صليبها، ولا يكرهون على دينهم، ولا يضار أحد منهم).
وقد ذكر الفقهاء، أن اليهودي إذا كان يعتقد حرمة العمل يوم السبت فلا يصح للمسلمين أن يجبروه على العمل يوم السبت. وأن المسيحي إذا كان في بلاد المسلمين وكان من دينه الالتزام بالذهاب إلى الكنيسة في يوم الأحد فلا يصح منعه عن ذلك.

JoomShaper