لقد شاهـدتُ المقطع الذي تحدّث الأسير شليط من خلاله ،، وذرفـتُ دمعـة ً حاولـتُ إخـفـاءها !!.. فقد بدا صوته مهزوزًا ومهزومـًا ومرتجفـًا من شدّة الخوف والاضطراب ..لم أفكّر إلاّ بمشاعر الأمّهات ،، أمّهات الأسرى في أنحاء العالم على اختلاف أطيافهم وألوانهم وجنسياتهم ودياناتهم .فالإنسان هو الإنسان وإن اختلف لونه  أو اختلفت عقيدته .

ممّا لا شكّ فيه أنّهم  بارعونَ في التّعبير عن عواطفهم وفي تأجيج مشاعر العطف والشّفقة في نفوسنا ،، وفي تطويع مشاعر العالم للالتفاف حولهم !! ..لقد نجحوا ـ في هذا المقطع البسيط ـ في أن يؤثّروا على عواطف الآخرين !!
هم بارعون ـ أيضًا ـ  في استعمال هذه الآلة المسمّاة الكاميرا وتطويعها لصالحهم في التعبير عن مشاعرهم  وفي توصيل رسالتهم ـ وإن كانت كاذبة ومزيّفة ـ لاستمالة العالم لصالحهم !!
أمّا نحن ففاشلون في التعبير عن عواطفنا وفي التّعبير عن جراحنا وأحزاننا وويلاتنا،، رغمَ أنّ جراحنا وويلاتنا ومآسينا تفوق مآسيهم أضعافـًا.. فلا مجال للمقارنة  ولا وقت لدينا للانشغال بتحليل عواطف شخص أسير يُحاولون ـ بشتّى الطرق ـ تحريره !!..
المضحك المبكي في الأمر ،، أنّ أكثر الأسيرات قد اقترب موعد تحريرهنّ ..ممّا يؤكّد الخبثَ الذي يتميّزون به !! ..إنّ  أكثر ما شدّني بعدَ تحرير الأسيرات ،،هو توجّه بعضهنّ لزيارة ضريح  الرئيس السابق ياسر عرفات ،،
وقد عبّرت  أحداهنَّ عن شكرها لـ " الأب الحنون " ، محمود عبّاس ، الأمر الذي يؤكّد مدى جهلهنّ بما يجري على السّاحة الفلسطينيّة ،، من تفرقة وتشرذم وتجزئة للنضال الفلسطينيّ ،، وانقسامات و حركات وأحزاب واقتتال على المناصب والكراسي وقتل الأخوة لبعضهم البعض ،، وجهلهنّ بـتخاذل وتواطؤ "أبو مازن " مع الأعداء !! ..يبدو لي أنّ خيبة آمالهن ستكون كبيرة ،، وستكون الصّفعة قاسية عليهنّ ،، بعدَ أن بيع الوطن ،،وانتهكت حرمات الأقصى ومقدّسات القدس  بينما هنّ قد ضحّينَ بأجمل أياّم حياتهنّ  من أجل تحرير الوطن وفي الدفاع عنه  !!
أمّا الرئيس عباس فقلق من إمكانية نجاح صفقة شاليط خوفاً من زيادة شعبية "حماس" !!!..أهذا ما يخيف عباس وما يثير اهتمامه وما يشغل باله وما يقلق نومه وما يقضّ مضجعه ؟؟؟ ..أمصالحه الشخصية الدنيوية  أهمّ من الأسرى ومن مآسيهم  وأحزانهم وحريّاتهم ؟!!! ..ألا يخجل الرئيس عباس على نفسه حينما يصرّح هذه التصريحات التي تدلّ على أنانيّة منقطعة النظير وعلى وقاحة ما بعدها وقاحة؟!
أمّا عن المقارنة بين أسير واحد ومئات الأسرى الفلسطينيين ،، فلا مجال للمقارنة .. فالجيوش والموارد وأساليب القتال غير متكافئة! ..فقد قتلوا المئات بطياراتهم النفّاثة ،،  وبأسلحتهم المحرّم استعمالها دوليًا .. فكيف سنقارن صاروخـًا يدويًا بسلاح  فتّاك  كالفسفور الذي يأكل الأخضر واليابس !!..فالصاروخ إن أصاب الهدف فسيقتـلُ  شخصـًا ،، أو سيهدم سقفـًا .. أمّا أسلحتهم الفتّاكة  فستهدم البيوت على رؤوس أصحابها !! وكيف نقارن شعبـًا يرسخ تحت نير الاحتلال  ، يقاوم بكلّ ما لديه من طاقات وإمكانيات ،،  بدولة تـُعدّ إمكانياتها وأسلحتها من أقوى الأسلحة  العالميّة !.. وكيف سنقارن من يقاوم بجسده ،، بمن يحارب  من خلف دبّـابة تحمل أحدث المعدّات الوقائيّة وعلى  أحدث طراز عالمي !!!
أقدّر عاليـًا محاولات بعض الجهات المسؤولة  تحرير الأسرى الفلسطينيين بكل ما لديهم من وسائل محدودة . لكنّ هنالكَ تساؤلات تطرح نفسها  : لماذا لا توجد جهات مسؤولة تأخذ زمام الإعلان عن معاناة الشّعب الفلسطيني بيدها ؟؟ ،، ولماذا لا يقوم الفلسطينيّون  بمساهمات عديدة  وبمحاولات إعلانيّة في أرجاء  العالم مبرزين  فيها ما يعانيه الأسير وما يعانيه ذووه من حرمان ولهفة واشتياق لرؤيته ؟؟.. ولماذا لا تـظهر الجهات الفلسطينيّة  معاناة أطفال الأسرى  وزوجاتهم ؟؟ وتبيِّن الظلم والإجحاف والحرمان الذي يعانيه الطّفل الفلسطينيّ والمرأة الفلسطينيّة ،،  بينما الطفل الإسرائيليّ مـُحاط بالباحثين الاجتماعيين وبالعاملين النفسيين !!
أمّا عن مشهد أصغر أسير في العالم  فيبقى  المشهد الأكثر تأثيرًا !!..وستبقى عيناه الأجمل والأبهى والأنقى والأكثر شفافية وصدقـًا !!.. فبراءة عينيه وضحكته الصّادقة تقول للعالم : نحنُ أحرارُ برغم الأسر ..نحنُ أحرارُ برغم الظـّلم والحصار !!! 

سامية عثمان

 

JoomShaper